《♤ مَلِكَة ♤》

لم يلبث من الوقت سوى جزء من الدقيقة حتى أصبح خارج المنزل في سيارته .. يجاوره في الجلوس تامر وترافقهم إيملي .. يعلوهم صمت القلق .. تدق قلوبهم طبول الحرب ..

لقد اختفت لساعة ونصف من الزمن بينما يجب أن يكون الزمن خمسة عشر دقيقة !!

يضغط بقدمه فتسرع السيارة إلى آخر الشارع ،، حيث المركز التجاري الصغير .. الذي اعتادت شراء الحلوى منه ..

بدى تامر وكأنه قد حبس أنفاسه حتى الوصول .. يشترك جميعهم في العديد من الأفكار المرعبة والتي تظهر أمام أعينهم فتؤمن بها قلوبهم ..

نزل إياد من السيارة ،، تكاد خطواته تختلط ببعضها فيتعرقل من شدة سرعتها ..

تخالف الرياح وجهته فتجعل من طرف معطفه الأسود راية للخوف والغضب معاً ..

يتبعه تامر وإيملي صعوداً على سبع درجات تنتهي بباب زجاجي تملأه ملصقات العروض والإعلانات ؛؛ يدفعه إياد - بقوة - تاركاً إياه خلفه .. فتهاجم وجهه تيارات التكييف ..

هدوء وفضاء !!

لا صوت سوى ما يصدر من الثلاجات من ضجيج ،، ولا أحد سوى هذا الرجل الأربعيني قليل الشيب جليس الخزنة .. يضع نظارات القراءة محدقاً في صفحات كتاب ..

وقف إياد أمامه يستند بقبضتيه على الطاولة ..
" هل حضرت فتاة في الخامسة عشر إلى هنا ؟ "

خلع الرجل نظاراته ،، واضعاً كتابه جانباً ..
" شقراء ؟ "

أجابه إياد بنفس متسارع ونبضات الأمل يطرقها الخوف .. " أجل "

" اهااااا .. لقد كانت تبحث عن ال^Maltesers^ لكنها لم تجدها هنا "
أكمل بينما ينصتون إليه ..
" أخبرتها أنها قد تجدها في المجمع الكبير .. "

همس إياد " متهورة "
أمسك تامر قبضة الباب الزجاجي
" إذاً هيا بنا بسرعة "

استدار إياد مغادراً المكان من فورة ..
بينما إيملي ظلت واقفة مكانها ،، بهدوء مريب أمام رجل الخزنة .. وكأن روحها شردت من شدة القلق ..

" إيملي ليس لدينا وقت "
ظلت جامدة كما هي تنظر نحو الرجل !!

لقد أصيبت بحالة صدمة من شدة الخوف هذا أكيد .. فيُمناها ترتعش وقدماها ثابتتان بلا حراك !!

ناداها تامر بتعجب " عمتي هيا !! ماذا ب- "
فجأة وبدون سابق إنذار ..




















ركلت رأس الرجل ..

ركلة في غاية القوة .. جعلت رأسه ترتد على حرف الطاولة !!

السرعة التي رفعت بها ساقها ،، والسرعة التي أدت بها الضربة .. هي نفس السرعة التي اسدارت بها إلى مكان الخزنة في نفس مربع الرجل ..

حيث قاوم الإغماء وهم بالقيام .. فكمشت عنقه بكفها ،، قد ردته على صلابة الجدار بكلِّ ما أوتيت من قوة ..

" أين الفتاة ؟ " بألفاظ قوية ونظرة مرعبة ..

أخرج الرجل من جيبه سكيناً صغيرة ،، وبحركة خاطفة جرج رسغها .. فتكرته متألمة من فورها ..

لكن تامر أظهر مسدساً صغيراً من جيب سترته الداخلي ،، وجهه صوبه ..
" تراجعي إيملي وأحضري إياد "

تراجعت خجواتها إلى الخلف ،، تشد بقبضتها على جرح رسغها ،، تتأوه بصمت ...

قد خرجت تاركة تامر يقترب ويقترب .. شخصت عينا الرجل خوفاً ،، إذ يرى فواهة المسدس مصوبَة نحوه قد يخرج منها الموت في أية لحظة ..

تلبست عينا تامر نظرات إجراميةفي غاية الرعب .. " أين الفتاة ؟ "

تلعثم الرجل صارخاً " لقد أخبرتكم .. إنها الحقيقة "
اقترب منه أكثر فأكثر ..
" إذاً افتح تسجيل كاميرات المراقبة وأرني "

تأرجحت مقلتا الرجل عدة مرات في جميع الإتجاهات .. وظهر العرق البارد ،، يعلو وجهه ..
اقترب تامر من شاشة المراقبة ،، يهمُّ بفتح السجلات ..

لكنه لم يدرك أنه بذلك قد أعطى الرجل ثغرة ضيقة للهرب !! فنظر يمنة ويسرة مستغلاً ارتخاء يده الحاملة للمسدس ..

وفجأة ..

ضُرب رأس الرجل في الطاولة من قبل إياد .. قد أرجع ذراعه إلى الخلف يكسر عظامه مفصلاً تلوى الآخر !!

لقد تجاهل الطبيب تامر أصوات العظام تنكسر خلفه وصراخ الرجل بجنون من شدة الألم ،، مركزاً أنظاره على ذلك المقطع الغير واضح ..

تتحرك حدقاته مع حركة فريال عند دخولها إلى المتجر ..

" يا إلهي .. "
بدأ يضغط عدة ضغطات .. " أين مقطع خروجها ؟ هناك من شوش ال-"

قاطعه صراخ الرجل المميت بينما إياد يكمل ليّ عظامه بملامح شديدة الهدوء يأمره " تحدث .. "

أطلق الرجل صرخة كادت تعلو السماء ..
" سأخبرك لكن توقف ... أتوسل لك "
" ستقودنا إلى مكانها " قالها مثبتاً ذراعيه إلى الخلف ..

يسير الرجل لم تفارقه يدا إياد الخنيقة .. إلى الداخل والداخل أكثر ،، قرب ثلاجات الحليب حيث باب صغير ..

" المخزن !! " برعب قالها تامر راكضاً نحو الباب يحاول فتحة بسرعة ..

قد استعدت يدا إياد المليئة بالعروق البارزة على طول ساعديه أن تحول الرجل إلى - مسخ - إن لم يجد شقيقته على قيد الحياة ..

شعرت إيملي بالفزع بينما تتبع تامر في دخول هذا القفر المظلم المليء بالصناديق .. تجحظ عيناها مستعدة لرؤية الأسوأ ..

وقبل أن تشعل الأضواء ،، لمح تامر شيئا يتحرك ..
ركض نحوه بسرعة ليجد ابنتة عمته تم ربطها بقوة ووضع كرة من القماش داخل فمها !!

نزعها بسرعة منادياً " فريال !! "
فصرخت وبكت بأعلى قوتها قد بللت الدموع نضارة وجهها الطفولي البريء ..

همس تامر بحزن مبطن بالفرح " حبيبتي "
تفحص جسدها بأنفاس متسارعة ..

" الحمد لله " يتنفس بسرعة ويضمها إلى صدره بقوة مردداً الحمد على لسانه .. بينما تجهش بالبكاء ..
" ظننت أنني لن أراكم مجدداً "

" لا تهرعي عزيزتي " مد يده خلف ركبتيها حاملاً إياها .. " فلنعد إلى المنزل " بابتسامة طبيب يبشر بالشفاء ..

لقد عبر إلى خارج المخزن حاملاً فريال ..
تقترب إيميلي من الرجل بنظرة شيطانية ..
" إياد !!- "

أغدق عليها الأوامر قبل أن تنطق ..
" خذي هاتفي من جيبي الأيمن .. واتصلي بالشرطة ،، الرقم ١٩٢ "

أخذته بسرعة .. تضغط على الأرقام الثلاثة ،، يتسرب صوت جرس الإنتظار إلى مسامعها .. في تلك الأثناء شعر إياد برعشة ،، إذ وقع نظرة على الدم ينزف من رسغها !!

" والآن اعطني الهاتف ،، وخذي المفاتيح .. إذهبي معهم إلى "

" لا يمكنني تركك لوحدك "
" مرحباً .. هنا شرطة العاصمة .. " صوت الشرطي يصدر من الهاتف ..

أخذه إياد منها مشيراً برأسها إليها بالذهاب ..
" أجل معكم إياد مراد وأريد التبليغ عن ... "
أخذت المفاتيح من جيبه مسرعة .. يبتعد صوته عنها بينما تتجه نحو باب الخروج ..

يقطر جرحها بقع دمٍ على ثيابها .. وها هي فتحت الباب إلى الخارج بخطوات سريعة تنزل من الدرج بينما تامر يفتح الباب الخلفي للسيارة واضعاً فريال بالداخل ..

قفزت إيملي إلى مقعد السائق .. وتامر اختار أن يظل بجانب فريال ،، يبتسم لها بلطف بينما تفتش عيناه جسدها بخوف ..

فلربما تم الإعتداء عليها .

" يالكي من مذهلة بحق ،، أعني كيف علمتي من مجرد النظر ما يضمره الرجل ؟! "
أجابته بسرعة ..
" لدي طرقي "

" لا تخبري والدتهم أي شيء "

" أعرف " شغلت المحرك .. وها هي تستدير بسرعة إلى عكس الطريق عائدة إلى المنزل ..

وما إن بدأت القيادة حتى شعرت بلسعات في قلبها .. لسعات نحلات القلق التي ظلت تدور وتدور حولها !!

^ لست مطمئنة لترك إياد وحيداً ^
نظرت إلى الدم يسيل من رسغها .. فأسرعت نحو المنزل لعلها تجد من الوقت ما يضمد جرجها ويعيدها إلى مكان الواقعة ..

وتامر في المقعد الخلفي ،، قد تشبثت فريال به وكأنها تخشى السقوط من الأعالي ..
" لا بأس عليكي ،، هل .. " انقطعت أحرفه فجأة فهو لا يعرف كيف يمكنه نسج سؤاله الموتر ..

فلمحت إيملي من خلال المرءاة محاولته الفاشلة في سرد سؤاله اللحوح ..

تحاول تجميد صوتها رغم نعومته الملفتة ناظرة إليهم بطرف عينيها .. " فريال "

" نعم خالتي ؟ "
" هل لمسكِ هذا الرجل ؟ أخبرينا لأنه إن فعل فسنأخذكِ إلى المستشفى حالاً ..."

" عمتي ،، هذه ليست طريقة لسؤال طفلة "
" هي ليست طفلة ... فريال هل لمسك ؟ "

ارتعشت شفتا فريال ..
" لا خالتي .. " تنظر بخوف " لقد همَّ بذلك ربما لكنه .. تراجع عدة مرات فور دخول أحد الزبائن إليه .. "

" هل عنفك ؟ "
" لقد حاولت المقاومة فدفعني أرضاً بقوة .. "

" فريال .. " هدأت من سرعتها ونبرتها ..
" لا تكذبي علينا .. "

" إنها لا تكذب فهي تبدو بخير يا عمتي ،، لا أثر واضحاً للإعتداء الجنسي ،، كما أنه إن حدث فسيعلم إياد عاجلاً أم آجلاً " نظر إلى عيني فريال الخائفتين .. يبادلها نظرة شك مربتاً على كتفها ..
" نحن هنا .. بجانبك "

توقفت السيارة فجأة ،، ليدركا أنهما وصلا بالفعل أمام بوابة المنزل ..

تستسلم إيملي للون دمها قد خرجت مهرولة من السيارة ،، فسمعت نبرة تامر الحنونة قائلاً لفريال ..
" لدي فكرة ... ما رأيكِ أن نذهب إلى المجمع المبير لشراء الحلوى ؟ "

ابتسمت فريال بلطف ترفع نظراتها الطفولية نحوه
" أيمكن ذلك ؟ "
" ولمَ لا ؟ .. "

أدركت إيملي محاولة تامر في أن ينسيها ما كاد يحدث أذية ،، لكن الأذية موجودة دوماً طالما وُجدَ أولئك الرجال ..

أعطته المفاتيح تعبر البوابة فَالحديقة ،، تخبيء يدها المصابة تحت ذراعها الأخرى .. وتمسك بالثانية الهاتف تتصل بإياد ..

فيجيب من فوره " أنا بخير خالتي .. "
" هل كل شيء على ما يرام ؟ "
" أجل لا تشغلي بالكِ .. ولا تخبري والدتي بأي شيء "

" عد بسرعة فقط " أغلقت الخط ،، تتنهد محاولة تقمص الراحة ..

فتلمح شقيقتها هايدي مع والدتها في الحديقة ،، يزرعان شجرة توت صغيرة بابتسامات واسعة .. وكأنها سعادة مبهمة ..

أجل السعادة وهم ..

ما عاد في هذا العالم فسيلة خير .. كل الخير سراب وكل الإبتسامات ضباب ..

لكننا بالتأكيد لن نتقوقع خشية مواجهة الشرور في عالمنا .. بل سنصبح أصلب وأصعب من أن ينظر الشر في عيوننا ..

فمفتاح الأمان ،، هو معرفة كل شيء ..

يتسائل الجد عن حفيدته .. فتخبره إيملي بهدوء مخفية جرحها أنها برفقة تامر لشراء الحلوى ..
" وماذا عن إياد لقد بدى قلقاً "
" لديه عمل طارئ .. " نظرت نظرة خاطفة إلى عقربيْ ساعة الحائط ...

إنها العاشرة والربع صباحاً ..

" سيعود بعد الظهر "
ثم تجاوزت والدها نحو دورة المياه ..

______________________________

■□■□■□■□■□■□■□■□■□■□■

لا يمكننا تصور كل ما يحدث في الخفاء ..
وإن حدث وعلمنا بكل ما يحدث ،، فسندرك أن الأفعال والأقوال الظاهرة ماهي إلاً سطح المحيط ..

تظن إيملي أن هناك منفذاً لمعرفة ما بداخل أعماق ذلك المحيط وإلى أي مدى يبلغ عمقه ..

وهو دراسة الملمح والتصرف اللذين يفلحان في معظم الأوقات ..

لكنها تؤمن بأن حاستها السادسة لا تخطيء أبداً .. فها هي ذي تحت قطرات الماء تستحم ،، لا ترى حوائط الحمام بل تستشعر سوءاً وفوجاً من ظلام سميك سيحل عليهم قريباً !!

تلك الأفكار السلبية التي لحقتها حتى الأريكة ... جعلتها ترى لحظياً في حلم اليقظة طفلاً متشقق الوجه ينظر قبالها بينما تضجع على الأريكة ...

فتهرع عائدة إلى الواقع .. يختفي الصمت ،، والطفل .. وتعود أصوات الضيوف الجدد إلى مسامعها ..

تستفيق من غفلتها قد مُدَّت أمام عينيها يدٌ ناعمة وصوت رنان ..
" مرحباً "

رفعت رأسها ونظرها الثمل .. فرأت فتاة جميلة ترتدي الحجاب بشكل مرتب ،، صافحتها برتابة ولم تتكلف الإبتسام ..

" أنا مي ابنة أختكِ سلمى "

" أجل " ثم عادت واضعةً رأسها على ذراع الأريكة بين أصوات الجمع .. غارقة في شعورٍ سوداوي ..

تغفو لحظياً فترى في ظلمة عينيها مدينة ،، يأكلها من بعيد شيء أسود مهيب أشبه بعاصفة رملية ..

^ إنه يقترب ^

إسنفاقت مجدداً تصحبها ملامح خوفٍ وصدمة .. تسأل الجالس بقربها " هل عادت فريال ؟ "

فيجيبها ذلك الطفل متحجر الوجه ملتفتاً نحوها بنبرة شيطان .." أجل "

تستفيق هذه المرة .. على مصرع حلم يقظتها البشع ،، تكاد لا تفرق بين الحقيقة والوهم !!

تقترب منها شقيقتها ..
" ماذا بكِ ؟ "

بفتور " هل عادت فريال ؟ "
بدأت شقيقتها تقهقه ملأ فمها .. قد ظهرت كل أسنانها من كثرة الضحك حتى كادت تجزم أنها لا زالت تحلم !!

" ما المضحك ؟ "

تستمر القهقهة ..
" تبدين كالثملة " توقف عن الضحك واضعةً شريحة من رقائق البطاطا في فمها ..
" إنها بطعم الجبن "

" أجل لقد عدت يا خالتي " ظاهرة من جانبها فجأة ..

فتحتضنها بحنان " الحمد لله عزيزتي "

تتحدث هايدي بحماس ..
" تعالي وشاهدي معنا فيلماً في غرفة فريال .. لديها شاشة تلفاز كبيرة ومكان رائع للإستلقاء والكثير من الحلوى وال- "

" هل عاد إياد ؟ "
قالا في نفس اللحظة " لا "

فشعرت بضيق تتلفت حولها ..
" كم الساعة الآن ؟ "

نظرت شقيقتها إلى ساعة يدها " إنها الثامية والنصف بعد الظهر "

" يا إلهي !! هل نمت كل هذا الوقت !! "

أجابتها فريال بمرح ..
" أجل لقد حضر خالي فاروق وخالي فارس وخالتي فاتن ... ومي ابنة خالتي سلمى الجميع هنا في غرفة الجلوس الأخرى "

" حسناً سأغسل وجهي وأسلم عليهم .. "

قامت من مضجعها على أريكة المعيشة .. متوجهة إلى الأعلى قد مرَّت قرب الشرفة المطلة على تامر ووالده أيمن ،، جالسان معاً في الحديقة ..

قد طلبه ابنه على انفراد لينهي دائرة الشك المميتة ..
ولعل والده أدرك للتو أن ابنه مهموم ،، فصمت تامر لا يعطي أي إشارة للأمن أو الخطر ..

بهدوء يتجنب النظر في عيني والده وكأنه المذنب !! بينما يحملق والده في وجهه ببشاشة ..
" هاا ... خيراً "

بدأ تامر بأرجهة قدميه المتعانقتين بتوتر ..
لقد ثَقُلَ السؤال على لسانة ،، لكن لا مهرب منه ..
" لقد شهدت ما حدث مع إياد أمس "

تنهد الوالد " ااه أجل فليشفه الرب "

" أبي .. "

" نعم يا بني "

" لقد .... أخبرتني أن نبضه ضعيف " رفع بصره نحو والده يواجهه بها مكملاًَ " لكنه لم يكن كذلك ،، كان العكس تماماً "

" اهاا .. فليكن " رفع منكبيه بتعجب .. ثم عاد للإبتسام .. وكأنه لم يدرك ما يريد ابنه قوله ..

" أبي لقد أخطأت في تشخيص نيضه " يتنهد مغمضاً طرفه " عن قصد "

ابتسم الوالد ..
" وماذا بعد ؟ "

ابتلع تامر أحرفه مطبقاً شفتيه ،، يراقب بصمت وجه والده .. مبتسمٌ هادئ الطبع ،، يكاد تامر يجزم أنه قد أخطأ منذ قليل في حقه ..

لم يرَ تامر والده من تلك الزاوية قبلاً !! .. يبدو صامداً راضياً كل الرضى عما فعل ..

أو أنه صامت صمت الإنكار أو التعجب ..
أم أنه يحاول سحب كل كلمات تامر من بين فكيه !!

الصمت له ألف لغة ،، يغرقك في سواد بحره ..
فلا تعرف هل تنسحب أم تكمل ..

لكنه اختار أن يكمل بإثبات التهمة ..
" لماذا فعلت ذلك ؟ "

ربت والده على فخذه ثلاث تربيتات خفيفة ..

" لا تتدخل " وقف قائماً بطوله ..
يبتسم مجدداً لكن هذه المرة ابتسامة مخيفة ..
" لقد وقع فريسة أحدهم .. أردت أن يكمل الفاعل فعلته ثم يتم فضحه ،، هذه هي طريقتي .." رافعاً الوسطى والسبابة ..
" عصفورين ... بحجر واحد ،، سندعهم يفتكون ببعض وننجو نحن "

أكمل قد أمال رأسه قليلاً نحو ابنه " قلت لك أننا لا يجب أن نتدخل في هذا الصراح أبداً "

" لا أصدق أنك خنت مهنتك " بنظرة حزينة ..

لقد تمنى أن ينكر ولو كذباً ..
تمنى أن يبتدع الأعذار ..

لكن الحقيقة لعينة حقاً ..
رفض تامر مبدأه واقفاً " فكر جيداً قبل أن ترتكب شيئاً آخر .. لكي لا تصطدم معي "

ذهب تامر بسرعة من أمامه ،، يرمقه والده بنظرة غريبة خلفية .. ثم يكمل طريقه وما كان يفعله ..

متى تحول والده إلى شيطان ؟!!

إن كل الخير الذي يحاول تامر القيام به ،، غير مذكور .. حقاً ،، إن هذه عائلة لعينة .. لا توجد بينهم أية صلات ..

ها هم جالسون معاً ،، يتضاحكون ويتسامرون .. تبتسم والدة إياد تنزل صينية الطعام على الطاولة بسعادة ..

لا تعلم أنها تطعم شخصين حاولا حرمانها من قرة العين وراحة النفس ..

لا تعلم أن أحدهم قد كاد أن يؤرق لياليها الباقية في هذه الحياة بشبح ابنها ،، لا تدرك أنهم حاولوا تجفيف دموع عزائها بأيديهم الدامية ..

تلك التي تحب التحديق في وجه ابنها ،، لا تعلم ما يوجد في الخفاء ..

^ يجب أن اوقف كل هذا ^

تلح الفكرة في رأسه بشكل جنوني ،، يكاد يجن كلما لمح ابتسامة السيدة آمال ،، تهنئ هذا وتطعم هذا .. وتعطي في الخفاء نقوداً لهذا ..

يود لو تتوقف ..

^ كله بسبب تلك الأموال اللعينة .. ستدمر كل شيء .. كل شيء ،، أكاد أرى الدماء تلطخ ابتساماتهم ... أكاد أسمع ضحكاتهم صرخات ^

علا فجأة صوت أذان المغرب العذب ..
لحنٌ شادٍ .. فصمت الجميع منصتين إليه ،، قد اتاح السكوت له فسحة لينتشر لعله يطهر تلك القلوب النجسة ..

فيقوم رجال العائلة متجهين إلى المسجد معاً .. يتحادثون في طريق سيرهم الجميل ،، يتوضأون ويسلمون ..

يسبحون ويستغفرون ..
ربما تامر فقط هو من يرى بعضاً مما تحت أقنعتهم الكاذبة !!

^ يا إلهي .. ^
يهمس بقلبه بينما يركع ويسجد ..
^ ألطف بنا .. ^
تتتابع حركاته ،، ركوع فسجود .. يحاول الهروب من أفكاره الضارية رافعاً صوته بالتكبير مغمضاً جفنه آن السجود ..

^ احمنا يا إلهي من شر أنفسنا ^

___________________________

■□■□■□■□■□■□■□■□■□■□■

بينما النساء يتحادثن ،، تجلس خائرة القوام لا يتحرك فيها سوى نبضها المجنون .. تبتسم بلطف كلما سمعت أحد أحاديثهم المضحكة ،، لكنه لم تستطع إخفاء دموع القلق العالقة ..

لقد حلَّ الغروب ،، ولم يجب ابن أختها على عشر مكالمات !!

مجدداً ستتلاعب المخاوف بعقلها ،، وسينظرون إليها وفور علمهم بأسباب فتورها العبوس .. سيسخرون منها ..

^ أأنتِ عاشقة له ؟ ^

ليس كذلك .. بل هيَ عاشقة لسلامة أحبتها ،، لقد نخر شعورٌ سيءٌ نفسها نخراً .. فأصبح الهواء يمر بالنخر ناشراً برده ..

خائرة القوى غير قادرة على وضع شيءٍ في فمها ..

حتى حضر !!

تذكر ،، كانت جالسة على أريكة بجوار الباب الرئيسي من حيث دخل فاتحاً إياه ببطء .. ناظراً أرضاً بشيء من الشرود ..

وقفت .. وتسارعت خطواتها على الأرض شيئاً فشيئاً حتى وقفت على أطراف أصابعها محاولة مضاهاة طوله .. تعانقه ،، تنزل بأصابعها النحيلة ذات الطلاء الأزرق رأسه ليستقر على كتفها ..

دون نطق أية كلمة !!

إنها تشعر به ،، وبالهلع الذي عانى منه اليوم ..
فالرجال في هذه الحوادث تصير قلوبهم أكثر هشاشة وضعفاً من أي شيء وأي أحد .. فقد كاد يتم إيذاء أكثر شيء حساس فيهم والذي قد يفعل أحدهم أي شيء لحمايته ..

الشرف .

هي تدرك ذلك بينما تضمه بدفئ وكأنها تحاول منحه شيئاً من قوتها الهينة .. يشعر هو بهالة حنانها ودفئ مشاعرها ،، فيحيط خصرها بصمت ..

" إنها بخير .. لم يمسها أحد ،، لقد حفظها الرب من أجلك"

ابتسم بإرهاق بعد العناق ..
" تباً للإجرائات الروتينية "
أمسك يدها برفق ناظراً إلى رسغها ..
" أنتِ بطلة اليوم .. أعجب من " مبتسماً مبرزاً ضواحكه بنظرة استغراب " أعجب منكِ ،، كيف علمتي ذلك ؟ "

" اووووو " ضحكت بثقة " لا يمكن لرجل أن يحتال علي .. حرفياً " تغمز ..

مسح على رأسها ماراً بجانبها " حسناً يا لمَّاحة ،، سأستحم .. ومن ثم أريد أن أتحدث معكِ أنتِ وتامر قليلاً "

" نعيماً مقدماً "

تفادها بخطواته المتعبة تحدق به ذاهباً ،، تتنهدت براحة شديدة .. رغم رؤيتها لهالته التي لم تنطفئ بالكامل ..

تتأمل ..
سنعود إلى نشاطها ،، سننسى ما حدث ..

فالحثالا يجب ألاً ندع لهم مكاناً في ذاكرتنا ...

تلك هي إيملي ،، ملكة بجمالها .. ملكة بحنانها ..
ملكة لمَّاحة !!

لا شكَّ أنكِ أيتها الفاتنة ،، ستشكلين خطراً على صاحبنا المتلاعب ،،

فاحذري ..

لأن الأيام القادمة ..
ستكون ثقيلة بعض الشيء .

■□■□■□■□■□■□■□■□■□■
-يتبع-


رمضان كريم ♡♡

Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top