■▪ ذات الظل ▪■

هل تسمع صوت الليل ؟


صوت خطوات العتمة في طرقات الحي ؟ ..

هل تبصر دوائر النور الأصفر متناثرة أرضاً ،، ترقع سواد الطريق ؟

صراصير المساء ..
وصوت مرور أحد السيارات ..

وكأن الليل يحل هنا قبل موعده دون باقي مناطق عمّان .. في حي يقطنه الثراء ،، ثراء مهيب ،، تنبعث من أسوار منازلهم وقصورهم صرخات مكتومة لحزن أسير وأسرار دفينة ،، مطلة من عتبة نوافذهم، فتبدو لك منازلهم الجميلة كابتسامة مبهمة الشعور !!

كرات زجاجية مضيئة فوق سور منزل السيد أوس .. ثم تلك البوابة الحديدية ،، أوتوماتيكية - تُفتح على مهل لتدخل أحد السيارات السوداء العالية .. إصدار العام .. تبرق رغم سوادها ...

لم يلزم سكون الليل حده ،، بل تسرب داخل المنزل وأغرق مجلس السيد أوس حد الأسقف المكللة بالثريات ..

في واحد من مجالسه العدة ،، حيث النمط حديث والأرائك ملتحمة ببعضها ذات لون هادئ ..

صوت التكييف الصادر من الأعلى كصوت أمواج بحر بعيدة عن السامعين .. يجعل من هذه الأرض الملساء جليداً .. لكن السجاد يدفئ أقدام الزوار .. متفرق في عدة مواضع .. تعلو إحداها طاولة منخفضة غريبة الشكل ذات عدة ألوان وزوايا ..

هناك أيضا تلك الأرفف الزجاجية المضيئة ،، طويلة حد السقف ،، قد رصت عليها تحف ودروع مذهبة تشهد على عظمة سيد هذا المنزل.

كرسيه المريح .. يخرج من أسفله موضع قدمه ،، ويعلوه هو مستنداً كعادته على كف يده ..

^ كم أرهقني همي ،، كم لازمني في فراشي كل تلك السنوات !! متى سأرتاح من وحدة الزحام ؟! .. كان إن طرأ على بال أحدهم شيئاً ،، وفرته له ... أطعمهم الله على يدي ،، وكساهم أحسن الثياب .. لم يجع أحدهم تحت ظلي .. ولم يحرم من شيء يتمناه ..

ها هم كبروا ،، ورحل كل منهم إلى مبتغاه .. قد نسو ذاك الذي سهر على قوتهم بينما هم نيام .. من باع وقته وصحته من أجل أن يرا مجدهم ،، وابتساماتهم آن النجاح ...

أيها الكهل العجوز،، لقد هجرك أولئك الذين حملتهم في أحضانك ،، وقصصت عليهم قصص النوم .. من أنفقت كل ما في جيبك عليهم وتحملت بكائهم وتذمرهم .. وأيام العمل التي لا تطاق ،، فتراهم لا يذكرونك إلاّ على بطاقات هويتهم .. بينما ذهنك عالق بهم ،، بتلك الصيصان التي كبرت وطارت ..

رأيتُهم يحلقون بعيداً ،، واحداً تلوى الآخر ... ووقفتُ هناك أنتظر عودتهم .. لسنوات ،، ومن بين الستة اثنان يعودان على مضد .. وثلاثة آخرون في بلد آخر ،، لا أعلم عنهم سوى أنهم قد شتوا عن نهج والدهم .. ولربما نسوه. ^

" سيدي .. أتسمح لي؟ "
قالها الخادم بأدب شديد بينما يقف بعيداً عند الباب ،، لقد كان من الصعب أن يلحظه بنظره بين كل تلك الإضائات الخافتة والأعمدة المزخرفة ..

" ماذا هناك !! " بصوت فاتر وكأنه أفاق من نومه للتو ...

" السيد أيمن ابنك وصل ،، ويريد رؤيتك "

عندما قال أيمن ،، انفضت افكاره كسِرب من الأسماك الصغيرة الهاربة خوفاً إثر هجوم وحش بحري !!

" أدخله "

ووقف ينظر ،، وكأنه عاد عشرات السنين للخلف ،، يرى ابنه الأول يدخل مجدداً أمام ناظريه ..

يكاد يضاهي عمره بذلك الشيب وتلك التجاعيد الجميلة التي تحكي كل منها قصة كفاح أب ..

أسرع إليه ابنه بالخطوات وأخذ يقبل يديه ورأسه ...
" اشتقت إليك أبي .. "

ابتسم الجد بافتعال مرير .. على عكس تلك الإبتسامة الواسعة التي شقت وجه ابنه ،، ثم جلس بصمت ولم يتكلم .. اكتفى فقط بهز رأسه للخادم .. ^ أنْ اذهب و اغلق الباب خلفك ^ ..

ففعل ..

بينما أيمن بين يدي والده بخشوع ... يجلس أرضاً قرب قدميه ..

" ولكن أين تامر ومروان ؟ " قاطعه والده السيد أوس بهذا السؤال

فأجابه " سيأتيان .. فضلت أن يتحمما ويغيرا ثيابهما قبل لقائك .."

" حسناً "
صمت الجد ولم يتكلف حتى النظر إليه ..

" تبدو منزعجاً .. أبي "

تنهد السيد أوس ...
" أنت لا تعرف ما ألمَّ بوالدك من هم ... "

" خيراً يا أبي !! "

" لا خير في نسل كهذا يا أيمن ... " تابع ناظرًا نحو ابنه بأسى ... " لقد حضر جميع اخوتك وأبنائهم بغية المنفعة بعد أن أخبرت إنعام زوجتي بنيّتي ،، علمت أنها ستخبرهم وتقصدت أنا ذلك لكي يأتوا وأراهم فقط .."

أيمن بشيءٍ من الإنفعال قال " لقد فزعت آن علمت بذاك الأمر .. لقد علمت به في طريقي إلى هنا ،، من الجيد أنها كانت مزحة وإلاّ ستتحول مجالسك الجميلة إلى ساحات حرب "

سدد السيد أوس نظراته الحادة المفاجئة ..
" وسأفعل ما قلت .. ولتشتغل الحرب ،، سأحرق الطامع بطمعه .."

تخير أيمن مكاناً على الأرائك عن يمين والده .. ثم انحنا صوبه برفق ..

" أبي .. " وهو يربت على حجره " أبناؤك جميعهم يحبونك ،، لا ضيرَ أن يفكرَ أحدهم في الكسب هذا لا يعني أنهم لا يحبونك .. فمنهم محتاج ومنهم من لا يريد تفويت الفرصة لا أكثر .."

نظر إليه والده بتعجب ممزوج بالغضب ... كيف له أن يتجرأ !! لكنه أكمل ..

" أن تعلن ذلك بشكل مباشر أو غير مباشر ،، إنما هو خطأ ... أعني أن الطامع في ثروتك سيأتي .. و غير الطامع سيخاف إن تخلف أن يتهموه بالنفاق أو التقصير أو أنه سيفوّت الفرصة ... "

يصوب نظراته الحاذقة إلى والده ..
" ووقتها ... لن تستطيع التمييز بين من يستحق ،، ومن لا يستحق ،، لو لم تخبر زوجتك ذلك ... ودعوتهم لمجرد الإجتماع ... فستعلم وقتها بعض الفروق ،، ولكن أيضاً لن تتمكن من الجزم ب ... "

قاطعهم صوت الخادم يطرق الباب ..
" سيدي أتسمح لي ؟ "

نظر الجد أوس بغضب نحو الباب إذ أن الخادم قد قطع حبل أفكارهما المديد ..

لكن ابنه أيمن ابتسم " تفضل ... "

فتح الخادم بوابة المجلس الأنيقة ،، ثقيلة ذات بابين ومقابض مذهبة .. ودخل بأدب ..

" سيد أوس ... السيد إياد مراد يريد مقابلتك "
رفع الجد صوته بغضب قد ضرب بكفه ذراع كرسييه صارخاً ..

" قل له أن ينتظر "

احنى الخادم رأسه بأدب متراجعاً إلى الخلف ... قد أغلق الباب خلفه ..

نظر أيمن إلى والده ..
" إياد مراد ابن شقيقتي آمال !! "

" وما أدراني أنا ... أكمل ما كنت تقوله "

ابتسم أيمن " حسناً "
أخفض صوته " إن أردت أن تعرف المحب من الطامع ... عليك أن تختبر صبرهم ... والصبر هنا لا يعني مجرد الإنتظار ... "

أمال الخادم أذنه قليلاً نحو الباب واضعاً يديه خلف ظهره بانحناءة بسيطة ،، يستمع إلى ما علا من الكلمات ويلصم المنخفض منها ببعض ...

" ... ستستقبلهم ،، ولن تتحدث بكلمة عن ذلك الأمر ... سيضع الطامع نفسه في وضع الإختبار ،، إلى أن تنتهي الزيارة ،، وبعدها ستبدأ التفكير من جديد بعد أن تعرض الجميع لضغطك الهائل .. وتذكر أن الطامع سيضحي بكل شيء ،، إلاّ أمواله "

سكوت مفاجئ عم المكان بعد تلك الجملة ،، ثم تبعه ضحك أنفاسه الخفيفة ،، ضحكة محبوسة بين شفتي السيد أوس ...

" ههه ... ستكون دعابة ثقيلة "

" وأريد أن أطلب منك يا أبي ،، جدياً ألا تقحمني وولداي في هذا الصراع فقد جئنا في سلام "

ابتسم الجد أوس بحنكة .. فلربما يكون أيمن نفسه طامعاً ويدعي التعفف ..
" سيدخل من يريد الدخول ..أنا لن أجبر أحداً على أخذ أموالي "

طرْق الباب مجدداً ..
" هل يمكننا الدخول ؟ "

وقف أيمن " اه أجل كدت أنسى .. " نظر إلى والده بابتسامة متوترة " إنهما ولداي ... تفضلا "

وقف الجد يخفي بعبوسه عاصفة الفضول لرؤية أكبر أحفاده ،، تامر .. الذي فتح جزءاً من الباب بتأدب .. يدخل مرتدياً كنزته الصوفية ذات الخطوط .. قد رسم التوتر ملامحه بإتقان ..

ابتسم الجد ابتسامة في غاية الجمال عندما رآه .. مهندم مهذب ،، ليس لمجرد أنه أصبح رجلاً .. بل هو محل فخر لوالده .. ومع ذلك ،، فقد استطاع أخفاء اعجابه تحت غطاء الصمت بسرعة مجددا ..

" السلام عليكم جدي "

" وعليكم السلام ..." منادياً الخادم "ضيااء أخبر الطهاة أن يجهزوا المائدة .."

رفع الجد يده اليمنى ،، يطوق خنصره خاتم كبير ذو حجر أسود .. استقبلها تامر وقبلها ،، ومن ثم قبل رأسه ..

تبعه شقيقه ينسخ ما فعل من فِعل ..
ومن ثم ذهب ليجلس قرب شقيقه ..

ورغم علامات الفخر التي بدت على وجه السيد أيمن ،، إلاّ أنه كاد يقفز إذ تذكر ..
" أبيي .. " همس " احمم لقد تركنا ضيفنا ينتظر "

" أووه أجل ... عماد "

" إياد يا أبي .. "

" أجل أياً من يكن .. ضيااء ،، يا ضياء "

قدم الخادم من فوره يعبر الردهة ..
" أمرُك سيدي "

" أَدخل الضيف "

أخفض الخادم رأسه ..
" لقد ذهب ... سيدي ،، قال سيحضر في وقت لاحق "

نظر السيد أوس باستغراب ..
" يالها من قلة ذوق ... من كان هذا؟"

" إياد مراد يا سيدي ... قال إنه ابن ابنتك آمال "

ضحك السيد أيمن وظهرت البشاشة جلية على وجهه ساخراً ..
" ماذا تنتظر من ابناء شقيقتي آمال يا أبي ... إنهم لا يضيِّعون وقتهم بالإنتظار ،، سيكون الإنتظار انتقاصاً لكرامتهم "

غضب الجد " هذه إهانة ،، أن تدخل بيت أحد وترحل دون أن تراه ... سيحاسب على وقاحته .."

تدارك أيمن متملّقاً
" أبي أرجوك اهدأ "

وبينما دب الجدال بينهما .. إذ يلقي أيمن الكلمة مشتعلة ثم يحاول إطفائها !! لا أحد يعلم ما ينوي ..

استغل أحدهم تلك الجلبة ،، ليهمس ..
" ضياء .. "

همسٌ قادم من نهاية الردهة المظلمة ،، تسرب إلى أذن الخادم ،، فلم يلتفت له .. بل رجع خطوتين للوراء إلى خارج المجلس ..

وبدون أن يلحظ أحد ،، وها هو يسير إلى اخر الرواق ..

" نعم سيدتي .. "

كانت طويلة الظل ..
تتحدث بلهجةٍ حادّة -
" هل استطعت سماع الحديث ؟ "
احنى الخادم ظهره ،، يضع كفه قرب فمه ،، يسرد لها الكلمات كما هي بدقة متناهية ..
وهي تنصت بتمعن شديد.

" هذا جيد .. وماذا عن إياد ؟ هل أخبرته أن جده لا يريد رؤيته؟ "

" أجل سيدتي .."

" أحسنت ،، أكمل على هذا النحو "
أعطته في يده ظرفاً وكأنه يحوي المال .. ابتسم ظاناً أنه قد كوفئ للتو .. لكنها أردفت بهمس كالفحيح ..

" وإن عاد إياد الليلة مجدداً ... ستجعله ينتظر وتقدم له شراباً وتضع فيه " أشارت بعينيها إلى الظرف " القليل من هذا .. فالقليل يكفي "

ارتبك الخادم وجحظت عيناه .. تجمد من شدة الرهبة ... فهو مجرد خادم بسيط ولا يريد لعب هذه الألاعيب القذرة ..

ولكنها كادت تشتعل إذ رأت الخوف تصاعد من عينيه ..
" ستفعلها وسيكون لك النصيب الأكبر ... لا تخف لن يقتله ،، والآن ،، لاتخبر أحداً أني كنت هنا .. "

" أ أ ... أمركِ سيدتي "
لا يمكنه قول لا .. بالتأكيد ستعمل على طرده ان اعترض ..

ذهبت ... واختفى ظلها تدريجياً .. وكأنها أنثى الشيطان !!

°●○•°●○•°●○•°●○°●○•°●○•°

أشعل سيجارته طويلة .. شبه مستلقي داخل سيارته (Audi) السوداء ،، قد علا صوت أمه من الهاتف فزلزله ..

" ماذاا ؟ "

صرخت بتعجب .. وكادت تنهار حرفياً !!
" كيف يحدث ذلك ؟ "

" كما أخبرتكِ أمي لقد قال لي أن جدي غاضب ولا يريد رؤيتي .. "

" لاا .. لا لا عد مجدداً وحاول أن تراه ،، هل ابتعدت عن منزله؟ "

نظر إلى سيجارته يتصاعد منها دوخان متراقص ،، وكأنه يفكر في تلفيق كذبة لكن لا مهرب ..

أجابها " لا ،، أنا أمام المنزل "

" إذاً اذهب واطلب رؤيته مجدداً .. وأنا سأجهز نفسي وآتي حالاً "

" لا لا لا .... لا داعي يا أمي .. سأتصرف أنا "

" سأتصل به إذاً .. "

نظر أمامه لظلام الشارع في شيء من صدمة اصطدام الغضب بوجوب الإحترام ..

" سيغضب أكثر يا أمي ... " خرج من سيارته
" دعيني أتولى الأمر "

" حسناً .. وتحمل غضبه الملتهب إن صبه عليك .. فهو في النهاية جدك "

" كما تشائين أمي ،، إلى اللقاء "

" حفظك الله يا ولدي "

ثم أغلقت الخط ... وها هو يشعر بال لا مشكلة مجدداً ،، ذلك البرود الذي يصطنعه رغم أن نفْسه في صميمها ترجوه ألاّ يذهب.

حاملاً الهدية الثقيلة بفضول ..
^ العجزة دائماً مزاجهم سيء بسبب ... ربما الهرمونات ^

هو ليس أول نرجسيْ يتعامل معه .. سيفكر فقط في هدفه ،، إرضاء والدته ...

سيفعل ما تمليه عليه بلا تفكير .. ثم سيعود إلى منزله وفراشه الدافيء ..

أخذ نفساً وابتسم كمهرج تلقائياً عندما اشتم رائحة الطعام أثناء سيره على الطريق الحجري في الحديقة ..

■□●■□●■□●■□●■□●■□●■□●■

بينما قد علا صوت الجد في المجلس ..
" ما مؤهلاتك ؟ "
سأل الجد وقد أشار إلى تامر برأسه ..

" أنا خريج طب ،، أعمل في نفس مجال والدي، في المخ والأعصاب ... فأنا جرّاح في ذاك المجال وباحث أيضاً. ولكنني لا أزال مبتدئاً-"

قاطع أيمن ولده تامر قائلاً "لقد حصل على العديد ظن الأوسمة والشهادات من-"

قاطع الجد بفتور، قد أدار عينيه " ااه الطب ،، أجل .. وأنت أيها المروان ؟"

نظر مروان بحماس شديد ..
" أنا درست التصوير الفتوغرافي ،، لقد - "
رفع الجد يده في وجه مروان أيْ توقف !!

" تصوير فتوغرافي !!! .. لا لا تهمني هذه التفاهات. والآن،، لما لستما متزوجان حتى الآن ؟ "

سكت مروان في صدمة احراج فقد كسر قلبه بالإستهانة بشهادته للتو .. أما تامر فأجاب سؤاله ب ..

" لم أجد الفتاة المناسبة بعد "

" كل الفتيات مناسبات لو أردت ذلك .. أنا لا أعتبر الرجل رجلاً حتى يتزوج وينجب ،، هذا هو الدليل الوحيد على رجولتك، وإلا فكيف أعلم أنك - "

فتح الجميع أفواههم تلقائياً من الذهول !!

" المعذرة !! "

" هاي هاي ... أبيي ههه أرجوك " قالها أيمن بتوتر بالغ " أنت لا تقصد ذلك بالتأكيد "

" أنا أقول الحقيقة ،، إنه في التاسعة والعشرين .. أم أنه يريد البقاء كوالده الأحمق بلا زوجة ؟ فمنذ أن ماتت أمكما البريطانية محبة الكتب ،، اعتزل والدكما جنس حواء كالأبله المعتوه .. وأصبح يقوم بأعمال النساء من طبخ و- "

" حسناً حسناً جدي .. سأتزوج إن شاء الله "

" أتقاطعني يا ولد ؟! "

" لااا حاشا لله .. لم يقصد مقاطعتك يا أبي .. لقد اقتنع بسرعة فقط "

" سأختار لك زوجة جميلة تليق بك .. ف- "
" جدييي .. أرجوك ل- "

" إسمعني أولاً أيها الأحمق .. لدى رفيقي ابنة جميلة ومهذبة، تجيد أعمال وقد تذوقت طبخها الممتاز عدة مرات في ...... - "

تعلو أصواتهم مسموعة من الخارج ... حيث إياد جالس ينتظر في الصالة كما طلب منه الخادم !!
وأمامه كوب عصير طويل جميل ..

سأل إياد الخادم
" هل هناك شِجار بالداخل ؟ فأنا أحب حضور الشجارات "

أجابه الخادم ضياء الواقف قربه بصمت بينما يرفع رأسه وعينيه نحوه ..

" ربما ،، سيدي .. لكنهم أمروني بجعلك تنتظر "

" اووه .. حسناً "
قرّب إياد أصابعه من كوب العصير البارد ،، يمسكه بينما الخادم ينظر بطرف عينيه في توتر بالغ ..

^ ماذا لو اكتشف أحدهم ما فعلت؟ ^

يتذكر همسها ^ لا تخف لن تقتله ... ^

لن يقتله ..

يقرّب الكوب من فمه ..

لن يقتله ..

يبلل العصير شاربه ..

لن يقتله .. لن يقتله .. لن يقتله .. لن-

صوت الكوب الفارغ يوضع على الطاولة ..

تَك .

يتنفس بانتعاش ..

" يااااه ... حمداً لله "

" صحة سيدي .. "

أخذ إياد منديلاً من جانبه يمسح به شاربه ..

" ألديكم مرآة هنا ؟ "

" هناك تفضل سيدي .. "

وقف يرتب هيئته ويرجع شعره ..
يخرج مشطه الصغير من محفظته ويسرح به لحيته البرونزية التركية .. ثم يضع بعضاً من ذاك البخاخ على يده ويمسح عليها بعناية ..

كل هذا بينما الخادم يأخذ الكوب ويبدله بكوب مماثل فيه بقايا ذات العصير ،، لكن من دون ذلك الشيء الذي أُمر بوضعه !!

" والآن؟ .. هل أبدو جيداً؟ " سأل إياد الخادم

" عظيم سيدي .. والآن من بعدك ،، سأستأذنهم "

فتح الباب، فَعَلى صوت السيد أوس أكثر ...

" ..... -لكن يبدو .... أن الأجيال الجديدة مصنوعة من البسكويت ... فأنا تزوجت في الثامنة عشر وانجبت والدكما واستطعت أن أدرس وأعمل وأتزوج مرة
ومرتين
وثلاثة ... لقد كنا- "

" سيدي .. إياد مراد يود رؤيتك "

" مجدداً !! ألم يذهب كما أخبرتني؟"

" أ .. أجل ولكن اتضح أنه- ... "

قاطعه أيمن يكتم ضحكته ..
" لقد ظلمناه يا أبي ... أم أنها أوامر والدته؟! "

تنهد " ... أوامر والدته بالتأكيد ... " أشار برأسه إلى الخادم " أدخله "

وضع السيد أوس أحد قدميه فوق الأخرى ،، لتظهر نظافة أسفل نعله ،، وبعضاً من جوربه الصوفي الرمادي الجديد ..

يسند كوعه على ذراع الكرسي المريحة ،، وينظر صوب المدخل حيث الخادم يشير ..

" تفضل سيد إياد "
يسمع دق كعب جزمته على الأرض الرخامية ..
وها هو يدخل ،، فتُفتح الجفون على مصرعيها .. تكاد أبصارهم أن تشخص له بالفعل !!

عدّل الجد جلسته مرتبكاً ،، فقد حاول اخفاء انبهاره من تلك الطلة لكنه لم يستطع ..

جسد طويل عريض المنكبين .. مشدود سويُّ الخلقة .. و لحيته البرونزية ،، كثيفة مهذبة بعناية بالغة تجعله يبدو أكبر بست سنوات .. لديه حاجبان دقيقا المرسم كأجنحة النسر ،، وعينان زرقاوتان محاطتان بخطوط الرشد !!

فتحوا أعينهم وأفواههم في دهشة .. متى أصبح كذلك !!

" مرحباً جدي"

استفاق جده فجأة من الصدمة ليرى يد حفيده إياد مدودة له وذات خواتم عدة !!

" إسمها السلام عليكم يا جدي .. أم أنك أصبحت شبيهاً بهم في مظهرك ودينك أيضاً ؟ هااا ؟ "

ابتسم إياد ..
" السلام عليكم جدي "

رفع الجد يده قليلاً لكي ينخفض هو ويقبلها .. ففعل بكل سرور .. ثم أمسك برأسه وقبلها أيضاً بينما يفوح منه عطره الملكي .. قد تقصد الجد لمس بذلته ليعرف خامتها ...

السيد أيمن وقف بتوتر وذهول يفحص وجه إياد وثيابه ... يستحيل أن يكبر بهذه السرعة ،، يستحيل أن يصبح بهذا الجمال والثراء في آن واحد ..

لقد خطف الأنفاس ..
وها هو يعانق خاله أيمن الذي بالغ في الترحيب ومدحه والإبتسام ..
" الله أكبر " يضرب على منكبه وظهره ..
" لقد كبرت كثيراً "

يقف مروان ويقترب منه ،، يعانقه بدوره .. شاعراً أنه للتو قد عانق أحد مشاهير هوليوود ...
" سعيد يرؤيتك .. إياد "
" وأنا أ- "

رن هاتف إياد ...
نظر إلى جيبه يلتقطه فهو لا يستطيع تجاهل اتصال من والدته ...

" أجل أمي ... "

وبينما يرد ،، لاحظ الخال أيمن ابنه تامر قد ظل جالساً مكانه ،، ربما لا رغبة له في القيام والقاء التحية .. فأشار له برأسه وبنظرات آمرة أن يقف ويسلم ...

" دعه جالساً كالبعير .. "
قالها الجد وأكمل " فهو لا يدري ربما عن العادات والأدب "

تجاهل تامر كلمات جده بصبر ... ووقف.

بينما إياد ..
" ....حسناً ،، فديتك أمي إلى اللقاء ... ماذا هناك؟ ،، ااجل تامر "
توجه صوبه بابتسامة كبيرة يمد يده .. وقف تامر وعانقه بهدوء وصدق ..

تخير إياد مكاناً بجانب تامر .. وجلس بارتياح وكأنه في منزله ..

" أنت عماد "

" إياد "

وقعت عينا إياد فجأة على حلوى القهوة الموضوعة على الطاولة .. وتلك الدلة ،، فالتقطها له تامر وصب له فنجاناً .. وكأنه يثبت للجد عكس كلماته.

بينما يكمل الجد ..

" أجل إياد ... أجل "
صمت قليلاً وكأنه يتذكر ..

" لديك شقيقتان حور المتزوجة وفريال ذات الخمسة عشر عاماً أليس كذلك ؟ "

أكل قطعة من الحلوى لقمة واحدة ..
" هذا صحيح "

" وشقيقك محمد .. لا تشبهان بعضكما بتاتاً "

يمضغ " ممم أجل ربما "

اشار إليه الجد ..

" محمد .. ذاك الأبله المهلهل، يزورني كل صيف ... أينما كنت يذهب ويلقاني ويذيقني تفاهاته المريرة وأضربه دوماً بهذا ..." وأشار إلى عكازه
" وأزجره ... لكنه يعود مرة أخرى ويلقاني بحرارة كالذبابة المزعجة ،، عديم الفائدة لكن على الأقل أعرف وجهه واسمه لكن ليس مثلك يا- "

" أوو أوو جدي .. جدي يا حبيبي " يمضغ " أنا لا أسمح بأن تتحدث عن أخي أمامي بهذه الطريقة "
يكمل المضغ " فهذا يزعجني ... شخصياً "

" اها .. محامٍ إذاً "
" مهندس "
" مهندس موضة ؟ "
" ميكانيك "

" اها مثلي إذاً يا قليل الذوق .. وأين تعمل أيها المهندس الميكانيكي ؟ "
نظر إياد نحو جده .. لقد شعر باهتزاز الرؤية ..

الحوائط تميل وتتحرك ..
" أعمل " خفتت حروفه " أعمل في ..... في أحد ... مصانع شركة .. B M .... W "

التقط أنفاسه وتمالك نفسه " في مدينة سبارتانبيرغ في كارولانا ... أكيد تعرف ذاك المصنع إنه .. "

" أجل إنه أكبر مصنع تمتلكه الشركة الألمانية في الولايات المتحدة وفي العالم ... ماذا تعمل هناك بالضبط ؟ "

" مؤخراً في قسم ... الإنتاج والتطوير ... و ... التأكد من سلامة الس-

السيارة

لدينا المخطط ......
والأجهزة ،،




نجرب وسائل الأمان ..

لكن مؤخراً أعمل في مشروع تطوير يدعى ...

المحركات

و

تبديل- "

" هل أنت بخير يا- "

شهقة

ثم

سقوط .

¤●○¤●○¤●○¤●○¤●○¤●○¤
-يتبع-

Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top