《 Those Days 》

مدخلان يدخل منهما الشيطان للمرء فيتلبسه ويحكمه :

الخوف

والغضب

فكن أنت الشيطان .

(جوزيف فيتالي)

⊙¤⊙¤⊙¤⊙¤⊙¤⊙¤⊙¤⊙¤⊙¤⊙¤⊙

رفعت رأسها تبصر لمعة النجوم المبعثرة حول القمر،، تضفي من الأنس نوراً يداعب ظلمة هذه الليلة الشتوية.. قد تقطعت سحابة تسير مع الريح وحل برد خفيف ودافئ الشعور يزيد من لذة الأحضان وتقارب الأنفس..

وقفت أمام ذات البوابة تلمس قلبها فتشعر به يرفرف موشكاً على الطيران شوقاً إليه.. تسمع الخرير خلفها فتلتفت للنافورة هناك عن اليمين إذ ظلام أزرق مبيض من سناء القمر يتخلل أخاديد حجارته حوض النافورة البيضاء،، تتراقص فيها أمواج المياه لتروي عن ليلة ماضية قد رددت فيها قصائد عشق عن عينيه ،، وكيف سقط في ركود أيامها وقع قبلته فاضربت ونسيت كيف ينام البشر..

أو يأكلو..

كيف يتوقفون عن الإشتياق؟!

اقتحم أحلامها ورحل منها بسلام عدة مرات لتتمنى من قلبها أن يتم حبسها في أحد الأحلام قربه..

عجباً لعينيها،، كيف أدخلته قلبها بهذا اليسر وقبلته،، فأحرقت كل ما أحبت وعشقت أمام وجهه فقط!! وها هو جسدها ووجدانها يعودان إلى ذات المكان لعلها تستقي منه جرعة أخرى تعيد إليها جمال سكرة الشوق وثمالة الخيال..

تقف يلاعب النسيم طرف حجابها النيلي،، فتشتم مع مرور النسمات،، ريح ورد عطرة تحرس عتبة بوابتهم..

تلتفت خلفها من حين لآخر فهي تنتظر قدوم والدتها من هناك،، والتي ترفع عبائتها المزخرفة وتسير ببطء على كعبها الدقيق،، قد أثقلتها الحلي ورنت الأساور مع سيرها كالعرجاء.. وتصل إلى موقع ابنتها بصعوبة..
"أؤ أوه"

كادت تسقط أثناء الصعود فتمسك ابنتها مي بيدها..
"اللعنة على هذه سلالم" يستوي ظهرها واقفة وتتنهد بحمد،، ثم تشير للسائق أن يرحل..

ضغطت على الجرس مرة،، وتلفتت إلى جمال ابنتها تحت السنا،، كم أن ملامحها العادية رقيقة وسمحة!!

تهمس إليها والدتها "تذكري ما قلته لك.. حاولي أن تفتحي معه أي موضوع،، أن تغريه بفطنتك ورقتك.. ولا تنسي الضحكة.. الضحكة أهم شيء.. أنتي في الخامسة والعشرين ولستي-"

أحدهم فتح الباب فألقى الضوء نفسه على عبائته سلمى اللامعة،، لتقطع حديثها وتبتسم بتصنع "أووووه حبيبتي فريال"

تنظر إليها فريال من خلف الباب وتبتسم بخجل..
فيعلو من خلفها صوت والدتها "من هناك يا فريال؟!"

إلتفتت للوراء "إنها خالتي سلمى يا ماما"

"وماذا تنتظرين؟!! أدخليها" أبعدت فريال وفتحت الباب تبتسم بتكلف "آسفة على وقاحة ابنتي إنها لا تزال صغيرة ههه"

تقدمت الخالة سلمى طويلة القامة تسير بكبرياء نحو الداخل حاملة ًحقيبتها البراقة.. ترتدي ما فخم من الثياب وتضع المساحيق جميعها على وجهها لتبدو مختلفة كجميلات التلفاز كما يدعي العامة،، بالغت وبالغت في الزينة.. حتى بدت السيدة آمال رغم سؤددها بمظهر متواضع أمامها!!

وعندما تخطت عتبة الباب إلى الداخل حيث النور "هئ.. اتقولين هذه طفلة؟!" نظرت إلى جمال فريال.. إلى التلال الخضراء في عينيها،، وشعرها الذي يشبهه شقيقها بالكراميل في لونه وانسيابيته..

تضع يدها عليه تتقصد لمسه "لقد كبرت وأصبحت عروسا"

ابتسمت آمال "فليفرحك الله بابنتك قريباً إن شاء الله"

حينها خطت مي خطوات خجولة إلى الداخل،، ترتدي حذاء البوت الطويل،، مخملي عريض الكعب يزيد قامتها طولاً،، فلعله يقبل شفتيها اليوم كما تتخيل فيسهل عليه الوصول إليهما دون المبالغة في الإنحناء..

يكسوها معطف أسود أنيق يظهر كم أن عينيها حوراء،، شديدة البياض والسواد.. قد ضيقتت الحزام على خصرها ليظهر تقاسيم جسدها النحيل ويبرز صدرها الصغير..

رفعت السيدة آمال صوتها "شرفتمونا كثيراً حقاً يا سلمى" تتقدمهم بدقة كعب حذائها إلى مجلس السيدات "لقد جهزت لكم أطيب المخبوزات التي س-"

ضحكت سلمى "أوو يا إلهي،، لم أدخل إلى ما تسمونه المطبخ منذ مدة" تسير مكملة "الخادمة فقط هي من تدخل"

دورت آمال عينيها وتأففت خلسة،، حسناً ستتجاوز هذه الإهانة..

"تفضلا بالجلوس"

تقصدت مي اختيار ذات المقعد،، ذاك الذي كانت تتكئ عليه عندما رأت إياد يدخل أمامها ذاك اليوم.. ففوقه شعرت بلذة رؤيته تعيد نفسها مراراً وتكراراً!!
تتنهد بسعادة في عالم الأحلام والخيال بعيد وموازي لحاضرها،، وتبتسم ابتسامة عريضة بشفتيها الزهرتين..

أما والدتها فقد جاورتها في الجلوس ملاصقة لها،، وما إن فعلت حتى بدأت بانتقاد التكييف وأنه ليس بتلك الجودة وكأنها تحاول تقليل جودة بقية الأثاث في هذا المنزل الفخم!!

تحرك مروحة يدها وتتقصد عرض طلاء أظافرها ".....ففي منزلنا الشتاء طوال السنة ههه تعرفين زوجي العزيز إنه لا يطيق الحر"

"لا لا أعرف رجالاً غير زوجي"

"اها لا قصدت،، أنه يكفي ما رآه من الحر طوال سنوات الجيش فكما تعلمين إنه الآن ذو رتبة عالية جداً"

"أهااا اااهممم" تهز آمال رأسها في محاولة مجاراتها.. فتلك الثرثارة تحول كل مسارات الحديث ليحتال مديحا في حق زوجها وشأنه..

"وماذا عن زوجك مراد؟! ألا يزال يدرس الطلاب الأدب الإنجليزي في الجامعة؟!"

تجعدت شفة آمال وسرعان ما حولتها بصعوبة لإبتسامة "لديه معرضان للسيارات إنه يحب ذاك المجال،، لكن الأدب الإنجليزي هو حياته"

ضحكت سلمى عالياً بلا أدنى سبب "كزوجي المهووس بالفضة.. الفضة هي حياته،، لديه في مكتبه أثاث مجلس كامل مطلي ب.."

شدت مي على أسنانها،، ونغزت والدتها فكأنها تذكرت للتو..
"...اااه آمال أين ابنك؟! الجميع لا ينفكون يتحدثون عنننن إياد إياد إياد.. ذكرني بزوجي عندما حصل على آخر وسام من المملكة،، فأصبح اسمه على لسان ال-"

نغزت كتفها مجدداً ".. ااه أجل أجل.. ممم هلا تحضرينه أريد رؤيته"

تلك الجملة جعلت قلب السيدة آمال ينقبض بقوة ويضيق صدرها فتهبط مع هبوط الخوف.. فهي تتذكر كم عانت سلمى لتنجب وعندما فعلت أنجبت فتاة،، سخطت بشدة.. وهي الآن تطلب رؤية قرة العين والذي لا تشبع عيناها من النظر إليه ولا أذنيها من سماع حديثه..

فبدت وكأنها شردت بعيداً عنهم تبحث عن كذبة أو حجة لكي لا تقاسمها لذة النظر إلى ابنها.. لكن الطلب قفز إلى فريال "اخبريه يا حبيبتي فريال أن يأتي ليسلم علي"

استفاقت آمال فجأة من شرودها على مشهد ابنتها راكضة بحماس كالبلهاء نحو الدور الثاني،، فاستأذنت للقيام تتبعها..

___________________________________

في متاهات أروقة الدور الثاني وصلت فريال إلى حجرة مكتبه الفسيحة أو كما تسميها وشقيقتها (غرفة العقاب).. المجلس ورأس الجدي الزجاجية،، المدخنة الحديثة وأرائك الجلد البنية كل هذا الأثاث الباعث على الجدية والأوسمة والدروع قد غطاها الظلام برادائه.. وأنارت قرب أحد الأركان أسفل الباب الخشبي الشبه مخفي..

همست بحماس تتعانق أصابعها "غرفة المتعة"
تصدر من داخل الحجرة ضحكات عالية وحديث يبدو مشوقا رغم كونه غير مسموع..
نبرات ناعمة أنوثية وخشنة رجولية.. ضحكات متفاوتة شبابية مليئة بالحيوية!!
طرقت بحماس على الباب عدة مرات.. وألصقت أذنها في محاولة بائسة لسماع الأحاديث بينهم..

ففتح لها محمد يسد فتحة الباب فيعيق النظر،، بوجه أحمر من فرط الضحك
"مههه ماذا يا كوز العسل؟!"

قوست شفتيها للأسفل "هل يمكنني الدخول؟!"

"ههه لحظة" إلتف للخلف وسأل عالياً "أيها المأمور.. كوز العسل تسألك الدخول أيمكنها؟!"

سمعت صوته بعيداً..

"لا"

فقفزت وبدأت تبكي بينما محمد يكرر عليها "يقول لا غير مسموح ممنوع وغير مقبول"

"يا ربيي لماذا؟!"

"أنتي تعرفين (الدب).. يقول نعم وألف لا"

فبدأت تبكي وتشكي الوحدة وكم تقاسيها،، قد نسيت كلياً ما جائت من أجله..
ليجيب شقيقها بعيداً عن أحاديث الشباب خلفه هامساً "هذه الغرفة للراشدين فيها أشياء محرمة،، والبالغون امثالنا يجب أن يجربوا كل الحرامات ال ال المحرمات والكبائر ليحذروا من هم أصغر منهم من تجربتها،، ف-"

علت ضحكة إياد من شيء قيل أثناء أحاديثهم،، قهقهة ملفتة مختلطة مع ضحكات من حوله فأدار محمد رأسه وأغلق الباب..
"على ماذا تضحكون هاا؟! هاا؟! م ما الذي أضحككم أخبروني لأضحك"

وترك فريال تكمل أنينها المتعمد وتضرب الأرض بقدمها ساخطة على كونها الأخت الصغرى المغفلة المسيرة كما يريدون..
قاطع أنينها دخول والدتها،، متسائلة "هل خرج إياد؟!"

قالت تمسح دموعها "لا إنه في الداخل"

طرقت السيدة آمال الباب،، ففتح محمد يتظاهر بالثمالة،، يسقط أحرف كلماته.. "قلت لا تزعجونا ونحن نرتكب الح.. عااااا أمي!!!"

اختفى لون وجهه من نظرتها الغاضبة،، وقفز للخلف قفزة واحدة كبيرة،، ولكن سرعان ما سألته رافعة إحدى حاجبيها..

"أين شقيقك؟!"

نظر خلفه "إيااااد.. أمي تريدك"

وما هي إلاَّ ثوانٍ حتى خرج إليها إياد بوجه بشوش واسع الإبتسامة "ماذا أمي؟!"
تنهدت بضيق "تعال"

فعلت نبرة فريال فور رؤيته "أخييييي هل يمكنني الدخول معكم؟!"

أكمل السير خلف أمه..

"لا"

بدأت تبكي "لمااا؟! لماذا أنا مسكينة ووحيدة لا أحد يحبني،، الوحدة تمزقني وحتى خالتي هايدي معكم تركتني وحيدة لا أحد بهتم بيييي"

أكمل سيره خلف أمه ونحو غرفته "إذهبي وجالسي والدي سيروي لكي قصة أدبية ممتعة أو يعلمك أساسيات الشطرنج"

قفزت بسخط "لااااااا لا أريد لا أريد"

تجاهل بكائها فهي كعادتها عندما تريد منه شيئاً تصبح كذيله فلا تتركه حتى يوافق.. لا تكف عن البكاء والسخط والقفز،، بل وقد يصل الأمر لإمساك كتفه وهزها كالآن
"أرجوووووووك أرجووووك"

صرخت والدتها في وجهها "إخرسي واذهبي إلى المطبخ لتساعديني في تقديم الحلوى للضيوف،، وكفي عن التذمر حالاً" تشير سبابتها آمرة لها بالذهاب..

ذهبت فريال مرددة شعارات مثل أين العدل.. هذا ظلم،، خافوا الله....الخ

وانتظرت الأم حتى يغيب صوتها مع غيابها التام،، لعل توازن عقلها يعود إليها!!
ثم أخذت نفساً ونفخته مغمضة عينيها لعلها تهدأ..

"إذاً؟!!"

حملقت في مظهره وقميصه الشبابي الخفيف،، حيث عضلات ذراعيه المفتولة مكشوفة يشوهها كثرة الوشوم من كتفه حتى رسغ يده!!

"أتعلم ماذا سيفعل والدك إن رآ هذا؟!" أشارت لذراعه..

فضحك "سيترك المنزل؟!" ملمحا لضعف شخصية والده وقلة حيلته..

فأومأت "بالضبط.. هذا ما سيفعله"

"حسناً حسناً لا تقلقي لن يراه،، وإذا فعل سأتصرف"
رجع عدة خطوات لاخلف،، وجلس على سريره ينتظر الأمر الذي قاطعته بسببه..

تنهدت تشعر بثقل نفس..
"... والآن خالتك سلمى تريد رؤيتك"

تحولت بشاشته وعرضه لأسنانه إلى عبوس مخيف "ماذا تريد؟!"

"لقد قلت.. رؤيتك"

فتحت باب الغرفة تهم بالرحيل فألقت آخر جملها على مسامعه بحدة "إرتدي شيئاً يخفي وشومك فنحن لا نريد فضيحة عند جدك"

بالتأكيد فسلمى تعشق النميمة،، والجد يعشق جعل سيرة المخطئ علكة في فمه.. فمن الأفضل اختيار بنطال أسود،، سترة خفيفة سوداء،، و معطفه الجلد ذاك..

يرتديهم بسرعة ولا يفارق وجهه عبوس مظلم يثير الرهبة،، فهو يعيد في ذاكرته نفحات تلك الأفعى السامة..

ينتهي من تسريح شعره ويضع العطور ثم يسرع نزولاً لأسفل يسرد عقله حديث تلك المرأة الكاذبة وكيف حاولت إخفاء تورطها.. لكنه يعلم أنها من أمرت الخادم بوضع ذاك السم وأحضرته،، بل ويعرف أكثر من هذا .

دخل عتبة مجلس السيدات باندفاع يأمل أن يقصر اللقاء قدر الإمكان..
متجها نحوها بينما تشرب العصير،، يخترق الجو لتتفاجأ به فتختق أثناء الشرب،، تسعل وتسعل..

يتلون وجهها فلا تكاد تبعد ناظريها عنه في ذهول..

مشيرة نحوه "متى أصبح هكذا؟!"

شعرت والدته بطعنة خنجر في قلبها فعلا صوتها بحنق "قولي الله اكبر أتريدين أن تنزله عينكي القبر؟!"

"ما شاء الله.. ل لكن كيف؟!"

مد إياد يده إليها مصافحا "أرجوكي خالتي لا أريد أن أسقط كذاك اليوم في منزل جدي بسبب... تعلمين،، العين"

ارتعشت يدها وهي تلامس يده العملاقة،، تنظر للدهاء في عينيه فتجد نفسها محاصرة بهجوم لومهما،، فبدأت تدمع حتى ترك يدها والتفت لمي.. فوقفت له تنفض معطفها وتمدت يدها بابتسامة في غاية الحياء..

فأخذ يدها وانحنى لطبع قبلته مجدداً على ظهر كفها.. وكأنه بتقصد رؤية الخجل وحمرته على وجنتيها!!

"تحبين هذا أليس كذلك؟!" إلتفت إلى والدتها مشيراً إليها "هل يمكن أن يمتلك أحدهم هذا الملاك ويفرط فيه؟!"

تأففت والدة إياد عالياً مظهرة عدم رضاها عنه،، وحدقت سلمى في عينيه بخوف ورجاء معاً.. تطلب من قلب نظراتها صفحاً عاجلاً وقرباً ..

ربض على أريكة يسار السيدة وابنتها منحدر الظهر ومستندا على ركبتيه "أظن أنكما جئتما من أجل رؤية خالتي إيمي؟!"

اومئتا في ذات الوقت..
"أجل"

"لم تطلبا رؤيتها!!"

أطبقت سلمى شفتيها المرتعشتين،، فهي لا تكاد تخفي شيئاً حتى يفضحه هو علناً وبدون تردد يصدمها بقول ما تخفيه بل ويكمل ضرب الكلام في وجهها حتى لا تقوى على الرد أو الكلام..

وضع رجلا فوق الأخرى مرجعاً ظهره "أرجو ألا تكون الأخبار عنها قد وصلتكم بشكل خاطئ"

فاطلقت سلمى الهواء الكامن في رئيتها بتروي.. وقررت البوح بالحقيقة "سمعنا أنها أجهضت،، تفاجأنا وللأسف تخيلنا الأسوأ عنها"

"أهاا"

تابعت سلمى "لقد حزنا على والدنا بالتأكيد هو الآن في غاية الحزن مما عرف"

"لا خالتي،، لا تقلقي إنه بخير لقد زرته صباحاً.. لم لم تطمئني عليه أم أن مجيئكي لرؤية إيميلي التي لم تطلبي رؤيتها بات أهم من رؤية والدك؟!"

هذه المرة نظرت إليه بحقد شديد،، فهذا يكفي حقاً،، هو يلمح لكونها كاذبة ولكون والدها ساخطا عليها إذ علم بمجيئها ليلة التسمم،، ولم يرها..

بل وذكرها قوله بالشجار الذي حدث بينها وبين زوجها عندما اتصل به الجد وسأله،، وعندما أقسم السائق أنه أوصلها حتى إلى ما بعد البوابة ودخل الحديقة ورآها تدخل!!

فهل يستفزها يا ترى؟!

عبوسه الغريب جعلها تقبض بقوة على قبضتها..
لم تنتبه ولو لذرة أن عيني آمال كانتا مثبتتين عليها هي وابنتها مذ بدأت الحديث معه،، ولاحظت التوتر واضحاً جداً عليها بل ورأت لمعان العرق على وجهها يزيح بعض بياض البودرا!!

"على العموم تم حل إشكال موضوع إيميليا.. كان حادثا وأحبت الإحتفاظ بالطفل
-أشار بيده - نقطة على السطر . " أخذ نفساً "أخبريهم،، إذا فتح أحدهم فمه عن ذاك الأمر فسيواجهني شخصياً"

أومأت مي توافقه بشرود تام رغم كراهيتها لإيملي،، قد ذابت نظراتها في وجهه وهيئته الجادة التي تزيده وسامة،، حتى أعلنت بينها وبين نفسها أنها مريضة به..

أما والدتها فأضمرت حقدها وتظاهرت بإعطاء تلك العاهرة فرصة أخرى لإثبات العكس "على العموم سنرى رأي والدي في ذلك،، فالإجتماع بعد غد.."

"اهممم مصرة إذاً"

علا صوتها بثقة مفاجئة "نحن كإخوة نعلم أن آدم وإيميليا وهايدي يعيشون في الغرب ولن نتفاجأ من شيء كهذا،، لكن سمعة والدنا وعائلتنا هي ما تهمنا.."

"حسناً لا أحب إعادة الكلام" سحب بسكوتة من أعلى الطاولة أمامه،، مما شوش شرود والدته فقامت من فورها "أستأذنكم سأذهب لتفقد الفرن"

قامت السيدة آمال وسارت نحو المطبخ،، قد تركت ابنها يجتذب أطراف الحديث،، فيلقي على مسامعها سؤالاً يخفف من حدة عتابه وتحقيقه..
"من أي كلية تخرجتي يا مي؟!"

رفعت مي بصرها نحوه..
^يسألني؟! أيسألني أنا؟! أحقا يحدثني أنا؟!!!^
كأنها تفاجأت به يحملق بها،، ليغشاها موج من الخجل والإرتباك.. تتهالك احرفها فتحاول تقويمها بجهد "أنا.. خربجة لغات"

لم تكد تصدق أنه يبتسم لها الآن!!
"جميل.. أتعملين؟!"

أشاحت بصرها عن وجهه لأنها إن فعلت وأكملت التحديق في جمال عينيه ستبوح لا إراديا بما يختلج في صدرها من حقيقة عشقها له..

بارتباك اجابت "ل.. لا أنا لا أعمل"

"إذاً في ماذا تقضين وقت فراغك؟!" اعتدل في جلسته "ألا يجب أن تصنعي هدفاً؟!"

قاطعته والدتها "إن هدف ابنتي هو إسعاد زوجها أيا من سيكون،، فهي يومياً تقوم بما تقوم به العروس ليلة زفافها من عناية بالرشااقة والبشرة بل وتجيد ال--"

وبدأت بذكر محاسن ابنتها،، فاجتذب ذلك مسامع السيدة آمال ليستفيق الوحش داخلها وتترك كل ما بيدها،، لخترقت الحديث بوقوفها أمام سلمى الجالسة،، ترفع رأسها مخفضة مقلتيها بشكل مخيف..

"لا تحاولي،، سلمى.. وإياك أن يطرأ على بالك مجدداً أن ولدي هذا سيفكر.. ولو للحظة،، في النظر إلى ابنتك"

رفعتا رأسيهما بذهول إلى جرئتها الشامخة وكاد إياد من شهقته يسحب كل هواء الغرفة بشبه ابتسامة،، يقف إياد من مجلسه "أمي!!"

فأكملت تتصادم مع نظرات سلمى "وفري على نفسك المحاولة،، فهذا ليس مستوانا..
ملكات الجمال سفترشن الأرض بأجسادهن ليمشي عليها ابني،، ولن أقبل إلاَّ باللتي تعجبني..
وابنتك لا تعجبني..

لذا..

إن كنتي ق-"

"أمي توقفي"

أغمضت عينيها ورفعت نبرتها الحادة أكثر "إن كنتي قد أتيتي لإصتياد ابني..
فارحلي فوراً ."

تحول ذهول سلمى في لحظة إلى ابتسامة جانبية ماكرة "ابنة أحد قواد الجيش الأردني تفكر في الزواج بسوري أمريكي مغترب يشقى ليجد لقمة العيش؟!" أنهت جملتها بضحكة ذات قهقة مصطنعة "لما تتخيلين أنني جئت لأجل هذا ألا تجدين من يقبل ابنك؟! وهل يستحق ابنك ابنتي أنا؟!! ابنتي جعلت للأمراء وال-"

"لقد حذرتك.. سلمى،، هذا الرجل الذي أمامك لا يمكن أن تنام في فراشه امرأة لا أحبها أنا.. واعلمي أن-"

"أمي يكفي.." نظر إلى وجه مي وسيول دموعها تبكي بصمت مطبقة الشفتين تتلقى مسامعها إهانات أمه..
فأدار وجه أمه برفق نحوه "أمي،، هلا نتحدث على انفراد؟!"

أبصرته فلان قلبها لجديته،، وأدركت أنه عد تنازلي قبل أن يفقد أعصابه!!
شعرت بحرارة زفيره على جانب وجهها الأيمن وهو يقترب يحيطها بيديه ويجرها برفق بعيداً عن حلبة المصارعة تلك..

حتى يقتادها بصعوبة إلى زاوية بعيدة في مجلس آخر خافت الأضواء يهمس..
"أمي أرجوك،، هلا تهدئين ق-"

"لا" انفجرت دموع عينيها فجأة "وإياك أن تفكر في الزواج بها،، وتلك الأخرى إيليسا فلتتركها حالاً" ضغطت على شفتيها تجاهد أن تشهق فتسمعها ناطحتها..

شعر إياد بالذنب يعتصر قلبه عندما رءا دمع والدته الغالي يسيل بكل سهولة ويعبر بيسر خديها المقدسين..

أحاطها وضمها إليه،، يحني رأسه على رأسها فيزيد ذلك نيرانها أجيجا..
"لا امرأة تستحقك.. لقد تعبت أنا وربيتك أنا..
اطعمتك وكسوتك..
كنت محمولاً في حضني والآن رأسي لا يتخطى صدرك.."

تنهد إياد على وقع بكائها الخفيف تدفن رأسها في صدره "هذا الرجل،، أنا من صنعته.. أنا من جعلته صلبا،، أنا من جعلت الأعناق تلتوي إليه،، ألا أستحق التدخل في حياتك التي صنعتها أنا؟!!"

ابتسم إياد "حاشا لله" وقبل شعر رأسها العطر عدة مرات "ارجوك أمي،، إن هلعك وغضبك يجعل منك فريسة سهلة لمن لا يحبك.. إذهبي واستريحي لوحدك في مكان ما وامسحي دمعك..

ولا تعودي إلاَّ ووجهك قوي الملمح كما كان،، ولك ما أردتي"

سألته "تجاهل مي،، إنها تحبك"

"حسناً أمي"

"واترك المدعوة إليسا تلك"

ابتسم "لك ما تريدين يا أغلى ما أملك"

مسحت دموعها وربتت على كتفه "فليحفظك الرب لي.."

قطع تهامسهما صوت باب البيت يفتح..
فركض إياد نحوه "خالتي لا يجب أن ترحلي قبل أن"

"لااااا لقد تمت إهانتي"

حملق في اشتعالها تجر يد ابنتها مي التي أنزلت رأسها بوجه كظيم في غاية المرض تكاد تسقط أرضاً!!

فتصل يده للباب ويغلقه "أنتن النساء وعوالمكن الموازية.." تغلغلت نظراته في عيني سلمى هامساً بصوت أجش "نحن بيننا حديث أهم من هذا الهراء"

تظاهرت سلمى بنظرة استفسار مخفضة رأسها للجانب.. قد ارتخت يدها فتركت يد ابنتها مي وضمت ذراعيها "ماذا؟!"

"صفقة بيننا" مرق مي بجدية ووجه الكلام إلى والدتها "على انفراد يا خالتي"

____________________________________

وتحت أضواء السقف الصغيرة المستديرة في مجلس آخر،، إذ هما بعيدان عن المسامع والأنظار يراقبان بحذر كل من يقترب أو يسير على بعد بعيد من همسهما..

"خالتي" وضع وجهه قريباً منها "فلنكن واضحين كالشمس،، ولا تخافي مني"

شعرت برعشة انتشرت في جميع جسدها إلاَّ يدها التي ثبتها إياد بقبضته..
لمعت العبرات في عينيها وانبثق الخوف "لا أعلم عما تتحدث"

"ساخبرك" أخفض صوته أكثر"أنتي في مشكلة بعد غد سيشهد الكل ضدك..
ستصرين على كونكي كنتي هناك يومها أو العكس،، ولكن في النهاية سيلغيكي الجد بحنقه من قائمة المستحقين..

لو أحضرتي الخادم كشاهد لن يكفي بل وسيعرف تامر مباشرة أن لك علاقة بوضع السم.."

اختلج صدر سلمى شعور سقيم بكونها في ورطة حقيقية،، فالكذب لن يفيدها أمام والدها ولا حتى قول الحقيقة..

" يمكنني أن أشهد زوراً على رؤيتك وأنقذ سمعتك وعلاقتك بزوجك،، ولكن أولاً.. أنا أعلم أن هناك من يود قتلي،، فأخبريني بلا خوف أو تردد.. هل هددك بابنتك؟!"

تلك الجملة كانت لسلمى خلاصاً فقد أوحت لها بعذر يجعل منها ضحية لمكر ذاك المحتال ذو المكالمات الغامضة..

فهدرت الدمع وهمست باختناق "أجل" انزلت رأسها "لقد أجبرني وهددني،، إنه مجرم خطير"

تسائل إياد رافعاً وسط حاجبه الأيسر "أهو من عائلتنا؟!"

أومأت "أجل.."

"كيف تواصلتما؟! هل رأيته؟!"

ابتلعت ريقها وتذكرت تلك الدقائق السوداء،، وكم كانت قاتمة كلما حادثها من الهاتف العمومي في الشارع.. وكم كان يضيق صدرها مع كل نهاية حديث..
ولم تجد مهرباً سوى الإلتجاء إلى هذا الشاب الرابض أمامها،، ففي عينيه قوة ودهاء..

"من الهاتف العمومي.. حاولت معرفة من هو ولم أستطع"

شد على يدها وتغلغلت نظراته في عينيها حتى لمست دقات قلبها الخائف..
"لدى زوجك من السلطة ما تمكنك من إستعادة المكالمات التي أجريتها بكل سهولة ودون إجراءات،، أريد فقط سماع صوته ولكنته في أقرب وقت..

سأعرفه حتماً..
أمامك الغد،، الخميس قبل اجتماع يوم الجمعة..

بالمقابل لن أكتفي بالشهادة معك،، بل سأعمل على تصديقهم لذلك"

أول ما فكرت به سلمى هو كيف إن سمع المكالمات وعلم أنها متورطو بإرادتها وبدون تهديد أو إجبار!!

واسترجعت جمل وكلمات قالتها حتى وجدت بعض ثغرات صمتها في بعض الأحيان..
فقالت "تحتاج كل المكالمات؟! ماذا إن لم أستطع؟!"

"حاولي الحصول حتى لو على جملة واحدة بصوته،، جملة فقط.. وستكونين قد أنقذتي عائلتنا من مجزرة ."

"مجزرة!!" ظنت أن تلك الكلمة مجازية فأومأت بعد صمت خغيف بابتسامة ثقة "حسناً.. موافقة"

وقف وابتسم ابتسامة عريضة "رائع" وصافحها "ستؤدين لي خدمة عظيمة"

وقفت سلمى تشعر بالفخر،، والأمان.. فبتأكيد غداً ستحصل على تلك الصوتيات.. ويعود كل شيء كما كان،، متناسية أنها كادت تقتل متعمدة ذاك الشاب أماهما وأقنعت الخادم بقولها أن السم لن يقتله لكي يتجرأ على فعل ما أمرته..

وها هو إياد يسبقها إلى مجلس السيدات فترفع صوتها "عزيزتي مي هيا لنرحل"
شعرت مي بصوت والدتها لكن لم تسمعه ولم تستوعب أي حرف قيل وما معنى تلك الجملة..

فقد كانت جالسة على الأريكة بوجه باهت اللون.. تشعر بهيجان صامت وهجوم هادئ يفتت قلبها حزناً من كلمات قيلت بحقها..

ولم يخترق مسامعها سوى صوت إياد يجادل والدتها "لا.. لماذا؟! إبقيا"

____________________________________
■□·■□·■□■·□■·□■·□■·□■·■□·■□·■□·□·■

وبينما هم في جدال عقيم..

عمت الفوضى في غرفة المتعة الفسيحة..
سنكون قد كذبنا إن سميناها بالغرفة،، بل هو قسم أو شبه طابق منفصل عن كل شيء حوله..

تزدان فيه كل وسائل المتعة بأنواعها..
مكان أشبه بالحانة للشراب..

تلفاز عملاق بحجم الحائط تقريباً أمامه أريكة شبه مستديرة للأفلام..

ثلاجات مليئة بالمشروبات جميعها وبعض أنواع الكعك البارد..

آلة مثلجات آلة قهوة آلة فوشار آلى لفتح وصب زجاجات الوسكي ومخازن حلوى..

طاولة بلياردو عملاقة وأخرى بينج بونج وأخرى لكرة القدم وهناك مكان مخصص للعب ألعاب الفيديو،، ثم الأرائك المريحة وأدوات موسيقية ومكتبة تحوي كتبا نادرة للقراءة..

وقد اتسعت حدقاتهم فور رؤيتهم للقسم الأكثر خصوصية..
غرفة نوم مرفة،، سرير مريح ملمسه كالسحاب،، جاكوزي وأماكن للشموع وغيرها..
في كل زاوية في الغرفة شيء مبهر وجديد..

يجعل العقول في ذهول واستكشاف،، فغدو كالمغامرين في الأدغال،، يمسكون يتسلقون يقتربون ويتلمسون كل شيء..

وكان أكثرهم فوضى محمد الذي أقسم ألا يدع شيئاً إلا ويجربه.. حتى جن فور رؤيته الجاكوزي تتحرك داخله الماء بمحركات خاصة،، بداخله إضاءة ورائحة مائه كالورد..

كتم تامر ضحكته "أيحضر إياد نساءً إلى هنا؟!"

"لكان قتله والده.. فوالد إياد متدين دينياً" قالت إيميلي..

مما جعل تامر يكاد يموت من الضحك على ذلك التناقض الهائل!!
أرجعت إيملي شعرها بابتسامة "إنها حقيقة.. لقد قطع والده علاقته به مذ كان في الثامنة عشر وحتى الآن بسبب تسيبه الديني.. لكنه بالتأكيد لا يعلم بوجود الشراب داخل المنزل"

فضل تامر السكوت وعدم التعليق على شخص غائب وبحث بعينيه عن شيء يلفت انتباهه ليسكته عن نقد لاذع على طرف لسانه حتى يرى..
"غيتار!!"

ابتسمت إيميلي متوجهة نحو ذاك الغيتار "أتجيد العزف؟!"
تبعها تامر "أجيد الكمان والبيانو،، اووه هناك بالفعل كمان أيضاً أنظري"

رفع الكمان والتقط عصاه.. وما إن أسنده بين كتفه وخده حتى بدأ العزف بلحن شجي شتت انتباه آدم وهو يضرب بتركيز الكرة البيضاء على طاولة البلياردو في منافسة محتدة بينه وبين لؤي المحترف في هذه اللعبة..

وأكمل تامر تحريك عصا الكمان بانسيابية ليصدر لحن يجتذب القلوب والأسماع،، فترتخي أعصاب إيملي وتجلس فوق اقرب كرسي ناعم يهبط بجسدها من شدة نعومته،، متكئة على يدها،، تنزل جفناها ليغرقا في نشوة الكمان،، قد حملتها الألحان إلى عالم من الجمال والمخلوقات البديعة،، فشعرت نفسها تسير تائهة في غابة خضراء بهية وجمال الطبيعة الأخاذ..

ذابت وذابت..

حتى يتوقف فجأة!!
تفتح عينيها وقبل أن تتسائل رأته يشير بعصا الكمان إلى هناك..
"مروان عد لإرتداء جواربك"

تحرك هايدي قدميها في مياه الجاكوزي قائلة "دعه وشأنه"

فيكرر بجدية "هذه ليست أغراضنا،، إنها خصوصية إياد"

"ولكنني أريد وضع قدمي فقط فيه وتح--"

علا صوت أحدهم "اوووووه هذا ظلم كيف فزت يا خال آدم هذه أول مرة أخسر"
التفت الجميع نحو لؤي و آدم هناك،، يحتسي من الوسكي المثلج ويبتسم بانتصار رافعاً عصا البلياردو ومرتديا صليبه الذهبي الكبير متساوي الأضلع فيجعله كقس سكير منحرف!!

لؤي شاب طويل نحيل الخصر عريض المنكبين،، جسده رياضي مفتول العضلات،، قد برزت تقسيم عضلات بطنه الست من ضيق سترته البيضاء.. وجسدت صدره الصلب.. كما أنه في غاية اامرونة والرشاقة..

ملامحه عادية مع مزيد من اللمعان في عينيه والنعومة الفائقة لشعره الدهني القاتم.. يبدو في هيئته أكبر من آدم الأقصر والأنحل.. والذي انهى كوب الشرب قائلاً "لعبة أخرى هيا" وكأنه أدمن شعور النصر وسكرة الغلبة..

حينها حولت إيملي مجرى الحديث قائلة لتامر "أتجيد عزف معزوفة البؤساء؟!"

أومأ لها "أجل"

صفقت بحماس "اعزفها لي"

أخذ نفساً وثبت الكمان مجدداً بنية إسعادها،، واستحضر في عقله بداية اللحن ليجتر الباقي بسلاسة ويبدأ العزف مغمض العينين ألحان تلك المعزوفة الجميلة والتي تذكرها بطفولتها في ريف نورمبرغ وكيف كانت تركض بحرية كالطائر الأبيض بين التلال الخصبة..

اغمضت عينيها لوهلة لترى نفسها كما كانت طفلة تركض هنا وهناك،، تعترض طريق الرياح برقصة بالي رقيقة ومرحة مليئة بالصبا والحياة،، تبعثر الريح خصلاتهت وتثير الورق حولها لتبدأ العاصفة في الإشتداد وأرجحة الأضواء،، لكنها كانت تكمل الرقص بكل ثبات وهدوء،، ك--

-صوت شيء-

هبط اللحن..

خرب وانقطع عن سمعها ففتحت عينيها بتساؤل لتجد الصمت قد حل بهتة على الجميع!!

أمامها تامر قد كادت عيناه تخرجا من محجرهما بصدمة!! ينظر إلى اتجاه معين فالتفتت من فورها إلى ذات الإتجاه!!

إنه درج طويل جداً قد فتحه فضول محمد ليجدو..

.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.


شعرت برجفة الدهشة تملأ جسدها،، ويتنبه لؤي وآدم إلى البكم المفاجئ ليريا ما يرونه..

وما هي إلاَّ ثوانٍ حتى شعر محمد بأحد الجدران تتحرك "وكأنه وكر!!"
فأمعن النظر حتى رءا اسفل الجدار ااصغير بجانب السرير مقبض!!

بدون تردد قاده فضوله للإمساك به،، ورفعه فيظهر أنه اشبه بباب جراج سيارة،، لكنك فور فتحه سترى مكتب!!

أجل ليست غرفة بل حائط غائر إلى الداخل 3 أمتار.. به مكتب علقت أمامه لوحة عملاقة جداً بيضاء كخريطة معقدة جداً،، على احد جوانبها بقعة حمراء وكأنها ضوء!!
يترك آدم عصا البليادو ويركض نحو محمد صارخاً "أيها الأحمق"
يتبعه لؤي فيتخطيان الجميع وصولاً إلى ذاك الكم الهائل من السلاح فيلقيان نظرة استكشافية منذهلة سريعة!!

ثم يتجاوزانها نحو المكتب..
لحظتها شعرت إيملي برهبة منعتها من التقدم خطوة نحو الأمام أو حتى التعليق بكلمة مثلها مثل كل من حولها قد هربت كلماتهم فزعاً ..

يقف تامر مرتبكاً لا يفهم ما يحدث وما يراه..
وآدم يضرب الارض بغضب،، يدفع محمد بقوة ويزجره "أنت مغفل ولعين"

"ما الخطأ الذي ارتكبته؟!"

استشاط آدم غضباً "تفضح شقيقك أمام الغرباء"

ضحك محمد ضحكة جانبية "أفضح؟!!" وهم للحديث ولكن الفضول قد أستمال لؤي لفتح أحد الخزانات الخشبية،، فوصلوا أعلى مراتب الصدمة!!


همس تامر "ليس تاجر أسلحة..

بل..

صانع أسلحة!!!"

ضحك محمد عالياً وأشار بكلتا بيديه موضحاً "مابكم يا جماعة إنها مجرد هواية له،، مشاريعه في الجامعة كانت متمحورة حول هذا،، الأسلحة ودبابات الحروب.."

ترك تامر مكانه واقترب من ذاك المكتب الأشبه بالرف،، وضعت عليه مواد لاصقة ومنظفة للمعادن وغيرها.. ليتضح أنه يقوم بعملية التجميع هنا بالضبط وفوق هذا المكتب!! قد استقر فوق الرف مصباح طويل مصمم لتسليط الضوء على تلك الخريطة المعقدة..

"خريطة لمكان مجهول" ضيق عينيه واقترب أكثر "أرقام وعلامات،، خطوط في غاية التشابك!!"

ضمت إيملي يديها وهمست "فلنبتعد عن أغراض خطيرة كهذه،، ربما يدخل ف-"

قاطعها تفكير تامر العالي "هناك بالفعل مشاريع عدة،، وأوسمة بالمركز الأول" يتفحص صندوق زجاجي به نموذج لآلة حرب متطورة أشبه بقرص متحرك بدون سائق.. تسير وتطلق 600 طلقة في الثانية كما هو مكتوب!!

يقرأ وصف المشروع بهدوء "ثم إذا نفذت الذخيرة تزرع ذاتها في الأرض وتنفجر إنفجاراً بقوة--"

"وااااااااو" هتف محمد..

"انظروا نظارة لتحديد الهدف"

مد يده محاولاً لمسها فشهر بصعقة من مجال كهربي يحيطها كحماية!!
تالم وقفز للخلف لكن سرعان ما التفت إلى الجهة الأخرى ليجد أمام خلفية فضية مخططة هذا الشيء!!

"لماذا يكبله بالاغلال كأنه خائف من هربه لا من سرقته!!"

اقترب تامر بهدوء يمعن النظر ويخطو نحوه في حين يخرج محرمة من جيبه ويهم بإمساكه..

لكن..
يظهر آدم امامه فجأة بنظرة كراهية مطلقة مختلطة بالثمالة..

حملق تامر في الصد الجلي بعيني إيليوت،، نظراته تعطي إنذار أحمر أخير.. بل وقال موضحاً بهمس مسموع "إن فكرت مجدداً في لمس شيء هنا سأقطع يديك"

صمت الكل بعد هذه الجملة وابتلعوا ريقهم،، خاصة عندما حدق آدم في لؤي و محمد كذلك ليفهما الآتي "إن فتح أحدكم فمه عما رآ فسأكوي شفتيه ليلتحما معاً ويودع الكلام لل--"

صدر من خلفهم صوته بنبرة مازحة "هاي هاي هاي آدم" يبتسم "رفقاً بالضيوف"
سكت آدم والجميع ناظرون إليه من خلفهم..
إياد الذي قدم بغتة يدق الارض بكعبه الاسود،، كل ما يرتديه سواد بسواد.. لا يظهر منه سوى ساعديه الملونين بوشوم متداخلة..

تسارعت لحظتها دقات القلوب خوفاً من هدوئه المريب..
ألا يجب أن يغضب ولو لمرة من أفعالهم الحمقاء؟!

ربما محمد،، رغم كونه مصدر الفعل إلاَّ أنه كان في ذروة الهدوء والإطمئنان.. فببساطة "هذا ليس سراً"

قالها إياد بصوت أجش خافت لا يوحي بالرضا التام..
ويصل بعد بضع خطوات بطيئة إلى تامر الواقف أمام المسدس المكبل!!
يأتي من خلفه ويبرت بقوة على كتفه "أنا لست تاجر موت"

ثم أكمل يتفحص أنحاء عالمه الصغير "كانت هواية.. ولأنهم عرضوني للخطر قطعت هوسي بها"

تابع محمد "لقد حاولت العديد من شركات السلاح العالمية التعاقد مع إياد لكنه لم يرد أن يهدر موهبته الفذة في قتل أناس لا يعرف من هم..

ولأنه يملك أسرار صناع--"

"كااانت هواية وانتهى الأمر منذ خمس سنوااات"

اقترب آدم من أذن إياد فأمال إياد رأسه..
ولا يعلم أحد من الواقفين ما قيل من قبله من همسات،، فسرعان ما ابتعد عنه ونظر كلاهما صوب إيملي،، فاترتبك "أقسم لست أنا"

ابتسم إياد وبدت نواجذه "لا إنه أمر آخر عزيزتي.."

صوت القداحة،، آدم يشعل سيجارته مشيراً لهم برأسه "فليعد كل منكم إلى ما كان يفعله.."

واجتاز رؤوس الجالسين وأكتاف الواقفين نحو زاوية خافتة هناك،، يردد هامساً..
"أشعر بدوار" ويشير لمروان "تعال واحضر لي ذاك المسكن هناك"

فيقوم مروان من فوره بأسرع ما يمكن،، نحو طاولة بعيدة هناك وضع عليها شريط من الحبوب المسكنة..

إلتقط الشريط ومن ثم أحضر كوب ماء متجهاً إلى أصغر أعمامه سناً،، إيليوت الجالس هناك في أحد الأركان الشبه معتمة،، يسير نحوه في غفلة عما ينتظره من تحقيق .

عاد تامر للجلوس على الأريكة قرب إيملي.. إذ جعلوا الحدث ومكتب إياد خلف ظهورهم..

وكان تامر لا يفتأ ينظر إلى المكتب مستديرا للخلف بين كل لحظة ولحظة،، وكم المعدات والأسلحة المصفوفة بشكل مخيف..

يقترب من عمته إيملي ويهمس "لست مرتاح لكوني أجلس في مكان مليء بكل هذه الأسلحة.. ماذا لو كانت غير مرخصة؟!"

صمتت وأطالت الصمت..
فهي لا تجد تعليقاً على تلك المفاجأة الغير سارة،، سوى أن لقطات هجوم السفاح كانت تفاجئ ذاكرتها،، وكيف حاول بكل جهده قتل إياد مهما كلفه الأمر!!

أيعقل أن للأسلحة لها شأن بذلك؟!
لولا أن أحست بدخوله حبنها،، ووجدت بجانبها في الدرج سلاحاً،، لكانت الآن في حفرة بؤس لفقدها إياد..

إياد الذي بجول الآن هنا وهناك..
في أنحاء المكتب،، وكأنه يسترجع تلك الذكريات الضالة ويجمعها ليسردها على نفسه في صمت..

هجرته الأنظار وذهب محمد ولؤي والخالة بعيداً عن مجال سمعه وبصره.. ليسمح له بالخلو لحظة بمفرده يجمع شتات ذكراه جالساً لأيام وأشهر على ذاك المكتب..

يقف أمام الخريطة العملاقة،، فتجد عيناه إياها شيئاً مناسباً للغرق في الشرود بها.. ومكان ملائم لسرد ماضيه..

يذكر أول سلاح وقع بين يديه وكيف فككه آن كان في الثامنة عشر،، وآخر سلاح صنعه منذ ما يقرب الخمس سنوات..

وكم كان هذا منفذه الوحيد من الضغط التي تسلطه عليه والدته..

يرى في نفسه ذات الشاب الذي كان يتأخر عن تناول الغداء ويختفي بعيداً في الغابة لتجربة أحد الأسلحة التي يصنعها من قطع غيار على القوارض والطيور..

وبعد أن أتم العشرين،، بدأ بصناعة القطع ذاتها من الألف للياء،، يدرس ويسخر دراسته في ذاك المجال اللعين والذي سرق منه صحته،، وقته وأمنه!!

لكنه كان كحبه للنبيذ..
كان يحب سكرة الجلوس هنا،، الحبسة هنا،، التمعن في القطع،، هنا..
لساعات وساعات،، في الظلام وتحت ضوء مصباحه النحاسي..

يصل لذروة نشوته عندما ينتهي من صنع واحد لا مثيل له على وجه الأرض،، بمزايا خارقة للعادة.. أسلحة فتاكة لا تخطئ ولا تندحر..

حتى ذلك اليوم..

فكر إياد بصمت،، أيعقل أن يكون ذلك هو سبب وجود السفاح؟!
في البداية ظن أنه قاتل مستأجر ثم أيقن كونه أحد الأفراد لأنه لم يهجم على إيملي..

ولكن،، كيف ولا احد يعلم بأمر ثروة الأسلحة تلك سوى والده وشقيقه فقط!!
وآدم علم بها بالكاد أمس!!

ألقى احتمالاته الغير مؤكدة جانباً وتذكر هدفه اليوم..
فصاح عالياً "لؤي تعال وساعدني لو سمحت"

___________________________________
¤■¤■¤■¤■■¤■¤■¤■¤■¤¤■■¤¤■¤■¤■¤

في تلك الثانية بالتحديد..
القت جسدها بإرهاق على سرير والديها تبتسم،، في حين تخلع والدتها سلمى الأسواور والحلي بانزعاج..

"آمال الوقحة.. كيف تجرأت،، يالها من زيارة نتنة"

ابتسمت مي ونامت على جانبها الأيمن "أرأيتي إياد؟! ما رأيك فيه؟!"

تحول انزعاج الأم لإبتسامة شقية "يستحق العشق"

قالت مي بحنق "سأموت إن لم أتزوج به.."

حينها أغلقت والدتها الدرج بإحكام..
وقامت واقفة بنظرات واثقة..

"أحضري خصلة من شعره..

سنعمل ما يجب عمله..

وسيكون لك ."

__________________________________
-يتبع-










اعتذر على كتابتي السيئة للفصل فهذا الجهاز الخرب يعيقني..
سأسترع الهانف بعد غد وأعود أفضل فاعذروني

Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top