الفصل الحادي عشر: الفتى الكسول (part 1)
بالنسبة ليوم صيفي من أيام شهر أغسطس، كان هذا اليوم منعشاً ودافئاً على غير العادة.
ولأن الشمس لم تكن حارة كالأيام الماضية، امتلأت تلك الحديقة بأولئك الأطفال الذين أخذوا يلعبون هنا وهناك. على الأرجوحة، في صندوق الرمل، وعلى ذلك العشب الأخضر الذي غطى أغلب أجزاء الحديقة..
أخذ ذلك الطفل يطارد كرته الصغيرة التي أخذت تتدحرج أمامه بسرعة. ولما انحنى لكي يلتقطها، توقف ما إن رأى تلك القدم الصغيرة التي أوقفت كرته وهي تضغط عليها بقوة...
رفع بصره ببطء نحو ذلك الفتى السمين الواقف أمامه رفقة ثلاثة أولاد آخرين، وقد اعتلت وجوههم نظرات خبيثة وهم يرمقون ذلك المسكين الذي انزوى على نفسه من الخوف، في حين يدرك جيداً ما هو قادم..
تحدث ذلك السمين باستهزاء، والذي بدا واضحاً أنه قائد عصابة المتنمرين الصغيرة تلك: كان عليك أن تخبرنا أنك تريد اللعب بالكرة...كنا سنعلب معك..
ثم سكت قليلاً ليردف ببطء، وعلى وجهه ابتسامة دنيئة: هارفي...
انتفض هارفي بخوف وهو يدرك جيداً المعنى وراء نبرته تلك.
ما إن رأى الأربعة تعابيره الخائفة، حتى اتسعت ابتسامتهم الخبيثة في حين اقتربوا منه ببطء..
في تلك اللحظة، صاح ذلك الصوت من خلف الفتى هارفي لما قال بنبرة غاضبة: لوغان! متى تتوقف أنت وكلابك عن مضايقة الأطفال الآخرين هكذا؟
نظر لوغان بملل إلى ذلك الفتى الواقف على مقربة منهم، وقد كان ينظر إليهم في غضب، في حين يضغط على قبضته بقوة محاولاً تمالك أعصابه..
قال ببرود دون أن يهتم لوجوده حقاً: لويس، ألم تتعلم درسك بعد؟ متى تتوقف عن حشر أنفك فيما لا يعينك؟
ثم نظر إلى الكرة قليلاً، لترتسم على وجهه ابتسامة خبيثة قبل أن يركلها بكل قوته على وجه هارفي الذي سقط أرضاً على مؤخرته، في حين وضع كلتا يديه على أنفه الذي شعر كما لو أنه تحطم بفعل تلك الضربة..
كان هارفي يقاوم دموعه بصعوبة، وهو يعلم جيداً أن البكاء الآن لن يزيد الأمر إلا سوءاً!
في تلك اللحظة، كان لويس يشتعل غيظاً حقاً. ركض نحو لوغان ليكلمه على وجهه بكل قوته ثم يصيح به قائلاً بغضب عارم: كيف تجرؤ على فعل ذلك أيها الحقير!!
.
.
.
.
.
كان لويس متكئاً على العشب بينما ينظر إلى تلك السماء الصافية في صمت..
وجهه قد تورم من الكدمات، عينه قد ازرقّت جراء تلك اللكمة التي تلقاها قبل قليل، وقد كان هناك دم جاف قد نزف من أنفه وفمه..
لكنه شعر بظل فوقه فجأة، ليغطي منظر السماء أمامه وجه ذلك الفتى الذي انحنى نحوه ليقول بملل كالعادة: ألم تتعب من تكرار نفس الأمر في كل مرة؟ لماذا قمت بمهاجمتهم وأنت تعلم أنك لن تصمد أمامهم لدقيقة؟
قال هذا ليبتعد عنه قليلاً، ويتابع النظر إليه بملل..
كان قد ثنى ركبتيه خلف جسد لويس الممدود على الأرض، في حين وضع كلتا يديه على ركبتيه.
مد له منديلاً مبللاً ليردف قائلاً بنفس نبرته الخاملة تلك: امسح فمك وأنفك. إن منظرك يبدو مزرياً حقاً...سوف تصاب الخالة ماتيلدا بسكتة قلبية عندما تراك.
جلس لويس على العشب، ليستدير نحو ذلك الفتى ويقول باستياء: ذلك ليس صحيحاً إيثان، لقد قمت بضربهم أنا أيضاً هذه المرة!
علق إيثان على كلامه بسخرية لاذعة: أتقصد لكمة الفتيات التي وجهتها للوغان؟
تفاجأ لويس لما سمع كلامه وهتف قائلاً بصدمة: هل رأيت ما حدث؟!
حرك إيثان كتفيه بلامبالاة وقال ببرود: بالطبع. لقد كنت جالساً تحت الشجرة بينما أقرأ في كتابي بسلام وهدوء. ولكن بفضل أحدهم، تحولت هذه الحديقة إلى ساحة شجار..
زم لويس شفتيه باستياء وتذمر قائلاً: كان عليك أن تساعدني بما أنك كنت هناك حينها!
فنظر إليه إيثان كما لو كان قد فقد عقله، ليقول مستنكراً ببرود: ولم علي أن أتعب نفسي وأدخل في ذلك الشجار السخيف؟
رد لويس بضيق، بينما يقبض يده بغضب شديد: ألا تشعر بالغضب بسبب تصرفات ذلك الحقير لوغان وجماعته؟ ليس من العدل أن يتصرف كما لو أنه يملك كل شيء، فقط لأن والده جنرال في الجيش!
لم يبدو أن كلام لويس قد أثر في إيثان على الإطلاق، فقد قال وهو ينظر إليه بملل: ذلك لا يهمني حقاً. سيكون من المتعب الوقوف في وجهه، ولا أريد أن أضيّع طاقتي في فعل شيء لا أهمية له..
فهتف لويس معترضاً على كلامه: كيف يمكنك أن تكون بهذا البرود إيثان؟! ألا تغضبك تصرفاته أبداً؟ يجب علينا الوقوف في وجهه من أجل أولئك الأطفال المظلومين الذين يقوم بالتنمر عليهم دائماً! خصوصاً أنت إيثان، إن والديك مسؤولان مهمان في الحكومة، لذلك سيخاف منك بالتأكيد!
تنهد إيثان بملل ثم قال مغيراً الموضوع: آه أجل أجل...دعنا من هذا الآن. فلتنهض وتنظف وجهك. سوف أخبر أمي أن تعطيك بعد الثلج حتى يخف التورم. لا يجب أن تراك الخالة ماتيلدا بهذا الشكل المزري...
لم يرد لويس على كلامه وقد بدا أنه يفكر في شيء ما بعمق. لكنه قال فجأة بجدية: لقد قررت!
نظر إليه إيثان بحيرة دون أن يفهم ما الذي حدث له فجأة.
لكن لويس تابع حديثه قائلاً بإصرار شديد: عندما أكبر، سوف أصبح جندياً وأصل إلى درجات عالية في الحكومة حتى أتمكن من حماية الضعفاء أمثال هارفي، وأمنع الحثالة مثل لوغان من استخدام مكانتهم كعذر لفعل ما يشاؤونه لمن هم أقل منهم!
نظر إليه إيثان لبعض الوقت بانزعاج. لكنه تنهد بعمق، ثم قال وهو ينظر إليه بشبح ابتسامة على شفتيه: حسناً. في تلك الحالة، أظن أن علي أن أصبح مسؤولا في الحكومة أنا أيضاً. لا يمكنني أن أضمن أنك لن تسبب المشاكل إذا ما بقيت وحدك.
فنظر إليه لويس وقال بحماس: إذا لنفعل ذلك إيثان! دعنا نصبح مسؤولين في الحكومة، ونساعد أولئك الذي يعانون بسبب الأوغاد أمثال لوغان!
ثم مد خنصره له وقال بابتسامة عريضة: لنجعله وعداً بيننا. يوماً ما سنقف أنا وأنت معاً لنصبح أروع مسؤولين حكوميين عرفتهما رونايدا على الإطلاق!َ سنحارب المجرمين خارج الأسوار، وسنساعد كل من يحتاج إلينا!
حرك إيثان رأسه بيأس من حماس صديقه الطفولي، لكنه عقد خنصريهما معاً ليقول بهدوء: أجل...لنفعل ذلك...
.
.
.
.
.
.
فتح عينيه ببطء لينظر إلى ذلك السقف الأبيض أمامه. كانت أشعة الشمس قد تسللت عبر تلك النافذة النصف مفتوحة لتضفئ جواً دافئاً على تلك الغرفة الصغيرة التي احتوت فقط على سرير واحد، وخزانة ملابس قديمة.
جلس على سريره ثم نظر إلى تلك الصورة القديمة ذات الإطار الخشبي، والتي وضعها على تلك الطاولة الصغيرة إلى جانب سريره.
حمل تلك الصورة، ثم أخذ يتأملها بصمت. كانت صورة لطفلين واقفين إلى جانب بعضهما أمام ما بدا واضحاً أنها بوابة مدرسة. أحدهما كان يبتسم بحماس، بينما بدا الخمول والضجر على وجه الآخر، وهو ينظر إلى الكاميرا بعينيه الزرقاوين الذابلتين دون أن يبدي أي اهتمام على الإطلاق.
ابتسم بحنين وهو يمرر أصابعه على وجه ذلك الفتى الضجر دائماً. لم يكن يتوقع أبداً أن يحلم بهذه الذكرى التي جمعتهما قبل سنوات عديدة. لا يمكنه أن ينسى أبداً ذلك العهد بينهما. ذلك العهد الذي لم يكتب له أن يتحقق أبداً.
تكلم بحزن وهو يخاطب تلك الصورة بين يديه: لقد صرت جندياً برتبة عريف في الجيش، وها أنا أحاول أن أرفع مكانتي في الحكومة شيئاً فشيئاً، لكنك لم تكن موجوداً هناك من أجلي حتى تبعدني عن المشاكل كما وعدتني إيثان.
ثم ضغط على أسنانه وهو يحاول كبت شعوره بالألم بصعوبة، ليردف قائلاً بغصة: لقد اختفيت وتركتني وحيداً. أين أنت الآن؟ هل ما زلت حياً؟ هل ما تزال تتذكر وعدنا؟ بل....هل ما تزال تتذكرني؟! لقد مضى خمسة عشر عاماً إيثان، لكنك لم تظهر أبداً. هل حقاً قام أولئك المجرمون بقتلك أنت أيضاً؟
ثم تنهد بضيق ليعيد الصورة إلى مكانها وينهض من فراشه بتثاقل
.
.
.
.
كان يسير في ذلك الممر الطويل بخطوات سريعة، بينما يرتدي كامل قيافته العسكرية ذات اللون الأخضر الجيشي الباهت.
لم يكن من الصعب ملاحظة تلك النظرة المتوترة في عينيه. ليس من عادة الجنرال المسؤول عنه أن يستدعيه هكذا فجأة، لذلك كان يشعر بشيء من الريبة.
توقف أمام ذلك الباب الخشبي في منتصف الرواق، ليأخذ نفساً عميقاً ثم يطرقه عدة مرات.
لم يمض الكثير من الوقت حتى سمع ذلك الصوت الخشن الذي قال بجمود: ادخل.
فتح الباب ببطء، ثم أغلقه وراءه وسار بخطوات مدروسة حتى وقف أمام مكتبه مباشرة.
وضع حافة كفه إلى جانب جبينه في تحية عسكرية، ليقول بنبرة رسمية وهو ينظر إلى الأمام مباشرة: العريف لويس بيرنار في خدمتك سيدي!
رفع ذلك الرجل الخمسيني عيناه الحادتان نحو ذلك الجندي الشاب وهو يدرس مظهره بصمت.
بدا في منتصف العشرينات تقريباً، بشعر أشقر قصير، وعينين خضراوين واسعتين. ملامحه بدت ودودة جداً في الواقع، لتتعارض مع تلك النظرة الصارمة التي حاول أن يبديها.
قال له الجنرال بجمود كجمود ملامح وجهه: أيها العريف بيرنار. لدينا مهمة مستعجلة لك. تذكر جيداً أنها مهمة في غاية السرية والخطورة، لذلك عليك أن تكون حذراً جداً.
ثم ألقى نظرة سريعة على ملفه الذي كان قد وضعه على مكتبه: بحسب ما ذكر هنا، أنت لم تذهب من قبل إلى خارج الأسوار صحيح؟
أجاب لويس بتردد: أجل سيدي.
اكتفى الجنرال بإيماءة بسيطة، ثم قال بعد أن أعاد النظر إلى الملف مجدداً: أنت تعرف الآنسة آنابيلا ديفوني صحيح؟
ما إن ذكر الجنرال ذلك الاسم، حتى شعر لويس أن نبضات قلبه صارت تتسارع أكثر وأكثر. أيعرف آنابيلا؟ كيف يمكنه أن يسأله سؤالاً سخيفاً كهذاً. آنابيلا هي الفتاة التي امتلكت عقله وقلبه وكل شيء في داخله!
لكنه بالطبع لم يكن قادراً على إخباره بشيء كهذا. بل أجاب بنبرة طبيعية وهو يخفي توتره بصعوبة: أجل سيدي.
عاود الجنرال الإيماء مجدداً كإجابة. ثم قال بعد أن أرخى جسده على كرسيه الجلدي، بينما ينظر نحو الجندي الشاب ببرود: مهمتك هي حراستها مع البعثة التي سيتم إرسالها إلى خارج الأسوار. هناك احتمال كبير جداً أننا استطعنا إيجاد علاج لمرضها، لكن ذلك العلاج لا يمكن أن يتم إلا خارج الأسوار. أنت تعرف أنها ابنة شخص مهم في الحكومة، لذلك من الممكن جداً أن تسعى المافيا في الخارج لاستهدافها، خصوصاً أولئك الأوغاد الذين يطلقون على أنفسهم تحالف الكبار الأربعة. لقد ازداد نفوذهم في الآونة الأخيرة بعد عودة كريس آردويك إليهم. لابد أن ذلك الوغد سيخطط لشيء ما إذا ما حصل على معلومات حول تلك البعثة. وهنا يأتي دورك. عليك حماية الآنسة حتى لو كلفك ذلك حياتك!
عدل لويس وقفته ليرد هاتفاً وهو يضع يده على جانب جبينه من جديد: أمرك سيدي!
ما إن أغلق الباب وراءه حتى ابتسم بسعادة دون أن يكون قادراً على كبت مشاعره في تلك اللحظة. عليه الذهاب إليها...عليه أن يوصل إليها هذا الخبر بالتأكيد!!
.
.
.
.
رفع كم قميصه العسكري حتى يظهر باطن مرفقه لتلك الممرضة التي سحبت تلك الإبرة، ثم حقنته بها ببطء.
ولما انتهى من جميع إجراءات الوقاية التي أخذت وقتاً أطول من العادة، صار بإمكانه الآن الدخول إليها أخيراً.
كان يستطيع رؤيتها عبر ذلك الزجاج العريض الذي كان يفصل بينه وبينها وهي جالسة على سريرها الأبيض، بينما تقرأ كتاباً ما بصمت. فابتسم لمظهرها، وهو يشعر أن نبضات قلبه صارت تتسارع تدريجياً، وكل جزء منه متلهف لرؤيتها بعد هذا الغياب الطويل.
سار برفقة الممرضة وحارسين شخصيين إلى تلك البوابة الحديدية العملاقة التي أغلقت عليها بإحكام.
فأدخل الحارس عدة أرقام على اللوحة التي كانت إلى جانب تلك البوابة، لتفتح بعدها ببطء وقد اندفع دخان كثيف من جوانب إطار الباب يحمل رائحة مواد معقمة.
لم يحتج لُويس لأن يخبره أحد بما عليه فعله. فهو ما إن انفتحت البوابة، حتى دلف إلى الداخل على الفور لتغلق وراءه أوتوماتيكياً مصدرة بذلك ضجيجاً عالياً.
لم ترفع الفتاة بصرها من على الكتاب، فهي لم تتوقع أبداً أن يكون هو الذي أتى لزيارتها. أما لويس، فقد أخذ ينظر إليها بينما تهلّلت أساريره بابتسامة عذبة.
لكن ابتسامته سرعان ما اختفت لتتبدل إلى تعابير قلقة بعد أن لاحظ ذبولها وشحوب وجهها الذي صار أسوء بكثير من آخر مرة رآها فيها.
اقترب من سريرها بخطوات هادئة، ثم وقف أمامها وقال بابتسامة لطيفة: آنا...
رفعت آنابيلا بصرها نحوه على الفور ما إن ميزت صوته، لتتبدل تعابير وجهها المرهقة إلى ابتسامة عريضة..
قامت من مكانها لتقفز نحو وتضمه بقوة هاتفةً بسعادة عارمة: لُوي!!
ضمها لُويس هو الآخر، ليقول هامساً بينما يمسح على شعرها الأبيض الطويل برفق: لقد اشتقت إليك كثيراً آنا..
ردت آنا بخفوت وهي تحشر وجهها في صدره أكثر وأكثر: وأنا أيضاً.
ثم نظرت إلى عينيه الخضراوين بينما تحمل في زرقاويها لوماً وعتاباً لما خاطبته قائلة بحزن: لماذا لم تأتي لزيارتي كل هذا الوقت؟
أجاب لويس وهو ينظر إليها معتذراً: أنا آسف حقاً آنا. لقد قال لي الطبيب أنه لا يمكنني أخذ حقن وأدوية الوقاية في فترات متقاربة لأنها لن تجدي نفعاً حينها. كان علي أن انتظر كل هذا الوقت حتى يسمح لي برؤيتك مجدداً.
ما إن قال هذا حتى خفضت رأسها وقالت بألم: إنني آسفة حقاً لوي. كونك تمر بكل هذه الأجراءات المعقدة فقط لكي تراني...لا أعلم حقاً ما الذي أقوله لك. لو أنني لم أكن هكذا، لو أنني كنت إنسانة طبيعية عندها أنت...
عندها قاطعها لما أحاط خديها بكلتا يديه، ليقول برفق بينما يرفع وجهها حتى تنظر إلى عينيه مباشرة: هيي...ما هذا الكلام الذي تقولينه؟! أنا لا يهمني أبداً أياً كانت الأشياء التي عليّ فعلها طالما أنني قادر على رؤيتك، لذلك توقفي عن قول هذا الكلام السخيف آنا.
ابتسمت آنا بضعف بينما تنظر إليه. لكنها أغلقت عينيها، لترخي خدها على يده براحة وتقول هامسة: شكراً لك لوي. لا أعلم حقاً ما الذي كنت سأفعله ما لم تكن في حياتي.
ثم فتحت عينيها لتنظر إلى عينيه وتقول بخفوت: أحبك..
ابتسم لويس لكلامها، ثم اقترب منها ببطء ليطبع قبلة خفيفة على شفتيها ويقول هامساً هو الآخر: وأنا أيضاً.
جلس الاثنان على السرير، وقد أسندت آنا رأسها على كتفه لتقول بابتسامة: أنا سعيدة حقاً لأنك أتيت أخيراً.
لم يرد لويس على كلامها. بل أخذ يفكر لوهلة قبل أن يمسك بيدها، ليشبك أصابعهما معاً ثم يقول بهدوء: آنا...في الواقع، هناك شيء علي إخبارك به.
رفعت آنا بصرها نحوه لتنظر إليه باستغراب. أما هو فقد أدار جسده نحوها ليضع كلتا يديه على كتفيها ويقول بجدية: سوف يتم نقلك من هنا. لقد تم اكتشاف علاج من الممكن جداً أن يشفي مرضك، لكن ذلك العلاج موجود فقط في مكان ما خارج الأسوار. لذلك سوف نقوم بأخذك إلى هناك بعد أسبوع من الآن.
شعرت آنا بالذعر من كلامه وقالت برهبة: خارج الأسوار؟
فشدّ لويس قبضته على كتفيها محاولا طمأنتها، ثم قال بثقة: لا تقلقي آنا. سوف أكون معكِ، وسوف أقوم بحمايتك حتماً من أولئك المجرمين في الخارج.
ثم أردف قائلاً وقد لمعت عيناه بنظرة متأملة: هناك احتمال كبير جداً أن نكون قادرين على القضاء على هذا الفايروس! وإذا ما حدث هذا، سنكون أنا وأنتِ قادرين على البقاء معاً دون أن يكون هناك أي شيء يمنعنا بعد الآن! أليس ذلك رائعاً آنا؟
خفضت آنا رأسها ولم تبد متحمسةً مثله على الإطلاق. وفي الواقع، شعر لويس أن هناك شيء خاطئ في نظرات عينيها لما قال لها ذلك.
لكنها رفعت بصرها نحوه فجأة وقالت برجاء: لُوي، هل يمكنك ألا تذهب معي إلى هناك؟ أرجوك..أنا لا أريدك أن تتعرض للأذى بسببي أبداً!
عندها هتف لويس مستنكراً: ما الذي تقولينه آنا؟! بالتأكيد لن أترككِ وحدكِ لأي سبب كان! سوف أحميكِ مهما كلف الأمر!
عضّت آنا شفاهها السفلى وهي تحاول إيجاد الكلمات المناسبة حتى تمنعه من ذلك.
نظرت بطرف عينيها نحو تلك الكاميرا المثبتة في زاوية الغرفة بتوتر، لتقول وهي تحاول إقناعه بيأس: أنت لا تفهم أي شيء لوي، عليك ألا تتورّط في شيء كهذا!
ثم أردفت والدموع في عينيها: يكفيني فقط أن أعلم أنك بخير، عندها سأكون قادرةً على تحمل أي شيء مهما كان. إنني أعيش فقط لأجلك، لا تجعل الأمر صعباً علي لوي...أرجوك أن..
عندها قاطعهما ذلك الصوت الأنثوي الحاد الذي تكلم عبر مكبر الصوت المثبت أعلى حائط الغرفة: أيها العريف بيرنار، لقد انتهى الوقت المخصص للزيارة. أرجو أن تغادر الغرفة حالا.
ضغط لويس على أسنانه بغيظ. لكنه نهض من السرير دون أن يترك كتفيها، ليقول وهو ينظر إلى عينيها بحزم: لا أفهم لماذا تتصرفين هكذا آنا، لكنني لن أتركك تذهبين إلى هناك وحدكِ مهما كلف الأمر. لا تقلقي علي، سأكون بخير حتماً.
قال هذا، ليقبل جبينها ويقول بابتسامة هادئة: اهتمي بنفسك جيداً. اراكِ قريباً..
كانت آنا تنظر إلى وهو يغادر الغرفة بينما عيناها غارقتان في الدموع..
همست أخيراً بعد أن تم إغلاق البوابة وراءه: أنت لا تعرف أي شيء لوي!
▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎
"إن الأمر بسيط جداً. سيكون عليكم اعتراض البعثة القادمة من المنطقة البيضاء، وسرقة الحمولة التي عليها"
قالها تايسكي بكل برود وهو ينظر إلى الجميع الجالسين على طاولة الاجتماعات في الغرفة الرئيسية.
بدا الأمر بسيطاً جداً بالنسبة لمهمة يفترض أن يذهبوا إليها جميعاً، لذلك تكلم إيريك وهو ينظر إليه بشك: أنت لا تظن أننا سنقتنع أن الأمر بهذه البساطة صحيح؟ إذا كان كل ما علينا فعله هو مجرد سرقة حمولة ما، لا أظن أنه من المنطقي أن ترسلنا جميعاً إلى مهمة كهذه!
جال تايسكي ببصره على الجميع، وقد كانوا كلهم ينظرون إليه بنفس تلك النظرة المرتابة باستثناء روك الذي يعرف كل شيء مسبقاً.
فتنهد باستسلام وقال: تلك الحمولة مهمة جداً، لذلك ستكون عليها الكثير من الحراسات على الأرجح. من خلال المعلومات التي وردتنا، فتلك الحمولة هي من أنجح النماذج ضمن تجارب الحكومة السابقة. إننا نريد معرفة مخططاتهم، لذلك لابد لنا من الحصول عليها قبل أن يصلوا إلى منطقة بييدرو في الجنوب. يبدو أنهم تعاقدوا مع العصابة التابعة لماركوس فيلفان على إنشاء مختبر هناك مقابل إمدادهم بالأسلحة. لا نربد التورط مع أي من العصابات الموجودة في الجنوب، لذلك الفرصة الوحيدة التي نملكها هي في الوقت الذي سيكونون فيه في طريقهم إلى هناك.
عندها سألته إيلينا بحيرة: لكن، ماهي تلك الحمولة؟ أعني...أي نوع من التجارب تلك حتى تكون لها هذه الأهمية الكبيرة؟
عم الصمت بينهم دون أن يجرؤ أحدهم على قول أي شيء.
بدا تايسكي متضايقاً نوعاً ما، في حين تجنب بعضهم النظر إليها. بينما كان جيسي وجينيرو ينظران إلى تايسكي منتظرين منه الإجابة على سؤالها، ويبدو أنهما لم يعرفا الجواب أيضاً.
ولما لم يقل أحد أي شيء، تكلّم فين ببرود ويبدو الضجر على تعابير وجهه: أليس هذا واضحاً؟ إنها تجارب بشرية على الأرجح، لذلك لابد أن الحمولة هي عبارة عن إنسان.
عضت آي شفتها السفلى وهي قد توقعت تقريباً أن تكون هذه هي الإجابة. ذلك ليس مستغرباً على أشخاص فظيعين مثلهم. لكن رغم هذا، يظل التفكير في أن هناك من عانى مصيراً كهذا مؤلماً جداً.
إيلينا على الجانب الآخر لم تتوقع هذا. غطت فمها بيدها في صدمة، لتهتف قائلةً: يا إلهي، ذلك فظيع!
ثم خفضت رأسها وتلك الذكريات المريرة أخذت تتدفق في ذهنها تدريجياً. وقبل أن تدخل في نوبة فزع مرة أخرى، شد دايكي الجالس إلى جانبها يدها وضغط عليها بقوة وهو يعلم جيداً ما الذي تفكر به الآن.
أخذت نفساً عميقاً قبل أن تسأله محاولةً أن تبدو هادئةً قدر الإمكان: إذن، ما الذي سنفعله بذلك الشخص بعد أن نحصل عليه؟
لم يرد تايسكي في الحقيقة أن يتطرّق إلى هذه المسألة بالذات، إلا أنه يدرك جيداً أن واحداً منهم كان سيسأله هذا السؤال بطريقة أو بأخرى. لكنه أجاب بنبرة باردة: مهمتنا فقط هي الحصول على تلك الحمولة، والباقي سيتكفل به كريس. إنه يدرك جيداً ما الذي عليه فعله.
فقامت إيلينا من مكانها وقالت باعتراض: ما الذي تقصده بذلك؟ لا يمكن أبداً أنك لا تعلم ما مصير ذلك الشخص! ما الذي قاله لك كريس بالضبط؟ أعلم أن علينا إتباع أوامره، لكنني لا أستطيع الموافقة على طرقه دائماً.
وسكتت قليلا قبل ان تسأله بتردد: هو لن يقوم بإيذائه صحيح؟
تكلم روك هذه المرة قائلاً بهدوء: ربما لا يكون كريس مثالياً، لكنه ليس حقيراً أيضاً. لن يقوم بإيذائه على الأرجح، لذلك يمكنكِ الاطمئنان.
ضغطت إيلينا على أسنانها وقالت بحنق: ربما كريس لن يؤذيه، لكنني أشك أن سايشو لن يفعل. ماذا لو أنه...
عندها قاطعها تايسكي منهياً الحديث: صحيح أن سايشو لن يتردد في فعل هذا بالفعل، لكنه ليس مهتماً أبداً بتجارب الحكومة، لذلك ليس عليك القلق بشأنه. والآن...هل هناك أي شخص آخر معترض على المهمة؟
سألته ميسا وهي تضع يدها على خدها بملل: ماهي الخطة؟ أم أن علينا الارتجال فحسب؟
أجاب تايسكي وهو ينظر نحوهم بجدية: لا أعرف عددهم، ولا أي معلومات دقيقة عنهم، لذلك عليكم أن تقرروا الخطة ما أن تعاينوا الوضع هناك. سوف يسلكون الطريق السابع والعشرين مروراً بمناطق صغيرة مثل هيناوا وريكيا، لكن أفضل مكان للهجوم عليهم هو عندما يمرون بمدينة فاريس. إن بها العديد من الشوارع المتفرعة والمباني العالية، لذلك ستساعدكم تضاريس المكان في القتال. إنهم جنود اعتادوا على الحرب من مسافات بعيدة، وفي المساحات المفتوحة، لذلك لن يستطيعوا الصمود أمامكم في حرب شوارع. أهم شيء هو أن تنهوا كل شيء بسرعة. لا داعي لأن تشتبكوا بهم كثيراً، فكل ما يهم هو أن تحضروا ذلك الشخص، ثم تنسحبوا فوراً. أهذا واضح؟
قام الجميع من مكانهم وهمّوا بالاستعداد للمغادرة. عندها قال تايسكي مخاطباً إيلينا: إيلينا. أحتاجكِ في مهمة أخرى.
عقدت إيلينا حاجبيها وسألته بشك: أنت لا تنوي فقط أن تبعدني عن هذه المهمة صحيح؟
تنهد تايسكي بانزعاج وقال: بالطبع لا، لكنكِ تعرفين أن قتال الشوارع لا يناسبك. إن شوارع فاريس غير مألوفة بالنسبة لكم، لذلك فقد يكون القتال هناك صعباً.
عقدت إيلينا يديها أمام صدرها وقالت بتذمر: ما تريد قوله باختصار هو ( هيي إيلينا، أنتِ ضعيفة جداً لذلك لن تكوني قادرةً على القتال معهم).
أراد أن يقول شيئاً ما، لكنها قاطعته لما قالت باستياء: أعلم أعلم...لا تقل أي شيء أرجوك، فذلك سيزيد الأمر سوءاً فحسب.
عندها طوّقت ميسا رقبتها بيدها، وقالت وهي تشد خدها باستفزاز كما لو كانت تخاطب طفلةً صغيرة: ماذا لدينا هنا؟ هل جرح ذلك شعورك؟ لا تريدين البقاء في المنزل كطفلة مطيعة؟
ضغطت إيلينا على أسنانها بقوة، لكن ميسا تركتها قبل أن تقول أي شيء، لتغادر الغرفة بينما تضحك بصوت عالٍ.
كانت إيلينا تنظر إلى الباب بسخط، عندها رأت أمامها فين وهو يسير إلى الباب أيضاً. فاقتربت منه وقالت بغيظ طفولي وهي تشير إلى الباب حيث غادرت ميسا قبل قليل: فين! إن لم تضع حداً لسخرية تلك الحقيرة، فأسأنتف لها شعرها الأشقر السخيف ذاك!!
تنهد فين بملل وقد تعب حقاً من شجارهن الذي لا ينتهي. لكنه قال بانزعاج: إنني لا أفهم، ما علاقتي أنا بالموضوع من الأساس؟!
أجابت إيلينا كما لو ان ذلك أكثر شيء وضوحاً في العالم: لأنك الوحيد الذي تستمع له تلك المزعجة!
نظر إليها فين وهو منزعج حقاً من ذلك. إنه لا يريد أن يتورط في أي شيء من شأنه أن يستنفذ مجهوده الجسدي والذهني دون أي فائدة، لكنه رغم ذلك قال ببرود وهو يسير مغادراً: حسنا حسنا لقد فهمت. سوف أتحدث معها.
زمّت إيلينا شفتيها باستياء وقالت بتذمر: أنت لن تفعل صحيح؟
لكنه لم يجبها، بل تابع سيره إلى الخارج متجاهلاً تذمرها المزعج هذا.
علّق دايكي الذي وقف إلى جانبها للتو وهو ينظر إليه بضجر: لا أدري لماذا أتعبتِ نفسك بسؤاله من الأساس! أنتِ تعرفين أن فين لن يحرك خلاياه الجسدية إلا إذا ما كان الأمر ضرورياً بنسبة مائة في المائة.
تنهدت إيلينا وقالت موافقةً على كلامه: حسناً، من هذه الناحية، لا أعتقد أنني أستطيع الاعتراض على كلامك.
ثم سكتت قليلاً وتساءلت قائلة: لكن بالتفكير في الأمر، علاقة هذان الاثنان غريبة جداً ألا تعتقد هذا؟ شخصيتهما مختلفة تماماً، لكنهما وبطريقة ما مقربان جداً.
فكّر دايكي قليلاُ قبل أن يقول بشك: لا أظن أن الأمر متعلق بكونهما مقربين. بحسب ما أرى، إنها فقط ميسا من تلاحقه أينما يذهب!
ضحكت إيلينا قبل أن تسأله بفضول: هل تعرف كيف التقيا؟
حرّك دايكي كتفيه بلا مبالاة وقال: لا أعلم، فقد وجدتهما ناوكو قبلنا. لكنني سمعت أنهما كانا معاً وقتها.
وضعت إيلينا سبابتها على ذقنها وهمهمت كإجابة بينما ما تزال تفكر في الأمر. ذلك صحيح..كيف يمكن أن تتوافق شخصيتان بعيدتان كل البعد عن بعضهما هكذا؟
.
.
.
.
كانت ميسا تسير بمحاذاة فين بينما الابتسامة تعلو وجهها.
نظرت إليه فجأة وقالت بحماس: لقد مضى وقت طويل جداُ منذ أن خرجنا في مهمة معاً، ألا تظن هذا؟
لم يبدو فين مهتماً بحديثها، لكنه أجابها بخمول على كل حال : آه أجل..
فكرت قليلاً قبل أن تقول بتساؤل: هل لديك فكرة عن ماذا تدور تلك التجارب؟ أعني...ما الذي يحاول من في الحكومة صنعه بالضبط؟
رد فين بعد أن حرك كتفيه بعدم اهتمام: هذا هو الغرض من هذه المهمة في الأساس. أن نعرف ما تتعلق به تلك التجارب.
زمّت ميسا شفتيها باستياء وتذمرت قائلة: ألا يمكنك أن تتظاهر بأنك مهتم ولو قليلاً؟
ثم تنهدت بيأس لما لم يقل أي شيء. إنه هكذا دائما، ولا شيء سيغيره على ما يبدو.
لكن حسنا...ليس وكأنها معترضة على ذلك، فهي تعلم جيداً أنه ورغم شخصيته الكسولة والغير مبالية تلك، فهو يهتم كثيراً برفاقه في الحقيقة.
▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎
كان قد أخرج رأسه من تلك الفتحة في سقف الشاحنة، بينما يراقب الوضع في الخارج بترقب. ولما تأكد أنه لا وجود لأي شيء مريب، عاد إلى داخل الشاحنة مرة أخرى لينظر إلى ذلك الصندوق الزجاجي الذي ربطت بيه العديد من الأنابيب المختلفة. كانت جالسة في المنتصف، بينما تضم ساقيها إلى صدرها وهي تنظر إلى الأرض في حزن.
اقترب منها ونقر على الزجاج بظاهر يده. فلما نظرت نحوه، ابتسم لها ابتسامته المشرقة التي كانت أكثر ما تحبه. بدت متضايقة جداً لسبب لا يعرفه، لذلك أراد أن يرفع من معنوياتها قليلاً.
ظنها قلقة بسبب العلاج المرتقب، ولم يدري أن ما يشغل بالها أبعد ما يكون عن ذلك بكثير. حرّك شفتيه مكوّناً تلك الكلمة، تعلو وجهه نفس تلك الابتسامة
"أحبك"
لم يبد أنها فهمت ما قاله، فبالرغم من أن الفاصل بينهما هو فقط هذه الطبقة السميكة من الزجاج، إلا أنه لم يكن بمقدورهما التحدث مع بعضهما بسبب كون هذا الصندوق الزجاجي عازلاً للصوت.
لذلك نفخ بعض البخار على الزجاج، ولما صار مضبباً قليلاً، كتب لها بإصبعه على الزجاج نفس تلك العبارة التي قالها
"أنا أحبك"
ابتسمت لما رأت تلك الأحرف المكتوبة بالمقلوب من ناحيتها على الزجاج الفاصل بينهما. لكنها اقتربت منه لتقلد نفس ما فعله، قبل أن تكتب بإصبعها هي أيضاً
"أنا أيضاً أحبك"
ثم نظرت إلى عينيه مطولاً، وقد بادلها النظرات هو الآخر. كم أراد أن يزيل هذا الحاجز بينهما ويضمها إلى صدره. كم أراد أن يكون قريباً منها دائماً، لكنه يعلم أنه مهما كانا قريبين جداً، فإن المسافة بينهما هي أبعد ما تكون في الواقع. وربما حتى لو شفيت من مرضها، قد لا يكون بإمكانه أن يكون قريباً منها. فهي ابنة مسؤول حكومي مرموق، بينما هو محض جندي عادي بلا أي قيمة.
لكن فجأة، اهتزّت تلك الشاحنة بقوة بعد أن سمع صوت انفجار عالٍ، أتبعه صوت إطلاق للرصاص..
اصطدمت آنا بالزجاج، بينما اصطدم لويس بجدار الشاحنة إثر توقف الشاحنة المفاجئ.
لكنه ما إن أدرك الأمر، حتى أخذ سلاحه الرشاش الذي كان قد ثبته خلف ظهره ونظر إلى آنا ليقول لها بانفعال: انتظري قليلاً، سأخرج وأرى ما الذي يحدث!
لم تكن قادرةً على سماعه، لكنها ما إن رأته يخرج من الباب الخلفي لصندوق الشاحنة المغلق، أخذت تضرب الزجاج بقبضتيها بينما تصيح له بأن يتوقف. ربما لم تسمع أي شيء، لكنها أدركت فوراً أن شيئاً سيئاً جداً قد حدث.
خرج لويس من الشاحنة وأغلق الباب وراءه على الفور. ثم نظر إلى الجنود من حوله والذي كانو يتبادلون إطلاق النار مع أشخاص مختبئين في أزقة المدينة.
سأل أحدهم قائلاً بانفعال: ما الذي يحدث؟!
أجاب بعد أن أطلق عدة طلقات، ثم عاد للاختباء خلف أحد السيارات: إننا نتعرض للهجوم.
ثم ضغط على أسنانه وأردف بغيظ: اللعنة عليهم، إنهم محترفون جداً!
انخفض لويس قليلاً متجنباً تلك الرصاصات الدقيقة التي كانت تنطلق باتجاههم من كل مكان. ثم ركض بسرعة إلى المقدمة حيث كان العديد من الجنود يتخذون السيارات والصناديق المبعثرة والحاويات كسواتر لهم من الرصاص.
اختبئ خلف إحدى الحاويات، ثم أخذ يطلق النار هو أيضاً.
بدا واضحاً أن هؤلاء الأشخاص حريصون جداً على ألا يصيبوا أياً من الشاحنات، فقد كان هدفهم هم الجنود فحسب. يستطيع أن يرى العديد من الجثث المرمية هنا وهناك، وقد رأى بعض الجنود يتسللون بين الأزقة باحثين عنهم.
لقد كانت التدريبات العسكرية التي تلقاها صارمة جداً، لكنه لم يكن معتاداً أبداً على القتال في مثل هذه الشوارع الضيقة. هؤلاء المهاجمون لا يقاتلون كجنود، بل كعصابة محترفة. وهذا ما استطاع ملاحظته من خلال تحركاتهم العشوائية والاحترافية في آن واحد.
أراد التقدم، لكن تلك القذيفة التي انطلقت من أحد الأزقة فجأة حالت دونه ودون ذلك، فغطى وجهه واختبئ بسرعة لكي يتجنب تلك الشظايا المحترقة، والتي أخذت تتناثر هنا وهناك بعشوائية.
كان هناك الكثير من الدخان الذي حجب الرؤية، لكن ما إن بدأ ذلك الدخان في الانقشاع تدريجياً، استطاع رؤية أكوام من الجثث أمامه.
كان المنظر فظيعاً جداً، لكنه ليس الوقت المناسب ليكون متأثراُ بهذا. ربما لم يخض قتالاً حقيقياً من قبل، لكنه كان جندياً قوياً بعزيمة كالصخر. ووجوده هنا من أجل حماية فتاته العزيزة زادته قوةً فوق قوته.
نظر إلى رفاقه وقال وهو يشد سلاحه بقوة: سيكون الأمر سيئاً جداً إذا ما تعرّضنا لقذيفة أخرى. سوف أتسلل إلى الداخل وأقتل صاحب ذلك الآر بي جي!
لم ينتظر رداً من أحد. انطلق بسرعة مراوغاً ذلك الرصاص، ثم اختبئ في أحد الأزقة.
نظر حوله وفكر في نفسه قائلاً: إذا لم أكن مخطئاً، فالقذيفة قد انطلقت من ذلك الاتجاه.
نظر إلى باب جانبي كان مطلاً على ذلك الزقاق، وقد كان مغلقاً بالألواح الخشبية. فكسر الباب ثم ركض داخل البناية متجهاً إلى حيث صاحب ذلك السلاح القاذف.
نظر عبر النافذة المطلة على الجانب الآخر حيث اختبئ ذلك الشخص. ليراه مختبئاً خلف سور ما، بينما يجلس القرفصاء على الأرض قرب الجدار وهو يعبئ سلاحه من جديد، وقد كان برفقته شخص آخر يحمل مسدساً. لكن الشخص الآخر ركض إلى الخارج فجأة، ويبدو أنه كان يتجّه إلى الجنود.
لما رآه وحيداً، فكر على الفور بانتصار: إنها فرصتي!
ابتعد عن النافذة بحذر، ثم ركض بسرعة في ممر تلك البناية المتهالكة حتى وصل إلى باب كان يؤدي إلى السطح على ما يبدو. فتح الباب، وصعد الدرج بسرعة إلى سطح تلك البناية.
استطاع رؤية درج حديدي في الجهة الخلفية من البناية، لذلك نزل درجاته بحذر حتى صار واقفاً الآن على الأرض.
سار بخطوات بطيئة وحذرة إلى الجهة الجانبية من البناية حيث وقف ذلك الشخص وقد وجه سلاحه باتجاه الجنود في استعداد لإطلاق النار.
أخذ لويس يسير في اتجاهه ببطء وبخطوات مدروسة، حتى وقف خلفه ليضع مسدسه على رأسه ويقول بحدة: ضع السلاح أرضاً وأرفع يديك في الهواء حالاً.
وضع فين سلاحه أرضاً، ثم قام ببطء متظاهراً برفع يديه في الهواء.
ولكن قبل أن يدرك لويس الأمر، مد فين ساقه للخلف ليضعها بين ساقي لويس. وبسرعة خاطفة، حركها إلى الأمام مرةً أخرى، ففقد لويس توازنه. لكنه قبل أن يسقط، استدار فين نحوه ليمسكه من ياقة قميصه ويدفعه بقوة نحو الجدار. ثم ثبته من صدره بعنف مستخدماً ذراعه، ليخرج خنجراً في نفس الوقت ويضعه على رقبته قبل أن يقول ببرود قاتل: هل كنت تظن أنني لن ألاحظك وأنت تسير نحوي؟
لكن في اللحظة التي التقت فيها عيناه بعيني ذلك الجندي الخضراوين المألوفتين جداً، بدا مصدوماً تماماً.
تمتم بدهشة وهو ينظر إلى ملامح وجهه تلك: أنت...
لويس لم يكن أفضل حالاً. في البداية كان سيحاول مقاومته، لكنه ما إن رآه حتى شعر أن الدم قد جف في عروقه تماماً..
ربما تغيّرت بعض ملامحه، ربما صار أكبر بكثير، لكن تلك العينان الزرقاوان، وتلك الملامح الذابلة لم يكن لينساها ولو للحظة..
كانت شفتاه ترجفان في صدمة، لكنه استطاع أن يهمس أخيرا ً بصوت أخرجه بالكاد: إيثان...؟
يتبع..
******
_رأيكم في الفصل؟
_توقعاتكم للأحداث القادمة؟
_ما سر تجارب الحكومة تلك؟ ومن يكون الشخص الذي أجروا عليه تلك التجارب؟
_هل تظنون أن كريس لا يخطط لإيذائه حقا؟
_لماذا بدت إيلينا متأثرةً جدا بسبب ما سمعته؟
_ما سر علاقة ميسا وفين؟ وكيف التقيا في الماضي؟
_فين ولويس كانا أصدقاء طفولة..لكن أحدهما جندي من قوات الحكومة، والآخر هو عدوها اللدود. فما الذي سيحدث بينهما الآن؟
_هل سينجح الروك آندروك في الحصول على تلك الحمولة؟
أحداث كثيرة وشيقة، والمزيد من الإثارة والأكشن بانتظاركم في الفصول القادمة فانتظروني❤
أرجو ان الفصل قد نال إعجابكم..ولا تنسو التصويت والتعليق على الأحداث😉
أراكم قريبا..دمتم في أمان الله وحفظه❤
Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top