3
بعد ثلاث سنوات من اختفاء شهاب ..
إستيقظت نور فزعة من نومها، كان كابوسا آخر، تسلل إلى ذهنها مجددا، رأت نفسها في المنام باجتماع عائلي، كان هنالك العديد من الأشخاص، جالسين حول مائدة طعام طويلة، أصوات مختلطة، حديث و أصوات ضحكات مرتفعة، لينضم إليهم رجل طويل القامة، نحيل، ببذلة رسمية سوداء، رحب به الجميع عداها، كانت متوترة من وجوده، كانت خائفة، كان ذلك آخر ما رأته قبل أن تستيقظ، و رغم استيقاظها إلا أن ذلك الشعور بالضيق لم يفارقها، بل عكّر صفو يومها، أزعجتها عدم قدرتها على رؤية وجهه، تابعت نشاطها اليومي كالعادة، إلا أن ذلك الكابوس ظل غصة في حلقها.
تذكرت بأن عليها المرور بمنزل شهاب فقد كلفتها زوجة والده بأن تنظف ذلك المنزل مرة كل أسبوع، كلما دخلت ذلك المنزل كان يراودها ذلك الشعور بأنه قد يفتح المنزل في أية لحظة، و أن يقول بنبرته الهادئة الكئيبة
" إن كان الطعام جاهزا فضعيه على المائدة سأغير ثيابي و أعود لأتناوله "
عرفت بعد غيابه بأنه كان قد أقام خطبته مع إحدى قريباته، و بأنهما كانا يحضران لحفل الزفاف، لكنها لا تذكر أنها كانت تراه سعيدا في تلك الفترة، تساءلت بداخلها : " ألا يفترض أن يكون الشخص سعيدا بأن يتقاسم بقية حياته مع شخص آخر ؟! خاصة شخص كئيب مثل شهاب ألا يفترض أن يكون سعيدا أنه سيهزم وحدته أخيرا ؟! ".
بينما كانت منهمكة بتنظيف الغرفة لاحظت وجود الحبوب المنومة التي كانت قد ابتاعتها له، كانت العلبة ما تزال مغلقة، أي لم يستعملها أبدا، تذكرت ما قاله قبل اختفائه لبضعة أشهر
" شكرا سيدة نور، لقد بدأت أنام جيدا أخيرا، أعتقد أن الحبوب المنومة قد أجدت نفعا "
إستغربت من ذلك، لم يكن مجبرا على أن يكذب بشأن ذلك، فهو من أخبرها عن معاناته من الأرق. أعادت علبة المنوم لمكانها، و غادرت المنزل بعد أن نظفت الغبار، لكنها لم تتخطى مسألة المنوم.
عادت للمنزل منهكة بعد يوم طويل من العمل و التسوق، تذكرت بأن تأخذ حلوى الفراولة لابنها، فهو يحبها كثيرا، تماما مثلها حين كانت طفلة، هي لا تتذكر الكثير عن طفولتها و لا عن مراهقتها، و آخر مرة رأت فيها عائلتها كانت يوم زفافها، إذ أرغموها على الزواج، فأقسمت أن لا تريهم وجهها مجددا، لم يكن طليقها شخصا سيئا، لكنه كان مرغما مثلها على ذلك الزواج، كان رجلا غريبا يستحيل فهمه، يعاملها كشخص غير مرئي، هي لا تتذكر نبرة صوته حتى، فقد كان صامتا طوال الوقت، حتى حين كان يشاهد مباريات كرة القدم لم يكن يبدي أية ردة فعل، لذلك هي لم تفهم يوما أي فريق يشجع، هي حتى لا تعرف رأيه في الطعام الذي تعدّه له، فقد كان يتناول كل ما تحضره، لم يتذمر يوما و لم يبدي إعجابه كذلك، كان يتناوله فحسب، كأن لا خيار آخر لديه. كانا كالمحكومين بالبقاء معا، فلا أحد اعترض على الحكم أو تمرد، بل قبلا به فحسب و حاول كل منهما أن يؤدي واجبه دون أن يزعج الآخر أو يؤذيه.
Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top