4
شردت نور بينما تمشط شعر ابنها، تسللت إلى رأسها ذكرى من الماضي البعيد، كان أحدهم يمشط شعرها برفق، و يغني لها أغنية أطفال مألوفة، تردد إلى مسامعها صوته و هو يقول
" لا تنزعي ربطة الشعر مجددا، و إلا سنتخاصم "
إلتفتت إليه لتقول بسعادة
" سأخبر صديقاتي بأن شقيقي مصفف شعر بارع "
ليربت على رأسها و تختفي الذكرى بعيدا
إبتسمت بمرارة، كيف فقدت حياتها السكينة بين ليلة و ضحاها ؟!
إنتبهت إلى انزعاج أنور من تأخرها بمشط شعره، و في تلك اللحظة بالذات تذكرت أنها نسيت الحليب على الموقد، لكن لسوء حظها كان قد فات الأوان بعد ركضها إلى المطبخ، هي تعاني كثيرا من النسيان مؤخرا، و أحيانا تخشى أن يؤذي ذلك طفلها بشكل ما.
لقد كانت نور الثالثة بعد أخويها، فكانت علاقتها بهما رائعة، إذ كانا يحرصان دوما على إسعادها و إرضائها، و هي بدورها كانت تهتم بهما، و تعد لهما ما اشتهيا من الطعام، كانت موهوبة في الطبخ، فقد انقطعت عن الدراسة بعد المرحلة الابتدائية، فكانت تقضي أغلب وقتها إن لم يكن كله في المطبخ. كان حلمها أن تصبح طباخة ناجحة، لكن زواجها الإجباري حطم كل ما تحلم به، قلب كل حياتها، فقدت عائلتها، فقدت علاقتها الجميلة بأخويها، و الأسوأ من ذلك أنها لم تجد بعد عائلتها أي شخص بوسعها الاستناد عليه. الخيبة التي تأتي من العائلة لا تنسى، و لا يمكن تجاوزها، تظل ندبة في قلب الشخص للأبد، و عند أي موقف مشابه تشعر بالألم ذاته الذي اجتاحك أول مرة، حين تتخلى عنك العائلة، مهما امتدت إليك من أيدٍ لا تستطيع الوثوق بها، و تظل طفلا جريحا للأبد، تظل عند المحطة التي تركوك بها، لا أنت تستطيع المضي قدما، و لا هم بوسعهم تعويضك عن ما شعرت به من سوء، و الأسوأ أنك تظل في صراع دائم مع نفسك عاجزا عن المغفرة لهم. لم تستطع نور أن تسامح عائلتها، جاهدت لتفعل، لكن بدا لها ذنبهم أكبر من أن تستطيع أن تغض الطرف عنه. بعد أن هجرها زوجها عانت الأمرّين باحثة عن عمل، و ما كان يزيح عنها ثقل تلك الأيام هو شعور الأمومة، شعورها بأن شخصا آخر يستند عليها، و بأن عليها أن تكون عند حسن ظنه، أن تحميه و لا تجعله يفتقد لأي شيء، لم يكن ذلك سهلا لكنها كانت أقوى مما اعتقدت، و الصبر الذي اعتقدت أنه سينفذ في أول يوم تعتمد فيه على نفسها، تضاعف و نما و تجدد، قاومت و حاربت كثيرا. إلى أن التقت شهاب فما كان عليها أن تحارب بعده، فقد دخل حياتها كملاك يريد مكافأتها على صمودها، وقف بجانبها حين لم يكن أحد كذلك، أنقذ حياتها، وظفها، و لم تطلب منه شيئا إلا و لباه لها، كانت تتساءل دوما عن كيف عجز من حوله عن رؤية طيبة قلبه، ربما لو تعرفوا عليه عن كثب ما كان ليصبح وحيدا كذلك.
Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top