chapter 16

(الفصل السادس عشر: ذلك صحيح، أنا أفكر تماماً فيما تفكرين فيه الآن)

"هيي آنا..إذا ما حاول رجل ما الاعتداء عليك، هل تعلمين ما هي أفضل الأماكن التي يمكنك ضربه بها من أجل إبعاده عنكِ؟"

"بالطبع أفضل طريقة لإبعاده هي بضربه بين ساقيه..إنه الحل الأكثر فاعلية في اعتقادي."

تجعد وجه جيراي متألماً، ويبدو أنه يتخيل الآن كم سيكون فظيعاً حصوله على ضربة كهذه..أو ربما قد جربها من قبل؟ لا أعلم فلا أستبعد أن هذا الحقير قد استحق إصابة كهذه لمرة في حياته على الأقل..

لا..بل أكثر من ذلك غالباً...

لكنه حرك رأسه نافياً وأجاب بامتعاض "لا ليس ذلك...بالفعل هو هدف فعال جداً، لكن ذلك صار هذا مبتذلاً للغاية، والكثير من الرجال يعلمون أن النساء سيحاولن استهداف تلك المنطقة على الأرجح لذلك سيسعون لحماية أنفسهم من تلقي إصابة كهذه.."

حركت كتفي بلامبالاة وأجبت بفخر "لقد جربت ذلك أكثر من مرة وكانت خطة ناجحةً جداً..صدقني ليس هناك شعور أفضل من رؤية واحد من هؤلاء الحمقى الأوغاد وهو يرقص في مكانه من الألم بعد ان أفقده القدرة على الإنجاب بركلتي تلك."

سكت قليلاً قبل أن يعلق دون أن يرتسم على وجهه أي تعبير "أنت نذلة..أتعلمين ذلك؟"

وبابتسامة لطيفة مصطنعة أجبت قائلة " أجل أعلم."

تنهد بتعب وقال بنفاذ صبر "لن يكون ذلك ناجحاً دائماً آنا..هناك أنذال سيتوقعون أنكِ ستلجئين لهذه الخطوة، لذا كحل لمنعك سيقومون بتثبيت يديك وقدميك ولن تكوني قادرةً على تسديد ركلة كهذه في تلك الحالة. كيف ستتصرفين حينها؟"

فكرت قليلاً قبل أن أجيب بعدم ثقة "سأكون قادرةً على تحريك رأسي، لذا سأنطحه على جبهته ربما؟"

"الضرب على الرأس هاه؟ إنها فكرة جيدة وقد تفقده الوعي لبعض الوقت. لكن هناك عيب كبير في هذه الخطوة، وهو أنكِ ستتألمين أنتِ أيضاً يا ذكية.."

زفرت بانزعاج وسألته بعدما عجزت عن معرفة ما يريد الوصول إليه "إذا ما الحل برأيك؟"

ابتسم جيراي بمكر وقال "الأمر بسيط جداً أكثر مما تتصورين.."

لا أدري لماذا تذكرت محادثتي مع جيراي في ذلك اليوم قبل سنوات عديدة..ربما لأنني قد وُضعت الآن في نفس الوضع الذي حدثني عنه وقتها، حيث أنني غير قادرة على التحرك لإنقاذ نفسي من هذا الموقف..

أخذت نفساً عميقاً قبل أن ارفع بصري باتجاهه بينما أنظر نحوه في برود..هل حقاً يظن أن تصرفه هذا سيجعلني عاجزةً أمامه؟

رفعت إحدى حاجباي قبل أن أسأله بشيء من الملل "ما الذي تظن نفسك فاعلاً يا هذا؟ هل تعتقد أنني سأسمح لك بتشويه سمعتي بهذه البساطة؟"

تكلم بنفس نبرته اللعوبة، في حين أنني واثقة تمام الثقة أنه يكذب بالتأكيد "تشويه سمعتكِ؟ ما الذي تتحدثين عنه إيميليا؟! لماذا سأفعل لكِ شيئاً فظيعاً كهذا؟ الأمر فقط أنني لا أستطيع مقاومتك..هل أخبرتك من قبل أنكِ فاتنة؟ أنت__ ...آآآآآخخ لم فعلت ذلك أيتها اللعينة؟!!"

صرخ جوناثان بذلك بعد أن قفز مبتعداً عني وهو يشد معصمه الذي عضضته للتو بقوة..

يمكنني رؤية الآثار الدامية لأسناني التي انغرست في جلده حتى كادت تمزقه ربما. وبطريقة ما، كان ذلك المنظر مرضياً للغاية..

"إنها أسنانك آنا! كثيرون لا يدركون ذلك، لكن هل تعلمين أن فك الإنسان هو أكثر قوة من العديد من الحيوانات المفترسة في الواقع؟ بإمكان عضتك تمزيق جلد خصمك حتى..جربي ذلك ولن تندمي أبداً.."

رؤيته وهو يشد يده بقوة بينما يضرب ظهره بالجدار محاولاً كبت ألمه بصعوبة جعلني أفهم الآن لماذا قال لي جيراي تلك الكلمات يومها..

رفع بصره نحوي وهو ينظر إلي بحقد شديد في عينيه..

الآن فقط يمكنني أن أفهم كل شيء. كل تلك الكلمات المعسولة في البداية ما هي إلا كذبة كبيرة، وتمثيلية قذرة من أجل إقحامي في فضيحة ستضر بسمعتي بالتأكيد..

لا عجب أنه وتلك اللعينة شقيقين حقاً..

أراد قول شيء ما، لكن وصول أليشيا وصديقاتها حال دونه ودون أن يتمكن من قول أي شيء..

أخذن ينظرن بيننا باستغراب، في حين بدت أليشيا متضايقةً للغاية. هل كانت تعلم بما ينوي شقيقها فعله لذلك تشعر بالإحباط الآن بما أن خطتهما لم تسر كما يريدان؟ ربما..لا أهتم حقاً..

سألت بشيء من التردد وهي تنظر بيني وبين شقيقها الذي ما زال يشد معصمه بقوة حتى الآن "هل كل شيء بخير؟"

ابتسمت باتساع وقلت وأنا أخاطب ذلك اللعين بنبرة ودودة مصطنعة جعلته يصر على أسنانه بقوة "شكراً لك حقاً على إرشادي للطريق سيد أريتريوس..والآن، عمت مساءً.."

قلت هذا لأهم بمغادرة المكان، ولما مررت بجانبه قال لي بهمس ساخط سمعته أنا فقط "ساجعلكِ تندمين على هذا."

"أوه..أحب رؤيتك وأنت تحاول فعل ذلك."

أردت بشدة قول هذا، لكن حينها ستسمعني أليشيا وتابعاتها..

كنت أقف مقابلةً لهن بينما أدير ظهري لجوناثان الواقف خلفي، لذلك وضعت يدي خلف ظهري حتى يراها بوضوح، قبل أن أرفع له إصبعي الأوسط دون أن أنظر نحوه..

وأخيراً، ابتسمت له ولشقيقته بأكثر ابتسامة مستفزة كنت قادرةً على إظهارها وقتها، لأغادر المكان تماماً وأتركهما خلفي بينما يشتعلان غيظاً الآن..

آه..لا يوجد شعور أفضل من هذا بالتأكيد!

▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎

"آآآآه"

رفعت أليفيرا حاجبها قبل أن تأخذ رشفةً من كوب الشاي الخاص بها لتقول أخيراً بعد أن أعادت وضعه على الطاولة أمامها "إنها ربما المرة العاشرة التي تتنهدين فيها هكذا..هل تعلمين أنكِ بدأتِ تشعرينني بالانزعاج؟"

كنت قد أسندت خدي على الطاولة بملل، تاركةً كوب الشاي إلى جانب وجهي بينما لا يزال دخان خفيف يتصاعد منه ببطء..

تكلمت بضجر وأنا أراقب ذلك الدخان بانزعاج شديد "هيي أخبريني فيرا..هل لا بأس بأن أغتال اخاك؟"

تكلمت أليفيرا ببرود بعد أن ارتشفت من الشاي مرةً أخرى "هممم حسناً..قد تكون تلك فكرة جيدة، لكن أنت تعلمين أنه سيتم اعدامك بعدها صحيح؟"

تأففت بسخط، قبل أن أعتدل في جلستي وأقول وأنا أضغط على قبضتي بقوة "ذلك اللعين! إلى متى علي انتظاره هكذا كالغبية؟! كان يفترض أن تتغير الأمور بيننا، لكنه لم يعد حتى الآن!"

تكلمت ماري وهي تحاول تهدئتي مدافعةً عن أخيها بشيء من اليأس "على رسلكِ إيميليا..آرون بالتأكيد لا يقصد ذلك. إنه قائد سر__"

"قائد سرية مهمة جداً في الجيش، لذلك يتوجب عليه دائماً القيام بمهمات خطيرة ومهمة جداً من أجل الحفاظ على الأمن داخل الإمبراطورية..لقد حفظت ذلك أكثر من اسمي أتعلمين ماري؟ الأمر ليس انني ألومه على مغادرته، لكنه كان قادراً على إرسال رسالة لي على الأقل!"

بدت ماري عاجزة تماماً عن الرد على كلامي..لكن حينها تدخلت فيرا لما قالت بشيء من الحماس "هيي هيي بالحديث عن الأمير الاول..هل حقاً سترقصين معه في حفلة الغبية ريناليا؟"

الأمير الأول هاه؟ لقد لاحظت بالفعل أن العلاقة بين الأشقاء في العائلة الامبراطورية هي كارثية بحق..ربما فقط من هم من أم واحدة يعاملون بعضهم كإخوة، أما غير ذلك فلا يوجد أي تواصل بينهم على الإطلاق..هذا إن لم يكونوا أعداءً في الحقيقة..

في البداية كانت كل من ماريانا وأليفيرا تشعران بالغرابة اتجاه بعضهما، ولم تستطيعا التحدث معاً لفترة، لذلك كان علي أن أقود دفة الحديث بمفردي وأحاول إشراكهما خلال ذلك. وشيئاً فشيئاً، بدأت علاقتهما تتحسن بشكل ملحوظ جداً.

ما أدركته أن أليفيرا وشقيقها جينوس لم يكونا يكرهان آرون أو يعاديانه إطلاقاً وهو الأمر الذي أشعرني بالدهشة في الواقع، حيث أن جينوس يعتبر منافساً قوياً لآرون على العرش.

أذكر أنني حينما سألت أليفيرا عن ما تشعر به اتجاه آرون من دافع الفضول، كانت قد أجابتني وبكل بساطة "أنا لا أكرهه، لكنني بالتأكيد لا أحبه أبداً ولم أفكر به كأخ لي من قبل. يمكنكِ القول أنني فقط لا أعرف عنه أي شيء، ولهذا لا أشعر بأي شيء اتجاهه."

تنهدت بملل وأجبت على سؤالها الذي طرحته قبل قليل بشيء من التهكم "ربما، لست واثقة..هذا إذا ما حضر طبعاً."

"سوف يأتي بالتأكيد، فأخي لا يخلف وعوده أبداً!"

علقت على كلمات ماري الواثقة بإحباط وأنا أسند مرفقيّ على الطاولة، بينما أضع كفاي على خديّ بانزعاج واضح "لكن أخوكِ لم يعدني بأي شيء ماري..لا أدري لماذا فكرت أنه سيفعل شيئاً ما من الأساس."

"هممم ماذا لدينا هنا؟ لماذا تبدين بهذا الإحباط إيميليا؟"

رفعت بصري لأنظر إلى جينوس الذي أتى للتو وقد بدا مستغرباً جداً من تعابير وجهي تلك..

لم ينتظر ردي، فقد أخذ لنفسه مقعداً بين أليفيرا وماري ليجلس مقابلاً لي تماماً بينما ينظر نحوي مترقباً الإجابة..

لم تكن هذه المرة الاولى التي يشاركنا فيها في جلسات شاي المساء كما نحن الآن، لذلك لم يبد الأمر غريباً على الإطلاق. لا أقول أننا صرنا مقربين للغاية، لكن يمكنني اعتباره هو وشقيقته صديقين جيدين على الأقل.

تنهدت مجددا قبل أن أجيب ساخرةً وأنا أقلب عيني بانزعاج "لا شيء معين..إنني فقط أفكر في الطريقة الأمثل لاغتيال أخيك دون أن يعرف أي أحد أنني الفاعلة..هل لديك أية أفكار؟"

ضحك جينوس باستمتاع وأجابني قائلاً بسخرية هو أيضاً "عليكِ توجيه هذا السؤال إلى ريموند أو الامبراطورة..لديهما خبرة طويلة في هذا الأمر!"

قد يبدو ذلك تعليقاً ساخراً بالفعل، لكنه يحمل بين طياته حقيقةً مؤلمة للغاية. لقد واجه آرون محاولات اغتيال لا تعد ولا تحصى من قبل أخيه ريموند والامبراطورة وأتباعهما منذ أن كان طفلاً صغيراً لا يفقه أي شيء..

لكن أليفيرا فاجأتني لما علقت بتهكم هي الأخرى "لا تضحك هكذا كالابله، فأنت لست أفضل حالا منه..تلك العفريتة لن ترتاح حتى ترانا جميعاً مدفونين تحت التراب!"

سألتهما بدهشة بعض الشيء رغم أن الأمر كان متوقعاً للغاية "هل حاولت الامبراطورة اغتيالك أنت أيضاً؟!"

حرك جينوس كتفيه بلا مبالاة وأجابني وكأن الأمر أكثر شيء طبيعي على الإطلاق "بالطبع ليس كعدد المرات التي حاولت فيها قتل آرون، لكنني أنا أيضاً رحبت بمغتاليها أكثر من مرة."

من المذهل حقاً أن يتحدث بهذه الأريحية حول شيء مريع كهذا..لكن حسناً، نحن نتحدث هنا عن الفتى المرح والغامض لأبعد الحدود، لذلك لا أستغرب أبداً أي شيء قد يفعله أو يقوله..

لكن كلامه جعلني أتساءل رغماً عني.. هل يريد الحصول على العرش حقاً؟ أم أنه فقط لا يهتم؟ لا أدري، ولسنا بالقرب الذي يجعلني قادرةً على سؤاله عن شيء كهذا، لذلك التزمت الصمت فحسب..

لم أعرف كيف أعلق على ما قاله، لكنه أراحني من عناء التفكير لما غير الموضوع قائلاً بشيء من الفضول "لكن هيي إيميليا..هل صحيح ما سمعته حول إعلانكِ العداوة مع ابنة أريتريوس؟ الكثيرون يتحدثون عن هذا في الآونة الأخيرة.. تلك الأفعى قد وجدت من يركل مؤخرتها أخيراً."

عندها ضربته أليفيرا بمرفقها على خصره بقوة، قبل أن تقول وهي تنظر نحوه بطرف عينيها "لا تستخدم عبارات بذيئة أمام ماري!"

أشرت لنفسي وسألت بتذمر "ولا بأس معي أنا؟"

حركت فيرا كتفيها وردت على سؤالي بصراحة وبرود "لا أقصد الإهانة، ولكنكِ قادرة على قول ماهو أسوء، لذا لن تمانعي ذلك صحيح؟"

ألهذه الدرجة سمعتي سيئة بينهم؟ لكن حسناً..لا يمكنني إنكار ذلك بالطبع..

"أوه لا بأس حقاً! ليس عليكم التصرف بحذر أمامي..أعني أنا لا أمانع أبداً..ذلك..إنه.."

أوه ماري، أرجوك ان تتوقفي عن المحاولة..أعني حتى أنا التي لا أهتم لأحد في العادة أشعر بالخجل أحيانا من السب والشتم أمام ملاك مثلك..لكن مع هذا، كم تبدو لطيفة جداً وهي تحاول إقناعهما بيأس..

أهو خاطئ أنني فكرت لثانية بقرص خدودها المحمرة تلك؟

"لا بأس ماري، أتفهم الأمر..لكن لسان هذا الاحمق هو عبارة عن تلوث سمعي، لذلك من الأفضل ألا نفسح له المجال أبداً. ستشكرينني إذا ما سمعته كيف يتكلم في الحقيقة."

حقاً؟ ذلك يعني أنني قد وجدت أخيراً من يمكنني التوافق معه في هذا المجتمع المثالي بسخافة..مرحباً بك في قائمة الأشخاص المفضلين لدي جينوس!

لم يبد جينوس متأثراً بكلامها، فقط اكتفى بتقليب عينيه في ملل دون أن يقول شيئاً. لكنه نظر نحوي ليسألني بحماس مجدداً "هيا..أخبريني ما الذي حدث؟"

تنهدت بضيق وأجبت قائلة "سيكون من الأصح القول أنها هي من ركلت مؤخرتي في الحقيقة..لم أكن أتصور أبدا أنها بهذا المكر والدهاء. على كل حال، هل تعرفانها؟ الجميع يعتبرها الملاك المنقذ الذي كانوا ينتظرون بلهفة أن تصير هي الامبراطورة القادمة. لم أكن أعرف أن هناك من يعرفون شخصيتها الحقيقية في الواقع."

أجابت أليفيرا بعد أن بدت كما لو أن قشعريرةً قد أصابت عمودها الفقري وهي تفكر في أليشيا على ما يبدو "ما الذي تقولينه؟! كيف يمكن لشخص سوي ألا يدرك كمية النفاق والخداع في تصرفاتها المثالية بشكل مقزز؟"

حسنا ذلك صحيح تماماً..بالطبع إذا ما استثنيت شقيقكم الغارق في حبها بشكل سخيف!

سألتني ماري وقد بدت قلقةً للغاية "هل ستكونين بخير في الحفلة القادمة؟ الآنسة أريتريوس تمتلك شعبيةً كبيرة للغاية، ومعاداتها ستجعلك عرضةً للتنمر والمضايقات من قبل المؤيدين لها. عليكِ توخي الحذر إيميليا."

فكرت قليلاً قبل أن أنظر نحوهم وأقول بجدية "بخصوص الحفلة القادمة..هناك أمر أريد منكم مساعدتي به..هذا إن لم يكن لديكم مانع بالطبع."

بدا جينوس مستغرباً لما سألني قائلاً بحيرة "نساعدك في ماذا؟"

"همممم حسناً..ربما شيء شبيه بخطة لركل مؤخرة أليشيا أرتيريوس. هل أثار ذلك اهتمامكم؟"

تحدث كل من أليفيرا وجينوس في وقت واحد بحماس "بالطبع!"

ثم تابعت أليفيرا قائلةً بالحماس نفسه "هل تمزحين معي؟ نحن بالطبع لن نمانع إطلاقاً..تلك المتصنعة تحتاج لهذا وأكثر. ثم إنني أعتقد أن مساعدتكِ في خططكِ سيكون ممتعاً جداً!"

ممتع هاه؟ أحيانا أفكر أن هذين الأخوين هما طفلان في الحقيقة. لطالما بديا مستمتعين جداً في أوقات خصامي مع شقيقتيهما كريستينا وريناليا كما لو كنا نمثل في مسرحية ترفيهية أو ما شابه، وقد كانا يحرصان في كثير من الأحيان على التواجد وقتها للاستماع إلي وأنا أقوم بمسح كرامتهما بالأرض..

غريبان صحيح؟ لكن لا بأس، فالتحدث معهما والاستماع إليهما وهما يتشاجران أو يعلقان على الآخرين بسخرية كان ممتعاً أكثر مما ظننت..

والأكثر أهمية، يبدو أنهما على استعداد تام لمساعدتي في خطتي الصغيرة تلك، لذلك لا يمكنني أن أشتكي إطلاقاً..

▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎

لا أريد التواجد هنا إطلاقاً..

أعتقد أن هذا هو أول ما يخطر في بالي في كل مرة اضطر فيها للقدوم إلى منزل ذلك الدوق اللعين..

لكن الأحداث الأخيرة أجبرتني على ذلك..كون الدوق أريتريوس يعلم عن حقيقة إيميليا هو أمر خطير جداً لابد لي من إخباره عنه حتى لو كرهت ذلك أكثر من أي شيء آخر. إذا ما كانوا يعرفون أصلها، فلن يكون من الصعب عليهم أن يعلموا أن لها توأماً أيضاً. وأن تغيرها المفاجئ ليس بسبب معجزة ما، بل لأنني وببساطة شخص مختلف تماماً عنها، أحمل نفس ملامح وجهها لا أكثر..

هناك أيضاً زيارتي الشهرية للُوي، ولكن السبب الأكثر أهمية لزيارتي اليوم هو شيء كنت قد غفلت عنه تماماً لمدة..

لقد بقي على الموعد المقترح لزواجي بآرون ثلاثة أشهر فقط!!

لا أدري كيف نسيت هذا تماماً، لكنها كارثة حقيقية على وشك الحدوث..أعني إيميليا لم تستيقظ بعد صحيح؟ كما أنني بعيدة كل البعد عن الاقتراب ولو قليلاً من جعلها الامبراطورة القادمة..لماذا كان عليهم أن يكونوا بهذه العجلة في تحديد موعد ذلك الزفاف اللعين؟!

تنهدت بضيق وأنا أفكر في كل هذا بينما أجلس الآن على إحدى أرائك غرفة الضيوف بانتظار أن يظهر الحقير والدي أخيراً..

وبعد عدة دقائق إضافية أخرى، ظهر أخيراً خادمه الشخصي وهو يجر كرسيه المتحرك باتجاهي..

في كل مرة أراه فيها أشعر أنه يبدو متعباً وأكثر شحوباً عن المرات السابقة. أهو مصاب بمرض ما؟ من يدري، ليس وكأن الأمر يهمني على أي حال..

دفع الخادم العربة حتى أوصله للأريكة أمامي، ثم ساعده على الجلوس عليها ببطء ليدفع الكرسي المتحرك بعيداً بعد ذلك ويقف على مقربة منا..

نظر نحوي لبعض الوقت قبل أن يتكلم بخشونة "من الآداب أن تقفي عندما يدخل عليكِ شخص أكثر منكِ مكانة، لا أن تظلي جالسة مكانكِ هكذا."

رفعت إحدى حاجباي باستنكار من أسلوبه المستفز، قبل أن أرد عليه بكبر ونبرة أكثر استفزازاً "وهل تظن أنني سأحترم شخصاً مثلك؟ دعنا لا نكذب على بعضنا يا والدي العزيز، فصدقني رؤية وجهك هو آخر شيء أرغب به في هذا العالم، لذلك لننهي هذه المحادثة اللعينة وليذهب كل منا في طريقه، فقد بدأت أشعر بالاختناق بالفعل.!"

صر على أسنانه بقوة، وقد أراد قول شيء ما..فقاطعته على الفور لما أضفت ببرود "أوه، وبالحديث عن المكانة...أظن أن مكانة الأميرة المتوجة هي أعلى بكثير من مكانة دوق ليس لديه إقليم يحكمه حتى. لذا دعنا لا نطل الحديث رجاءً."

الآن بدا أكثر غضباً، ويمكنني تقريباً رؤية عروق رقبته وهي تكاد تنفجر من الغيظ..لكنه أخذ نفساً عميقاً وهو يحاول تهدئة نفسه قبل أن يقول بجفاء "ما الذي تريدينه؟"

لم أكن أرغب في أن أطيل حديثي معه إطلاقاً، لذلك تكلمت دون أي مقدمات وأنا أنظر نحوه بجدية "لقد قلت أنك تدبرت أمر هوية إيميليا الحقيقية، لكن يبدو أن الأمر لما يكن كما اعتقدت إطلاقاً. الدوق أريتريوس يعلم أنها ابنتك من تلك العاهرة، وليست من عشيقتك كما جعلتهم يصدقون. عليك أن تتدبر الأمر بطريقة أو بأخرى، فإذا ما علم عن هوية والدتها، لن يطول الأمر قبل أن يعلم بوجودي، وعندها سيشك أننا قد تبادلنا الأدوار، وأن تغير إيميليا ما هي إلا كذبة كبيرة فحسب."

تكلم الدوق بشيء من الثقة والبرود "ما يعلمه ذلك الوغد أريتريوس ماهي إلا إشاعات كان يتداولها بعض الخدم هنا.. هو لا يمتلك دليلاً قاطعاً، فقد تدبرت أمر من نشر تلك الإشاعات منذ وقت طويل، وهو لم يعلم سوى أن جوان لم تنجبكما، لذلك فهوية والدتكما هي محض افتراضات من خياله لا أكثر.."

تدبر أمرهم يعني أنه قد قتلهم صحيح؟ لا أظن أنني بحاجة للسؤال عن ذلك، فتعابير وجهه كافية لإجابتي بكل وضوح..

"حسناً..سأفترض أنه يمكنني الوثوق بكلامك، لذلك لن أقلق بشأن هذا الأمر أكثر. على كل حال، الأكثر أهمية من كل هذا هو موضوع الزفاف..لم يبق عليه سوى شهر فحسب!"

رفع الدوق حاجبه وسأل ببرود "إذا؟"

ذلك اللعين! كم أرغب في لكم وجهه الآن! لكنني أخذت نفساً عميقاً وقلت وأنا احاول أن أبدو هادئة قدر الإمكان "لا يمكن لذلك الزواج أن يتم بعد..أريد منك أن تؤجله بأي طريقة.. أنا واثقة من أنك تعلم كل شيء عني، لذلك لابد أنك تعلم أيضاً أنني كنت من عبيد (جون هيرمان). وسم العبودية ما يزال في جسدي، وسوف تقع في مشكلة إذا ما رأى آرون ذلك.."

عقد يديه أمام صدره وتكلم بشيء من التحدي "هل تظنينني سأقتنع أن ثعلبةً ماكرةً مثلك ستجد صعوبةً في إخفاء ذلك الوسم؟ لقد تحريت عنكِ بما يكفي لأعلم أنكِ قادرة على تدبر أمرك، مما يعني أن هناك سبب آخر لرغبتك في تأجيل الزواج دون أدنى شك!"

ذلك اللعين! كيف له أن يدرك ذلك بكل سهولة؟! لكن حسناً، أظن ان إخفاء الحقيقة عنه هي بلا جدوى في هذه الحالة..

"من تقاليد العائلة الامبراطورية أنه يتم تقييد حرية نسائهم بعد الزواج حتى تنجب طفلها الأول..لن يكون بوسعي الدخول والخروج من القصر الإمبراطوري دون رقابة، وسيتوجب علي البقاء داخل القصر أغلب الوقت..لذلك لن أتمكن من القيام بعملي كما يجب.. أنا سأجعل من إيميليا الامبراطورة القادمة كما تريد، ولكن من أجل ذلك يجب تأجيل هذا الزواج حتماً حتى تكتمل خطتي وأنهي كل شيء. أعتقد أن ذلك يصب في صالحك بالدرجة الأولى أليس كذلك؟"

فكر الدوق لبعض الوقت، وأظن أنه صار مقتنعاً بكلامي الآن..

رفع بصره نحوي ثم تحدث بجدية هذه المرة، دون سخرية أو برود "حسناً، كما تريدين. رغم إنه ليس بالأمر السهل على الإطلاق."

حركت كتفي بلامبالاة وأجبت ببرود "لا يهمني مدى صعوبة الأمر، المهم فقط أن تتأكد من تحقيق ذلك. ثم إنني لا أستبعد أن هناك أطرافاً أخرى ستسعى لتأجيل ذلك الزفاف وليس نحن فقط..فبعد تغير شخصية إيميليا، أصبح من الخطير جداً بالنسبة للكثيرين أن تصير هي زوجة آرون، فلن يكون بوسعهما الانفصال أبداً بعد الزواج."

لم يعلق على كلامي، لكنه سألني بشيء من الاهتمام أو الفضول ربما "لقد سمعت عن مواجهتك مع ابنة أريتريوس.. سيكون جيداً لو أنكِ سحقت غرور تلك العائلة اللعينة في المرة القادمة التي تلتقينها فيها."

رغم إنني أوافقه تماماً على ما قاله، لكنني أكره حقاً ان أسمع هذا من شخص مثله، فسبب كلامه ليس لأنه يريد مني رد اعتباري على إهانتها لي، بل فقط لأنه يكرههم حد النخاع لأسباب شخصية بحتة..

تكلمت ببرود وأنا أنظر إليه بشيء من الضجر "أياً كان ما سأفعله فهذا ليس من شأنك. أعتقد أنك قد أسأت فهم شيء ما هنا..حديثي هذا معك هو لأنه بيننا مصالح مشتركة، وليس لأننا حليفين أو ما شابه. لذلك دعنا لا نخوض في أحاديث لا طائل منها."

قلت هذا لأقوم من مكاني وأقول بنفس تلك النبرة الباردة "والآن استأذنك بالانصراف، سأذهب لرؤية لوي.."

وبالفعل غادرت الغرفة لأسير باتجاه تلك الغرفة التي أحفظ مكانها جيداً وأنا أفكر في حديثي السابق معه..

أرجو أن يكون قادراً حقاً على تأجيل هذا الزواج!

▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎

أنا غاضبة..

لا، ربما هذا التعبير لا يكفي لأصف ما أشعر به بشكل بليغ..

أرغب حقاً في ضرب أحدهم في هذه اللحظة. وعندما أقول أحدهم، أعني بذلك وغد بشعر أسود وعينين زرقاوين مثيرتين للأعصاب..

أتخيل نفسي الآن وأنا أنتف شعره اللعين شعرةً شعرة، بينما أغرقه بكل الشتائم التي وجدت في قواميس جميع اللغات التي عرفها البشر حتى الآن..

كم مرةً لعنته حتى هذه اللحظة؟ لا أدري حقاً، ولكن أظن بأنها كافية لإصابة سلالته بالكامل بسوء الحظ ربما..

تكلم داريوس بشيء من التردد، محاولاً وبيأس الدفاع عن سيده قدر استطاعته "لابد أن سموه لم يستطع إنهاء عمله باكراً كما هو متوقع، وإلا لما بقي في الإقليم الشمالي حتى اليوم..أو ربما يكون في طريق عودته بالفعل لكنه سيتأخر قليلاً فقط."

"لا تحاول مواساتي داريوس..تغيب آرون ليس خطؤك حتى تبرر له هكذا. ليس الأمر وكأنه قد وعدني بمرافقتي، فقد كنت وحدي من افترضت أنه سيأتي ويرافقني اليوم. لقد غادر من دون قول كلمة واحدة لي، لذلك أشعر بالغباء الآن لأنني كنت أنتظر قدومه منذ البداية."

ذلك صحيح تماماً..أعني ما الذي كنت أنتظر منه أن يفعل؟ يوزع بطاقات على الناس يخبرهم فيها أنه قد تحالف معي أخيراً؟ تلك الرقصة السخيفة لن تكفي بالطبع، وتخيل آرون وهو يخبر الآخرين عن علاقتنا الحالية لهو أسخف بكثير..

إذا ما الحل؟ حسناً، لا أدري واللعنة!

تنهدت بضيق وأنا أدرك أنه لا فائدة من التفكير في هذا الأمر الآن..من الواضح أن آرون لن يأتي، وسيكون علي احتمال يوم آخر من النفاق الاجتماعي والأجواء التي ستشعرني بالاختناق كالعادة..

لم تكن القاعة مكتظةً بالحضور كما هو الحال في الحفلات الخاصة بالامبراطورة، فمكانة ريناليا ليست بتلك القوة، ولا يوجد العديد من النبلاء الذين يتوددون لها مثلما هو الحال مع الامبراطورة وأبناؤها.. لكن رغم ذلك كان هناك عدد لا بأس به من النبلاء الذين استطعت التعرف على عدد كبير جداً منهم في الواقع..

الحفلات التي يتم إقامتها في القصر الامبراطوري مختلفة كثيراً عن الحفلات التي يقيمها النبلاء في العادة..القاعات الضخمة، الطعام الفاخر، الزينة المبهرجة، وكذلك الفرق الموسيقية المتنوعة التي لا تكف عن العزف طيلة الحفلة. كل ذلك لم أر مثيلاً له في أي حفلة أخرى حضرتها حتى الآن..

لا أستطيع أن أتخيل حجم الميزانية التي تصرف على هذه الحفلات الباذخة دون أدنى داعي، وكل فرد في العائلة الامبراطورية يتباهى عبر هذه الحفلات السخيفة بمقدار الدعم الذي يحظى به من العائلات الواقفة وراءه..

تنتمي والدة الأميرة الثانية إلى عائلة الكونت هارول، وهي من العائلات التي تمتلك إقليماً صغيراً في الجنوب.. ورغم أن تلك المنطقة ليست بتلك الأهمية من الناحية الاقتصادية والسياسية، إلا أن ثروة تلك العائلة لا بأس بها في الواقع. هم أفضل حالاً من دوقية هاميلوت على الأقل..

السبب الرئيسي في انحطاط مكانة تلك العائلة رغم كون ابنتهم الصغرى هي المحظية الأولى للامبراطور هو ببساطة يرجع لشخصية الأمير الثالث الجبانة، والذي لا يهتم بشيء سوى المال والنساء لا أكثر. لذلك وحتى رغم المحاولات المستميتة للكونت هارول بدفع حفيده إلى معركة الصراع على العرش، إلا أن ذلك كان بلا أي فائدة، مما أدى في النهاية إلى خسارته تأييد النبلاء الآخرين الذين انقسمت صفوفهم ما بين آرون والأمير الثاني ريموند وكذلك جينوس الأمير الرابع..

لا أرى هنا أبناء الامبراطورة، وهو أمر متوقع للغاية. الامبراطور أيضاً لم يكن متواجداً، ولا أظن أن أحداً سيحاسبه لتغيبه عن عيد ميلاد ابنته الثانية التي لا يوليها أي اهتمام إطلاقاً..ولا أظن أنه يهتم لأي من أبنائه في الحقيقة.. هذا طبعاً إذا ما استثنينا أبناء الامبراطورة، وذلك بسبب خوفه منها لا أكثر..

كنت واقفة وحدي بينما أرتشف من كوب العصير في يدي، في حين أراقب تمثيل تلك الأفعى وهي تدعي البراءة أمام الفتيات المحيطات بها، واللوات كن يتملقنها في إعجاب مقزز..

كيف لهم ألا يروا الحقيقة خلف تلك الابتسامة المشرقة أكثر من اللازم؟ أم أن مكانة الدوق أريتريوس الاجتماعية قد أعمتهم إلى الحد الذي جعلهم لا يميزون الكذب من الحقيقة؟

بصراحة لا أهتم، فعما قريب سوف أتاكد من مسح تلك الابتسامة المثيرة للأعصاب عن وجهها الملائكي اللعين!

"واااه كم هذا مقرف حقاً، ألا يمكنهن رؤية كمية الاصطناع في ذلك الوجه البريء بلا داعي؟!"

رفعت بصري لأنظر نحو تلك الواقفة إلى جانبي، فرفعت إحدى حاجباي بحيرة وأنا لا أعرف كيف يفترض بي الرد على تعليق هذه المرأة التي أراها لأول مرة..

ابتسمت من نظرتي المشككة تلك وقالت وهي تمد يدها باتجاهي "اعذريني على بدء حديثي معكِ بتلك الطريقة..اسمي هو كاثرين روزبيرغ..زوجة الكونت ماركوس روزبيرغ. لقد رأيتكِ في حفلة ابنة الدوق أريتريوس الأخيرة، لكن لا أظن أنكِ تتذكرينني فنحن لم نتحدث إطلاقاً."

الكونت روزبيرغ؟ لا أظن أنني سمعت عنه من قبل رغم أن اسمه يبدو مألوفاً بعض الشيء..

صافحت يدها الممدودة قبل أن أعرف نفسي قائلة بابتسامة طفيفة "وأنا إيميليا هاميلوت..أظن أنك تعرفينني بالفعل."

ضحكت المرأة وقالت وهي تضع يدها على فمها بخفة "ومن لا يعرفكِ آنسة هاميلوت؟ أنتِ حديث الوسط الاجتماعي هذه الأيام!"

تكلمت بشيء من التهكم وأنا ازفر الهواء من فمي بانزعاج "تفصدين موضع سخرية الوسط الاجتماعي؟ لا ألومهم، فتلك الحقيرة عرفت كيف توقعني في فخها اللعين!"

ضحكت مجدداً وقالت وهي تنظر نحوي بشيء من الاستمتاع "بالطبع لا! أعلم جيداً أنكِ لستِ شخصاً هيناً على الإطلاق، لذلك لن تدعي ما فعلته لكِ يمر دون رد أليس كذلك؟ إنني متشوقة لأعلم ما ستفعلينه، فقد سمعت الكثير عما أنتِ قادرة على فعله."

استغربت من حديثها بعض الشيء، لكنني غيرت الموضوع دون أن أجيبها لما سألتها بشيء من الحيرة "من خلال كلامكِ أرى أنكِ تكرهين الآنسة أريتريوس..هل حدث شيء ما بينكما؟"

حركت كتفيها بلامبالاة وأجابت قائلةً ببساطة "لا شيء معين.. فقط أكره الاشخاص الذين يتظاهرون باللطف والبراءة أمام الآخرين بينما يخفون في داخلهم نفوسهم القذرة. لكن ما العمل؟ إن لدى زوجي علاقات تجارية عديدة مع الدوق، لذلك لا يمكنني سوى أن أتظاهر أنا الأخرى بكوني ودودة اتجاهها بينما في الواقع لا أطيقها أبداً. تناقض مثير للشفقة صحيح؟"

"كلا، على الإطلاق..إنه أمر طبيعي أن تقدمي مصلحتكِ على مشاعركِ الشخصية. خصوصاً في الدوائر الاجتماعية للنبلاء حيث يبرع الجميع في الكذب على بعضهم من أجل تحقيق أغراضهم الشخصية...إنه تصرف حقير قليلاً، لكنه ليس خاطئاً أيضاً..بدلاً من ذلك، التصرف بمثالية هو الخاطئ في مجتمعنا، فالشخص الصادق هو من سيسقط أولاً وهو من سيفترسه الجميع في النهاية."

ابتسمت لكلامي وقالت بهدوء غريب "ما قلته مثير للاهتمام حقاً آنسة هاميلوت. الأغلبية سيحاولون تنميق كلامهم والتحدث بمثالية، لكنكِ صريحة ومباشرة تماماً.. لقد كنت فضوليةً جداً حولكِ بعد الإشاعات التي سمعتها عنكِ، لكنني أعتقد أنني بدأت بالاعجاب بكِ بعد التحدث معكِ عن قرب. سأكون سعيدةً حقاً إذا ما حصلت على الفرصة لأتعرف عليكِ أكثر. هل لا بأس لديك إذا ما أرسلت لكِ دعوة لشرب الشاي معي في قصري بعد بضعة أيام؟ سيشرفني جداً حضورك."

لا أعرف من يكون الكونت روزبيرغ هذا، لكن زيادة الحلفاء أيا كانوا هو أمر سأرحب به في أي وقت بالتأكيد!

ابتسمت بود وأجبت قائلة "بالطبع سآتي..إنني سعيدة جداً برغبتك في التعرف علي..سيسرني جداً أن نصبح على وفاق في المستقبل.."

صافحتني للمرة الأخيرة قبل أن تبتعد عني بعدما شكرتني بحرارة على قبول دعوتها تلك..

ربما لم يكن ذلك اللقاء متوقعاً، لكن آمل أن يفيدني في المستقبل بشكل أو بآخر..


على العموم، يمكنني ملاحظة نظرات تابعات أليشيا نحوي طوال الحفلة، خصوصاً ماريا لابيل وزمرتها المستفزة تلك. ربما لأنني أقف وحيدةً في هذه القاعة الواسعة دون أن يكون لي شريك للرقص، ودون أن يحيطني الأصدقاء والمعارف حتى، لذلك سأبدو محط سخرية في نظرهن الآن بالتأكيد..

لقد طلب مني بعض الشبان في الحفل مشاركتهم الرقص بالفعل، لكنني رفضتهم جميعاً بلباقة. بالكاد تعلمت الرقص دون أن أدوس على قدم شريكي على الأقل، لذلك أظن أن رقصةً واحدةً مع آرون هي أكثر من كافية..

رغم إن ذلك لن يحدث على ما يبدو..

كنت أقابل نظراتهن الساخرة بابتسامة لطيفة مستفزة، وهو ما أغاظهن كثيراً في اعتقادي، فتعابير وجوههن تؤكد ذلك. تجاهلتهن تماماً وسرت باتجاه ريناليا الواقفة إلى جانب مدخل القاعة بينما تقوم بتحية ضيوفها. كانت مشغولةً مع أحدهم عندما وصلت قبل قليل، لذلك دخلت فوراً دون أن أقوم بتحيتها.. هي بالطبع لا تتوقع مني انتظارها صحيح؟

كانت تقف وحدها، ويمكنني ملاحظة تعابيرها المحبطة ربما.. أتساءل ما الذي لم يعجبها في هذه الحفلة الفارهة بلا داعي؟!

"مرحباً ريناليا..عيد ميلاد سعيد..أعتقد.."

كنت مترددةً حول الطريقة التي علي تهنئتها بها..أعني نحن لسنا صديقتين إطلاقاً، وربما (أعداء) هو الوصف الأقرب لعلاقتنا الحالية. لكن ورغم أنها مستفزة جداً في نظري، إلا أنني لا أكرهها في الحقيقة. هي مختلفة عن أختها كريستينا الحقودة بالفطرة..هي فقط...حسنا... تحاول إثبات وجودها ربما؟

لا أدري كيف أصفها بالكلمات، الأمر فقط أنني لا أظن أنها سيئة تماماً كما تبدو..

لكن مجدداً، هي مستفزة بحق!

نظرت نحوي، ويمكنني أن ألاحظ كم بدت مندهشةً تماماً لرؤيتي، لكنها قالت رغم ذلك بانزعاج رغم أنها بدت مرتبكةً بعض الشيء "لماذا أتيتِ إلى هنا؟!"

رفعت إحدى حاجباي وقلت بشك "حسناً..لقد أرسلتِ لي بطاقة دعوة لحضور حفلتكِ وأتيت بناءً على هذا..هل كنتِ ثملةً عندما قررت دعوتي أم ماذا؟! يمكنني المغادرة الآن إذا ما أردت، فصدقيني النوم والراحة في غرفتي هو أفضل بالنسبة لي من احتمال تملق ونفاق الحاضرين هنا"

ارتبكت أكثر وردت بتلعثم "لا ليس هذا ما أقصده..أعني.."

ثم سكتت قليلاً قبل أن تستعيد رباطة جأشها وتكلمت بغرور "لا شيء، لا تهتمي بذلك..ستأتين طبعاً على كل حال بما أن الدعوة كانت مني! لا يسعكِ فعل أي شيء آخر..بل إن عليكِ أن تكوني ممتنةً أصلاً لأنني دعوتك!"

ثم أخذت تضحك بفخر مما قالته...

أهي مختلة أم ماذا؟ أعني كيف تريدني أن أرد عليها بالضبط؟ لكن أتعلمون؟ ذلك لا يهم حقاً..لا أريد تضييع طاقتي على مجادلة إنسانة بائسة مثلها..الأمر صار مملاً فحسب..

لكنها سألتني فجأة بشيء من التردد "ماذا عنه؟ أعني خطيبك.. هل...هل سيأتي؟"

أقسم أن هناك شيء خاطئ في عقل هذه الفتاة..لماذا تسأل عن آرون وقد صرحت مئات المرات أنها تكرهه ولا تطيقه أبداً؟!

أجبتها بهدوء رغم ذلك "آرون في مهمة خارج العاصمة الآن، ولا أظن أنه سيكون قادراً على المجيء.."

عضت على شفتها السفلى بغيظ، قبل أن تعقد يديها أمام صدرها وتقول بتعجرف "إذا ما كانت الحفلة تخص الامبراطورة أو أحد أبنائها فسوف يأتي إليها راكضاً..إنه لا يجيد سوى لعق أحذية تلك المرأة!"

الآن لا يمكنني إخفاء انزعاجي أكثر من هذا..نظرت نحوها بحدة وقلت بنبرة قاسية "بدلاً من لعق حذائها، أظن أن أكثر ما يرغب آرون في فعله هو قطع رأسها وتعليقه في أسوار القصر...كونه لا يزال هادئاً حتى هذه اللحظة لا يعني أنه ضعيف يا عزيزتي، فسوف تفاجئين حتماً حينما يقرر ذلك الشخص أنه الوقت المناسب لتطهير هذا القصر الفاسد... ومن يدري، ربما يكون رأسكِ أيضاً من ضمن الرؤوس التي سيتم تعليقها على السور حينها."

ثم ابتسمت بلطف وقلت بنبرة تهديد أرعبتها تماماً "لذلك أنصحكِ أن تحتفظي بلسانكِ لنفسكِ يا سمو الأميرة.."

الآن يمكنني رؤيتها وهي ترتجف في مكانها بذعر.. أعتقد أنها تدرك تماماً أنني لا أكذب أبداً. آرون هو من أكثر الشخصيات المتناقضة التي قابلتها حتى الآن..أعلم جيداً كم هو عادل ورحيم إلى أبعد الحدود، لكنه رغم ذلك لن يتردد ولو لثانية في قتل كل من يعتقد أنه تهديد للامبراطورية التي ينوي إنشاءها، حتى لو كان هذا التهديد صادراً من أشقائه الذين من لحمه ودمه..وريناليا تعرف ذلك جيداً.

لم أشأ أن أطيل الحديث معها أكثر، فلا يزال لدي شيء أهم لأفعله. تكلمت ببرود وأنا أبتعد عنها "والآن استأذنكِ بالانصراف..سترسل لكِ خادمتي هديتكِ إلى جناحكِ الخاص. أرجو أن تنال إعجابك.."

لما ابتعدت عنها بما يكفي، تنهدت بشيء من التعب.. لماذا يجب أن يكون التعامل مع البشر مرهقاً إلى هذا الحد؟!

نظرت نحو أحد الخدم الذين كانوا يوزعون أكواب الشراب على الحضور، فناديته لأخذ منه كأساً من ذلك النبيذ الأحمر القاني..

حركت السائل الدموي في الكوب قليلاً وأنا أنظر نحوه ببرود، قبل أن أرفع بصري باتجاه أليشيا، والتي ولدهشتي كانت تسير نحوي بخطى ثابتة وابتسامة مشرقة مزعجة تعلو ملامحها البريئة واللعينة تلك..

وقفت أمامي وقالت بود كعادتها "مرحباً آنسة هاميلوت..إنني سعيدة جداً برؤيتكِ مجدداً."

كانت أنظار جميع المحيطين بنا منصبة نحونا..لقد سمعوا على الأرجح بالمواجهة الأخيرة بيني وبينها، لذلك هم يترقبون الآن حدوث فصل جديد من تلك المسرحية المبتذلة بين الخطيبة البائسة، وحبيبة البطل التي يحبها الجميع..

بادلتها الابتسامة وأجبت بالود المزيف نفسه "وأنا أيضاً تسرني رؤيتك آنسة أريتريوس..لم نحظ بوقت جيد معاً المرة الماضية فقد كنت مشغولةً جداً لذلك غادرت باكراً. سيكون من الرائع لو حظينا بفرصة أخرى حتى نتعرف على بعضنا أكثر."

لم ترد على الفور، ويبدو أن ردة فعلي اتجاهها لم تكن كما أرادت، لذلك عمدت إلى أن تستفزني هذه المرة لما قالت بنفس تلك الابتسامة المقرفة "أنا أيضاً سيسرني ذلك كثيراً.."

ونظرت حولها لتضيف بحسرة "أرى أن سموه لم يأتِ اليوم أيضاً..أشعر بالذنب حقاً اتجاه الآنسة، فعلاقتكما ظلت هكذا بسبب مشاعره اتجاهي. لا أعلم ما الذي يجب علي فعله حتى أصحح هذا الأمر..أنا آسفة!"

واو، لا أصدق أنها قالت هذا حقاً! هل يمكن للإنسان أن يصبح حقيراً أكثر من هذا؟

لكنني ابتسمت لكلامها وقلت بهدوء مستفز دون أن أبدو متأثرةً بما قالته إطلاقاً "لا داعي لهذا القلق يا عزيزتي، فعلاقتي بسموه أكثر من رائعة. إنه ليس شخصاً تافهاً حتى يجعل مثل هذه المشاعر السخيفة تؤثر على حياته، فمستقبل الامبراطورية أهم بكثير من أي شيء آخر. ومن يدري، ربما قد توقف عن حبكِ منذ وقت طويل."

الآن أستطيع الشعور بشرارة الغضب التي توهجت في عينيها للحظة، لكنها سرعان ما أخفت مشاعرها لتنظر نحوي بحزن وأسى أكبر قبل أن تقترب مني لتضع كفها بخفة على مرفق يدي التي كنت أحمل بها الكوب وقالت بألم مصطنع "أوه آنسة هاميلوت، يؤسفني حقاً أنك تحاولين تصديق ذلك بيأس.. سموه ما يزال يحبني كثيراً، وقد كان ذلك جلياً منذ آخر مرة التقينا فيها.. الأمر فقط أنني لم أرد جعلكِ تحزنين عندما تعرفين ذلك، لكن يبدو أنني مضطرة لقول الحقيقة، فمن المحزن رؤيتكِ وأنت تعيشين وهماً ك__"

وقبل أن تنهي حديثها، ومن دون أن يلاحظ أي أحد، قامت هي بدفع يدي فجأةً قبل أن أدرك ذلك حتى، فانسكبت محتويات ذلك الكوب لتلطخ فستانها الزهري بلون أحمر قاني..

لثانية رأيت شبح ابتسامة منتصرة على شفتيها قبل أن تتبدل بنظرة مذعورة وتشهق بصدمة بعد أن ابتعدت عني بضع خطوات وهي تنظر لثوبها الذي لوثه النبيذ بالكامل..

تجمعت الدموع في زاوية عينيها وقالت وهي تنظر نحوي بألم "لماذا فعلتِ ذلك آنسة هاميلوت؟ أعلم انكِ تكرهينني، لكن ذلك كثير جداً. ما ذنبي إذا ما كان خطيبك يحبني بجنون؟!"

في تلك اللحظة أردت أن أضحك ملأ قلبي..أعني أيتها الغبية، لقد نفذت خطتي بنفسكِ دون أن أبذل أي جهد يذكر!!

لم أسمح لأحد أن يعقب على كلامها، فأنا أعرف جيداً كيف ستكون ردة فعلهم بعد رؤية مشهد درامي كهذا.. سأبدو أنا الشريرة الوغدة التي تتنمر على الفتاة المسكينة التي ليس لها حول ولا قوة..

وضعت يدي على فمي وقلدت شهقتها المصدومة تلك قبل أن أهتف بقلق متداركةً الموقف على الفور "أوه يا إلهي! أنا آسفة حقاً، لا أدري كيف حدث هذا فقد انزلق الكوب من يدي دون قصد مني!"

وأخرجت منديلي من جيب الفستان لأحاول مسح تلك البقعة الكبيرة دون فائدة..

كنت أبدو قلقةً ومذعورة، وربما أبكي في أي لحظة كما لو أنني أشعر بالذنب حقاً لإفسادي فستانها دون قصد..

أكاد أضحك على تعابير أليشيا الآن.. لماذا أنتِ مصدومة هكذا يا عزيزتي؟ هل ظننتِ أنكِ الوحيدة القادرة على التمثيل هنا؟

لما عجزت عن مسحها وضعت يدي على كتف أليشيا وقلت برجاء "دعينا نذهب إلى غرفة الاستراحة...سأطلب من خادمتي أن تجهز لكِ فستاناً جديداً."

نظرت أليشيا حولها بارتباك.. كان الحاضرون ينتظرون إجابتها بترقب، فبعد المسرحية التي أديتها بإتقان للتو، سيبدو رفضها لعرضي تصرفاً وقحاً للغاية وهو ما لن تخاطر ملكة الادعاء به أبداً..

تكلمت بلباقة رغم إنني أعلم أنها تكاد تنفجر من الغيظ الآن وهي على وشك الاعتراف بفشلها ونجاح تمثيليتي الصغيرة تلك "لا بأس آنسة هاميلوت، أنا بخير هكذا. سوف أعود إلى المنزل فحسب، وليس عليكِ أن تشغلي بالكِ بأمري. شكراً لك على قلقكِ علي."

ضغطت على كتفها بخفة وقلت بإصرار "لا، لا يجوز ذلك آنسة أريتريوس. كيف يمكن أن تغادري الحفلة قبل أن تبدأ حتى؟! دعينا نذهب إلى غرفتي..سأجهز لكِ فستاناً جديداً في الحال."

واقتربت منها قليلاً لأهمس قرب أذنها دون أن يلاحظ أحد "رفضكِ سيزيد من موقفكِ سوءاً فحسب..لا تنس أنكِ في نظرهم قد قمتِ باتهامي ظلماً أنني لوثت فستانكِ عن قصد، والآن ستبدين كفتاة متكبرة ترفض مساعدة هذه المسكينة التي قلقت عليكِ بصدق حتى بعد الذي فعلته لها."

تحدثت دون أن تتبدل تعابير وجهها إطلاقاً "ما الذي تريدينه؟"

"بدلاً من التصرف بحقارة ومهاجمتي بشكل مبطن ومحاولة جعلي أبدو بمظهر سيء أمام الآخرين، دعينا نتحدث بصراحة كإنسانتين متحضرتين دون اللجوء لهذه الألاعيب الرخيصة. ألا توافقينني الرأي؟"

لم ترد على ما قلته، لكن تعابير وجهها المغتاظة وهي تحاول تغطية ذلك بيأس جعلتني أدرك أن الخطوة الأولى من تنفيذ خطتي قد تمت بنجاح.

ابتسمت بهدوء وقالت بلباقة "شكراً لكِ على لطفكِ آنسة هاميلوت."

قالت هذا لترافقني بهدوء إلى خارج القاعة، حيث رافقنا داريوس الذي أخذ يسير خلفنا دون أن ينطق بأي شيء..

بعد أن ابتعدنا بما يكفي، تكلمت بنبرة حادة لأول مرة منذ أن عرفتها لتقول وهي تنظر نحوي بغضب "ما الذي تريدينه؟"

بصراحة لم يكن بوسعي إخفاء نظرتي المتفاجئة من تغيرها هذا حتى وأنا أعلم أن أسلوبها اللبق والرقيق كان تمثيلاً لا أكثر..

علقت بشيء من الاستغراب "لا أصدق أنكِ تستطيعين التحدث بهذه الطريقة! أو بالأحرى..أهذه هي ذاتكِ الحقيقية؟"

ردت بوقاحة ونظرات السخط لم تغب من عينيها للحظة "وهل ظننتِ أن ذلك الأسلوب المقزز في الكلام هو أسلوبي حقاً؟! لكن ما العمل؟ الناس يحبون تنمق الأشخاص مثلي، ولا يسعهم سوى أن يكونوا كالعبيد في يدي ما إن أحدثهم بتلك الطريقة."

"واو! أنتِ مثابرة حقاً..أعني لو كنت مكانك، كنت سأتقيأ في اليوم مليون مرة إذا ما اضطررت لترقيق صوتي وتليين ملامحي بتلك الطريقة كل يوم. لكن هل تظنين أن تزييف نفسكِ هكذا سيجلب لك حب الآخرين حقاً؟ العيش في علاقات وهمية تعتمد فقط على أن تظلي محافظةً على صورة معينة سيتركك الناس ما إن تتغير، هو شيء لا يجب أن تفرحي به أبداً."

أعلم أنها مقتنعة تماماً بكلامي، لكن غرورها يمنعها من الاعتراف بذلك..لذلك ردت بوقاحة أكبر وهي تحاول أن تبدو قويةً أمامي قدر الإمكان "ذلك ليس من شأنكِ"

رفعت كفي باستسلام وقلت بشيء من السخرية "أوه بالطبع هو ليس من شأني، لكنني أردت فقط أن أخبركِ كم أن الناس مخيفون جداً حينما يديرون ظهورهم لشخص كانوا يلعقون أحذيته في يوم ما..لا تثقي بمكانتك عندهم يا عزيزتي حتى لا تصدمي عندما يتغيرون لاحقاً."

لم تعلق على ما قلته، لكن يمكنني ان أعرف أنها تشعر بالضيق الآن. تحدثت وهي تحاول تغيير الموضوع "إذا..ما الذي تريدين التحدث بشأنه؟"

نظرت حولي وقلت بابتسامة مستفزة "لا أظن أنكِ تريدين التحدث هنا صحيح؟"

بدت مرتابةً جداً وقد قالت بشيء من التهديد "أنتِ تعرفين أنه لا يمكنكِ فعل أي شيء لي صحيح؟"

ضحكت على خوفها المفضوح مني وقلت وأنا أحاول كبح ضحكاتي بصعوبة "أوه بربكِ أليشيا! الجميع يعرف أنكِ معي الآن، لذلك بالطبع لا يمكنني فعل أي شيء لك. لست مجنونة حتى أفعل هذا لذلك توقفي عن التصرف كالدجاجة التي رأت ذئباً وتعالي معي لنتحدث بهدوء."

الآن بدت محرجةً جداً وغاضبةً في الآن نفسه. لحقت بي دون أن تقول أي شيء، وقد سرنا لبعض الوقت حتى وصلنا إلى ممر ضيق..سرنا من خلاله قليلاً قبل أن أفتح باب تلك الغرفة الجانبية التي كانت تؤدي إلى ممر آخر به درج وعدة غرف جانبية أخرى..صعدنا الدرج الذي كان يؤدي إلى ردهة واسعة بها بابين جانبيين وباب في المنتصف، فسرت لأفتح الباب ونظرت نحوها لأقول بابتسامة "تفضلي بالدخول."

تسمرت في مكانها وقد بدت مرتابةً أكثر الآن. تراجعت خطوةً للوراء وقالت وهي تبدو كمن يترقب هجوم أحدهم في أية لحظة "ما هذا المكان؟ هل تريدينني أن أصدق انكِ أخذتني طول الطريق لهنا فقط من أجل التحدث معي؟ أنت بالتأكيد تخططين لأمر ما!"

حركت كتفي بلامبالاة وقلت ببساطة "لماذا تبعتني إذا ما كنت مرتابة هكذا؟ أنا واثقة أنكِ تعلمين أنني لا يمكنني إيذاؤك حتى لو أردت هذا."

"إذا لماذا أخذتني إلى هنا بالذات؟"

أجبت ببرود كما لو أن الأمر لم يكن مهماً على الإطلاق "لأنني أعرف أنكِ لن تكشفي عن وجهك الحقيقي بالكامل إلا في مكان لن يصله أي مخلوق، وهذه هي البقعة الوحيدة في القصر التي أضمن لك أن لا أحد سيأتي إليها في هذا الوقت بالذات.. هذه هي الغرف الخاصة بالفرق المسرحية التي تأتي لتقديم عروضها في قاعة الاحتفالات بالأسفل، حيث أن هناك درج آخر في الجهة المقابلة يؤدي إلى المسرح مباشرةً. لا تقلقي، فحتى لو خططت لقتلكِ مثلاً يمكنكِ الهرب عبر ذلك الدرج وستصلين إلى القاعة على الفور. هل ما تزالين خائفةً مني حتى الآن...آنسة دجاجة؟"

اصطبغ كامل وجهها بالحمرة وقالت وهي تحاول الحفاظ على نبرتها الواثقة والمغرورة تلك "لست خائفةً منكِ أبداً، فأنت كالحشرة التي يمكنني الدوس عليها متى أشاء..لا تغتري بنفسكِ كثيراً يا هذه فأنتِ لا شيء أمامي!"

اكتفيت بابتسامة ساخرة وأنا أسير إلى داخل الغرفة دون أن أقول أي شيء..

كانت غرفةً خشبيةً متوسطة الحجم، بمكتب صغير أمامه كرسي خشبي، ويقابله حائط به عدة أنانبيب ضخمة تتجاوز الحائط وتفتح فوهتها إلى الخارج على ما يبدو. ومن الجهة الجانبية هناك ستارة ضخمة تغطي الحائط بالكامل.

نظرت أليشيا حولها باستغراب وتساءلت قائلة "ما هذه الغرفة؟"

"أعتقد أنهم يستخدمون هذه الغرفة من أجل حفظ النصوص. إنها مجهزة بأنابيب تهوئة خاصة وزجاج سميك عازل للصوت.

سرت نحو الستارة لأبعدها قليلاً حيث كان ذلك الحائط مصنوعاً بالكامل من الزجاج مع باب زجاجي في المنتصف يفضي إلى درج يقود للأسفل، ويمكننا من هنا رؤية قاعة الاحتفالات حيث كان ضيوف الحفلة متجمعين هناك.

علقت وأنا أنظر نحوهم "الأمر كما أخبرتك...يمكنك استخدام هذا الدرج والهرب ببساطة من هنا."

ثم نظرت نحوها وقلت بهدوء "والآن..هل هذا كافٍ لطمأنتك؟"

نظرت نحو القاعة لبعض الوقت، ويمكنني ملاحظة توترها وهو يختفي تدريجيا ويبدو أنها بدأت تشعر بالأمان الآن..

وقفت بجانب المكتب لأتحسسه قليلاً قبل أن أقلب الكرسي للجهة المقابلة لأليشيا وأقول بابتسامة ودودة مصطنعة "يمكنكِ الجلوس..لا يجوز لابنة الدوق الموقرة أن تظل واقفةً هكذا صحيح؟"

ترددت قليلاً قبل أن تجلس وهي تبدو متوترةً نوعاً ما..

عندها قلت مخاطبةً داريوس بهدوء "اتركنا وحدنا رجاءً... "

"أمركِ سيدتي"

قالها داريوس بانصياع قبل أن يغادر المكان ويغلق الباب وراءه..

عقدت أليشيا يديها أمام صدرها واضعةً إحدى قدميها فوق الأخرى لتقول بغرور وهي تنظر نحوي بتعالي "حسنا، ما الذي تريدين التحدث عنه؟"

"بدلاً من سؤالي، أعتقد أنكِ أنتِ من لديها شيء تريد التحدث عنه بما أنكِ لا تنفكين عن مضايقتي وتحريض الناس ضدي طوال الفترة الماضية. ما الذي تريدين الوصول إليه من كل هذا؟"

احتدت تعابيرها أكثر قبل أن تجيبني بشيء من الحقد "وهل تظنين أنني كنت سأتركك بهذه البساطة بعد أن سرقت مكاني إلى جانب ٱرون؟ بصراحة كنت سأتفهم الأمر إذا ما كنتِ تلك الساذجة المسكينة التي عينتها الامبراطورة كخطيبة لآرون من أجل أن تحرمه من العرش. لكن الآن وقد تبين أنك كنت في الحقيقة محض أفعى ماكرة خدعتنا جميعاً، لا يمكنني البقاء مكتوفة اليدين وأنا أراكِ تسرقين منصب الإمبراطورة المستقبلية مني..سأحرص على تدميركِ بكل ما أوتيت من قوة!"

ضحكت من كلامها وعلقت بسخرية "واو! ياله من حديث درامي كاد أن يجعلني أبكي حقاً! ماذا عن حبكِ الاسطوري أنت وآرون؟ هل كنتِ ستلقين به عرض الحائط إذا ما أبقيت على شخصيتي الضعيفة تلك؟ أم أن الأمر محض كذبة كبيرة فحسب؟!"

الآن كان دورها هي لتضحك وتجيب ساخرةً من سؤالي كما لو أن إجابتها هي أكثر شيء وضوحاً في العالم "بربكِ هاميلوت! هل ظننت حقاً أنني سأنجرف وراء شيء سخيف كالحب وأتخلى عن منصب مهم كمنصب الامبراطورة؟! منذ أن فتحت عيني على هذا العالم وأنا أتجهز يومياً لتولي هذا المنصب..ثم ماذا؟ تأتي فتاة عشوائية مثلك لم تمر بربع الذي مررت به حتى وصلت إلى ما أنا عليه اليوم، ثم تأخذ مكاني ببساطة؟ أنا بالتأكيد سأتاكد من تدميرك، وسأستعيد مكاني حتماً!"

عقدت يدي أمام صدري وقلت ببرود "ربما لا تعرفين هذا بعد، لكنني وآرون صرنا حليفين الآن..حتى لو نجحتِ في خطتك السخيفة من أجل تشويه سمعتي وزعزعة مكانتي في الوسط الاجتماعي، فذلك بالتأكيد لن يغير من هذه الحقيقة، وآرون ليس تافهاً ومحدود التفكير حتى يتركني لسبب سخيف كهذا، لذلك أنصحكِ بالتوقف عن إضاعة وقتكِ وجهدكِ هكذا بلا داعي."

"فليذهب آرون للجحيم! أنا لا أهتم سواء كان من سأستعمله لبلوغ هدفي هو آرون أو غيره، المهم عندي فقط هو أن أصير أنا امبراطورة هذه البلاد اللعينة!!"

أوتش!

هذا مفاجئ بعض الشيء. لكن لا أدري لماذا أشعر فجأة بالأسف عليه..لديك ذوق سيء في اختيار حب حياتك عزيزي آرون!

لكنني تظاهرت بالتفاجؤ وقلت بشيء من الدهشة "أأنتِ جادة؟ أعني دعينا من آرون..ماذا عن حلفائك ومحبيك؟ جميعهم منبهرون بذلك الحب الكبير والدرامي الذي يجمعكما..هل ستقولين لهم أن يذهبوا للجحيم هم أيضاً؟"

"آه أجل.. فلتتعفن مؤخراتهم اللعينة هناك جميعا، فأنا لا أهتم لأي منهم..إنهم محض حشرات تافهة بالنسبة لي، وما إن أصبح أنا الامبراطورة سيكون بوسعي الدوس عليهم جميعاً. أنا__"

لكنها سكتت ما إن رأت تلك الابتسامة المنتصرة على وجهي، وقد كنت أحاول جاهدةً منع نفسي من الضحك بأعلى صوتي..

سألتني وهي تنظر نحوي بارتياب "ما خطب هذه الابتسامة المزعجة على وجهك؟ لا أظن أنني قد قلت لك نكتةً ما للتو!!"

وقبل أن يكون بوسعي الإجابة، سمعنا صوت طرق قوي على زجاج الباب الخلفي المؤدي للقاعة..

الآن بدت أليشيا أكثر حيرة، ونظرت نحوي لتقول بحذر "ماذا يحدث هنا؟!"

لكنني حركت كتفي كإشارة على عدم معرفتي بشيء، فنهضت من مكانها وأسرعت نحو الباب مزيحةً تلك الستارة التي غطت الحائط بالكامل..

"جوناثان؟!!"

كان ذلك ما نطقت به في دهشة وهي تنظر إلى شقيقها من خلف الزجاج، وتلك التعابير المذعورة والغاضبة تعلو وجهه بينما يطرق الزجاج بكل قوته..

نظرت نحوي وهي تنتظر مني تفسيراً على ما يبدو..

للحظة شعرت بالشفقة اتجاهها..أعني ليس من اللطيف تركها حائرة هكذا دون أن أشرح لها ما الذي يحدث صحيح؟

وضعت يدي على فمي وهتفت باصطناع كما لو كنت قد تذكرت شيئاً للتو "أوه يا إلهي! نسيت أن أخبركِ أنهم إلى جانب استعمالهم لهذه الغرفة في حفظ النصوص، فهم يستعملونها أيضا لغرض الإلقاء..تعرفين تلك المسرحيات التي انتشرت في الآونة الأخيرة حيث يوجد بها راوٍ يشرح بعض تفاصيل القصة ويمكنكِ سماعه بوضوح رغم أنك غير قادرة على رؤيته؟ إنه يتحدث من هنا يا عزيزتي."

الآن بدت أكثر حيرة وسألتني بارتياب وتوتر "لم أفهم"

في الواقع لا ألومها على عدم استيعاب الأمر بعد، فهذا الاختراع يعد جديداً على الامبراطورية، وقد تم إدخاله قبل شهر فقط، لذلك فإن أغلب الناس لايعرفون كيف يعمل الأمر بعد..

أشرت إلى تلك الأنابيب الذهبية وقلت موضحةً بابتسامة خبيثة تعلو وجهي "أترين تلك الأنابيب هناك؟ إنها تعمل كمضخم للصوت، لهذا استطعتِ سماع صوت الراوي بوضوح في المسرحية التي أقيمت في القصر الأسبوع الماضي.."

وأضفت وأنا أكتم ضحكتي الساخرة بصعوبة "تماماً مثلما سمع جميع الحاضرين في الحفل كل ما قلته قبل قليل!"

الآن قد استوعبت كل شيء أخيراً...

جثت على الأرض وتمتمت بصدمة "لا..لا يمكن.."

في تلك اللحظة تحطم زجاج الباب جهة المقبض بعد أن كسره جوناثان بكرسي يبدو أنه أحضره من القاعة بالاسفل بعد أن ادرك أن أخته المصدومة لن تفتح له الباب الآن..

ركض نحوها وصرخ في وجهها قائلاً بعصبية "ما الذي فعلته أيتها الغبية؟! كيف سمحت لها باستدراجك هكذا؟!"

لم ترد أليشيا عليه، وقد كانت ترتجف في مكانها بذعر..

عض على شفته السفلى وقال وهو ينظر نحوي بحقد "ستندمين على هذا حتماً! سأقتلك أيتها اللعينة!"

وكان على وشك النهوض نحوي لولا أنني أشرت إلى الأنابيب من ورائي وقلت بيننا أنظر نحوه بثقة وتعالي "لا تنس أن الجميع يسمعون كل حرف تقوله هنا. ثم إن فارسي في الخارج بينما يستل سيفه الآن، وسيقضي عليك فوراً قبل أن تكون قادراً على الاقتراب مني حتى."

وأضفت بنبرة آمرة "خذ أختك وغادرا من أمامي الآن.. اليوم كان عقابها بسيطاً، لكنني لن أكون بهذه الطيبة في المرة القادمة، لذلك أنصحها بعدم اللعب معي مجدداً أهذا واضح؟"

بالطبع كنت أكذب عليه، فقد أرخيت الذراع التي كانت مصممة من أجل إغلاق فوهة تلك الأنابيب بغطاء حديدي محكم يمنع خروج الصوت منها، لذلك لم يعد بإمكان الحاضرين في القاعة سماع حديثنا بعد الآن.

لم يرد جوناثان، لكن عيناه اللتان تشتعلان غضباً وحقداً كانتا كفيلتان بالرد علي..
للحظة شعرت بشيء من الضيق..هل فتحت للتو باب الجحيم على نفسي؟ لا أدري حقيقةً، لكنني لم أعد أبالي بعد الآن.. ربما جعلهما يفقدان صوابها هي الطريقة الأسرع للتخلص منهما نهائياً..أو ربما...

هي الطريقة الأسرع لنهايتي أنا...

ساعد شقيقته على النهوض قبل أن يتجها باتجاه الباب، لكنني أوقفتهما لما قلت ببرود "الطريق الوحيد للخروج من هنا هو عبر الباب الزجاجي نزولاً للقاعة..لقد أمرت فارسي ألا يفتح الباب لأحد مهما كان السبب."

الآن لم يعد جوناثان قادراً على الاحتمال أكثر..ترك أخته وسار نحوي بخطوات سريعة قبل أن يشد ياقة ثوبي بقوة ثم يدفعني باتجاهه وهو يضع ذلك الخنجر الصغير على عنقي..

تكلم وهو يصر على أسنانه بغضب عارم "سأجعله يفتح الباب رغماً عنه بعد أن أتأكد من قطع هذا العنق اللعين!"

رفعت بصري باتجاهه وتكلمت بنفس تلك النبرة الباردة
دون أن أبدو متأثرةً بحدة سكينه الذي جرح جانب عنقي من حدته، ولا بدفء دمائي التي أخذت تسيل من جانب عنقي ببطء..

"هيا فلتقتلني، لكن عليك أن تكون جاهزاً للإعدام بعد ذلك..ستكون أول مجرم في التاريخ يشهد على جريمته مئات البشر..أليس ذلك أمراً عظيماً؟"

"دعها وشأنها جون!"

نظر جوناثان لشقيقته التي تكلمت أخيراً وهي تنظر نحوي بحقد، في حين تجمعت دموع القهر في زاوية عينيها وهي تكافح بصعوبة ألا تخرجها أمامي..

بدت مكسورةً بحق، وكنت على وشك الشعور بالشفقة اتجاهها وتركها تغادر دون أن أحرجها أكثر من ذلك لولا أنها أضافت متوعدةً بكره "سأجعلكِ تندمين على هذا حتماً ولو كان ذلك آخر شيء أفعله في حياتي!"

قالت هذا لتسير بخطى سريعة باتجاه الباب الزجاجي وهي تقاوم دموعها المتجمعة في مقلتيها بصعوبة..

لحقها شقيقها على الفور دون أن ينظرا نحوي لثانية، في حين تبعتهما بخطى متثاقلة لأراقبهما من تلك الشرفة المطلة على القاعة بالأسفل بينما ينزلان الدرج، ويسيران وسط الحشود التي كانت تنظر لهما بعيون منها الغاضبة والمتهمة، ومنها الفضولية والشامتة أيضاً في حين ظل الجميع يتهامسون فيما بينهم دون أن يزيحوا بصرهم عنهما إطلاقاً حتى غادرا القاعة..

الجو كان مضطرباً، والفوضى تعم المكان بعد هذه المسرحية الدرامية المفاجئة التي حدثت للتو. ولكن من بين كل أولئك الحشود، كنت أستطيع رؤيته وهو يقف أسفل الدرج بينما عيناه الزرقاوان تنظران نحوي بهدوء غريب..

نزلت الدرج بخطوات بطيئة بينما أبادله تلك النظرات الصامتة أنا الأخرى..

كنت أظن أنني سأشعر بالرضا بعد أن أنتقم منها كما خططت سابقاً، لكن لماذا أشعر بالضيق في صدري بدلاً من ذلك؟ لماذا كان عليها البكاء بدلاً من التصرف بطريقة تجعلني لا أشعر بالذنب كما أنا الآن؟!

وقفت أمام آرون الذي ظل صامتاً وهو ينظر نحوي كما لو كان يقرأ عيناي في تلك اللحظة..

تكلم أخيراً بعد ذلك الصمت الرهيب بيننا ليقول وهو يعلم أنني أوافقه الرأي تماماً "لقد بالغتِ كثيراً..أنتِ تعرفين هذا صحيح؟"

أجل أعلم أيها الوغد!

أردت قول هذا حقاً، لكن ذلك الجانب العنيد مني أبى الاعتراف بهذه الحقيقة..

لذلك أجبته بشيء من الغضب "ماذا؟ هل إحراجي لحبيبتك أمام الجميع جعلك تشعر بالأسف اتجاهها؟ أوه أنا آسفة، لكن أظن أن عليك أن تشكرني بدلاً من ذلك كوني جعلتك تستيقظ من الوهم الذي كنت تعيشه!"

عقد آرون حاجبيه بانزعاج وقال مستنكراً "حبيبتي؟ صحيح أنني لا أهتم إطلاقاً بما يعتقده الآخرون بشأني، لكنني ظننتكِ أكثر ذكاءً حتى تصدقي شيئاً سخيفاً كهذا."

مهلاً ماذا؟!

"ما الذي تقوله؟! الجميع يتحدثون عن كيف أنكما كنتما على علاقة منذ الطفولة وأنكما__"

لكنني سكت بعد أن أدركت الأمر أخيراً...لا أدري كيف صدقت أن شخصاً بمثل دهائه وقوة ملاحظته سينخدع بتمثيل تلك الأفعى أليشيا. بالنسبة لي، لقد كنت محظوظةً جداً كونه لم يختلط بإيميليا ولا يعرف عنها أي شيء، وإلا لكان قد أدرك الاختلاف بيننا على الفور. هو لم يبرر لأحد مطلقاً حتى مع اعتقاد الجميع ومن ضمنهم ماري أيضاً أنه على علاقة بها، لذلك سيكون من السخيف أن أنتظر منه تفسيرا أكثر مما قاله بالفعل، فحتى إنكاره أصلا لعلاقتهما هي معجزة بحد ذاتها!

أخذت نفساً عميقاً وقلت بلوم بعد أن صرت أكثر هدوءاً الآن "لقد تأخرت"

لم أكن أنتظر منه أن يبرر سبب تأخره، لكنني أردت فقط أن أبين له كم كنت متضايقة من ذلك. لقد كنت أبدو مثيرة للشفقة وأنا أقف وحيدة في حفل كهذا بينما يفترض به أن يقوم بخطوة تظهر أننا قد صرنا حليفين الآن. جينوس وأليفيرا كان يفترض بهما مرافقتي ومساعدتي في خطتي أيضاً، لكنهما اعتذرا عن الحضور لظرف طارئ قد حدث لهما، في حين أن ماري أيضاً لم تحضر لأنها كانت مريضةً بشدة هذا الصباح. لذا أنا حرفياً لم يكن لدي أي شخص يرافقني اليوم أبداً.

لم يرد على عتابي كما توقعت، لكنه وقف إلى جانبي وسألني وهو ينظر للحشود من حوله بتعابير غامضة "منذ متى بدأت الحفلة؟"

ألقيت نظرةً سريعةً إلى حيث ينظر، لكنني لم أفهم سبب تعابيره الغريبة تلك، لكنني أجبته بشيء من الشك "منذ ساعة تقريباً.."

"وأين هي ريناليا؟ لم أرها منذ أن دخلت إلى القاعة.."

نظرت حولي على عجل، ثم أجبته وأنا أهز كتفي بلامبالاة "لا أعلم، لقد كانت هنا قبل أن أغادر القاعة برفقة أليشيا."

حرك رأسه متفهماً، ولا أظن أن الإجابة كانت تهمه من الأساس، بل إنه تابع سيل أسئلته دون توقف "هل تم تفتيش الضيوف قبل دخولهم؟ وهل لاحظتِ حركةً غريبة بين الحراس؟"

عقدت حاجباي وقلت وأنا أشعر بحيرة أكبر من أسئلته المريبة تلك "ما الأمر آرون؟ هل حدث شيء ما؟"

هز رأسه بصمت بعد أن أدرك أنني لم أفهم سبب أسئلته، ثم سألني دون أن تتبدل نظراته المنزعجة تلك "أين داريوس؟ يفترض أنه كان معك طوال الوقت صحيح؟"

الآن صرت غاضبة بحق. وقفت أمامه وقلت وأنا أنظر نحوه بانزعاج شديد "أجب على سؤالي ولا تتركني خارج الموضوع. ما الذي يحدث هنا؟ أنت لم تسألني هذه الأسئلة من فراغ بالتأكيد!"

تنهد بشيء من الاستسلام قبل أن يجيب بهدوء لا يتناسب مع ما قاله إطلاقاً "هناك حركة مريبة بين الحشود..على الأرجح ثمة مجموعة تخطط لعمل شيء ما هنا."

وقبل أن أقول أي شيء، تكلم على الفور محذراً بنبرة آمرة دون أن تتبدل تلك التعابير الهادئة المصطنعة من على وجهه "لا تبدِ أي ردة فعل على كلامي..لابد أنهم يراقبوننا الآن، لذلك لا تظهرِ لهم أنك قد لاحظت وجودهم."

من البداية لم أكن انوي إظهار ردة فعل على كلامه.. أعني ما الذي كان يتصور مني أن أفعل؟ أشهق وأبدأ في الصراخ أم ماذا؟!

ذلك يكفي آنا..لا تأخذي الموضوع على نحو شخصي!

لكنني لم أستطع منع نفسي من تقليب عيني على كلامه لأرد وأنا أضم يداي إلى صدري في انزعاج واضح " لا تقلق، لن أتشقلب في مكاني مثلاً، لذلك يمكنك أن تكون مطمئناً. تباً، ألم يختاروا إلا اليوم للتسلل؟ ما اللعنة التي يريدها هؤلاء الأشخاص؟ أرجو ألا يتحول الأمر إلى إزعاج لعين فيما بعد...سأقوم بركل مؤخراتهم إن فعلوا..كن واثقاً من ذلك!"

الآن بدا آرون في حيرة من أمره، ولا أظن أنه استطاع أن يفهم أصلا لما أنا منزعجة الآن. ناهيك عن كم الشتائم التي قلتها دفعة واحدة، والتي لا يفترض لفتاة محترمة من عائلة نبيلة أن تتفوه بها من الأساس..

حسناً، أنا أيضاً لا أعلم لما أزعجني كلامه لهذا الحد..ربما لأنني غاضبة منه من البداية، لذلك أي شيء سيقوله الآن قد يجعلني منزعجة دون أي سبب..

لم يعلق على كلامي، لكنه قال مغيراً للموضوع تماماً "من الأفضل لنا مواصلة هذه الحفلة الآن حتى نعرف ما الذي ينوون فعله..الجميع ما يزال في حالة فوضى بسبب ما فعلتِه، ولا يبدو أن ذلك ما كانوا يخططون له وإلا تحركوا منذ وقت طويل."

"ذلك يعني أنهم يستهدفون شخصاً معيناً، وربما هذه الفوضى التي حصلت جعلته غير ظاهر بالنسبة لهم.."

في تلك اللحظة سادت لحظة صمت قصيرة بيننا كما لو أننا كلانا قد أدركنا الأمر الآن..

نظرت حولي متفقدةً وجوه الحشود دون جدوى، لكن آرون اقترب مني ونظر نحوي قائلاً بثبات وهو يمد كف يده اليسرى أمامي "البحث هكذا لن ينفع..إذا ما كان افتراضي صحيحاً وهم الآن ينتظرون عودة الحفلة إلى ترتيبها الأصلي، فعلينا منحهم هذه الفرصة حتى يظهروا نواياهم الحقيقية."

لم أكن قد استوعبت بعد ما الذي ينوي فعله تحديداً، لكنني قبل أن أقول أي شيء، رأيته يشير إلى إيريك الواقف على جانب القاعة رفقة الحراس الآخرين، ويبدو أنه قد فهم ما أراده سيده على الفور، فقد رأيته يسير بسرعة باتجاه الفرقة الموسيقية التي بدأت العزف بموسيقى هادئة ما إن تحدث معهم إيريك لبعض الوقت..

تكلم آرون اخيراً ويده ما تزال ممدودةً أمامي ليقول بنبرة هادئة، وتعابير جادة لا تناسب الموقف إطلاقاً "لنقدم عرضاً لهؤلاء الحشود حتى يخرسوا ويعودوا لأماكنهم."

قبلت عرضه بأن وضعت يدي على كفه بخفة قبل أن أقول بتهكم وأنا أخلل أصابعي بين أصابع يده "إنها ليست الطريقة الأمثل لطلب الرقص من امرأة..تعلم هذا صحيح؟"

وضع يمناه على خصري وأجاب بشبح ابتسامة ساخرة على شفتيه "اعذريني لكوني بعيد كل البعد عن المثالية."

وضعت يدي اليسرى على كتفه، بينما رفع هو يدينا المتشابكتين قليلاً ليبدأ أولى حركات رقصة الفالس التي أمضيت الاسبوعين الماضيين بأكملهما وأنا أحاول تعلم خطواتها اللعينة...

"لاتقلق، فالمثالية هي آخر شيء أريده الآن..أعني سيكون الأمر مريباً أكثر إذا ما قمت أنت _آرون دي هاديس_ بسؤالي الرقص بطريقة مثالية.."

ومن بين كل التعابير التي توقعت أن يبديها، اختار آرون الضحك على كلامي..

لم تكن ضحكة طويلة أو صاخبة، وإنما قهقهة خافتة بتعابير طبيعية مستمتعة جعلت أنظار الجميع منصبة نحوه..

وربما كنت أنا من بين (الجميع) أيضاً..

"آخخ!! ما خطبك؟ لم دستِ على قدمي؟!"

لم أهتم لكوني كدت أهشم مشط قدمه بكعب حذائي الرفيع، فقد كنت مصدومةً تماماً..

أعني آرون يضحك؟! وليست ضحكة ساخرة أو متصنعة، بل ضحكة طبيعية كإنسان طبيعي في هذا العالم!

كنت أنظر نحوه بذهول للحظات، لكنني حركت رأسي نافيةً وقلت بهدوء "لا..لا شيء.."

إنه يبدو كحدث لن يتكرر إلا مرةً في العمر ربما، لذلك لا اريد إفساد الأمر بتعليقي الآن..

رغم إنني ما أزال مصدومةً في الواقع..

كثيراً..

لم يدقق آرون في الأمر كثيراً، فقد نظر إلى جانبه وعلق قائلاً براحة "جيد..لقد نجحنا في جذب الأنظار نحونا."

لقد كان جميع الحاضرين حرفياً ينظرون نحونا بفضول ودهشة في الآن نفسه..
ربما لم تكن خطتي الأصلية هي جذب الأنظار بهذه الطريقة المبتذلة، لكن أعتقد أنها ستترك تأثيرا أكثر فاعلية في الحقيقة..

إنه كإعلان واضح وصريح أن علاقتي بآرون مختلفة الآن، وأنه قد اعترف بي أخيراً كشريكة وزوجة مستقبلية ربما..

ولم يمض الكثير من الوقت حتى بدأ أزواج آخرين في مشاركتنا تلك الرقصة، وهو الأمر الذي أتاح لنا فرصة الابتعاد عن المنصة ما إن استطعنا رؤيتها أخيرا على مقربة منا وهي ترقص رفقة شاب وسيم أظنه مرافقها في هذه الحفلة..

وما إن لمحتني أنا و آرون واقفين بقربها، حتى توقفت عن الرقص ببطء قبل أن تستدير نحونا وترمقنا بنظرة منزعجة وغاضبة..

تكلمت ما إن وقفنا أمامها وهي تعقد يديها أمام صدرها بشيء من الغضب "أنا لا أهتم إطلاقاً بما تفعلينه، لكن أن تقومي بتصفية حساباتك في حفلتي الخاصة وإفسادها هكذا هو أمر لا يغتفر أبداً!"

"أوه عزيزتي ريناليا، فكري في الجانب المشرق من الأمر. لقد أعدت المياه إلى مجاريها على الفور بعد أن ساعدتك في التخلص من أليشيا أيضاً..لقد رأيت تعابير وجهكِ عندما قامت بتهنئتكِ وتقديم هديتها.. أنت تكرهينها أنت أيضاً صحيح.؟"

كان من الصعب على ريناليا أن تخفي تعابيرها الموافقة على ما قلته، والوجه الذي صنعته عندما كانت برفقة أليشيا كفيل بجعلي متأكدة تماماً مما قلته..

لكنها أبت الاعتراف بذلك، وبدلاً من موافقتي فقد قالت بامتعاض "ذلك لا يبرر ما فعلته إطلاقاً! كان يجب أن تكون هذه الحفلة مثالية، لكنك أفسدت كل شيء!!"

آه..لقد مللت حقاً من التعامل مع الدراما الغير مبررة لريناليا في كل مرة نلتقي فيها. متى تعقل هذه الفتاة وتفهم أن ما تفعله هو في الحقيقة مزعج فحسب؟!

تنهدت بإرهاق وقلت بأسف لا أعنيه أبداً "حسناً حسناً لقد فهمت. أنا آسفة، أهذا كافٍ؟"

أرادت التذمر أكثر، لكنها خرست تماماً لما وقف آرون أمامها بحضوره الطاغي، وملابسه الرسمية الملكية السوداء ذات الزخارف الذهبية الفاخرة..

بدت متوترة بعض الشيء، لكنها استجمعت شجاعتها بالكاد وقالت وهي تتجنب النظر إلى عينيه "لقد تأخرت كثيراً..كان يجب أن تحضر بما أنني دعوتك!"

في الحقيقة مما لاحظته، فإن أغلب اشقاء آرون يخشونه في الواقع. ربما بسبب الشائعات الكثيرة عنه، أو ربما نظراً لهالته التي تعطي شعور القاتل المتسلسل الذي لا يرحم.

وفي كل الاحوال، فحتى لو تظاهرت ريناليا بكرهه، إلا أنها لا تستطيع حتى التنفس بأريحية إلى جانبه ربما..

تجاهل آرون تعليقها كعادته، وبدلاً من الرد عليها فقد أخرج من جيبه علبةً صغيرة حمراء مخملية راقية جداً. ليقدمها لها ويقول بنبرته الباردة والرصينة "خذي.. أرجو أن تناسبكِ هذه."

تناولت ريناليا العلبة بتردد، قبل أن تفتحها وتنظر إلى محتواها بشيء من الدهشة..

كانت الهدية عبارة عن دبوس ياقة مرصع بحجر كريم أزرق في منتصفه، وتحيطه العديد من الجواهر الصغيرة في أطرافه الذهبية المتعرجة التي تشبه الدمعة..

بدا جميلاً جداً، حتى أن ريناليا كانت عاجزةً تماماً عن قول أي شيء. ليس لأنها ترى شيئاً كهذا للمرة الأولى طبعاً فهي تملك على الأغلب العديد مثله، لكن ربما لأنها لم تتوقع الحصول عليه من شقيقها، وبالأخص آرون..

عَلِمَت أنها ستبدو كالبلهاء إن واصلت التحديق به بدهشة هكذا، لذلك رفعت رأسها لتقول بغرور كاذب رغم أنها تبدو مجرجةً بعض الشيء "إنه جيد..ربما هذا سيغفر لك تأخرك حتى هذا الوقت!"

لا أعلم ما إذا كان آرون قد رد على كلامها أم لا، فكل ما حدث بعد ذلك كان سريعاً إلى الحد الذي أفقدني القدرة على استيعاب أي شيء...

ففي لحظة خاطفة، رأيت آرون وهو يخرج سيفه من غمده بسرعة، يسحب ريناليا باتجاهه، ويصد تلك السهام التي انطلقت باتجاهها من الطابق الثاني المحيط بالقاعة..

كانت ريناليا تنتفض رعباً بين يديه بعد أن أدركت أنها كانت على وشك الموت في لحظة، وأستطيع رؤية تلك الدموع وهي تتجمع في زاوية عينيها المرتجفتين..

لم ينتظر آرون أن يواسيها، بل إنه دفعها باتجاهي وقال لي وهو يبتعد عنا بخطوات متسارعة دون أن ينظر إلى أخته المذعورة إطلاقاً "هاميلوت، خذي ريناليا وحاولا مغادرة القاعة على الفور!"

"مهلاً م_.."

"انتظر! إلى أين تظن أنك ذاهب؟!! ألا ترى أن هناك من يحاول قتلي؟! عليك التأكد من حمايتي أولاً!!"

قاطعتني ريناليا التي صرخت بتلك الكلمات وهي تخاطب آرون بذعر..كانت ترتجف كجرو بلله المطر، بينما تنظر إلى شقيقها الذي يفترض أنها تكرهه برجاء وخوف في عينيها الدامعتين..

آرون توقف للحظة، وقد أظلمت تعابيره لما قال بهدوء مخيف "لا تفهمي الأمر بشكل خاطئ ريناليا..صحيح أنني أنقذتك، لكن ذلك لا يعني إطلاقاً أنني مجبر على حمايتك حتى تتحدثي معي بهذه الطريقة."

وأشار برأسه نحو شقيقها كوليو الذي كان يرتجف في مكانه هو الآخر بعد أن رأى المشهد أمامه للتو "أخبري شقيقك هناك بأن يفعل شيئاً بدل الوقوف في مكانه كالأحمق هكذا."

أقسم أنني سمعتها تهمس بعد أن خفضت رأسها بحرقة

"لكنك أخي أنت أيضاً!"

لكنني لم أرد التعليق عن الأمر...

سواء كانت مشاعرها اتجاهه مختلفةً عما تظهره أم لا، فذلك أمر من الصعب علي معرفته الآن..

كشخص قاد العديد من الحروب، واستطاع النجاة من مئات محاولات القتل بمفرده، آرون هو أقوى فارس في الامبراطورية تقريباً. وليس من المستغرب أن تتشبث به هكذا كونه هو أكثر شخص يمكنها أن تضمن سلامتها إلى جانبه..

هذا إن قرر حمايتها بالطبع..

لكن كما هو واضح تماماً الآن، آرون لم يكن ينوي حمايتها
من البداية. لقد علم فقط أن المهاجمين على الاغلب يستهدفونها لسبب ما، لذلك اقترب منها حتى يعرف هدفهم بالتحديد..

أو ربما لا؟

آخ لا أدري حقاً، فلا يمكنني أبداً التنبؤ بما يدور في عقل هذا الشخص!!

لا يمكنني وصف حالة الفوضى والذعر التي عمت أرجاء القاعة في لحظة..

فبالإضافة إلى تلك الأسهم الثلاثة التي تم إطلاقها بشكل مباشر نحو ريناليا، كانت هناك العديد من الأسهم الأخرى التي تم إطلاقها في أماكن متفرقة بالقاعة، لكن أيا منها لم يصب الحضور على الإطلاق..

أولئك النبلاء المتعجرفين والذين كانوا ينافقون بعضهم ويستعرضون مدى غرورهم وغطرستهم قبل قليل، كانوا يركضون هنا وهناك في هلع وذعر شديدين، بينما يتزاحمون في همجية على بوابات القاعة محاولين الهرب مما اعتقدوه موتاً محتماً.
وحتى محاولات الحراس البائسة في تنظيمهم وتسهيل خروجهم باءت كلها بالفشل، فغريزة البقاء كانت أقوى من أي شيء آخر..

إنه مشهد يستحق أن أقف ساخرةً منه الآن. كشخص واجه الموت مرات عديدة، كان ذلك الخوف قد مات في داخلي تقريباً. أو ربما لأنني أعلم يقينا أن هدف هؤلاء المهاجمين كان بعيداً كل البعد عن محاولة قتل هذه الخنازير الجشعة، باستثناء ريناليا التي كان واضحاً تماماً محاولتهم استهدافها في مقتل...

وضعت يدي على كتفها وحدثتها بثقة ورصانة بينما أشد عليه بخفة "اتبعيني..لست بقوة آرون بالتأكيد، لكن أعدكِ أنكِ لن تصابي بأي أذى إن اتبعتِ تعليماتي جيداً"

أعتقد أنني شعرت بالأسى اتجاهها للحظة ما إن تمسكت بي بيدين راجفتين ورجتني قائلةً بذعر "أرجوك..لا أريد أن أموت..أرجوك ألا تتركيني أنت أيضاً!"

أفهم شعورها تقريباً، فلا أثر الآن لمتملقيها، ولا حتى شقيقها الوحيد الذي يبدو أنه فر بجلده دون التفكير ولو لثانية في شقيقته التي كادت تموت قبل دقائق..

أمسكت يدها بكلتا يدي وقلت بثقة "لن تموتي. آرون ترككِ في عهدتي لأنه يعلم أنني سأنقذك..سيكون كل شيء بخير، لذا فلتهدئي الآن واتبعيني بصمت.. سيمسك بهم آرون وفرسانه حتماً، لذلك لن يطول الأمر كثيراً."

وللمرة الأولى منذ أن قابلت هذه الفتاة، بدت راضخةً وموافقة تماماً على كلامي..

حتماً الخوف من الموت يغير في الإنسان الكثير..

ألقيت نظرة خاطفة حول القاعة..

آرون كان قد وصل للطابق الثاني في لمح البصر، وأظن أنه قفز إلى هناك على الاغلب عبر السياج الخشبي المحيط بالقاعة والذي يجعل الطابق الثاني مطلا على الطابق الأول بالكامل..

إيريك كان يدوس بقدمه على رقبة أحد المهاجمين الذين أمسكه للتو، بينما داريوس يقود في باقي الحراس لمحاصرة المهاجمين الآخرين...

أمسكت معصم ريناليا وركضت معها باتجاه الباب الخدمي الخلفي المؤدي إلى المطبخ، وقد تجاوزنا بصعوبة أفواج النبلاء المندفعين إلى الجهة المعاكسة حيث الأبواب المؤدية إلى خارج القاعة..

المطبخ كان خالياً تماماً حتى من الخدم والطباخين الذين هربوا هم أيضاً على الأرجح وسط تلك الفوضى العارمة، تاركين وراءهم كل شيء كما هو..

أطباق الطعام الموزعة بعناية على تلك الطاولة الرخامية الطويلة، الخضراوات المقطعة، أطباق الفواكه المشكلة، والقدور الضخمة التي تغلي محتوياتها فوق مواقد النيران المشتعلة..

كنا على وشك التقدم أكثر لولا أن سمعت صوت أحدهم وهو يتحدث إلى شخص آخر بينما يسيران باتجاه المطبخ، عندها طوقت ريناليا بيدي وأنزلتها على الفور لنختبئ تحت تلك الطاولة بينما أضع يدي على فمها بقوة حتى أمنعها من إصدار أي صوت..

"هل أصبتموها على الأقل؟"

"كلا سيدي..لقد كان الأمير الأول واقفاً بقربها، لذلك استطاع صد جميع السهام التي أطلقناها نحوها."

صاح به الرجل الآخر الذي يبدو أنه زعيمهم تقريباّ قائلاً بغضب عارم "أخبرتكم أن عليكم إصابتها بأي طريقة! لن نحقق هدفنا إن لم نترك التأثير المطلوب من المهمة! عليكم البحث عنها حالاً وقتلها على الفور!!"

التأثير المطلوب؟ مهلاً، ما الذي يتحدث عنه؟! هل يمكن أنه...

كنت غارقةً في تحليلاتي، ونسيت أمر الأميرة المدللة التي انتفضت بفزع ما إن سمعت أوامره الصارمة بقتلها في اسرع وقت..

وبدلاً من الاختباء في صمت كما يفترض بها أن تفعل، تملصت من بين يدي على حين غرة لتقف بسرعة وتنطلق راكضةً باتجاه القاعة من جديد. لكن صندوق الفواكه الموضوع أرضاً بإهمال حال دونها ودون ذلك، لتسقط أرضاً على وجهها بقوة..

انطلق الرجلان نحو الصوت، ليروها وهي ترفع جسدها بكفيها محاولةً النهوض من جديد والركض نحو الباب، لكن طرف فستانها علق بحافة الصندوق الحادة التي انكسرت للتو جراء تعثرها به، فسقطت ريناليا مجدداً على ظهرها هذه المرة..

كانت تنظر نحوهما في ذعر وهما يقتربان منها ويصلان إليها تقريباً، وقد أدركت تماماً أنه لا مهرب منهما الآن، فهما سيقتلانها لا محالة..

"لا أصدق! إنها الأميرة الثانية بلا شك!"

ضحك زعيمهم بقوة بعد أن سمع ما قاله تابعه ليقول بنبرة ساخرة وهو ينظر نحو ريناليا التي ترمقه برعب الآن "لا أصدق أنكِ أتيت إلينا بقدميكِ!"

ثم أضاف بابتسامة شيطانية وهو يرفع سيفه باتجاهها "لا تحقدي علي أيتها الأميرة فالأمر ليس شخصياً أبداً، لكن موتكِ اليوم سيكون ضرورياً للأسف."

وقبل أن يكون قادراً على إصابتها، كنت أنا قد رفعت أحد تلك القدور النحاسية الكبيرة من على النار لأتجه بسرعة نحوه وأسكب محتوياته بالكامل على جسد ذلك البدين الذي كان على وشك قتل ريناليا الآن..

صراخه وهو يتلوى في مكانه أرضاً بعد أن شوهت له جسده بالكامل ربما كاد أن يمزق طبلة أذني.. كان ينتفض بينما يحاول لمس جسده محاولاً إبعاد ذلك الحساء المغلي عن جسده الذي أظنه سيذوب جراء تلك الحرارة الحارقة..

في هذه الاثناء تركته غارقاً في ألمه وحملت سيفه بسرعة قبل أن اقطع طرف فستان ريناليا وأجرها معي إلى خارج ذلك المطبخ باتجاه القاعة من جديد..

الركض بهذا الفستان الضخم بلا داعي كان أمراً شبه مستحيل، وكذلك مشد الخصر الذي كادت لانا أن تخرج به أحشاء معدتي هذا الصباح وهي تشده حول خصري بقوة لم يكن يساعد هو أيضا، وأظن أن الأمر نفسه مع ريناليا التي ارتدت فستاناً يفوق فستاني بهرجةً وضخامة..

ولهذا السبب، لم يكن صعبا على رفيقه ذو الجسد الطويل والنحيل أن يصل نحونا بسرعة ويشد شعر ريناليا الطويل والمبعثر باتجاهه بقوة. ليجلسها ارضاً، ويسحب سكينه الحاد وهو ينظر نحوها بحقد وغضب..

لم يكن هناك وقت للتفكير او حتى التردد ثانية أخرى، فريناليا ستموت إن لم أفعل شيئاً الآن..

لذلك لا أدري متى وكيف اندفعت نحوهما في اللحظة التي أدركت فيها أنه سيشق رأسها لا محالة. ومن دون أن أدرك، وجدت نفسي قد صددت السكين بيدي ليخترق كفي ويخرج طرفه المدبب الحاد من الجهة الأخرى.

لكنني أخرجت ذلك السكين على الفور، قبل أن أرفعه عالياً وأغرسه في كتف ذلك الرجل بقوة، ثم أدفعه أرضاً مستخدمةً وزن جسدي، ليسقط أرضاً على ظهره وأسقط أنا فوقه بينما أضغط ذلك السكين لينحشر في كتفه أكثر وأكثر..

حاولت مقاومة وابل الآلام التي أحسست بها دفعة واحدةً ما إن أدرك جسدي ربما ما الذي حدث للتو، لكنني لم أستطع..

صرخة الألم المكبوتة التي أطلقتها وذلك الوجع ينخر رأسي كادت تفقدني صوابي..
ما هذا يا إلهي، لم علي المرور بكل هذا؟! هل علي أن أعاني هكذا في كل مرة أقحم فيها نفسي في أشياء لا تخصني؟

لكن مهلاً، الأمر لم ينتهي بعد!

الإحساس بما حولي أصبح ضبابياً لبعض الوقت، لكنني متأكدة من أنه دفعني من فوقه لأسقط أنا على ظهري، ويجلس هو فوقي ليطوق رقبتي بكلتا يديه ودماؤه تقطر على ملابسي بشدة، دون أن ينزع بعد ذلك السكين المغروس في كتفه..

"تباً لكِ أيتها الساقطة!"

وضغط بقوة أكبر ليقطع أنفاسي وأجاهد أنا بيأس للبقاء واعيةً رغم كل هذا الألم في داخلي..

يدي تقتلني ألماً، وأظن أنني بدأت أفقد الوعي تدريجياً وأنا أراقب وجهه الضبابي وهو يسحب الحياة مني تدريجياً مع كل ضغطة يضغطها على رقبتي بقوة.. قبل أن.. قبل أن...

قبل أن ينفصل رأسه عن جسده!!

أجل لقد رأيت هذا بلا شك.. ذلك السيف الذي لمع أمامي فجأة قبل أن يقطع رقبته ليطير رأسه في الهواء وتطير معه دماؤه المندفعة ملوثةً كل شيء حوله، بما في ذلك وجهي وملابسي..

ومن ثم رأيته وهو يمسك جسده الميت، ويرميه بعيداً عني..

سعلت عدة مرات ما إن شعرت بالهواء قد عاد لرئتي مجدداً، عندها طوق آرون يده حول رقبتي ليجلسني أرضاً بين يديه ويصرخ بي قائلاً بانفعال وغضب "هل جننتِ؟ ألهذه الدرجة تريدين الموت؟! لماذا تورطين نفسكِ في الخطر هكذا دائماً؟!"

ما إن عدت لوعيي وصرت قادرةً على استيعاب ما يجري حولي، أجبته بصوت متقطع واهن والألم يكاد يمزق أوصالي " لقد..أخبرتني.. أن آخذ ريناليا و..."

"اللعنة هاميلوت! لقد أخبرتكِ أن تهربا إلى خارج القاعة.. أن تغادرا تماماً برفقة الحراس وأولئك النبلاء الملاعين! لا أن تعودي للداخل وتواجهيهم وحدكِ هكذا! هل تدركين أنكِ كدت تموتين للتو؟!"

نظرت نحو وجهه المنفعل الغاضب، ثم إلى ريناليا الجاثية إلى جانبنا وهي تراقبني بذعر بينما تبكي دون توقف خوفاً ربما من كل تلك الدماء التي كانت تغطي جسدي بالكامل...

لماذا فكرت أن الخروج من المطبخ هو الحل الأمثل؟ لا أعلم حقاً كيف لم يخطر ببالي أنهم ربما سيكونون هناك أيضاً، لكنني كنت متعبةً حتى من التفكير الآن..

"ذلك ليس مهماً الآن...يدي تؤلمني حد الجحيم آرون"

رأيته يصر على أسنانه محاولاً كبت أعصابه بصعوبة، قبل أن يحملني بين ذراعيه و"تباً" كانت الكلمة الوحيدة التي ظل يرددها لاعناً تحت أنفاسه بغضب..

رأيت إيريك وداريوس يركضان نحوي بهلع في عينيهما، لكن آرون لم يترك لهما مجالاً للاقتراب مني أو السؤال عن أي شيء، فقد أمرهما قائلاً بانفعال "داريوس، خذ ريناليا إلى غرفتها وتأكد أن يظل معها ما يكفي من الحرس الامبراطوري..وأنت إيريك..اهتم بالبقية منهم ونظفوا المكان على الفور!"

قال ذلك لينطلق بي راكضاً نحو الطبيب الامبراطوري على الأرجح..

لا أعلم حقاً، فقد كان ذلك آخر شيء سمعته قبل أن أفقد وعيي تماماً بعد أن فقدت القدرة على تحمل كل ذلك الألم...

••••••••••

"لا تقلقي آنا، فقد ركضت نحوك على الفور ومنعتهم من تبديل ملابسك ما إن سمعت بما حدث لك.. كنت أنا من فعلت ذلك، لذلك كل شيء بخير."

تنفست الصعداء ما إن همست لانا بهذه الكلمات في أذني، وتجاهلت عتاب كاليس وإيريك اللذان تناوبا على توبيخي لما يقرب عن نصف ساعة الآن، وخوفي من أن يكون أحد الأطباء الامبراطوريين قد رأى جسدي قد شغلني كلياً عن الاستماع لهما بإنصات.

لكنني قلت منهيةً ذلك الحديث الذي بدا أنه لا نهاية له إطلاقاً "ذلك يكفي أرجوكما.. أعلم انني أخطأت، ولن أكرر ذلك مجدداً لذلك هلا توقفتما؟ لقد بدأت أشعر بالصداع حقاً من سماع نفس الكلام مرةً بعد الأخرى!" ثم سألتهما مغيرةً الموضوع تماماً " كيف هي ريناليا الآن؟ ما الذي حدث لها بعد أن غادرت؟"

تنهد إيريك بإحباط وهو يدرك تماماً أنني لن أستمع لكلامهم مثل كل مرة، لكنه أجابني بشيء من الانزعاج "لقد تدخلت المحظية الأولى ما إن سمعت بما حدث وأحضرت معها حراساً تابعين لوالدها الكونت هارول، حيث قاموا باصطحابها إلى منزل أسرة هارول الآن."

استغربت من كلامه وتساءلت قائلةً بحيرة "ألم تحضر والدة ريناليا الحفلة؟"

عندها أجاب كاليس موضحاً بالنيابة عنه "لقد وضعت الامبراطورة الحالية قانوناً يحظر المحظيات من حضور جميع الحفلات الرسمية المقامة داخل القصر الامبراطوري حتى لو كانت تخص أبناءهم. على الأرجح هي تخشى أن يسعين لزيادة نفوذهن ونفوذ أبنائهن عند الاختلاط بالنبلاء في قاعات القصر."

حسناً، ذلك ليس مستغرباً من امرأة تسعى وبكل الطرق الممكنة أن تجعل ابنها يعتلي العرش.

إذاً فريناليا بأمان الآن. ربما أكرهها لكونها مزعجةً ومغرورة، لكنني رغم ذلك لن أكون سعيدةً إطلاقاً إذا ما أصابها مكروه ما. فهي في نظري محض طفلة جاهلة تحاول إثبات نفسها بيأس في هذا المجتمع المتعفن لا أكثر..

طُرق الباب مرتين قبل أن يُفتح ببطء ليدخل آرون وبرفقته إيفان وداريوس اللذان كانا يسيران خلفه. لكن داريوس أسرع نحوي وجلس على ركبته إلى جانب سريري قبل أن يسألني بقلق لم يستطع إخفاءه أبداً "هل أنتِ بخير سيدتي؟ كان يجب أن أقوم بحمايتكِ..أرجوك أن تغفري لي إهمالي..أنا__"

قاطعته بأن أشرت له بكف يدي السليمة أن يتوقف، ثم قلت بهدوء "لا تبدأ بلوم نفسك أرجوك داريوس. إنه ليس خطؤك، فقد كنت مهملةً فحسب."

"من الجيد أنكِ تدركين ذلك على الأقل."

رفعت بصري نحو آرون الذي قال هذا بينما ينظر نحوي بحدة، وأظن أنه ما يزال غاضباً مما حدث. وبطريقة ما، أشعر أن غضبه ليس موجهاً نحوي فحسب، فهو وإن لم يعترف بذلك يلوم نفسه جزئياً على ما حدث..

أخذت نفساً عميقاً وأنا أحاول منع نفسي من الجدال معه، لكنني قلت وأنا أشيح بصري عنه بانزعاج وسخرية "أجل أعلم، وبالطبع لن أعدك أن ذلك لن يحدث مجدداً، فأنا أمتلك موهبةً عظيمةً في جذب الخطر لنفسي على ما يبدو."

زفر آرون الهواء محاولاً كبت أعصابه قبل أن يسألني بهدوء "كيف هو حالكِ الآن؟ ما الذي قاله لكِ الطبيب؟"

فأجبته بشيء من السخرية بينما أرفع يدي الملفوفة بالقماش الطبي في الهواء مشيرةً إليها "حسناً، من الصعب القول أنني بخير تماماً مع وجود ثقب في يدي، لكنني أفضل حالاً الآن. من حسن حظي أن السكين لم يخترق أياً من عظامي وإلا لكان الوضع أسوء بكثير. ومع مسكنات الآلام العشبية التي وصفها لي الطبيب، أعتقد أنني سأتجاوز الأمر بسلام. حتى رغم إنني أصل لمرحلة أفكر فيها لو أنني استطيع التخلص من يدي نهائياً عوضاً عن احتمال ذلك الألم الرهيب ما إن يزول مفعول الدواء المسكن. "

"كان يمكن أن تجنبي نفسكِ كل ذلك بأن تتوقفي التصرف ببطولية دون داعي."

ثم تنهد باستسلام وهو يعي جيداً أن هذا الجدال لا طائل منه الآن، فما حدث قد حدث وانتهى..

لذلك تكلم وقد صار أكثر هدوءاً "ذلك جيد.."

أستطيع رؤية إيفان الواقف على مقربة منه وهو ينظر نحوي بقلق حاول إخفاءه بصعوبة. فرغم أنه اعترف بي ضمنياً، إلا أنه لا يزال متحفظاً جداً اتجاهي، ولا أظن أن ذلك سيتغير في وقت قريب..

آرون كان على وشك المغادرة لما أوقفته بسؤالي قائلة "ما الذي حدث مع من قبضتم عليهم من المهاجمين؟ هل قمتم باستجوابهم؟"

"ذلك لا يعنيك الآن. ركزي فقط على التعافي من إصابتك."

عضضت على أسناني وأنا أحاول كبت غضبي من رده المستفز بصعوبة، لكنني قلت بإصرار وأنا أنظر نحوه مباشرة في تحدٍ واضح"هل نسيت اتفاقنا آرون؟ نحن حليفان الآن، ولا يجوز لك إبقائي خارج الصورة أياً كان الأمر. ثم إنني قد تورطت بالفعل، لذلك من حقي أن أعرف ما الذي يحدث!"

لم يبد آرون مقتنعاً تماماً بكلامي. ربما لأنه لم يكن معتاداً على مشاركتي أموره الخاصة بعد، لذلك أجابني على مضض وهو يدرك أنه لا حل آخر لديه "أجل..لقد قمنا باستجوابهم بالفعل، وقد اعترفوا بكل شيء بسهولة بنفس قدر سهولة الإمساك بهم."

سألته بشيء من التردد وأنا أعرف تقريباً ما الذي سيقوله "وما الذي قالوه؟"

"إنهم يتبعون إحدى العصابات الكبيرة التي تسببت بالكثير من الفوضى في الإقليم الشمالي، وهدفهم كما ادعوا هو تصفية العائلة الامبراطورية"

استغرب كاليس من كلامه وتساءل قائلاً بشك "ومن بين جميع أفراد العائلة الامبراطورية، اختاروا الأميرة الثانية التي لن يستفيد أحد من موتها؟!"

عندها أجبت على تساؤل كاليس بعد أن تأكدت من شكوكي تقريباً "موت ريناليا كان الغرض منه شيء آخر مختلف تماماً. ولأنها الأضعف، فلن يكون لقتلها أبعاد أخرى متعلقة بالعائلات المساندة لها أو بمكانتها في الأسرة الامبراطورية، لذلك هي الاختيار الأنسب لهم." ونظرت نحو آرون لأسأله بثقة "أنا محقة في ذلك صحيح؟"

نظر آرون لعيني لبعض الوقت، ويبدو أنه أدرك أنني قد فهمت كل شيء. لذلك أجابني مؤكداً ما قلته "ذلك صحيح. حتى لو كانوا من أفراد تلك العصابة، فالتسلل إلى داخل القصر الامبراطوري مع كل ذلك العتاد أمر ليس بهذه السهولة. لذلك لابد أنهم تلقوا دعماً من الداخل. لكن المجلس الامبراطوري رفض التحقيق في هذا الأمر، وبدلاً من البحث عن الخونة الذين أدخلوهم، كان الأمر الذي صدر منهم هو أن أقوم أنا وكافة أفراد الكتيبة التابعة لي بمطاردة تلك العصابة في الشمال والتخلص منهم تماماً كونهم يشكلون تهديداً للأسرة الامبراطورية على حسب قولهم!"

الآن يبدو أن كاليس قد استوعب الأمر تماماً، ليهتف قائلاً بدهشة "هل تقصد أن.."

عندها أكملت ما كان ينوي قوله بأن أكدت قائلة "ذلك صحيح تماماً. رغم إنهم لم ينالوا التأثير المطلوب بسبب عدم تمكنهم من قتل ريناليا أو إصابتها حتى، لكن يبدو أن الامبراطورة وأتباعها قد حققوا هدفهم في النهاية. كل ذلك لم يكن سوى مؤامرة مدبرة لجر آرون نحو حرب أخرى في الشمال."

ثم نظرت نحوه وسألته بشك "وأظن أن الزفاف قد تم تأجيله أيضاً صحيح؟"

فأجاب آرون ساخراً "نعم..ولم يحددوا موعداً آخر أيضاً، مما يعني أنهم لا يخططون لإقامته أصلاً."

صحيح أن الأمر في صالحي في الواقع، فقد كنت أنوي من البداية تأجيله بأي طريقة. رغم أن هذه الطريقة لم تكن ضمن مخططاتي بصراحة.

شعرت بالضيق بعد أن عرفت الحقيقة، وسألته بشيء من الانزعاج والأسى "أنت تدرك أن الهدف الرئيسي هو اغتيالك وسط الفوضى التي ستحصل صحيح؟"

تنهد آرون بضيق قبل أن يجيبني بهدوء "أجل أعلم."

"وستذهب رغم معرفتك بهذا الامر؟"

نظر نحوي وأجاب بثقة "أجل سأفعل. السيطرة على الفوضى في الإقليم الشمالي هو أمر كان يجب أن يتم منذ وقت طويل، ولا توجد فرصة أفضل من هذه لفعل ذلك."

فعلق كاليس على كلامه موافقاً "رغم خطورة الموقف فأنت محق في كلامك. لقد تم إرسالك في مهمات هناك لمرات عديدة، لكن لم يكن بمقدورك السيطرة على الإقليم رغم ذلك بسبب نقص العتاد والجنود. الآن فقط سيكون بإمكانك تجهيز قوة ضخمة من أجل القيام بهذه الحملة، ولن يكون بوسع الامبراطورة وأتباعها رفض ذلك لأنهم سيثيرون الشبهات حينها."

أومأ آرون قبل أن يجيب قائلاً "أجل..سوف أجهز ما يكفي من الجنود، ثم سننطلق إلى هناك في غضون شهر فقط."

سكتُ قليلاً وأنا أجهز نفسي لما سأقوله لهم تالياً، لأتكلم أخيراً بينما أنظر نحو آرون مباشرة في ثقة وثبات "سوف أذهب معك."

ساد الصمت للحظة، قبل أن يقطعه إيريك لما قال بانفعال "ذلك مستحيل، ما الذي تقولينه يا آنسة؟! إن المكان هناك خطير جداً..لا يمكن أن__"

قاطعته بأن قلت منهيةً أي سبيل للنقاش دون أن أبعد عيناي عن آرون الذي ينظر لي بدهشة من كلامي "لا يمكن لأي منكم أن يمنعني من ذلك، حتى أنت آرون. لقد أثبت لك قدراتي بالفعل، لذلك لا يمكنك إنكار أن وجودي سيكون له تأثير فعال في جعلك تحقق هدفك..ذلك لأن.."

وابتسمت بحماس قبل أن أضيف قائلةً بمكر "أنت تفكر فيما أفكر فيه بالتأكيد!"

سكت آرون لبعض الوقت، ثم أجابني وقد أفرجت شفتيه عن شبح ابتسامة مستمتعة "أنتِ لا تكفين عن إدهاشي حقاً....وأجل، ذلك صحيح..أنا أفكر تماماً فيما تفكرين فيه الآن."

إيريك وداريوس وإيفان وكذلك لانا كانوا ينظرون بيننا في تعجب، لذلك سأل إيريك وهو لم يفهم إطلاقاً ما الذي نتحدث عنه "ما الذي تقصدانه؟ أنا لا أفهم!"

في تلك اللحظة تنهد كاليس بتعب بعد أن وضع يده على جبينه وتمتم بإحباط "يا إلهي!"

كان من الواضح أنه قد فهم كل شيء، فعلق قائلاً وهو لم يستطع إخفاء تلك الابتسامة المرتعبة بينما ينظر نحونا متحمساً ووجلاً في الآن نفسه "أنتما لا تصدقان حقاً!"

To be continued..

******

_رأيكم في الفصل؟

_توقعاتكم للأحداث القادمة؟

_رأيكم في شخصية جينوس وأليفيرا؟ وهل سيكون لهما دور في الأحداث القادمة؟

_رأيكم فيما فعلته آنا مع اليشيا؟ وهل بالغت حقا؟ وما هي تبعيات ذلك مستقبلاً في اعتقادكم؟

_هل سنشهد تطوراً في علاقة آنا وآرون؟

_ما الذي يخططان لفعله؟

_وما الذي ينتظرهما في رحلتهما إلى هناك؟

أحداث كثيرة وشيقة في انتظاركم، فلا تنسوا متابعتي وكونوا بانتظاري❤️

دمتم في أمان الله وحفظه🥰

Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top