" الذكريات تُفنى لا تموت "

السعادة تَغمر المكان من كل الجيهات ، الجميع في سعادةٍ تامه يبتسم هذا و يضحك ذاك ؛ يرقصون جميعاً على تلك الأغاني الصَّاخبة ،
أصبحت ألتفت يميناً و يساراً و كأني أبحث عن شخص ما لا أدري من يكون و لكن شخص ترك فجوة في قلبي .

أثناء إلتفاتي و تَجول بعيناي في الجِوار ، وجدت تلك المرأة كبيرة السِّن تجلس وحيدة في الخلف ؛ كل هموم هذه الدنيا فوق رأسها و حزن هذا العالم قد إمتلك عينيها ؛ كانت تنظر إليَّ بكل حنان رغم إمتلائ مُقلتيها بالدموع ؛ كنت أريد مساعدتها و التخفيف عنها و لكن ...

تزاحم الناس علي و هم يباركون و يسلمون ؛ هنالك وجوه أعرفها و وجوه أخرى لم أعهدها من قبل ؛ و في تلك اللحظات أخذ عقلي يسترجع بعض المواقف كنت آراها في قاعة الافراح تلك ، أشخاص خُيل لي انهم يجلسون .

حيث إنيَّ أرى " أمي و آذار و حنين .." يجلسون في آخر تلك القاعة ، بدأت أسئل نفسي لما هم ليسوا بجانبي ، لما أنا وحدي هنا ... و رُحت أتفقد بنظري باقي القاعة لعليّ أتمكن من معرفة أحدهم ؛ و رأيت هناك أشخاص لم اتعرف عليهم بعد و هذا أقلقني .

تملكني الخوف من هذه المشاهد و لكن سرعان ما توقف هذا الشعور ؛ عند قدوم تلك الفتاة صغيرة السن .. جميلة الوجه .. التى تمتلك عينين ساحرتان ذوات اللون العسلي ، تردتي فستانها الأحمر الطويل ، و شعرها البنيُ الفاتح الذي يتدلى الى أسفل ظهرها ؛ فرحة غمرت قلبي ، أخيراً وجدت شخص أعرفه ، نعم إنها " هند " إبنة خالتي و صديقتي المقربة جائت تهمس في أذنِ :

_ " يا حبيبت قلبي ، لقد نِلتي أخيراً ما طلبتي لقد وصلتي لمبتغاك نعم لقد أصبحتِ مِلكً ل ' أيمن ' اليوم ..."
                                ...
                                ...
كُنت سعيدة برؤيتها لولا تلك الكلمات التي أردفتها بعد قدومها ، لا أعلم ما الذي يحدث ، شي ما خنق قلبي بشدة ، و عَبرة تجمعت في وسط حلقي ،  لا أعلم عن ماذا تتحدث هي ، و ما الذي طلبته أنا ، أحقاً طلبت هذا قبل ...
قبل ان أفقد ذاكرتي !!
                                ...
                                ...
                                ...
                                ...
ألمٌ تملك راسي ، شيء ما بدأ يدب بالداخل فقط انا ما أريد ان أتذكره ؛ ماذا حدث لي قبل الحادثه ؛
سؤال بدأ يتكرر في داخلي و توتر إعتلى جسدي ؛

و هذا الشعور تغير عندما دخل ذاك الوسيم ؛ رجل طويل القامة عريض المنكبين لحيته السوداء التى جُن جنون الفتيات بها ، عيناه التى كُحلت من كثافة رموشها ، صاحب البشرة الحنطية الجذابة ، بدلته الرسمية البيضاء التي كانت تعطي رونقاً للشخصيته ، مع ذالك القميص الأسود و حذائه الأسود الذي يلمع من شِّدة نظافته ؛

و السعادة تغمر قلبه و هو يضحك للجميع ؛ و عندما أقترب أكثر لقد ألقى إليّ نظرة إعجاب نحوي يملؤها الحب ، و قد بدأ يقترب مني أكثر فأكثر .

كنت جالسة خائفة من تقدمه بدأت قدماي يرتعشان تضرب إحداهنَّ الأخرى ؛ وضع يداه على كتفي و حاول ان يرفعني لأقف مقابلة لصدره ؛ وقفت أحدق به في إستغراب حتى إقترب مني و قبلني على جبيني بحرارة ،

ليهديني كلمات هادئة بنبرة قوية حنونة :
_ " أنا سعيدٌ جداً يا نور ، لقد أصبحت لي أخيراً ..."
                                ...
                                ...
تملك قلبي الرعب عند نطقه لتلك الكلمات ؛ لما لا أستطيع ان أمنع كل هذه الفوضى ، لما أنا هادئة و ساكنه ؛ كل تلك الافكار السوداء تتخبط داخلي ؛

لولا إن مجموعة من النساء تقدمنّ نحوي و بدأنّ يجهزنني للخروج ، و خرجت من تلك القاعة أمْسِكُ بين يديّ باقة من الورد الأحمر و أمامي يمشي ذاك الرجل الوسيم و هو في كامل فرحته ؛

و آخر ما رأيته في القاعة وجه تلك المرأة الحزينة في الخلف ،  كنت أتمنى سؤالها ما الذي يجري معها ، حقاً كنت أريد مساعدتها ؛

و بحثت بعيناي عن أمي ربما أستطيع أن أكلمها ؛ لا أعلم لما لم أستطع ان أوقفهم و الهرب ... الهرب بعيداً عن هنا .. أشعر بأن يدايا مربوطتين و لساني قد قطع و أمشي هائمة ورائهم جميعا ؛

جلست في تلك السيارة التى كانت مزكرشة من الخارج بالورود الحمراء و أشرطة بيضاء ؛ جلس هو ذاك الوسيم بجانبي ليقود السيارة و السعادة تملئ وجهه ؛ بقيت جالسة ساكنة في مكاني و لم آتي بأي حركة ؛ هو فتح ذاك المسجل للأغاني ليسمعني بعض الاغاني الذي كان يهديها إليّ بنظراتِ الإعجاب تلك ، حرك ذاك الوسيم مقود السيارة لتتحرك بسرعة متوسطة في ذاك الطريق ، و انا أنظر إلى الخارج بحزن من خلال النافذة ..

و أخذ التفكير يجوب بي أرجاء عقلي ، و أسأل نفسي ..!! أين ذكرياتي ؟؟ هل ذكرياتي ماتت حقاً ؟؟ هل أنا شخص جديد الآن ؟؟

كل تلك الاسئلة مررت بها .. لولا ذاك الإعلان الذي يعتلي تلك الآفته تحت أضواء الإنارة التى كانت على جانب الطريق ، إعلان عن اسم مستشفى ؛ إسمها لم يكن غريب عنيّ ، أشعر و كأنني مررت بهذا المكان من قبل ، و كأنني قرأت هذا الاسم من قبل ، ذالك الإسم لفت إنتباهي كثيراً مما جعلني أنسى أمر ذكريات و محاولة تذكر هذا المكان ؛

و من بين شرودي في تلك الأسئلة التى تتخبط داخلي ... قاطعني صوته المنخفض قائلا :
_ " هل ما زلت تذكرين ذاك اليوم ؛ ألم تستطيعي نسيانه أبدا ؛ إني فعلاً آسف من أجلك يا نور .."

كلامه جعل الشك مُتربص بي ، ماذا يقصد عن اي شيء يتحدث انا فقط ......
لا اعلم شعرت و كأنه يعلم بماذا افكر ، أو ماذا يجول في نفسي ..!!

و بعدها مرت دقائق فقط قبل توقفنا امام ذاك المنزل الكبير رائع البناء ؛ منزل و كأنه في الاحلام ، تلك الشرفة الكبيرة التى رسمت في الاعلى وسط هذا البناء .. و تلك الحدائق الصغيرة الموجودة في الخارج زخرفتها يد فنان ،

كان أكثر من رائع بقيت مُندهشة لهذا ، لو لم يأتي ذاك الوسيم ليفتح لي الباب قائلا :
_ " هيا إنزلي عزيزتي ؛ و أدخلي بيتك .."

نزلت و أنا متلعثمة في ذاك الفستان الكبير ناصع البياض دخلنا سويّاً ، مسك أصابعي الرقيقة تلك بين يديه بحنان ؛ و بدأ يدور بي في أرجاء ذاك المنزل و يحكي لي عن كل غرفة به ، و كأن هذا المنزل بُنيَّ من أجلي ؛ يتحدث و كأني أنا من نسقت غرف المنزل كلها ، يتحدث و كأني أنا من طلبت له فعل هذا ؛ و بقيت أتبعه ساكنة هادئة لم أتفوه بأي كلمه .

صعدنا الى الاعلى و تجهنا نحو تلك الغرفة التى كانت اكبر الغرف مساحة في هذا البيت ، كل شيء بها كان مرتب و منسق و ذا ألوان خلابه ، لم يكن هناك خطأ في ترتيب الأثاث ، أو تنسيق الأوان ؛

وقفت أنظر في ذهول ما هذا و ماذا افعله انا هنا ، كان على جانب الغرفة تلك المائدة المجهزة عليها انواع مختلفه من الطعام ، كانت تبدو شهية و طازجة فعلاً ، و بالجانب الآخر هناك حقائب كبيرة للسفر التى توحي إليّ بأنها مجهزةً حديثاً ؛

أما هو فحاوط خصري بيديه و قام بإلتفات أمامي ، كان فقط يصل طولي إلى نصف ذراعهِ ، عند إقترابه مني هكذا لقد تملكني الخوف بِشّدة ؛ و أقترب مني ليهمس لي في تودد و حنان :

_ " إني أعلم أنك مررتِ بفترة صعبة و مازِلت لم تتخطيها بعد ، و لكني أعدك سأفعل المستحيل من أجلك ؛ و سأجعلك تنسين ذاكا ' الاحمق ' الذي كان يأسِرك ، و سأبقى إلى جانبك حتى النهاية ؛ عليك أن تعلمي بأني أحبك يا نور كثيراً ؛ و أعلم إنك لا تريدين مني شيئا الآن ؛ لذالك سأنام في غرفة الجلوس الليلة ، و أنتي إرتاحي و نامي الآن لأن غداً لدينا رحلة مبكراً سنسافر لروما شهراً للنقاء ..."

أنهى كلماته من بين تلك الإبتسامه التى رسمت على وجهه و كانت ساحرة بحقّ ، إبتسامةُ ذاك الوسيم هي التى أسرتني لا كلامه .

كلماته كانت مطمئنة بشكل مخيف ، و لكن ..
عن اي فترة يتحدث و عن أي شخص يتكلم .. ذاك الذي نعته بالأحمق الذي أسرني ؛ عليَّ معرفة كل هذا .

لم أستطع الرد عليه ، أما هو فكل ما فعله حمل نفسه ليخرج ، و قام بإغلاق الباب ورائه ، إنه شخص جيد أو ربما هذا ما إتّضح لي ؛ و لكن حقاً أريد ان أسئل أحدهم ماذا يجري .

نفضت كل تلك الأفكار من راسي و قُمت بتغيير ملابسي و خلدت للنوم كنت مرهقة جداً .
                                ...
                                ...
                                ...
                                ...
* الحلم ... *
" نووور ... نووور ... ألم تقولي لي يوما بأنكِ ستبقي الى جانبي ألم تخبريني بمدى حبك لي هل نسيتي ' سيف ' بهذه البساطة ؛ لما ذهبت معه ليلتهااا ..!!؟ لماذاااا ... أخبريني ... ؟؟؟!! "
                                ...
                                ...
                                ...
                                ...
إستيقظت خائفة و تلك الدموع التى سلكت طريقاً على وجنتيَّ و لم أستطع أن أوقفها .. إلتفت و شربت كأس الماء الذي كان موضوعً بجانبي .

ما هذا الكابوس السيء ، زفرت في خوف و ذعر و تلك الأسئلة بدأت تختلط داخل راسي .. من هذا الشخص ؟.. و لما يصرخ عليَّ هكذا ؟.. لا اعلم ما عليّا فعله ،

و لكن و بدون إدراكٍ  مني مسكت هاتفي الذي كان بجواري و فتحته ، و بدأت أبحث في قائمة الأسماء لعليّ أجد إسماً أعرفه ؛ إلى أن وجدت إسمها نعم هي .. هي .. ' هند إبنة خالتي ' ، إتصلت بها بسرعة و رفعت السماعة لأنتظر جوابها :

_ " نعم نور ما بك ، لما تتصلين في وقت كهذا ، فالساعة قد ناهزت الواحد صباحاً ، لما قد تتصل عروس في ليلة زفافها ، هيا أجيبيني لقد شغلت تفكيري ..."

_ " هند أريد ان أسئلك و لكن عيديني بأن تقولي الحقيقة ..."
_ " ماذا هناك لقد أرعبتني هيا تكلمي ..."
_ " لقد رأيت كابوساً خفت منه كثيرا و كان هناك شاب يصرخ باسمي يدعى ' سيف ' ، و أصبح يعاتبني و لكني أجهل لما .. من هذا الشاب .. أرجوك هيا اخبريني ؛ لاني أشعر بأني سأجنُ قريباً ... "
_ " لقد نسيته يا نور بهذه البساطة .. هل نسيتي سيف حقاً !!..."

عندما تفوهت هيا بتلك الكلمات صدمة إحتلت قلبي ، فجأة نكز شيء في دماغي ، و كمية هائلة من الدموع تريد الهرب من بين عيوني ؛  و مر شريط حياتي كاملاً أمامي بعدها ؛

نعم ، نعم ، لقد تذكرت كل شيء ، يا إلهِ لقد تذكرت كل شيء ، لقد تذكرت تلك الحياة البائسة التى عشتها و تلك اللحظات الجميلة التى ربما أسعدتني ؛
و لكن سرعان ما قُطع حبل ذكرياتي بصوتها على الهاتف و هي غاضبة :

_ " نور أجيبيني ماذا يحدث ..."
_ " لقد تذكرت يا هند تذكرت كل شيء .. كل شيء ما قبل الحادث ..."

عندما نطقت أنا بهذه الجملة تذكرت اليوم الذي بدأت فيه المأساة ، اليوم الذي خسرتُ فيه دنياي ، اليوم الذي كسر فيه جناحي و ما زِلت الى يومنا هذا أجبر ذاك الكسر .
_______________________________________
*الحلقة الأولى من روايتي 💜

*تنويه : القصة حقيقية .. سمعتها من الفتاة ذاتها .. قصةٌ تحمل في طياتها معنى " للحقد و الكراهية " ... رغم إلتماسي لبعضِّ من الخيال بداخلها .
                                 ...
                                 ...
*أرجوا من كل قارئ إعطاء رأيه في المقدمة و الحلقة الأولى .. " رغم إن الحلقة الأولى قصيرة ، بسبب وجود المقدمة معها .. "

*قرائي لا تنسوا التصويت و التعليق على كل فقرة في الحلقة ... و أتمنى لكم قراءة ممتعة ... تحياتي
                                 ...
                                 ...
للكاتبة : Mawada_Tomi
تاريخ النشر : 2019 / 4 / 27

Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top