|وانقلب السحر|


●اقرأ مقطع الهجوم في اخر البارت السابق لأنه تغيَّر.

●سأرفق البارت بالصور لاحقاً..

استمتعوا..

____■●○○•○●●■□●○●□●○•●●□●○•____

تقابل وجهاً لوجه مع القائد،، كيف ومنذ لحظة كان على بعد أمتار وأمتار!!

لقد قطع المسافة مولِّداً خلفه الدمار،، قد هوى عدد الجنود خلفه صرعى،، جرحى أو قتلى!!

وأصبح بينهما ساحة معركة بطول خطوتين فقط..

فتح القائد جفنيه على مصرعيهما،، يُفسح لعينيه الجحوظ للخارج وتفقد هذا الشيء أمامه،، والذي أنزل الجثة المتأوهة أرضاً ليظهر له بالكامل..

عن كائن يرتدي عبائة سوداء قاتمة.. تكسوه من رأسه حتى أخمص قدميه..

مفتوحة من المنتصف من أعلى صدره وحتى النهاية،، لتبرز بعضاً من ثيابه السوداء والأحزمة التي تلفه !!

يقترب منه..

فيأخذ الأدرينالين مفعوله العكسي في أن حجِّر قدمي القائد المفتولتين ويديه كلياً،، فأصبح لا يملك من جسده سوى صرخة مدوية أطلقها عالياً...

"هجوووووم"

فُتحت على وقع صرخته خمس أبواب في ذات اللحظة لغرف فارغة على جانبي الرواق خلف السفاح.. يطل من كل باب مسلَّح مخضرم بسواده وبندقيته..

وابل الرصاص الذي لا يرحم انطلق من خلف ظهره فاستدار وجعل الجثة كدرع بشري له..

لتتلقى عنه الطلقات،، وتنفجر الثقوب فيها بالدم،، رصاص يخترق الجثة إلى الجهة الأخرى ثم يصتدم بخفة في ثيابه الحامية.. فتبدو له كوكزة إصبع!!

لكنه أدرك كونه لن يصمد طويلاً بهذا الحال،، فالقائد خلفه يبتسم تحت اللثام فبذلته لن تصمد أكثر من هذا..

وبالفعل تراجع السفاح بضع خطوات للخلف وكأنه نسي وجود القائد خلفه !!

فجعلت تلك الخطوات البطيئة المتعاقبة قوةً تدب في معصمي القائد.. فأمسك رشاشه الآلي كثير الزوائد.. وبكامل شجاعته سدد على ظهر السواد المتراجع أمامه..

وما إن حرَّك إصبعه لضغط الزناد حتى اختفى هدفه في ذات اللحظة التي تتابعت طلقات رشاشه فيها على..

جنوده .

أجل لم يكن السفاح يتراجع لأنه خائف،، بل لكي يجتذب إليه شجاعة القائد الإنتحارية!!!

وياله من سريع كالشيطان يتحرك بخفة جنونية إذ يستحيل للهينين لمح حركاته..

أين اختفى!!

أوقف القائد إصبعه بعد أن أدرك قتله لثلاثة من جنوده وإصابته الخفيفة ببعض طلقاتهم..

يسأل في نفسه "أين؟"

يبحث عن الإجابة بعينيه..

فأنزل مقلتيه ليصعد نصل سيف السفَّاح ليخترق أسفل ذقنه إلى الجهة الأخرى من جمجته مروراً بمخه!!

أجل بكل بساطة.. وكما صوَّرت الكاميرات،،

أطلقوا..

فتراجع للخلف..

إنخفض..

وصعد بنصله ليخترق به الجلد فالعظام فاللحم ثم العظام فالجلد كالسكين في الزبدة!!!

وحينها فقط،، أوقف الجنديين الباقيين الإطلاق من شدة الفزع..

تشهد أعينهم طامَّة يستحيل نسيانها..

فقد شَخُصَ بَصَرُ القائد لهروب روحه من شدة الألم.. وحينها..

رفع السفاح سيفه ذو الثلاث أمتار فارتفعت قدما القائد عن الأرض قليلاُ،،  وقسمت حدَّة السيف وجهه قسمين .

حرَّك القاتل يده بمهارة ففصل ذاك مقطع من رأسه عن جسده الثقيل،، فسقط القطاع أمام أعين البشر والكاميرات،، يمسكه بيده..

تخبطتت ركاب الجنديين،، يريانه بعد تلك اللقطة.. يلتفت إليهما في مشهد بطيء.. فيتقدم والسيف في يده.. وبيده الأخرى نصف رأس قائدهم...

قد رفع عن وجهه القناع قليلاً فظهر تورُّد شفته السفلية وذقنه لغير وضوح..

تلتقطه الكاميرات من زاوية عليا،، يُدني من فمه القطعة الآدمية،، ويفتح فمه ليودعها تحت أسنانٍ مصقولة بعناية حتى أصبحت كلها أنياب!!!

ويضغط على طرف نصف الوجه..

حتَّى ينكسر بها من الشيئ اليسير،، فعبّأ الدم فمه حتَّ طفخ فسال على شفته السفلى.. ولم يزده ذلك سوى نشوة!!

تلتقطه جميف الكاميرات الصفوفة على حائط الرواق،، قد وقف.. ولم يكن واضحاً في اللقطات كونه يمضغ ما قضمه..

حتى أن الجنديين سمعا بحق صوتاً أشبه بالقرمشة في غمرة الصمت،، وهو يحرك العظام المختلط باللحم والدم داخل فمه!!

كان منهمكاً في ذلك وكأن موجة من النشوة اجتاحته
فسجلته الكاميرات من زوايا مخلفة قد وقف فاقداً اتصاله بالواقع لسبب ما.. ولم تفصح عن السبب!!

كان الجنديان متواريان خلف جدران  غرفتين متقابلتين على بعد خمسة أمتار منه.. يسترقان النظر من فينة لأخرى ثم لا يقدر أي منهما على الإستمرار في مشاهدة نصف وجه إنسان يُؤكل!!

إلى أن أخذت الحمية أحدهما،، فأطلق رصاصة ثم توارى مجدداً..

لكنها كانت طلقة ارتدت على سمك ثياب السفَّاح التي لا تخترقها كل أنواع الموت لا رصاصة أو نصل.. فرداؤه ثقيل مانع حصين لا يمكن العبث به!!

ولكن الطلقة استاثرته،، بل أفاقته من نشوته المقدَّسة..
فنظر أمامه.. وتقدَّم بخطوات ثقيلة،، يجرُّ سيفه الطويل على الأرضية فيحدق في سجَّدها خندقاً وفي أرضيَّتها خدشاً!!

ويتابع السير نحو غرفتي الجنديين..

ضحكة صدرت عالياً بلا مسبب..

أضحكة هي أم صرخة سعيدة؟!!

أياً ما تكن،، فقد كانت كفيلة بإصابة أحد الجنديين بخفقان شديد مؤلم يرتفع صدره ويهبط مع اقترابه،، فقد ذُبِحَ القائد،، بل تم أكله وهو القائد!!!

فماذا قد يُفعل بهما؟!!!

لكنَّ الجندي الآخر تمالك نفسه رغم قطرات العرق كان صلباً يصرُّ على إخماد لهيب خوفه،، فتوارى خلف حائط الغرفة يميّل رأسه ضاغطاً بإصبعه على جهاز الإرسال..

"نحتاج إلى دعم" مجدداً "أرسلوا الدعم بسرعة لقد مات القائد.. حوِّل"

ينتهي وبهدوء يطلُّ ناظراً نحو الذي انتهى من أكل قطع كبيرة من جمجمة قائدهم الجسور..

تشاهده أعين الكلميرات قد وقف.

وابتلع الممضوغ.

ثم ابتسم فظهرت أسنانه مجدداً،، آدمية الأساس و مدببة جميع حدودها من معدن فضي لامع بشدة وبين كل سنٍّ مدبب وآخر فراغ كبير !!!

ابتسامة واسعة مفتوحة الفم..

ثم قهقهة خفيفة ترتد في القناع الذي أنزله..

ولقطة لسقطة قطعة الوجه المأكولة أرضاً وتدحرجها كتفاحة على طول سجاد الرواق تحت أنظار الكاميرات و المتواريَيْن خلف الجدران..

فيطلاَّن لبعضهما من غرفهما المتقابلة بشيء من الثقة،، يشير أحدهما بيده..

3

2

1

يستديران يخرجان يُطلقان أيما إطلاق...

طلقة وطلقة وأخرى ولكن ..

أين هو أصلاً؟!!

إلى طريق الرواق الضيِّق خلفهما يستديران وفي ذات الوقت يُطعنان بسيفين في منتصف عموديهما الفقري بمهارة قنَّاص جرَّاح!!

كم أن قبضتاه قويتان لدرجة حمل سيفين دفعة واحدة والطعن بهما ليخترقا عمودي الجنديين إلى الجانب الآخر بهذه السلاسة!!

فهوا صريعين تندفع منهما مضحات الدم فيثيره ذلك لتقطيعهم إرباً إرباً،، يتحرك يداه ك (ماسترو) لسيمفونية الموت الأسود يفتك نصلاه بهما فلا يكتفي بكونهما طرحا الأرض بل.. تلتقط الكاميرات حيجانه وتتابع طعناته في مؤخرة رأسيهما والوجه..

حتَّى تلف نسيج لحميهما من تتابع طعناته فصار لحم وجههما دبقاً بالدم..

(إنفجار)

تفتت أحد النوافذ هناك ناحية غرفة الجد،، لتطرح بشظايا الخشب والزجاج أرضاً  وعلى الجثتين الملقاتين هناك !!!

رمى السفَّاح بنظرات عدة في كل الجهات بهلع باحثاً عن مصدر الإنفجار القوي..

أهي طلقة مِدفع؟!!

لقد عم السكون بعدها بثوانٍ أتاح له البحث حوله مجدداً!!

فأدخل السيفين تحت ردائه بلا غمد كانا!!
ولكن بمجرد أن تواريا خلف عبائته حتى اختفيا تماماً كأنهما لم يكونا!!

منخفضاً وملتقطاً بندقية أحد الجنديين..

يقترب ببطء من النافذة وزجاجها المُهشَّم في أرجاء الأرضية..

هدوء تام!!!

كيف حدث هذا الإنفجار؟!

-يلقي نظرة للخارج-

أهي قمبلة؟!!

لا..

كيف...

إلتفت بسرعة إلى...

^كاميرات إياد الملغومة!!^

ألغام!!!!!

دار المكان بعينيه فلم تستطيعا إحصاء كمَّ الكاميرات المفخخة حوله!!!!

إنها في كل م--

-صرير باب غرفة أيمن!!-

إلتفت إليه ليرا طرف ثيابه..

هناك قبل نهاية الرواق بينهما طول البهو والسلَّم..

يخرج من باب أيمن،، إنه هو أجل..

أجل..

هذه هي ثيابه السوداء..

وهذه لحيته،، ولمحاته الشديدة الصلابة..

يحدِّق في مشهد خروجه البطيء على وقع صدى كعب جزمته وكيف وقف لبرهة عاقداً يداه خلف ظهره،، مشيراً برأسه..

فيخرج أيمن بسرعة البرق هارباً من الموت نحو السلَّم ليرفع السفَّاح بندقيته نحو إياد ويطل---

-تنفجر كاميرا اخرى أمامه-

فأثارت فوضى أعمته عن هدفه وتركت فسحة لأيمن الذي ركض مجتازاً الدَّرجة فالأخرى نزولاً كالفأر!!

عنهما انقشع غبار اللغم،، ليكشف للسفاح عينا نسرِّ تحدِّق به تطفح بالقوة..

يخطو هادئاً أمام عيني السفاح مما يثير جنونه فيتحرَّك ل...

تنفجر كاميرا أخرى..

فاصتدم كتف السفَّاح بالجدار المقابل من شدة الإنفجار وتتضررت عظمة ذقنه إذ ضغط عليها القناع،، لكنه صارع السقوط فقد اقترب إياد من السلَّم وسيفلت!!

يعاود الوقو----

انفجار آخر!!!

ابطح أرضاً ووجه بندقيته..

فانفجار آخر!!!

اللعنة!!
هل إذا رصدته إحدى الكاميرات يتحرك تنفجر!!!

هذا ما يبدو عليه الأمر..

لقد اقترب إياد من وطئ أول الدرجات نزولاً..
يجب ألَّا يفلته وألّا يتحرّك في ذات الوقت!!!

إنه أكثر ما قد يمقته،، إنه العجز .

وقف إياد أمام عدوِّه المنبطح على بعد أمتار منه.. لا يقجرؤ على الحراك خوفاّ من تهدُّم الجدران عليه ففوقه على الحوائط لا تزال كثيرٌ من الكاميرات لم تنفجر بعد!! 

منبطح يحاول إصبع الوصول إلى الزناد،، ولكن النسر من فرط ثقته يقف وقفة الوداع قبل أن يحلِّق،، ويبدأ بالتراجع رافعاً يديه وإصبعيه الأوسطين في وجهه بابتسامة جانبية قبل أن-

آنفجارات متتابعة لجميع الكاميرات على طول الرواق .

_____________________________


يستيقظ أهالي الحي فزعاً على دوي انفجار قوي كقذيفة سقطت وتبعتها انفاجارات صغيرة عدة!!

كان ذلك كفيلاً بجعل جدار الرواق يهوي صريعاً أمام أعين الجميع بعضه للخارج ونصفه للداخل..

يكشف ما خلفه من شظايا وحطام وجثث..
وتندلع نيرانٌ ترمي إلى فناء الدور الثاني بما فيه..

فتتصاعد ألسنة لهب من النوافذ تجعل سيارات الإسعاف تركض نحو المنزل بجنون..

وينعمس الدمار على عيني الجد أوس المبهورتين.. قد تركه خلفه راكباً السيارة إلى أقرب مكان آمن..

وعندها،، تتراجع مدرعات القوات الخاصة مفسحةً المكان لسيارات الإطفاء وصفَّاراتها التي أيقظت من لم يوقظه الإنفجار..

فيحظى منزل الجد،، بتجمع وفير من الأهالي حوله،، بينهم وبين رؤية معالم الإنفجار سوره العالي وصفوف النخل والشجر التي لم تنجح في حجب مواجة مشتعلة بين الدوخان الأسود و المياه المدفعة من الخراطيم الضخمة .

تبتعد وتبتعد..

سيارة إياد،، التي أقلَّت جده المذهول،، بثياب نومه المخططة مطِلّا من النافذة على التجمع والخراب..

ستولد لهذا العجوز ذاكرة جديدة.. فقد بدت عيناه وكأنه لم يرَ الحياة بعد!!

كانت تفاصيل سريعة وصغيرة حدثت عند مطلع الشمس،، وأصوات طلق النار الذي أفزعه من مضجعه.. ثم دخول الملثمين من نافذته وتهريبه..

إلتفت إلى إياد بجانبه..
ياله من مذهل في إخفاء مشاعره.. هادئاً وكأنه في طريقه للتسوق!!

يتذكر جده تلك الكلمات التي ألقاها على مسامعه..
^نحن العائلة التالية^

هل سيلقي سؤاله ذاك؟!

هل يجرؤ؟!!

إنعطف إياد يساراً،، وقد بدى من ملامح الطريق أن وجهته هي منزله هناك..

يتلفت جده إليه فيجده شارداً في معالم الطريق.. فشرد هو في وجهه والسؤال يطرق عقله مجدداً..

خائف من تلقي إجابة مؤلمة..

لكن لا مفر..

"هل .."

إلتفت إياد نحوه "ماذا جدِّي؟"

يتملكه الخزف لكن كلماته تشق الطريق..
"هل مات أحد؟"

أوقف إياد سيَّارته أمام بوابة المنزل،، مجيباً الجد دون مواجهة نظراته..

"أجل مات الكثير"

ثم أخرج زجاجة الماء بوجه يبدو لرجل في أواخر الأربعين مكفهر جداً لا يليق بمنتصر.. ثم يفتح الغطاء ويشرب على زلل لسان الجد..

"م من مات؟"

يبتلع الماء منتظراً فتح البوابة،، وممتنعاً عن الجواب.. أو كما يبدو،، كان تجاهلاً لتساؤل جده بإهمال متعمد.. فغضبه المكبوت البادي على عيني النسر خاصته حمله على ترك جده ضائعاً في بحلقةٍ من صمتٍ وانتظار مؤلم...

فتوجَّس متسائلاً..

لماذا صمت؟!

ألا يريد قول خبر سيء له؟!

قرر الجد إعادة السؤال لكن هذه المرة بنبرة أعلى..
"قلت من مااات؟!"

تنبَّه إياد له "ها!!" بعنين بريئتين "أتقصد من عائلتنا؟"

"أجل"

تحرَّك بالسيارة قليلاً نحو الداخل،، يثبت المقود بيده وأخيراً يجيب..

"لا أعلم" بهدوء يحمل بين طياته عاصفة غضب..

ولكن وقبل أن يصاب الجد بنوبة هلع تداركه إياد "أيمن بخير،، لكن لا يوجد خبر عن ولديه حتى هذه اللحظة"

صاح الجد في وجهه "لمَ لم تنقذهما كما أنقذتني؟!! كما أنه ليس من ال--"

"هل ستبدأ بلومي؟!"

ابتلع الجد كلماته فوراً عندما رآ الحنق قد ارتسم لحظتها على حاجبي إياد وحدود عينيه فصرخ في وجهه..

"قلت هل ستبدأ في لومي؟!!!"

قوة ما دفعت الجد لإجتياز بركان حفيده والرد.. "ألومك؟!

ولم لا ألومك وألقي بكَ في السجن أيضاً؟!!!

تعرف أن الدور الثاني به غرف النوم؟!!

أتعرف أن مكتبي المحرم فوق في الطابق الثاني؟!! أتعرف أن به جميع الأوراق الرسمية لممتلكاتي،، مصانعي شركاتي منازلي جوازات سفري.."

قاطعه إياد بلهجة بطيئة الوقع وحاجب مرفوع الطرف..

"أنا لا أفهم...

أأنت قلق على مستنداتك أم أبنائك وأحفادك أم أنك خرفت ووصلت إلى حالة مننن...

الهذيان..

تجعلك تتجاهل تحذيري وتفرِّط في دمنا بسبب...

-سكت لوهلة-
بسبب ماذا؟!!

ب.. بسبب من؟!!

بسبب كلمتين من أيمن جعلتك تنقلب ضدِّي وتتجاهل براهيني!!

-يوقف السيارة في باحة حديقتهم ناظراً في عيني جده-

هل وصل بك الأمر أن تكذِّبني رغم كوني أكَّدت لك أن الشرطة معي ولدي إثبات...

إثبات رسمي!!!

إن كنت لست جديراً بامتلاك عائلة رائعة وأفراد رائعين كهاؤلاء..

فيمكنك دفن نفسك حيَّاً الآن قبل موتك لأنك إن لم تستطع -أشار إلى قلبه وأخفض نبرته- إن لم تستطع حماية من تحب،، فأنت لا تستحق الحياة"

تجمَّدت ملامح الجد جمعاء وأصبح أمامه كتمثال مفزوع لا روح تدب به سوى كلمات يصفها انبثاق نظراته.. فقد اصدمت مسامعه بقوة في كلمات حفيده مما زاد عتاب نفسه..

ويصفو صمت صباحي مُفسحاً للنظرات بينهما مَفسحاً يجعل الجد بين أن ينفجر بالصراخ في وجهه،، وبين أن ينفجر ندماً..

فقد أصابت كلماته الصميم وسدته.. فهجر الدم عروقه...

ماذا إن مات أحد بالفعل؟!!

ثم عادت نفسه تحيك له الأعذار فقال بشجاعة "لم أصدقك لأنك لم تطلعني على التفاصيل أولاً بأول.. الأمر في حد ذاته صعب التصديق"

"ممم عذرٌ جيد"
أدار جسده بعض الشيء ناحية الجد لتتمكن نظراته من السقوط في زرقة قزحيتي جده والإنتشار وصولاً إلى عقله..

"ماذا لو فقدنا تامر؟!"

تلك الكلمة اخترقت أذنيه ودقَّت ناقوص خوفه فارتجَّ قلبه وكيانه..

وما إن طفح الخوف من عينيه حتى علا صوت حفيده "سنكون قد خسرنا شخصاً مثله بموهبته.. أنت لا تعرف كم هو مميز بالنسبة لي إنه..

إنه كالورد شاب ذو عقل نظيف متفتِّح.. وروح متطلعة..وأقسم إن مات سأتحذ معك إجراءات شتَّى"

"فلتحفظ لسانك يا ولد.. الخطأ خطأ الشرطة الذين لم يتسطيعو إخلاء المكان قبل تلك العملية.."

فتح إياد الباب وخرج يغلقه بقوة في وجهه قائلاً "كف عن التصرف كطفل"

سار بخطوات سريعة نحو الأمام تاركاً سيارته خلفه ونسائم الساعة السادسة صباحاً ترتطم بخفة في معطفه الثقيل وتتخلل شعره البنيْ..

وما إن يصل إلى بقعة ما قرب جدار منزله،، حتى يخرج من علبته سيجارة طويلة،، يضعها بين شفتيه ويشعل طرفها لعل جحيمها بخمد غضبه الكامن..

وينتشر الدوخان مندفعاً في قصبته حتى يملأ صدره بِسمِّيته.. مستنداً على الجدار رافعاً رأسه ونافخاً رماده لينطلق في الهواء..

فيوافيه الجد بخطوات شبه عرجاء يطأ الزرع حافي القدمين ببنطال مخطط وقميص يشبهه.. ليلقي إياد له نظرات مخيفة لصِّه عن المجيء..

لكنه يتابع التقدم مخترقاً غلافه الجوي المعبَّق بالتبغ..

خطوات عثرة تستقيم رويدا رويداً حتى تلقاه فتقف..
كم يلفظ الجد شعوره هذا،، إنه يقر بخطئه بل كل جوارحه تعترف أنه كان في منتهى الحُمق...

"لقد تساهلت.. لكن بحق لم أكن لأصدقك واحداً بالمئة.. لا أسطيع إنكار ذلك -ثم عادت نبرته المتعالية- لكنه خطأك أنك لم تضعني في الصورة منذ البداية.."

يتلقى الجد من إياد بعد قوله هذا،، رفعة حاجب ونظرة نسر بمقلة طافية تترجم بنظرة سخرية..

فتابع الجد "ضع نفسك مكاني.. تخيل أن يأتيك أحد أفراد أسرتك ويقص عليك قصة سخيفة عن سفَّاح يمزق البشر.. وأننا العائلة التالية..

ضع نفسك مكاني وأجب ماذا كنت لتفعل؟!"

قطف سيجارته من فمه بنبرة هادئة "كنت لأتحقق.. فإما أنه صادق..

أو أنه يعاني من خطب ما كعلة نفسية مثلاً..

في كلنا الحالتين لم أكن لأتجاهلة لأنه فرد مهما كان عمره أو جنسه..

يجب عليك كسيد عظيم لعائلة ثرية كهذه أن تدرك أهمية الذات البشرية وأن تعي كل كلمة ينطها الأفراد فلا شيء يأتي من فراغ"

أغمض الجد أوس عينيه وأخذ نفساً طويل الشهقة تحت حملقة عيني حفيده الغاضبتين..

ثم قال "أريد أن أتحدث معك طويلاً.. أريد أن أفهم كيف ولم ومتى وكل شيء،، لكن أولاً فليرح الله قلبي بخبر نجاة تامر ومروان"

"استرح أنت جدي.. سأذهب إلى هناك"

رفع الجد بصره القلق برجاء.. فحاول إياد طمئنته بابتسامة لكنه لم يستطع سوى قول "تفضَّل إلى المنزل،، ولا تخبر والدتي أن لي علاقة بشيء لأنني لن أتحمل إستفسارات أحد"

أومأ الجد برأسه وتبع إياد سيراً على العشب الندي البارد.. حتى وصلا بعد عدة درجات رخامية إلى باب المنزل الرئيسي..

فأخرج إياد مفتاحه يديره حتى انفرج الباب مصدراً صريراً عالياً يصطدم في الجدران ويعود إليهما..

فالجميع نيام..

الجميع،، ماعدا ذلك الرجل مصدوم هناك،، الواقف برداء النوم وكوب القهوة المثلجة.. يكسر ابتسامة مهرج على شفتيه ويقتبر بها نحو الجد بصوتٍ ناعم "أبييي"

إنه السيد مراد،، يلفاه حماه بوجه غاضب ليستر الخجل من مظهره المثير للضحك أو الشفقة أو الإثنان معاً..

يكتم مراد ضحكته ويقبل يديه ورأسه ناظراً إلى ابنه إياد بوَعيد "زيارة في تمام السادسة يالها من مفاجئة جميلة"

"ليست زيارة يا أبي إنه"

"ألقِ السيجارة من يدك"

رفع حاجبه الأيسر مجدداً "دعني أتم كلامي أولاً.. إنه إنف--"

"آاااممم... تفضل تفضل يا أبي إلى غرفتك" مبتعداً عنه..

فأقحم إياد السيجارة مجدداً في فمه مما أكل نصف حروفه قائلاً "إجاً .. إذاً جدي جأ سأوافيك بالأخبار.. إلى اللقاء..... أووه كدت أنسى"

ودخل المنزل مغلقاً الباب،، في شيء من العجلة يتخطى جده ووالده الذي بدأ بالثرثرة عن مدى سعادته لرؤية الجد..

يصعد الدرجات المتتالية حتى يصل إلى غرف النوم،، مترامية هنا وهناك..

وبسرعة يمشي ناحية أحد الأبواب آخر الممر،، فيدركه ثم يفتحه فجأة..

كانت عتمة موحشة،، في الأروقة وحتى بالغرفة،، غطَّت ستارة ثقيلة النافذة لتصد النهار.. فلا يرى إياد سوى خيالات..

وخيالات..

من نسيم خفيف بحرِّك ثقل الستار بصعوبة.. فتطول الظلال وتقصر ثم تختفي..

وأصوات الخارج مكتومة لا أثر لها فقد احتلَّت همسات جو الغرفة،، تزداد عدداً وترتفع صوتاً..

أدركت عينا إياد جسد آدم المعتم،، هناك على الأرض جاثياً أمام الحائط،، يتعبَّد لصليبه الذهبي المُعلَّق.. بانسجام منغمساً في صلواته..

برجاء وخشوع تتداعى كلماته بين تمتمة وهمس،، لم يقطعها اقتحام إياد المفاجئ لخصوصيته ووقوفه لنفخ سيجارته مستنداً على باب الغرفة..

يستمع إلى تراتيله المنغَّمة بصوتٍ الناعم،، مبحوح ومخيف.. مما يجعله غير قادر سوى على محاولة بائسة لإتقاط كلماته وترجمتها..

ففي الظلمة قد أرسل أسماعه لتتعلق بهمهمات خاله،، وما إن توشك على استيعاب الجملة حتى تنطلق جملة أخرى غير مفهومة المجمل أو مسموعة الأحرف،، لكنها تحت عنوان طلب القرب والغفران..

يتنهد إياد بخفة متعمداً إرسال رسالة ^ضجرت^ إليه.. فالروحانيات ما هي إلاَّ أوهام لا صلة لها بالواقع يتخذها الناس لملئ فراغ أيامهم...

كما يعتقد هو..

لكن آدم يكمل صلواته بل وتتعالى همساته لتملأ ذرَّات الهواء وترتد في الأركان وعلى الجدران حتى يشعر إياد بها تحاصره فتُشعره بدوار مزعج..

وضع كفه منبسطاً على وجهه وقال "أَنتهيت؟!"

فاختفت الهمسات وابتلعها السكوت فجأة..

وعلى وقع سؤاله رفع آدم رأسه هامساً لإياد الواقف خلفه "تريدني؟"

أطفأ إياد سيجارته على الجدار قرب الباب فتركت علامة مدورة سوداء،، ثم أجاب "حدث هجوم في منزل الجد"

صمت قصير..

ثم صوت زفرته فقط هو ما انطلق في الهواء،، ولم يقف من جلوسه أرضاً أو يستدير حتى..

اكتفى بفتح عينيه الزرقاوتين بعد إغماضة طويل يحرِّك فكَّه البارز قائلاً..

"لقد توقعتَ ذلك،، أيها المتحذلق"

"أجل.. قد يكون تامر مات بالفعل"

ابتسم إيليوت "أتمنى ذلك"

تأفف إياد بضيق ثم تابع "تعالَ معي لنتفقد الضحايا،، فقد كانت هناك جثة لشخص مجهول أعتقد أنه مروان"

إلتفت إيليوت قليلاً إلى يمينه يحرِّك رأسه بتساؤل..
"هل نجى أحد؟"

"أجل،، والدك وأيمن هما من رأيتهما أمام ناظريْ"

"اممم"

عدَّل إياد في وقفته "هيَّا تجهَّز للمجيء معي"

أعاد آدم توجيه رأسه إلى صليبه وقال..
"أًمِنَ الآمن ترك منزلك بلا حماية؟ خاصة في هذا الظرف؟!" ثم وقف والتفت نحوه "دعني هنا لأحميهم من أي هجوم"

ابتسم إياد "ألم تسمع ما قلته لك؟! يبدو أن تامر مات.." أردف "السفَّاح وقع في فخ أربعين لغماً ولا أظنه نجى.."

رفع آدم بصره نحوه "حقَّاً!!!" ورغم العتمة استطاع إياد لمح زرقة نظراته..

فأجابه برفق "أجل" ثم ابتسم "إنها فرصتك لتثبت لوالدك أنك شحص جيد ومتعاون.. ستكون بداية إقناعه بعودتك إلى رشدك..

أقصد،، حتى لو مات والدك فأنت تعلم أن الشريعة لن تحكم لك بميراث،، لذا يجب أن تقنعه أنك جيد وأن تتأثر بنصائح والدي ونصائحه..

ثم تتوب..

حينها ستستفيد في حياته وبعد موته"

توجَّه كيان آدم في الظلام نحو صليبه وقال..
"اللعنة على المال إياد،، وكأنك نسيت الكسر في ذراعي!!"

عبس وجه إياد وقال "لنذهب إلى المستشفى"

أومأ آدم "ونترك المنزل بلا حماية؟! إذهب وحدك تأكد من موته ثم يمكننا الذهاب إلى المستشفى"

دوَّر إياد عينيه "أنت محق لسنا واثقين من موته" همَّ بالرحيل قائلاً "الأفضل أن أبقى في المنزل حتى يأتينا الخبر الأكيد،، فأنت لن تستطيع حماية منزلي بذراع واحدة..

-تثائب-

آآآخ يا ربي كنت أود الذهاب"

ثم رحل مبتعداً عن غرفته الأمتار فالأمتار،، ليعود آدم إلى صلواته راجياً ربه ألا ينجو أحد .

___________________________

ذاك المنزل..
منزل السيد أوس،، هو أجمل المنازل وأفخمها في هذا الحي..

شعر الأهالي بأعينهم قد أصابت فخامته فهوا جداره من انفجار مجهول بهذا الشكل..

وعلا صدى الإنفجار حتى وصل إلى منزل أحد الجيران الأقارب،، إنه القاضي الكبير هشام،، شقيق السيد أوس وأحد أبرز القضاة في عمَّان بأسرها..

ففي ظهيرة ذات اليوم..

وفور سماعه بالخبر المريع،، هرع إلى هاتفه ،، ووضع السماعة على أذنه يضغط الرقم تلوى الرقم حتى يظهر الرقم التسلسلي لمنزل السيدة آمال ابنة السيد أوس،، وهذا بعد أن أخبروه أنه هناك..

ولم ينتظر كثيراً حتى أجابه صوتٌ ذكوريْ جهور..
"السلام عليكم منزل السيد مراد.. من معي؟"

أجاب برزانة "وعليكم السلام،، أنا القاضي هشام" ثم ألحق كلماته "هل لي أن أطمئن على صحة السيد أوس؟!"

صمت الطرف الثاني قليلاً..

مما أفسح للقاضي إعادة السؤال "هل هو بخير؟!"

أجابه "أجل،، وسيستقبل ضيوفاً الليلة في منزلنا.. سنتشرف بك"

"حسناً شكراً لك.. هلا أعرف من معي؟"

ابتسم "محمد مراد"

دبَّ الحماس في كهولة صوته "محمد!! الرائد الذي استقال من فرقة الصاعقة الأمريكية؟"

ابتسم بإحراج "لا هذا أخي إياد،، أنا شقيقه الصغير"

"ما شاء الله ما شاء الله... لقد كبرت وأصبحت رجلاً"

انقطع الصوت قليلاً حتى ظنَّ القاضي أن الخط انقطع فكرر "ألو.. ألو؟!"

"أجل هنا يا سيدي.. سنتشرف بك الليلة"

بفاه مبتسم قال "وأنا كذلك،، شكراً لك بني.."

"إلى اللقاء"

"إلى اللق--   أغلق الخط!!!" انبعجت شفتاه تعجُّباً..

لأنه لا يعلم أنه على الجانب الآخر كاد يطير محمد من الفرحة عندما دخل عليهم فجأة مروان وتامر بحالٍ أكثر من رائعة..

فعدَّل إياد جلسته بعد أن كان متكئاً.. يراقب دخول تامر ومعانقته لمحمد..

ومروان كيف قفز يحتضن محمد بشغف كبير ويردد..
"لقد تم تدمير منزل جدي اللعين،، سنبيت معاً أجللللل"

شدَّ محمد العناق أكثر "لقد فعل أحدهم ما تمنيته"

ابتسم إياد ابتسامة جانبية ينظر إليهما،، قطعها صوت تامر العذب "إياد.."

استدار إياد نحوه ووقف ينوي المصافحة فتفاجأ بعناق قوي لم يعتد عليه من قبل.. إذ اخترق ما يسمسه مساحته الشخصية بسرعة وطوَّق ظهره ورقبته بذراعيه وشدَّ بقوة وكأن إياد هو الناجي وليس العكس..

وسرعان ما علم سبب هذا العناق..

"أنت بطل،، بحق" ابتعد عن مساحته "لقد كنت مذهلاً ظننت..

ظننت أننا سنموت"

ابتسم يتصنَّع التواضع،، وأشار له بالجلوس على أحد الأرائك "استرح.. وأنتما مروان ومحمد يمكنكما أن تتفضلا" مشيراً إلى الباب..

حينها،، جلس يهدوء على الأريكة وابتسم له بإعجاب،، إبتسامة وصفها إياد أنها ^مخيفة^ بعض الشيء.. 

ولاحق حركاته بنظراته حتى استوى على كرسييه..
"لم أتوقع أن تنجو.. أحم المعذرة أقصد لم أتوقع أن تكون بهذا الذكاء لتستوعب كل ما قلته"

حرَّك رأسه بالإيجاب "آاااا أجل أجل،، لقد كبست كل شيء في دقيقة وألقمتني إياه.. وقبل الإنفجار بدقائق أخبرتني في الهاتف كيف أنجو من الإنفجار بالضبط ماذا أفعل وأي طريق أسلك خروجاً من القبو ودون أن يراني السفَّاح..

كنت أقول كيف سأتذكر كل هذه التعليمات لكنني قلت في نفسي أن عقلي لن ينسى وبالفعل تذكرت"

"اهاا" وتلامست رؤوس أصابعه "الموهوبون يجب ألا تموت"

ابتسم بخجل "أرجوك توقف أنت كنت البطل بامتياز.. كيف دبَّرت الأمر وكيف جعلتني أضع الكاميرات بتسلسل وطريقة معينة جداً تجعل الناجين بأمان..

كيف برمجت كاميراتك وكيف توقعت أنه بهذه القوة بل كيف خطر على بالك ال.. ال .. كل هذا يا إلهي يا لك من عقلٍ مدبِّر"

ضحك إياد ضحكة ظهرت فيها نواجذه البيضاء وتجعَّد بعضٌ من بشرته..

"أنا أحمق..
لا تستغرب أنا أحمق كبير..

ذلك الشاب أياً من يكن،، آممم" التفت نحوه "أرأيت أسلحته؟!!
رداءه..
سرعة ركضه،،
طريقته في التمزيق إنه.. إنه" ثم همس بعنين جاحظتين "ر ا ئ ع"

أصيب تامر بصدمة محدقاً في مظهر إياد،، والذي بدى لوهلة كشابٍّ وقع في غرام فتاة فطار عقله يسارجع اللقطات...
"كيف حمل السيف،، ومزَّقهم بكل سهولة..
إنه..
إنه ماهرٌ جدّاً -ضيَّق عينيه بتساؤل- ألا توافقني؟"

تعجّبَ تامر "يييه!!! لا يمنك أن تقول على سفاح معادٍ للبشرية أنه رائع"

"أنا لا أحبذه لكنه بالفعل آلة قتل في غاية الروعة لا أعلم كيف نجى من الإنفجار"

"كيف علمت أنه نجى؟!"

نظر إليه إياد "لأنني أراه" وكأنه تذَّكر شيئاً "أأ..أؤ بقلبي طبعاً.." وابتسم ابتسامة صفراء فاقعة..

كشَّر تامر بيأس "ظننت أننا تخلصنا منه إلى لأبد،، وأن خططك الخرافية--"

"أجل لهذا أنا أحمق.. وهو أسطورة في ال.. إنه.. أتعرف الزئبق؟!!
لا يمكنك إمساكه أليس كذلك؟!

أتعرف أنه سائل لكن قطراته ترتد كالكرات؟!
أتعرف أنه سام؟!
لونه يجتذبك بقوة لتلمسه ثم..
ثم يقتلك بسميته و--"

"ولكن كيف هرب بالفعل؟!"

ابتسم إياد ثم تحولت ابتسامته لقهقهة خفيفة وأحنى ظهره جالساً بعقد يده.. مخفضاً بصره محركاً رأسه "تامر.. يا عزيزي،،
إنه يتحداني أنا..
وأنا أشتعل..

أشتعل كمحطة واقود عندما يتحداني أحدهم..
وأقسم أنه سيفشل...

أعني..

إنه يتحاداني أنا!!

هاهه

أنا؟!!

أجل أنا أتتخيل أن يتحدَّاني مختل وضيع مثله؟!!
سيندم وسيكون مديناً لي"

"ألم تكن تمدحه منذ قليل؟!!
كما أنك بالغت في،، تعظيم ذاتك ورفع سقف أمانيك..

-صاح في وجهه بابتسامة مزاح-

إنه يمزِّق البشر ويأكلهم يا عمِّي..
أتظن أنه سيأتي يوماً ويسجد لكبريائك!!
أرجووك أحلامك هذه تجعلك نملة"

"عنيت أنه ي--"

قطع تامر الحديث بضحكة..
"لديك جنون العظمة أم أنك تمازحني؟!"

"أريد رفع معنوياتي ربما لا أكثر.. المهم إذهب لتستريح جيداً فجدِّي سيعقد اجتماعاً طارئاً الليلة"

"بالتأكيد"

ثم عمَّ بينهما صمت طويل ممتد،، انتهى معه حديثهما عن ذاك الحدث الذي لن ينسياه ما عاشا.. 

________________________________

مساء اليوم
في تمام الثامنة

استيقظ آدم على إيقاع تربيت شقيقته إيملي،، تبتسم بسعادة وتهمس "أفق،، إياد يريدك"

شقَّ عينيه ببطء واجترَّ الهواء بصعوبة..
"هاا"

تتجمع أجزاء الصورة في عينيه لتشكِّل وجهها الصبوح.. مشرقةً كعادتها ومبتسمة ملأ شفتيهايقطر الحنان من عينيها...

تهزُّه برفق "هيا أيها الكسول"

"كيف عاد؟!"

"ماذا؟"

"كيف أ.. ما الذي جا... حسناً سآتي"

أبعدت وجهها من فوقه،، وأمسكت بذراعه "كيف حالها؟!"

فتأوه من الألم عالياً مما أثار رعبها فأبعدت يدها فوراً..
"أعتذر"

قام من مضجعه على استرسالها في الحديث "تعالَ لنذهب إلى المشفى،، أنت ترفض منذ الأمس أن تذهب..

أنت عنيد جداً وتقلقني ع--"

"لا تقلقي.. سأذهب مع إياد"

توجَّهت إلى باب الغرفة راحلتاً "إذا أردتني أن أساعدك فأخبرني"

ثم رحلت...

وكم أسعده رحيلها فهو لا يود أن يرى سوى الوحدة التي تيتَّم بها منذ صغره..

فأكثر ما يحبه هو قضاء تلك الساعات الطوال في قيعان عقله الباطني،، هو يحب بل يعشق خباياه...
فما إن يرحل الجميع حتى تحتال حجرته جزءاً من دماغه..

فيجالس نفسه أيما مجالسة..
إنطوائي؟!

تلك الكلمة لا تتضمنه بل هو يتضمن الإنطواء،، العزلة،، الكتمان الوحدة..

هو إسم جامع لكل ما يعنيه الإنغلاق..
بل ويصعب عليه كثيراً الخروج من ضوضاء نفسه إلى العالم الواقعي...

فمذ كان طفلاً..
عاشت معه العزلة واعتادها فأصبح ينزعج من مجالسة البشر،، لكي لا يزحموه بأفكارهم البلهاء..

له حياته..

له عالمه .

يعلم أن الكل يشك في تصرفاته ونوازعه العميقة..
إنه صامت،، غريب الأطوار يلقى الناس بوجه عابس..
لا يولي أي شيء أي أهمية بشكل عجيب مبالغ فيه..

لم يحب فتاة في حياته،، فهو جنسيًّا شخص ميت فما سبق وشعر برغبة جنسية تجتاحه...

ربما لعدم ثقته في ذاته،، أو لخوفه المبالغ فيه أن يفصح عن مشاعره الجيَّاشة لمخلوق!!

على كل حال.. العاطفة ليست في قاموسه رغم أن أختيه ووالدته يمطرونه بها منذ نعومة أظافره...

يراه الجميع أنه معتل نفسياً!!

أجل..

لكنه الوحيد الذي يرى أنه،، بخير وبأحسن حال..

أغلق عينيه لوهلة يتمنى من غفوة ناعسة أن تهرب من عيني طفل وتزور عينيه.. بعيداً عن صخب الخارج وصوت فريال تتذمر..

يرى السقف رغم بياضه معتماً كبقية الغرفة..
فتضيق رؤيته شيئاً فشيئاً حتى..

يسقط..

في شيء ما كبحر أسود ليليْ،، لا يكترث لضوء قمر أو نجم،، بل بحرٌ قد ابتلع العتمة ومافيها من وحوش وشياطين،، هواجس وخيالات..

وأسقط آدم فيه..

إنه يفقد أنفاسه..

أجل إنه ينام .

وهذا البحر هو عالمه الخاص يشدُّه إلى القاع أكثر فأكثر حتى يشعر بضغطٍ عالٍ على رأسه.. وعجزٍ هائل عن فتح عينيه..

ومع ذلك يرى لقطة من ماضيه..

في الحادية عشر من عمره.. كان طويل الخصلات أشبه بفتاة جميلة،، نحيل الجسم  قد أضرَّ به هوسه باستكشاف ذاته فأهمل العالم وركض بلهفة نحو نفسه حتى أصبح..

هكذا..

واقف في ممر المدرسة أمام خزانته..
فيقترب منه مجدداً ذات الفم ذو عبق التسوس البشع..
يصدر من بين شفتيه الوعيد والتهديد ويكثر من ذلك حتى يبصق آدم في وجهه بصقة لا تنسى..

فينهال الولد وجماعته بالضرب عليه حتى لا يبقى بينه وبين الموت سوى لكمة واحدة..

لكنه نجى..

ولا يدري لمَ نجى!!!

لم يكتفوا بكونه أشقر أزرق العينين ألماني النخاع،، اسم والده مسلم وفوق ذلك،، عربي!!!

لا تفارق ذاكرته تلك اللقطات،، حينما وقفت أمه للمرة الثالثة أمام المدراء تشكي التنمر..

حتى قرر ذات يوم ألا يعاود الذهاب إلى المدرسة مجدداً .

___________________________

لا يزال طافياً في عمق سواد بحره،، مغمضاً يشاهد لقطات ذاكرته..

لوحة رسمها عقله،، أريكة قرمزية مزخرفة ببتلات الجوريْ..

طفل أشقر،،
شعره كذهب مصهور وعيناه بحران بلا شطئان ينظر قباله ونظراته من حجمها تكاد تأكل من يحدِّق به حبّاً فيه..

أمام والده .

وكم تمنى أن يأخذه معه ليعيش في بلد عربية،، بين أناس يخالفون ظاهره لكنهم يشابهون باطنه..

ببساطة،، لقد تمحورت العشر سنوات من حياته حول ثلاثة أشياء..

الإنتظار..

والإنتظار..

ثم الإنتظار..

لمجيء والده مرة كل عام أو عامين.. محملاً بالحب والهدايا..

يوم كان العجوز أوس أسود الشعر حلو الصوت،، ينام على الأريكة فيرخي آدم رأسه على صدره ويغفو بهدوء..

يوم كان يراه ابنه ذلك البطل الخارق الذكي الثري الذي لا يضاهيه أحد في روعته....

من أي سماء نزل السخط على والده فصيَّره قصير البال قاسي الكلمات متزمت!!

وأي قلم خطَّ قدراً جعله بهذا الجفاء بعد أن كان آدم أحب إبن له!!

كان يصحبه معه في رحلات إلى مختلف أرجاء العالم لزيارة أقاربه،، بريطانيا تركيا أميريكا كندا....

لكنه كان ينتظر بلداً ما بجنون...

وسر حبه لتلك البلاد هو ..

أحسَّ آدم بجسده الطافي قد أطلق روحه إلى الماضي مجدداً ليُعيد إحدى اللقطات يستحيل أن ينساها ماحيي..

لأنها كوَّنته ..

ذكرى التجوال في الغابة..

فوق أوراق الخريف تتكسر تحت حذائه.. قد توارى قرص الشمس البرتقالي خلف أفنان الشجر من هول الموقف!!

فالطيور تتساقط من أعلى!!

كالغيث الخفيف..

أذهله الأمر وشعر بالأسى ممسكاً بين كفيه عصفوراً ينزف ---

"آدم..

آدم!!"

مجدداً شقَّ عينيه ببطء فسمع صوت أخته الأخرى هايدي "لقد بدأ الإجتماع،، والدنا يريد كل الأبناء بلا استثناء"

قلبَ رأسه إلى اليمين ناحيتها..
ولم يجبها سوى بالقليل من نظرات النعاس وكأنه لم يسمع شيئاً..

بصعوبة استشعر الليل،، وأن قيلولته طالت حتى بلغت هذا المبلغ.. فقد أسدل الليل ستاره منذ مدة وهو لم يُفِق حتى الآن !!

ينبعث الضوء من خلف أخته الواقفة عند الباب،، مما يجعل جسدها أسود لا يبصر من ملامحها سوى القليل..

أجابها بسؤال..
"أين إياد؟"

ترددت في الإجابة تستذكر مكانه،، فقد امتلأ المنزل بالبشر الداخلين والخارجين وهو لا يلبث أن يغير موقعه..

فحرَّكت كتفيها "لا أعلم" ثم قالت بهدوءٍ حزين "لدينا اجتماع هام..

-تهمس-

والدنا غاضب"

جلس يدفع جسده بذراعيه حتى يستوي ظهره ويتثائب..
"حسناً أنا قادم"

وبالفعل لم يلبث سوى القليل حتى أنهى ارتداء ملابس مريحة بدت عليه -كالعادة- جد متَّسعة..

ينزل صليبه الثقيل من على الحائط،، ويجعله يتدلَّى إلى سرَّته بمعدنه الذهبي وزخارفه.. ثم يغلق السحَّاب فيخفي وجوده ويبرز بعض الشيء تحت معطفه الواسع..

____________________________


بذلة رسمية من الصوف الأسود منسوجة بعناية بالغة..
يدوية الجيوب،، تزين أكمامها أزرَّة نحاسية منقوشة بدقةٍ متناهية تليق لسيد كالسيد أوس..

عدَّل ربطة عنقه السوداء قبل لحظة من جلوسه،، يربض برفق فوق مقعدٍ مريح ذو ذراعين هائلين.. على جانبيه امتدت الأرائك المخملية موحدة اللون حيث سيجلسون..

توافدَ القادمون يخْطون إلى المجلس الفسيح بشيء من الحياء منزلين رؤسهم بابتسامة خوف.. فما إن تدخل حتى ترى الجد أوس جالساً كسلطان ساخط محمر الوجه منتفخ العنق،، تبرز عروقه كمجاري أنهار يحبسها أن تنفجر..

منظره يثير في الزائرين الرهبة،، فيتقدمون نحوه ذائبي القلوب،، يمسك كلُّ فردٍ يده العجوز ليوقن كم تصلَّبت من شدة الغضب..

يأخذون في تقبيلها ويبالغون في إذلال أنفسهم لعل تقوُّس شفتيه يستقيم..

وما إن ينتهي أحدهم من طقوس تعظيمه حتى يشيح له بيده بعيداً ليأتي الآخر ويفعل كما فعل الأول..

تتابعوا حتى امتلأ المجلس بهم،، قد دنى منه ابنه المحبب أيمن،، بابتسامة فخر كونه الوحيد المرضي عنه..

قعد قباله فاروق بشيء من الإرتباك الممزوج بثقة عمياء تجعله يُوسِّع ابتسامته من حين لآخر ليريهم كم أنه بخير..

لم يكن صادقاً في إظهار مشاعره على عكس فارس الذي جلس منحني الظهر منحدر الرأس،، لا يجرؤ سوى على تخيل ما سيحل عليهم من جحيم سخطه..

ثم فاتن وكيف رفعت نقابها لتكشف كم أصبحت صفراء شاحبة،، متورِّدة الجفون وعابسة..

وكان اقتحام السيدة آمال للمجلس مرتمى أبصار الجميع.. يجاورها في السير ابنها إياد ذو البنية الشامخة،، سيد ابن سادة.. يدقُّ الأرضية بكعبه كالعادة،، ويرفع رأسه مرخياً حدقتيه إلى وجوههم الخائفة..

هو يعشق هذا الجو المشحون فهو يتيح له فرض سيادته كونه الذي لا يخالفه الحق دوماً..

يجلس والدته على الأريكة واضعاً خلفها وسادة ناعمة تحوي كامل ظهرها لترتخي..

في ذات اللحظة يستسمحم تامر للدخول،، بِطَلَّةٍ تثير في النفوس راحة عطرة فتهوي القلوب في عمازاتيه الغائرتين مبتسماً ببراءة يتخير أحد المقاعد للجلوس..

عم السكوت لدقائق مما دفع بعضهم بعضاً لإختلاق الأحاديث الهامسة،، فيميل القاعد برأسه إلى من يجاوره متسائلين عمَّا يجري هنا.. ولمَ يقف أيمن بجوار والده وينخفض هامساً إليه؟!!

تدخل إيملي خطوتين،، ثم تتراجع ثلاثاً قد تملَّكها الخجل من مواجهة والدها..

لكن عينا إياد لمحت بيجامتها الشتوية عند المدخل فابتسم تاركاً مجلسه قرب والدته،، وذاهباً إليها قرب الباب..

فما إن رأته حتَّى أفصحت على وجل "لا،، ليس أمام الجميع"

أمسك يدها يسحبها فكادت تنزلق من قبضته لشدة نعومتها.. فضمت يدها إلى صدرها لها مجدداً مما أثار ضحكه فهمس..

"ألستُ بقربك؟!" أمسك رسغها مجدداً يسحبه فيدرك تصلُّبَ ذراعها،، يدفعها للدخول رغم تجمُّد خطواتها..

لكنها لقيت مالم تتوقعه أبداً،، إذ كان همُّها ذرةً في بحر الهم الجديد الذي اجتاحهم جميعاً.. فلم ينتبه بشرٌ لوجودها سوى تامر هناك يلوِّح لها..

يبدو أن عينا الجد قد بدأتا التجوال تحصيهم عدداً..

فاروق
أيمن
فاتن
فارس
آمال
إياد
إيمليا

رفع رأسه فسكنوا جميعاً على صوته الأجش يسأل..
"أين هايدي،، آدم وسلمى؟!"

أخفضت إيملي رأسها بخضوع "هايدي تحضر آدم يا أبي"

"أهمم.. وسلمى؟!
هناك أمر يخصها اليوم"

وقفت فاتن على عجل ملتقطة هاتفها "سأتصل بها يا أبي"

حينها عاد أيمن ينحني هامساً في أذن والده،، حتى قطع حديثهم صوت الجرس يرن معلناً عن قدوم سيارة السيد هشام القاضي،، والذي جاء بغرض الزيارة ومعرفة ما يجري في منزل ابن أخيه..

__________________________

حظي القاضي بحفوة استقبال تليق بمكانته..
فآن دخوله استقام الكل واقفين لسيادته،، فسَلَّم عليهم واحداً واحداً بوجه بشوش خفف عنهم وطأة عبوس والدهم..

وكالعادة انجذب وبقوة إلى تامر وإياد خاصة.. فرغم تركِ الجد لمقعده له،، إلَّا أنه فضَّل الجلوس بين الشابين اليافعين،، وتبادل الأحاديث معهما..

"إذاً أنت تامر الطبيب!! اهااا اهااا" يهزُّ رأسه "أجل تذكرتك لقد زارني والدك مرة،، كنت بهذا الحجم -مخفضاً يده على الأرض ضاحكاً- والآن كبرت ماشاء الله" مربتاً على ظهره فيتملك تامر الخجل..

ثم يلتفت إلى إياد بابتسامة "إياد مراد" يتمعَّن في تركيبة جسده ومظهره "الرائد المستقيل.. صاحب الأوسمة ال--"

قاطعه تامر "المعذرة المعذرة.. أنت يا إياد؟!!"

"أنا ماذا؟!"

"لكنك لم تخبرني عن أمر كونك--"

"كنت في فرقة الصاعقة الأميريكية؟! أجل واستقلت"

"لا لا.. أقصد أنكَ"

دخلت هايدي وتبعها آدم،، فصمت الجميع ملتفتين إلى كومة العظام تلك،، قد دسَّ يديه في معطفه ورفع قلنسوته فوق رأسه بلا سلام ولا تحية.. فقط عينان غائرتان ذات نظرات صلبة!!

أثار فضول القاضي مشيته،، نظرته ودخوله الغير مبالي.. يحمل بين طيَّات وجهه سرَّاً ما.. وتحيط به هالة من الغموض تجتذب الأنظار..

همس القاضي لإياد "من هذا؟!"

"إيليوت،، أو احمم آدم المرتد كما يدعونه"

"ممم،، مثيرٌ للإهتمام"

تبعته أعينهم حتى جلس بينهم في بقعة تمكِّنهم جميعاً من رؤيته،، وبجوار إيمليا شقيقته.. فاليوم هو يوم الحساب..

يستوي الجد على كرسييه بشهقة عميقة يبدأ الحديث..

"بسم الله.." ثم سأل أيمن "أين سلمى؟! لمَ لم تأتي؟"

فهمس أيمن في أذنه ببضع كلمات جعلته يتجاهل غيابها.. وينظر في وجوه الحاضرين بحزم شديد..

وبصوتٍ غليظ جهور يصل من أول المجلس إلى نهايته ابتدأ الإجتماع..

"بسم الله..

قال تعالى ^وليخشى الذين لو تركوا من خلفهم ذريَّة ضعافاً خافوا عليهم فليتقوا الله وليقولوا قولاً سديدا^

صدق الله العظيم.."

وضعوا أياديهم على قلوبهم باحترام متمتمين..
^صدق الله العظيم^

تابع الجد بذات الجبروت "تعرفون ما تعنيه الآية..
فأنتم يا أبنائي،، ذريّة ضعيفة..

ما تلبث النيرات حتى تشتعل بينكم،، من أصغركم إلى أكبركم..

إن مِت،، فسيأكل القوي منكم الضعيف..
ويطغى الغني على الفقير حتى تطفح بينكم المكاره والأحقاد"

قالوا بصوت رجلٍ واحد موافقين له "أطال الله في عمرك"

اتكأ السيد أوس على مرفقه بشيء من الكبر اعتاده..
وتابع إلقاء كلمته "تعرفون،، وعمِّي هشام يعرف ذلك..

أن والدي،، رحمه الله..

وقبل موته بعدة أشهر،، اختارني أنا من بين جميع اخوتي السبع،، ليكتب لي (ثلث) ماله..

أتذكر ذلك اليوم..

عندما أخذني معه إلى المحكمة دون علمي،، وعندما فعل رحمه الله.. أخبرني أنه لم يفعل ذلك من أجلي شخصياً فقط..

بل من أجلنا جميعاً..

لست الأكبر أو الأصغر،، كنت الأوسط وذقت الكثير من الشقاء في حياتي.. فقد بدأت من الصفر حتى أغناني الله من فضله..

وحينها كنت آتي بكل راتبي،، وأضعه بين يدي والدي طالباً منه أن يتصرَّف به كله..

وكان يردني به قائلاً فليكرمك الله..

ثم في الشهر التالي آتيه وأفعل ما فعلت،، وظللت كذلك حتى فارق الحياة رحمه الله..

ومع ذلك،، عندما كتب لي الثلث،، أخبرني أن برِّي به ليس هو السبب الرئيسيْ..

فهي ليست مكافئة كما يبدو،، بل هي
[مس ؤو لية]

فأوصاني أن أحكم بطش إخوتي،، وألَّا أدع منهم جائعاً إلَّا أشبعته ولا عارياً إلَّا كسوته.."

سكت سكتة ليست بالقصيرة،، محدقاً في وجوه الجالسين أمامه،، قد أنزلوا أعينهم ورؤوسهم بخضوع ماعدا آدم المحملق وإياد الذي كان يسترق النظر إلى ساعة يده من فينة لأخرى..

ومع ذلك شعر بالتصاق أذهان الجميع بكلماته فأكمل..
"وبالفعل..
وبعونٍ من الله،، عاش إخوتي بعد موت والدي عيشة هنيئة سالمة.. فأعطيتُ كل ذي حقٍ حقه من الميراث..

فازداد الغني غناً،، وأغتنى الفقير.. فوازنت لأجعل حالاتهم المادية متقاربة إلى حدٍّ ما..

واندثرت الأحقاد،، وعشنا كما لو أن والدي لا يزال على قيد الحياة بيننا -حتى- هذه اللحظةة.."

أدار آدم عينيه بملل وأرجع إياد ظهره للخلف حتى كاد يغفو!!

لكن تامر المندمج كالبقية ألقى سؤالاً..
"المعذرة جدي،، سبعة من أمٍّ واحدة؟"

تأفف آدم هامساً "ها نحن ذا"

"كنَّا سبعة ذكور من أمٍّ واحدة أجل،، ولدي أخ توأم لكنه كان رحيماً لا يجيد القيادة فأنا كنت..."

تثائبت إيملي ونام إياد فاتحاً فاه قليلاً مما أصاب والدته بالإحراج كونه يميل لا إرادياً على كتف القاضي..

فقاطعت حديث والدها صارخة "إيااااااد!!"
رجَّ صراخها قلبه فكاد يقفز من مكانه،، يسحب الهواء ويسحب لكن لا هواء يصل إلى رئتيه من شدة الفزع..

"آسف احم آسف أنا فقط،، لم أنم منذ الأمس"

تلك الجملة كانت بمثابة تذكير للجد بالموضوع الرئيسيْ فقال "نعود لموضوعنا..
لقد نشرت مؤخراً رغبتي في فعل ما فعله والدي..

وأكرر أن الهبة ليست هدية بل،، هي مسؤولية تجازا عليها بالمال..

إنها للأكثر برّا..

الأكثر أمانة وصدقاً..

لكن -تنهد- ومع الأسف فور انطلاق تلك النية مني،، رأيت أشياءً تُدمي القلب حزناً.. من كراهية وحقد،، كذب وتلفيق ومحاولات لنشر الفتنة بُغية إبعاد شخص ما عن عيني وأشياء كادت تؤدي للموت..

-أصيب القاضي هشام وكلُّهم بصدمة-

لذا..
قررت إلغائها تماماً.."

تحطَّمت قلوب .. عبس وجه فاروق بشدة وانذهل أيمن،، أما البقية لم يتأثروا بشيء.. فهم يعلمون كونهم دون الفرصة..

ثم تابع الجد بعد ترجمة نظراتهم "ولأن بعضكم يرونني غيرَ عادل،، وجدت من الأصلح دعوة السيد هشام رمز العدالة إلى الإجتماع الليلة.. وذلك لفك بعض الرموز"

تكلّلف أيمن ابتسامة آلمت فكّيه "ونعم الخيار يا أبي"

تابع السيد أوس "فوالدي كان يستشيره في كل شيء وقبل فعل أي شيء،، فقد كان أبي--"

"أيها العجوز،، كفَّ عن إلقاء ذكريات طفولتك على مسامعنا فلست الوحيد الذي فقد أباً كان يحبه"

نظر الجميع إلى مصدر ذلك الصوت الحاد..

^آدم!!^

كتم إياد ضحكته واستنكر الجميع أسلوبه لكنه خطف اللحظة وتابع "نحن هنا من أجل (أربع) محاولات قتل.."

زجره السيد أوس "من سمح لك بالكلام أيها المسيحي؟!!! ألا يكفي--"

ابتسم القاضي بحِلمٍ بعد صعقة الخبر.. وأشار للجد بالسكوت قائلاً..
"دع المسيحيْ يتحدث.."

حينها غاب صوت السيد أوس وابتلع كلماته رغماً عنه..
يربط لجام سخطه في عمود الإحترام ويسكت..

ليس هو فقط بل الجميع..

ليستمعوا إلى آدم الذي ترك ذراعاً معلَّقة في جيبه وأرخى ظهره إلى الوراء بثقة قائلاً..

"إياد مراد..
في أول ليلة لزيارة جدِّه،، أغمي عليه.."

ضربت آمال صدرها بيدها "إيااااد ابنيي!!!!" بفزع "كيف لمَ لم تخبرني؟!!"

ابتسم بخبث "لا تخافي فمن حسن حظه،، كان معه طبيب أقصد -رفع إصبعيه- طبيبين..

-ينحدر للأمام تغطي القلنسوة جُلَّ جبهته فتفسح لعينيه اللمعان بمكر مشيراً إلى والده برأسه-

سيد أوس..

هل يمكنك أن تسمعنا التشخيص؟"

"احم.." بثقة "كان نبضه ضعيفاً"

قالها.. فداهم الخوف أيمن وساورت تامر هواجس شتَّى حتى قام تامر صائحاً..
"توقَّف"

إلتفت إليه آدم سريعاً،، وابتسم للعرق على جبينه والخوف البادي على وجهه فقال..

"ها؟" وكأنه لم يسمع "ماذا تقصد ب توقف؟!"

"كأنك تشكك في تشخيص طبيبٍ مثل أبي!!"

ضحك آدم وشاعت قهقهته "ما كان لي.. أن أشكك في والدك..

لو كنتَ حذقاً أكثر،، لفهمت أنني أشكك فيك أنت.."

تعجَّب الجميع حتَّى رفع نبرته عالياً "فقد صرَّح نجل الطبيب في اليوم التالي..

بعد فحص أحد الأكواب،، أن إياد مراد..

تم تسميمه بسمٍّ يسبب خفقاناً مميتاً"

صُدِمَ الجميع صدمة شديدة،، وعلت صرخة والدة إياد
"سم!!! أتمزح يا آدم؟ أحدهم يريد قتل ابني؟!!!"

"لا يا أختي،،

لا أحد ولكن تامر يريد فقط إثارة الفتنة.. ويجب أن يعاقب بقسوة على ذلك"

سكت إياد مطبقاً شفتيه بينما نظر الجميع إلى صمت تامر المتوجِّل،، الصامت الغارق في عرق وجهه..

فنطق إياد بعد طول صمت "إنه صادق،، لقد شعرت بخفقان شديد في صدري حتى شعرت أنه سينفجر"

قاطعه السيد أوس صارخاً في وجهه "أتحاول الدفاع عنه زوراً!!! لقد قال والده أن النبض كان ضعيفاً لا أكثر.."

"أووه أيها الكهل" فرقع آدم أصابعه "معلومة طبِّية..

-بسيطة-

أنه إذا..

كان الشخص مصاباً بالخفقان حد الإغماء،، وتم التعامل معه أنه مصابٌ بالعكس..

-قلب إبهامه-

سيموت .

إذاً..

سيدي القاضي،، نحن بين حكمين،، بين أن يظهر الطبيب تامر على أنه مدعٍ كاذب مثير للفتن..

أو أن والده (خان مهنته) وحاول.. قتل.. إياد مراد"

انفجرت أنهار غضب السيد أوس "اللعنة!!! اخرس أتشكك ب--"

وأخيراً..

تم إيقاظ الوحش من مرقده..
فقامت بنبرة جد حازمة ونظرة حادة كنصل سكِّين تنظر إلى أيمن "والدي العزيز.. وسيدي القاضي المبجَّل..

-رفعت صوتها عالياً-

أنا..

السيدة آمال والدة إياد مراد،، أطالب بمعرفة الحقيقة..

إن كان تامر قد نوى إشعال الفتنة بين ابني وغيره،، فهو مدان..

وإن كان أخي أيمن،، قد أخطأ في التشخيص فيجب أن أقتلع حق ابني اليوم قبل الغد.."

قاطعها إياد بنبرة حليمة "أمي أرجوكِ،، لقد أخبرني تامر أن الديجوكسين سم.. لكنه يسبب (إضطراب في نبض القلب) لذا ربما كان بطيئاً ثم ازدادت س--"

"المحكمة ستعرف وليس أنت..

-شهقت بحنق- سيدي القاضي المبجل..

أطالب باحتجاز المتهمين حتى معرفة الحقيقة.."

"تمهلي آماال" صرخ والدها في وجهها "تعقّلي ولا تصدقي فتنة المسيحي"

قبض تامر بقوة على قبضته وصكَّ أسنانه ثم انفجرت كلماته "أنا الكاذب.. لقد كنت أكره إياد لذا أخبرته بتلك الخرافة لكي يفتعل المشاكل ويظهر مظهراً سيء.."

ابتسم آدم بمكر "ولكن لدي مفاجئة لك يا تامر البار..

تررراااا

ورقة فحص موثَّقة تقول أنك أيها الشاب المسكين..

صادق..

فهي تكشف -تشبُّع- دم إياد بالمادة..

واا أوبس،، لقد ظهرت نيتي الخبيثة أنني أود الإيقاع بوالدك العزيز وليس بك.."

قاطعه القاضي "لمَ لا ترد على اتهامك يا سيد أيمن؟"

حينها استفاق أيمن من دوامة الحيرة وعذاب الخوف،، بابتسامة مذهلة أرسلها إلى القاضي واقفاً..

"أحم المعذرة..
انتظرته حتى ينهي تهيُّؤاته،، فلتدعه يكمل ياحضرة القاضي المبجَّل"

ثم عاد للجلوس،، مما دفع آدم للإكمال قائلاً..
"أنا لن أستفيد شيئاً من مال والدي،، كما تعلمون..

لكن حادثة السم،، هي مقدِّمة لحوادث أخرى كمحاولة اختطاف شقيقة إياد،، ومذبحة العائلة الشهيرة.. ثم إجهاض أختي،، وصعق إياد بالحمام...
وأخيراً هجوم على المنزل"

وضع القاضي إحدى قدميه على الأخرى متكئاً على كوعه "هممم" يفكر قليلاً "أنت تتفوه بأشياء في غاية الخطورة"

"وليست بالجديدة سيد هشام،، فقد تولَّت الشرطة التحقيق بالفعل منذ مدَّة في عدة مسائل لا تتضمن أمر السم..

وقد كانت القوات الخاصة متواجدة أثناء الهجوم قبيْل الإنفجار.. ولولا إياد مراد لذهبت العائلة هباءً..

لذا فقتله هو أول وآخر خطوة لتمزيق العائلة"

صدرت ضحكة ساخرة من أيمن جعلت الجميع يلتفت إليه ثم وقف قائلاً "تريد ربط السم بقتل إياد.. وقتل إياد بتمزيق العائلة وتمزيق العائلة بالهبة التي سيهبها أبي!!

عد إلى بلدك فعقلك مريض بالفعل كما يقولون..

-وقف بابتسامة ثقة لامعة-

بداية سيدي..

أنا وابني تامر بريئان من كل شيء،، فكما قال إياد مراد أن الديجوكسين يسبب اضطراباً وهذا ما جعلني بالفعل أُخطئ في--"

بنبرة مبحوحة ردَّ آدم "هل تتحذلق علي لأنك طبيب؟!
صحيح أن الديجوكسين يسبب اضطراباً يا أيمن،، لكن إياد وصل إلى حالة (الإغماء)..

أتعرف ما يعني هذا؟!

يعني أن الإضطراب بدأ وانتهى بخفقان شديد تمكّن منه واستمر حتى أدّى إلى الإغماء،، فيستحيل أن يصاب بالإغماء مع الإضطراب بل إن كان اضطراباً فسيصاب بالتعب فقط..

ولنتفق أنه اضطراب..

كطبيب،، كيف لم تعرف بالفعل أنه اضطراب وصرَّحت بمجرد كونه ضعفاً في النبض؟!"

إلتفت الكلُّ إلى أيمن منتظرين أن يرد بشيءٍ يخرجه من قفص الإتهام..

وبالفهل ابتسم بمراوغة "قد أكون أخطأت،، أنا طبيب مخ ولست طبيب قلب..

الخطأ وارد جداً فنحن بشر..

أريد أن تثبت لي فقط،، إلى أي مدى سيكون وقع الخطأ خطيراً حد الموت؟!!

أعني،، إن إسعافات الخفقان متشابهة إلى حد كبير مع إسعافات النبض الضعيف،، وإن كان هناك اختلاف.. فهل سيؤدي هذا الإختلاف الطفيف في موت صاحبه؟!!"

"هء" ابتسامة مغرورة بأسنان يتبعها صوتٌ أنوثي قويْ
"غداً سنعرف كل شيء" ثم قامت على عجل "اسمح لي يا أبي في التصرُّف الذي سأفعله،، فهذا ابني،، وهذه قضيتي"

أشار لها الجد برأسه "اجلسي"

فتجاهلته وذهبت حاملةً هاتفها إلى غرفة مجاورة بعيداً عن الأنظار..

بينما لم يكتفِ آدم،، بل لم يبدأ بعد "سأرفق الدعوى القضائية باتهامك كونك بدَّلت أقراص فيتامينات حمل أختي بحبوب إجهاض..

وتورُّطك مع السفَّاح فقد حرضت الجد على حفيده إياد ومنعته من الإستجابة ل--"

قاطعته نبرة إيملي،، ناعمة لكن مشتعلة "يكفي آدم أرجوك يكفي هذا ماذا تفعل بحق الجحيم؟!!!" ووقفت من مكانها حاملةً بين جنبيها قلباً مضطرباً..

وبأطراف مرتعشة زجرته "لقد عرف الأمر ليلتها ويستحيل أن يحاول إيذائي..

يكفينا لوم بعضنا بعضاً نحن عائلة واحدة،، ألا يُشبعك جعل ابنٍ يقف في مواجهة والده؟!!"

"لقد سجَّلت الكاميرات أنكِ ذهبتِ إليه ليلاً ومكثتي معه..

كطبيب،، أو لنقل كوالد جرَّب مراحل حمل امرأته..
ألم يعرف أن شكواكِ علامة سيئة؟!!

أعني.. إنه نزيف حاد في الشهر الثالث يا جماعة أين كان عقلك حينها؟!!

لم لم تتصرَّف على الأقل؟!!"

ارتجف تامر كالقصبة واقفاً فزعاً يسرُّ في نفسه..
^كيف لم أفكر في هذا؟!! لقد فعلها أبي مجدداً!!!
لقد كان يعلم أنها ستجهض و.. و^

راوده التسجيل المرئي،، وكيف جائت إليه عدة مرَّات بعدها وطرقت الباب لكنه لم يجب رغم إلحالها.. وهذا يعني أنه لم يُجِب عمداً!!

أدرك إياد أنه أوانه..

فقام منتصب القامة ناظراً إلى أيمن هناك..
"أظن،، أن أحدهم..

ينظر إلينا عن بعدٍ الآن ويضحك عالياً..

كالديكة الرومية نصرخ ونتشاجر،، يلقي كلٌّ منَّا اللوم على الآخر.." أخذ نفساً وتقدَّم إلى منتصف المجلس يباغت أنظارهم بنظراته المتينة..

يختم بقول "إذا تتبعنا الخيط..
فقد تم إشعال فتيل كراهية بين آدم وأيمن..

لقد جُعِلَ (أيمن) محطَّ شبهة،، فتهجَّم عليه (آدم) عدة مرات مما جعل (أيمن) يواجهه بتحويل والده ضدَّه وضدِّي أنا مقنعاً إياه بتكذيبي في تحذيري له بالهجوم..

الهجوم الذي استهدف الجد ،، تامر ،، مروان وأيمن ذاته!!"

تحوَّل انتباه الجميع إلى زاوية نظرة إياد إلى الحدث..
"فببساطة،، قام أحدهم بجعل أيمن كاد يتسبب في قتل نفيه وولديه عن طريق درءِ الحماية عنه حقداً على آدم وعناداً..

إذاً كله تحت عنوان [فرِّق تَسُد] وهناك احتمالين"

رفع تسعة أصابع في وجوه الحاضرين موضِّحاً..
"الأول،، لدينا الأبناء..

آمال أيمن فاروق فارس فاتن سلمى إيملي هايدي آدم

فلنلغي الغير جديرين بحمل مسؤولية الهبة وترة العائلة في نظر جدي..

يبقى لنا..

-يرفع خمس أصابع-

أيمن

فاروق

سلمى

إيملي

آمال

إذاً..
لنفتعل مشكلة بين سلمى ووالدها وزوجها بخصوص قدومها أو عدمه ليدرك والدها أنها كاذبة ومريبة مما يجعلها لا تستحق..

-يضمُّ البنصر-

ثم فلنلصق في أقوى مرشَّح،، والذي هو أيمن.. عدَّة اتهامات تدمِّر ثقة الجد به -يطوي الخنصر-

ثم نفضح حمل إيميليا الغير شرعي لنسقط مرشحة قوية مثلها..

ولدينا آمال،، كل ما علينا فعله لإستشارة وحشيتها هي افتعال مشكلة (كبيرة) بين ابنها ووالدها تتعلق بهجوم وسفَّاح وشرطة.. لأنها بطبيعة الحال ستقف بجوار ابنها مدمِّرة الجميع..

وبهذا نتخلص من أقوى المرشَّحات.. أمي"

أبقى سبابته بابتسامة ماكرة...

"إذاً،، لدينا احتمال بشأن هذا الأخير فاروق..

الأول،، ونظراً لحادثتي وحادث إيملي.. سندرك أنه دموي وبلا قلب.. وأنه الفاعل .

الإحتمال الثاني،، أنه الضحية التالية..

أعني -يسير نحو جدِّه واضعاً يده خلف ظهره- فكِّر معي يا جدِّي..

إن كان الفاعل هو فاروق أو أحد المهمَّشين [فاتن فارس هايدي آدم] أو حتى أحد الضحايا الذي يعرف كيف يستعيد سمعته بعد تمثيله البارع أنه ضحية..

فلماذا السفَّاح بينما الأمر منتهي؟!

أعني،، لقد قضى بالفعل على الجميع دون افتعال هجوم دموي.. فلم تم الهجوم على المنزل؟!!

إذاً..

هذا يعني،، وبكل بساطة ممكنة..

أن الهجوم ليس من الداخل،، بل من الخارج..

وأن الهدف ليس كما خُيِّل إلينا أنه الهبة العملاقة أو حتى رضى الجد..

ببساطة الهدف هو..

سمعة عائلة جدي والسيد هشام كونه قاضياً وقَّع على عشرات أحكام إعدام"

أصاب الجميع ذهولٌ مُفرط أرعش أضلاع الجد والقاضي خاصة.. كيف قفزت استنتاجات إياد إلى هذا الحد؟!!!

فحياة القضاة وعائلتهم عادة ما تكون محاطة بالأخطار..

"أتعني أنَّ--"

"أجل،، سنطوِّق منزل فاروق،، الجد وحضرة القاضي بحراسة مشددة.."

عارضه فاروق "المعذرة لكنه منزلي ويزورني الكثير به من أجل العمل"

"إذاً فلتذهب إلى الجحيم.."

فكِّ القاضي لوهلة "تظن أن الهجوم هو على اسم عائلتنا إذاً هممم" يهز رأسه بالإيجاب "هذا منطقي إلى حدٍّ ما"

عبس الجد "أتعني أن ننسى ادِّعائات آدم؟"

تعلَّقت النظرات بإياد واقفاً لوهلة صامتاً ثم أومأ..
"لفترة مؤقتة،، أجل"

أصيب الجميع بحيرة فهذه أول مرة يرون إياد يعارض آدم!!

وتلك المعارضة أضرمت في عينيْ آدك شرراً مخيفاً في عينيه حاول إياد التظاهر بعدم رؤيته..

فتدارك الموقف بقول "آدم لديه الحق في محاولة معرفة الحقيقة ولكن--"

قاطعه القاضي بنبرة رزينة وصوت رخيم "إن كان ما تقوله صحيحاً يا إياد..
فأن يتغلغل شخص بهذا الخبث علاقات أفراد العائلة ويفعل كل هذا..

ببساطة،، سيكون شخصاً في غاية الدهاء..
وقد يستحيل كشفه..

فقد استطاع تحريك الأفراد ضد بعضهم البعض،، ولا شكَّ كونه أرسل القاتل المستأجر السفاح..

كيف سنعرفه وهو بهذا الهجوم القوي،، يفتك من الداخل والخارج!!

الأمر يحتاج إلى أكثر من تشديد الحراسة والتحقيق.."

"لأن العلاقات مفتتة جداً،، سَهُلَ عليه التغلغل..
و--"

تدخل فجأة إلى المجلس،، آمال ويدخل معها رجالٌ من الشرطة..

فتشير على تامر ووالده ليأخذانهما.. مما يثير صدمة كبيرة للجميع خاصةً عندما صرَّح أحد الشرطيين قائلاً "أنتما معتقلان في ذمة التحقيق"

حينها انتزه أيمن قناع رزانتة وقاوم رافضاً تتابع اللعنات على لسانه لآدم..

آدم الذي -انتعش- وكاد يُصفِّق فرحاً،، بينما أخذ الشرطة تامر برفق وهو في غاية الخضوع..

ليجهر القاضي يوصي الشرطة "أخفيا الأمر وعاملاهما بإحسان.. فقط لا تدعا أياً منهما يفلت فهما يملكان جنسية أجنبية.."

ولأن القاضي وقف بجانب آمال..
صمت الجد وهو يرى ابنه الأكبر وحفيده الأكبر يُقتادان إلى الخارج مع الشرطة ويصرخ أيمن بسخط ووعيد يسب لآدم..

ويسب ابنه .

وبينما الجميع في ذهول شديد..

نبَّه هاتف إياد باستقبال رسالة ،، فاجتاحه ذهولٌ أكبر بكثير من ذاك الذي بهم...

وتملَّك الذهول نظراته المنبثقة وأرعش أطرافه فاضطربت نفسه..

تقودانه قدماه مهرولاً نحو الخارج بعيداً وبعيداً عن الأنظار.. حتى يلقى العزلة في زاوية معتمة بالحديقة..

يستند على الجدار وضوء هاتفه الأزرق يضيء وجهه.. فيقوم بعد تمعُّنه في الرسالة جيداً.. بإجراء مكالمة سريعة..

وقف واضعاً الهاتف على أذنه منتظراً الصفارة يهمس بحنق "اللعنة اللعنة اللعنة على كل شيء.. أتمزحون معي!!"

يجيب صوت "قلت لك أنا على أوَّل الشارع"

فيهمس صاكّاً أسنانه "أتمزحين إيليسا!!!
لماذا جئتي؟!!!

لدي مشاكل الله أعلم بها..

مشاكل تهدد حياة عائلتي وس...
تباً لكِ -يضرب كفه في جبهته- تباً لكِ سحقاً لكِ"

سكتت قليلاً ثم تحوَّل وجهها لوجه طفلٍ يكاد يبكي.. "لأنه..

لأنه أخبرتني ابنة خالتك المدعوة منى أنك ستتزوج بعد يومين فسارعت للدفاع عن وجودي"

قفز من شدة الغضب ولكن احتفظ بصوته المنخفض..

"أيُّ زواج الآن يا عالم هاااا؟!!!!
أنا في ابتلاء كما أن...

لحظدة لحظة.. ليس لدي ابنة خالة تدعى منى"

حرَّكت كتفيها بلا مبالاة "لا أعرف فتاة أرسلت لي على انستاجرام وقالت ذلك"

"لمَ لم تسأليني إليسا!!! لمَ!!!
كيف سأحميكي أنا؟!!!

سأجن قسماً بالله سأصاب بالجنون لا نوم والجميع.. ااااخ... لماذا أنتِ هكذا!!" بحزم قال " اسمعي،، والآن حالاً دون جدال.. احجزي تذكرة وعودي من حيث أتيتي"

"طيب سأقضي معك يوماً واحداً أرجوك..

نصف يوم..

ربع يوم.."

" بدون جدال أو مساومة،، هيا إلى أميريكا قبل أن--"

يظهر جسد آدم هناك..
"إياد -بتساؤل- أهناك خطب؟"

ينظر بسرعة إلى مصدر الصوت هناك..
وينزل السماعة بيد مرتعشة .

يجهر بصوته لذاك الكيان "مقلب سخيييف أتعلم.. لقد جائت إليسا"

ثم أعاد السماعة إلى أذنه "حسناً حسناً أنا آتٍ إلى المطار حالاً"

"أي مط--"

يغلق المكالمة ..

____________________________
-يتبع-

Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top