| ٠٤ |
[ دماء فاسدة ]
- أمي، هذا ليس عدلا!
- وما هو هذا ال"ليس عدلا" بالنسبة لك؟
- أنت لم تقومي بمثل هذه الأعمال في مثل سني! لم يكن هناك خطر يهدد حياتك أو كائنات تحاول التهامك!
- عندما كنت في عمرك كنت مسؤولة عن تربية شقيقتي، وهو شيء أصعب من حصد الزروع أو تنظيف المنزل! كنت أربي شقيقتي ولم تكن تربيتي قد اكتملت بعد! تركاني والداي مع عمتي عندما كنت في الخامسة عشر من عمري، أما أنت فلديك عائلة تحبك وتحتويك وتحترمك، لديك والدان محبان وشقيق رقيق القلب، أقل ما يجب عليك فعله هو تقدير ذلك بالقول والفعل!
فتحت عيناها في وسط الظلام الحالك، تحاول إيجاد موطئ قدمها، حاولت رفع جسدها لتستقيم، لكن سقف الزنزانة أبى أن يتركها تفعل ذلك، ظل ظهرها مقوسا بينما ترمي بنظرها حول المكان. مرت أيام كثر منذ أن حبسوا هنا، حتى أنها نسيت كم من الوقت بقت هنا.
"هل أنا أهذي، ام أنني أشعر بالتبلد؟ أشعر أن جسدي قد أصبح صلبا وجافا، لكنه ضعيف في ذات الوقت... جوشوا! أنا لم أقم بالاطمئنان عليه ليلة البارحة."
- جوشوا؟... جوشوا؟... هل أنت مستيقظ؟
كانت تنادي بصوت خافت، تخشى أن توقظ أحد الحراس النائمين. هناك صوت في نهاية الردهة، صرير الباب الحديدي، يتبعه دبيب أقدام تتجه إلى داخل المكان. نبضات أصبحت تتسابق، تتنفس بسرعة كبيرة، قلبها يقفز داخل صدرها، "هل هم قادمون من أجلي؟" عقلها يتساءل، بالفعل كان يجهل الإجابة هذه المرة، "هل أتخيل هذا؟ أهو تأثير أحداث اليوم المشحونة؟". كان الكثير يدور في رأسها كزوبعة في منتصف الخريف، لكن شكوكها لم تؤكد بعد.
- هيي، آنت مستيقظة؟
سمعت صوت شاب يافع، رفعت عينيها نحوه، فجثا على إحدى ركبتيه ليصل إلى مستوى رؤيتها.
- أهلا، أنا جاريد.
كان مبتسما، ذو وجه صبيح، إلا أنها كانت مرتابة بشأنه، ظلت صامتة، تعلو وجهها ملامح التذبذب.
- أوه، أنا آسف، أخشى أنني قد أيقظتك...
- لم أكن نائمة...
- جيد، أحتاج تركيزك لأنه لا يمكنني المكوث هنا طويلا...
- حسنا...
- أنا أريد مد يد العون لكم، منذ أن وصلتم إلى هنا وأنا أراقبكم، أعلم أنكم في ورطة، وأعلم أيضا بشأن هجوم القطيع على منطقتكم وفقدانكم لأسركم.
ما زالت مرتابة، تقطب حاجبيها باستغراب.
- أنا أريد اخراجكم من هنا، سأساعدك وشقيقك وصديقيك، أنا أعرف كل مدخل ومخرج هنا، وأعرف كيف يمكنني تسريبكم من هذا الصرح...
- ولم لم تساعد الآخرين؟ ما سبب اختيارنا بالذات؟
- أنتم مازلتم أحياء، يمكنكم المقاومة والهرب، أما البقية هنا إما جثث متعفنة، أو أرواح تنتظر مغادرة أجسادها، ينتظرون نزولهم كطبق رئيسي لديكستر وأتباعه.
- حسنا، لكنني لست واثقة تماما من هذا...
- ليس عليك الوثوق في نجاح الأمر بشكل كامل، لكن على الأقل يمكنك المحاولة، وأنا بإمكاني مساعدتك في هذا، لذا لا تفوتي هذه الفرصة، أنا أترجاك.
ساد الصمت بينهما، مد يده ليسأل عن ردها فصافحته.
- حسنا، أنا موافقة.
- جيد، سآت في مثل هذا الوقت في الغد، لذا استعدي ورفاقك.
قال مبتسما ثم نهض، التفت نحوها مجددا.
- ماذا كان اسمك؟
- إيفا.
- حسنا، أراك غدا، إيفا.
أردف ثم استدار ليعود من حيث أتى. كانت لا تزال مرتابة، مترددة. "إنه يريد مساعدتك، أنت لا تريدين أن تكون نهايتك في صحن أحدهم..." "أعلم هذا، لكنني لم أوضع في مثل هذه المحنة من قبل" "إذا لا تقلقي بشأن هذا، ستسير الأمور بسهولة إن لم تعيري انتباها لها. تساهلي مع نفسك، إيفا."
استدارت نحو الجدار لتضجع على جانبها، تضم جسدها إليها، غرق جفنيها في النوم سريعا، لكن عقلها ما يزال مستيقظا، بل وفي كامل نشاطه، لا يكف عن التفكير بما قد يحدث يوم الغد.
أتى الصباح سريعا، لم تلبث أن تغفو لساعة أو أكثر، صوت قضيب حديدي يضرب أعمدة الزنزانات ليوقظ المقيدين، يبحثون عن شخص يلتقط أنفاسه الأخيرة ليصنعوا منه طعاما. "جيد أنك استيقظت، أيقظي شقيقك الآن يا حمقاء!" صاح عقلها لتستفيق من حلم يقظتها.
- جوشوا! استيقظ الآن، جوش!
بدأ يرفع رأسه عن الأرض ليفتح عينيه متسائلا.
- ما الخطب؟
- عليك أن تتيقظ جيدا، إنهم يبحثون عن ضحية جديدة.
قالت فرفع رأسه وأجحظ عينيه، جلس متربعا في زنزانته، يترقب قدوم ذلك الضخم.
عبر الضخم من بين زنزانتيهما ليتخطاهما، لتزفر مغمضة عينيها، تسمع صوت فتح إحدى الزنزانات البعيدة. ترى شخصا هزيل الهيئة، شاحب اللون، هضيم الوجه، يسحب على الأرض ليلقى مصيره.
"هؤلاء المرضى، إنهم لا يأكلون البشر فقط، بل يأكلونهم وهم موتى، كلما فكرت في الأمر أشعر أنني أريد أن أتقيأ"
صوت انغلاق الباب الحديدي الكبير، هذا يعني أنه قد غادر.
- كارل؟! هيتش؟! فليجبني أحدكما!
- ما الأمر؟
أجاب كارل بصوت نعس.
- سنهرب الليلة.
- أتمزحين؟ هل تريدين منا أن نتحول إلى حساء أو ما شابه؟
اردفت هيتش متسائلة بصوت عال.
- اللعنة، أخفضي صوتك! سيساعدنا شخص ما في الخروج من هنا.
- لم أتوقع هذا...
- أعلم كم أن الأمر مريب، لكن ثقا بي، سيأتي الليلة لإخراجنا من هنا.
- يبدو شخصا جيدا بالنسبة إلي...
قالت هيتش موافقة.
- ومن هذا الشخص الجيد؟
سأل كارل.
- يدعى جاريد، إنه شخص لطيف حقا...
- لا يهم...
أجاب كارل مزفرا.
-----
صوت أقفال الغرفة تفتح، اللحظة التي طال انتظارها، أبقت عينيها على المدخل، دخل جاريد ليكسر ترقبها، حاملا ممتلكاتهم التي سلبتها المجموعة.
- أحضرت المفاتيح!
قال جاريد مبتسما بينما باشر في فتح زنزانة إيفا، فتح القفل ف ركضت إيفا لخارجه لتقوم بارتداء حقيبتها، ثم تضع قبعتها القشية فوق رأسها. خرج كارل وتبعه جوشوا ثم هيتش.
- هاك، تسلحوا بهذه!
أتبع ليقذف لكل منهم سلاحا.
- انتظر، لا أسلحة لك.
سحبت السلاح من يد شقيقها لتحمله على كتفها.
- حسنا، يمكنك حمل هذا بدلا منه...
قالت بينما ناولته سكين والدهما، ليربط حزامه حول خصره بمساعدة شقيقته. صدر صرير من باب المدخل، ليلتفت الجميع نحوه، تقدمهم جاريد باسطا ذراعيه.
- كايسون، صديقي...
قال مبتسما ليجمع قبضته فيسدد لكمة في وجه كايسون الضخم.
- اركضوا! سأوافيكم لاحقا!
صرخ لتهم إيفا فتركض إلى خارج الغرفة، فتقابل عدة رجال أمامها.
- كارل، هيتش، أتعرفان شيئا عن قتال الشوارع؟ لا تسقط أرضا أبدا.
قالت لتبدأ عراكا مع أحد الرجال الشبيهين بالجدران، أطلق أحدهم الرصاص فسحبت مسدسها من محجره لتطلق رصاصة في رأسه لينفجر فتلقيه قتيلا.
قتال دام لعدة دقائق، حتى وصل جاريد ليطلق عدة رصاصات فتستقر في أدمغة الرجال أمامهم.
- هيا، ليس لدينا الليل بطوله!
قال بينما سحبها من معصمها ليركض، فتبعه الآخرون. رصاصات تتطاير، يصيب بعضها والآخر يخطئ، الفوضى تحوم حولهم، وكأنهم تسببوا في انقلاب المجموعة على قائدها، إذ بدأوا في التهامه حيا، ينتشلون أطرافه بأسنانهم كالوحوش، يقطعونه أشلائا بأنيابهم.
الضوء، ضوء الفجر يبدأ في البزوغ، يستنشقون هوائا جديدا لأول مرة منذ أيام. أطلقت صرخة نصر معبرة عن كم غبطتها، لتعانق شقيقها الذي لم تره لأسبوعين.
- لقد فعلناها!
صرخت من داخل رئتيها.
- شكرا لك، جاريد. كان هذا عملا بطوليا بحق.
- لا داعي لهذا الشكر، فعلت ما كان بوسعي، وأنتم أشخاص لطفاء وتستحقون المساعدة.
قال فعانقته ثم تركته لتضرب كتفه بخفة.
- هذا الوداع، إذا؟
- أظن ذلك، أراكم قريبا.
قال ملوحا ليتحرك فيختفي بين الأشجار، بقيت في مكانها لوهلة دون حراك، ثم التفتت لتتقدم الآخرين.
- لنعد إلى السيارة.
تحدثت بصوت هادئ، ليتقدم كارل إلى جانبها.
- ما كان هذا؟
سأل محدقا بها قاطبا حاجبيه، بينما كانت تتجاهل النظر إليه تماما.
- ما كان ماذا؟
- تعانقين شخصا قابلته للتو، وأنا لم تعانقيني إلا مرة واحدة في حياتك!
قال بنبرة حادة مومئا بكتفيه.
- أتشعر بالغيرة؟
سألت بابتسامة باردة.
- لا... لكنه أثار استفزازي كثيرا.
- جاريد شخص لطيف.
- فلتبتلعيه، لا أهتم.
أردف فأطلقت ضحكة حاولت كتمها في باطن يدها.
- أظن أننا تعادلنا.
- في ماذا؟
- أنت قمت باستثارة غيظي، وها أنا قد أثرت غضبك، لذا أظننا متعادلين.
- لا يهم.
-----
- أنا أكره تصرفاتك معي، أنت دوما تتجاهلينني، لم تعامليني أبدا كشخص بالغ، دائما ما تعتقدين أنني ما زلت طفلة، أنا أكره هذا! إن كان هذا ما تعنيه العائلة فأنا لا أريد أن يكون لدي عائلة، اتفقنا؟!
---------------
(٠٧/٠٨/٢٠)
Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top