●■ Joussef Vitaly ■●
● هذا أطول بارت كتبته حتى الآن .
● أرجو أن يعجبكم 🙂💔 .
● قراءة ممتعة ..
____________________________________
《 نظرية الدومينو 》
الإختراق الناعم نحو الهدف .
أسقط الأول ..
ثم راقب فقط .
# منقذ_الطفل
__________________________
11 : 00 am
يضرب بعكازه الثقيل الأرض مع كل كلمة يزمجر بها
" ماذا
تعني
بأغشي عليها ؟!!! "
لمح الخادم السخط في ملامح السيد أوس إذ قطب حاجبيه الأشيبين ،، فتلعثمت أفكاره وتعرقلت كلماته ليخرجها متهاوية الأحرف " أ .. سيدي ،، أ ..أنا لا أعرف "
" أغرببب عن وجهي " خرق صوته أذني خادمه الذي تراجع من فوره إلى خارج الغرفة ؛؛ هارباً يبحث عن حفرة ما ليدفن نفسه فيها قبل إنفجار سيده ..
وبالفعل كادت أعصاب السيد أوس تنفجر إذ برزت على يديه ووجه انتشرت عروق متفرعة ،، يكاد الدم ينفر من شريانه الأزرق الدفين في رقبته ورسغه ،، وأسنانه على وشك التصدع من شدة الصك عليها ..
لقد وصل أعاليَ الغضب ،، فكيف يخرج حفيده تجاه دورة المياه ثم يفاجأ بغيابه الطويل لساعة أو يزيد ..
يطلب الخادم فيخبره بتراهات لا يمكن تصديقها أن ابنته أغشي عليها !!
" أيمن .. أيماااااان " صرخ باسمه ..
حيث كان أيمن في أحد الغرف المجاورة يستمع إلى أنفاس ابنه المتسارعة عبر الهاتف يتحدث ..
" إيملي تعرضت لإجهاض غير آمن ،، أخذناها للمشفى أرجوك أبي لا تخبر الجد بذلك ،، وأمر الخدم بتنظيف غ- "
" أيماااااان "
سارع أيمن في إنهاء المكالمة " حسناً حسناً إطمئن ،، إلى اللقاء " أغلق الخط بوجهٍ مندهش وكأنه لم يصدق ..
ثم توجه بخطواتٍ بطيئة نحو أحد الخادمات مشيراً
" نظفوا غرفة إيميلي "
أنزلت رأسها وهمهمت ثم ذهبت على عجل ،، ليخطو هو خطواتٍ كبيرة نحو صوت أبيه الصادر من أحد الغرف القريبة ..
فتدرك عيناه والده أوس واقفاً باعتدال ،، يعقد يديه خلف ظهره كجنرالٍ أعلن الحرب .. لكنه قابل حاله الساخط بابتسامة شفاء ..
" أبي .. لا بأس لا تقلق ابنتك بخير " يقترب من والده ،، وها هو يمسك مرفقه برفق " استرح "
هدأ السيد أوس قليلاً وانخفضت نبرته ..
" ماذا يحدث ؟! "
ابتسم أيمن ابتسامة لطيفة يقوده نحو أحد المقاعد المريحة ويجلسه بهدوء ..
" لا تقلق كل شيءٍ على ما يرام "
رفع الجد مقلتيه أثناء حركة جلوسه ،، نظرة رجاءٍ من والدٍ قلق " أصحيح ما قاله الخادم ؟! أن ابنتي أغشي عليها ؟! "
ابتسم أيمن ابتسامة شافية ،، رقيقة ورحبة القلب ..
" أجل بسبب
الإجهاض . "
________________________________
12 : 15 pm منتصف الليل
^ إن بعد العسر يسر ^
جملة ترددت كثيراً في هذه الآونة القليلة على مسامع السيدة هنَّا والدة إيميليا .. منطلقة من أفواه الممرضات ،، الأطباء ووالديْ إياد المتصلين ..
ولكن أيُّ عسرٍ هذا أن تفقد امرأة شابة جنينها ،، ثم رحمها !!
أتعلم أيها الفاعل ما معنى أن تفقد امرءة رحمها ؟!
أتعلمين أيتها الحياة ؟!
المرأة هي الرحم ..
والرحم هو المرأة ..
بأيِّ ذنبٍ فقدت نفسها ؟!!!
لقد مرت هذه الساعات بِثِقَلٍ يشق الأنفس مع مرورها مفتعلةً الصدوع والأخاديد ..
وكم من يدٍ ربتت على كتف والدة إيملي أثناء ترقرق عبراتها الصافية في تلك الساعات المعدودة !!
كان الوقت يمر ،، ولا تتحرك من مكانها ..
يدور عقربا الساعة أسرع من حركاتها ،، شهد وجهها الخائف الشمس ومغيبها نورٌ فظلٌ فظلام وهي ساكنة على مقعد الإنتظار ،، تضم حقيبتها الكبيرة لتكتسب بعض القوة ..
شعرٌ أشقر مموج ،، ويدين مجعدتين ،، تلعب بأصابعها لا شعورياً .. عينان سقطتا في جوف الصدمة !!
فهي لا تصدق حتى الآن ما افتعلته يدها ..
لقد وقَّعت على ذلك التقرير ،، وإن كان لا بد منه ..
تتذكر نظرة إياد كيف ضاعت ،، وألوان وجهه كيف بهتت جميعها قبل أن يبلغها بترجمة القول .. لقد أشادت الطبيبة بضرورة الإسراع ..
لم يكن هناكَ حلٌّ آخر .
تسترجع ما قالته الطبيبة ..
^ عندما تتناول الحامل كمية كبيرة من حبوب الإجهاض ،، أو بشكلٍ عام إذا تعرضت لطلقٍ عنيف ،، يحدث بما يسمى ب - إنفجار - الرحم وهو تمزق شديد في جداره ..
يؤدي إلى نزيفٍ حاد ..
ولأن السيدة إيميليا تناولت جرعة كبيرة ،، فقد تلف جدار رحمها بالكامل ..
والنزيف مستمر ..
يستحيل إيقافه إلا إذا استأصلنا الرحم بكامله ،، وإلا ستموت إثر النزيف .. ^
كيف وافقت ؟!
كان لا بد من ذلك .
كان لا بد من أن تدمر مستقبل ابنتها وأحلامها ،، فقط لكي تعيش ..
كيف ستخبرها ؟!
بأي طريقة ستُعلمها أنها محت أنوثتها واستأصلت حلم الأمومة منها فقط لأنها تحبها ؟!
لا يمكنها العودة في الزمن ..
وإن عادت ،، لفعلت نفس الشيء .. ثم ندمت وعادت بالزمن لتفعله مجدداً !!
وهكذا ستدور حول نفسها ..
والدوران حول الشيء يعني التوقف عنده .. لذا ،، لا مفر من قول نعم والتوقيع .
لا مفر من قتلها حية .
تسترجع تلك اللحظة عندما أنهت توقيع اسمها ..
لحظة لا شعورية ،، فقدت فيها كل حواسها الخمس معاً دفعة واحدة في مشهدٍ بطيء للورقة تبتعد عنها ملطخة باسمها ..
حيث أيقظها صوت الطبيبة ..
^ حسناً - تعبس بجدية - سنبدأ حالاً ..
سنحاول الإبقاء على المبايض لكي لا تتفاقم الأعراض الجانبية - تغلق الملف - شكراً لتعاونكم ^
ومنذ ذلك الوقت ،، لم تغادر المشفى ..
ظلت في نفس الرواق حتى منتصف الليل برفقة إياد ينتظران خبراً عن غاليتهما التي أدخلوها منذ حوالي ثمان ساعات إلى غرفة العمليات .
بدأت تغفو على الصمت والسكون ،، حيث الأضواء البيضاء ساطعة فوق رأسها بشدة .. ومع برودة المحيط ورائحة المعقمات .. بدأت تسدل جفنيها ،، فيميل ثقل رأسها مع الغفوة نحو اليمين ،، أكثر فأكثر ..
يكاد يهوي سقوطاً لكنه يجد ذلك الكتف القوي في انتظار سقوطه ..
فتحت عينيها ..
لقد كانت كتف إياد الذي أنزل جفونه رافعاً رأسه نحو السقف .. في غياب تام عن الواقع بلا أنفاس ولا حسيس ،، وكأنه تائه داخل طرقات عقله !!
" إياد !! " بلكنة ألمانية ..
فتح عينيه بهدوء ،، واعتدل ينظر إلى لمعان دمعها المحبوس ..
أكملت تلعب بأصابع يدها " كيف سنخبر إيملي بالأمر ؟! "
كانت نظرته توحي بالكآبة ،، محمر الجفون والبياض متورم الجيوب ،، ينطق بحروفٍ متهالكة " عندما تعود إلينا سالمة أولاً ،، سنتحدث في الأمر "
أعادت السيدة هنَّا رأسها مستنداً على كتفه القوية ،، فأحاطها بذراعه يضمها ويقبل رأسها لعل ذلك يشعرها أن ذلك الحزن والأسى الذي تحمله مقسوم بينهما ..
تنهدت بحزن ،، غارقة في صمتهما من جديد .
_________________________________
في الداخل يتحلق الأطباء حول جسد شابة ،، زيٌّ أزرق معقم .. وأيادٍ عديدة بيضاء تتحرك في ظلامٍ تتوسطه إضاءة بيضاء مركزة فوق بطنها إذ تمت تغطية كامل جسدها ماعدا بعض الأجزاء ،، لقد افتعلوا ثلالث فتحات صغيرة متفرقة تحت سرتها لإدخال المنظار ،، و بتر ذلك العضو التالف بالكامل .
أحدهم يصوب نظراته على خط ذبذبات قلبها ،، نبضات مستقرة ،، وآخر يراقب معدل التنفس .. والممرضة ملقية بعقلها وأسماعها مع الطبيبة ،، تهرع لإحضار أيِّ شيءٍ تأمرها بِه بكل خفة ودقة ..
في حين أن أخصائي التخدير يقرأ جسدها ،، وأخصائي المنظار يتابع دقة الحركات لكي لا يتم إلحاق الضرر بأي عضوٍ آخر ،، وممرضان و ...
الحقيقة ،، كانوا تسعة ..
تسعة أشخاص في أوج تركيزهم التام على هدفٍ واحد وحيد وهو إبقاء هذه المرأة حية .
_____________________________
12 : 30 pm
^ كم يضحكني هذا العالم بحق ..
كيف أن يتواجد في نفس الزمان والمكان أناس يبنون المستشفيات ويدفعون وقتهم في تعلم الطب أو كما أسميه : تعلم إبقاء الجنس البشري على وجه الأرض لفترة أطول
سنوات وسنوات ليتعلموا خبايا الجسم البشري ،، ملايين الكتب المؤلفة وآلاف الحروب الضارية مع الأوبئة والأمراض !!
فقد لإبقاء الأرواح في الأجساد لأطول وقت ممكن ..
بينما هناك أناس ينهونها في - لحظة - بكل سهولة .
يال منزل الجد أوس ..
إنه كالجحيم رغم نوافذه الفرنسية ،، فالإختناق فيه وارد محتوم .. إنه مَوْلِد الضحايا ومصدر الصرخات ..
و ستكتفي فقط بعجزك التام عن تفسير الأهداف وراء كل هذه الفوضى !!
منزل تنسجه عتمتة يفوح منها جثمان الحزن الملقا في كل ركنٍ وموضع ..
لم يسترح أحدهم يوماً فور دخوله إياه ،، بارد صلد الأرضيات .. فما إن تدخلْ حتى تشعر بالجدران تلفظك من فرط ما رأت جرَّاء شرِّ زائريها !!
وككل ليلة ،، لم أسطيع الرقود إلى مضجعي حتى بعد العودة من المشفى جريحاً .. ^
على سريره المجاور للحائط حيث جلس وسكن ،، لكن عقله لا يزال يدور نفس المسار مجدداً ،، أسئلة بلا أجوبة !!
عينان تنظران في حيرة وفراغ ،، تهوي بعض خصلات شعره القاتم لتلامس أطرافها قطرات العرق البارد فوق جبينه ..
بضماض أبيض حول عنقه .. وليس هذا فقط ،، بل قد حظي أيضاً فوقه بجبيرة ثقيلة تطوق عنقه إثر تضرر أحد الفقرات ،، والتي كادت بالفعل تنكسر !!
ليت والدته هنا لتطيب جرح رقبته الدامي ..
لكنها رحلت ..
وتلك التي تشبهها ترحل أيضاً .
أجل إنها تشبهها ..
لم يستطع إنكار ذلك لحظةَ رؤيتها لأول مرة ..
نظر إلى كفيه في شرودٍ حزين يتذكر أول لقاء ..
وكيف دقق بإمعان في أنفها وسحنة وجهها ليجد بين جنباته ريح أمه ..
وتلك الضمة التي سحبت أنفاسه تباعاً من صدره ،، فبات يغرق في حضنها مع اختناق لذيذ .. وما كانت لتكون بهذا الدفئ لولا وجود قلبٍ أبيض راقد بين ضلوعها .
" تامر "
رفع رأسه بسرعة ليجد والده بوجهه الحزين يتقدم نحوه .. يسحب كرسياً صغيراً ويجلس قربه حتى تلمس ركبتاه ملائة السرير ..
كان يطبق شفتيه عند كل حرفٍ مطبق ويشير بسبابته بلومٍ قائلاً " أخبرتك ألا تقحم ذاتك في أي لعبة .. "
^ لعبة !! ^
أكمل ساخطاً " إنظر إلى ما آلت إليه الأمور !! إنظر إلى رقبتك !!
يجب أن تتوقف عننننن .... إدخال يدك في حوض الدماء هذا ،، لأنك لن ... تجد غطاء بالوعته فهو لعنة " أمعن التحديق في عينيه المسحوبتين أكثر بهمس" إن تجاهلت ،، فستنجو "
" أبي " قالها بحزم " أيعني التجاهل أن أدع إياد يموت ؟!! أو أن أترك إيميلي في تلك الحالة المزرية ؟!! " يأخذ نفساً خفيفاً مسرَّاً " أنا لست مثلك ،، ولن أكون كذلك فلا تحاول .. فكل محاولاتك هباء "
اغمض أيمن عينيه ،، يتنهد لعل الهواء المارَّ إلى رئتيه يبرد حريق صدره .. لقد كاد ابنه تامر قرة عينه يموت بسبب كونه يافعاً لا يفهم مجرى اللعبة كما يدعي والده ..
لكن لن يستسلم والده عن محاولة ردعه ..
" اسمعني ،، تامر .. " ربت على ركبته بحنان أبوي
" أنت ابني ،، أغلى ما أملك في حياتي .. ولن أسمح بفقدك كما فقدت والدتك
فرجاءً إن رأيت أحدهم يحترق ،، يموت ،، يسقط يتمزق أو أي شيء .. فلا تتدخل "
أجاب والده بانفعال " يسحيل أن أترك إيميلي بهذه الحالة بغية تجنب المشاكل ،، لقد كانت في حالٍ يرثى لها ،، مغطاة بالدم .. إنها جريمة متعمدة "
" ليست كذلك " قاطعه والده وبقوة " لقد تخلصت منه لتتخلص من العار .. ويكون لها الحق في الحصول على أموال والدي ،، وليس كل حدث يحدث " يهز رأسه ويدور عينيه باستهزاء " تقول أنه مدبر "
علا صوت تامر " لقد حضرت التفاصيل بعيني هاتين يا أبي .. " مشيراً إلى عينيه بإصبعيه " هذه العدستان السوداوتان شهدت كل شيء .. محاولة قتل إياد ،، وخطف شقيقته .. وإيملي كل ذلك شاهدته .. "
ضحك والده ملأ فمه " إياد !!! " تابع ضحكته التي ملأت أركان المكان يردد " إيااد !! "
لقد احمرَّ ضحكاً ووضع يده فوق بطنه ..
" لمعلوماتك ،، إياد مراد ..
أقذر
أخبث
ألعن
مجرم في هذه العائلة "
انتقل ليجلس بجانب ابنه على السرير وأكمل يرمقه بثقة لعله يُميل قلبه وعقله " وآدم ،، هو ذاته إبليس .. محرك الدفة ..
هاذان الشابان محتالان وأعلم أنك ستقول كيف وإياد هو الضحية !! " ابتسم بخبث " قد تكون مجرد مسرحية مركبة ،، أو أسوأ .. قد يكون الضحية بالفعل وهذا يعني كارثة ..
لأن إياد لن يسكت وسيرد بضربات قاضية بمساعدة الشيطان الرجيم آدم ... "
" أبي " رفع يده في وجهه " رجاءً ،، لا أحب أن يكون الحديث مجرد توقعات غير مثبتة ... يستحيل أن يكون إياد هو من يؤذي نفسه ،، وآدم لن يقدم على إيذاء شقيقته ..
لقد أُوصِد الباب قبل أن أخرج بلحظات ..
كان المجرم يعلم كل شيء ،، التوقيت .. وحالتها ،، وكان يعلم بوجودي في الداخل .. "
أنصت أيمن لولده باهتمام كبير ،، وكأنه للتو التقط كل هذا الكم من المعلومات ..
" ... حتى أنه يا أبي عندما صعدت مجدداً تفاجأت بالباب غير موصد ودخلنا بسهولة !!! "
" إذاً من قد يكون الفاعل ؟! " ضحك " أنا ؟! .. أجل هذا ما ينقصني ،، فقد أصبحت أنا المجرم في نظرك وألقيتَ أنت بعقلك في ملعب آدم وإياد "
" أنا لم أغفر لك ذلك الكسر العنيف الذي افتعلته داخلي ،، كطبيب خان مهنته ...لكن لا أظن أنك بتلك الوحشية "
أخرج أيمن حرارة أنفاسه يربت على كتف تامر برفق مصطنع " تامر ،، يجب أن تعرف شيئاً .. أنني بالفعل لم أكذب بشأن النبض ..
لأنني لم أتكلف سماعه أصلاً ،، لقد خمت فقط ..
هذه حرب ونحن يجب ألا نكون طرفاً فيها ..
لو أنك تركت إياد يومها يموت ،، لكان أفضل .. لأن
الحرب
ضد
إياد وحده . "
نظر نظرة استفسار مضيقاً عينيه " لمَ إياد ؟! وما علاقة إيميلي بهذه الحرب ؟!! "
" من أجل أموال والدي "
" أرجوك أبي توقف عن هذا ،، ما العلاقة بين إياد وأموال الجد ؟!! إنها كالعلاقة بين اللون الأسود والأصفر !!"
سكت الوالد ليفكر قليلاً ..
" إياد .. رجلٌ ذكي ،، ولعله سيشكل عائقاً لأحدهم في سبيل الحصول على المال والسلطة .. ربما "
" لا .. لا أوافقك ،، فحتى لو كان كذلك لما التجأ الفاعل إلى محاولة قتل بل سيكتفي بإبعاده فقط وما أسهل ذلك "
أغلق الوالد فمه ..
ربما لأنه لا يريد البوح بشيء أو أنه لا يستطيع التفسير حقاً !!
لكن شعوراً لحظياً خالج تامر آن ذاك .. أن والده يجاهد محاولاً عدم الإفصاح عن أشياء دفينة في غرفات قلبه !!
ربما ..
وربما لا ..
قام السيد أيمن من مكانه يرمق ابنه بغضب ،، لقد حذره مراراً وتكراراُ .. اليوم جرح ،، وغداً أسوأ ..
______________________________
وبعد تحديقة تحذير قصيرة ،، غادر أيمن الغرفة ساخطاً على ابنه .. تضرب خطواته الأرض بغيظ .. يعبر الرواق تلوَ الرواق ..
يحفظ الممرات المتماثلة بأعجوبة نحو اليمين ،، فاليمين فاليسار .. حتى يصل إلى بابٍ أبيض عريض وخشبي ..
يقف أمامه واضعاً يديه خلف ظهره ..
إنها غرفة أخته إيملي ،، ضحية اللعبة ..
حرَّك المقبض النحاسي ودخلها ،، لقد نظفوا كل شيء وعادت الغرفة مشرقة ..
إنها فقط تلك المنشفة وبعض الثياب التي لا تزال مرقعة بآثار الدم حتى بعد غسلها ..
تغلغل في الغرفة أكثر ،، وعبر فوق السجادة نحو السرير ..
إنه يبحث عن غرض ما بالتأكيد ،، فقد بدأ ببعثرة المكان ؛؛ فألقى البطانيات وأزاح الطاولات ..
فتح الأدراج جميعها ،، ثم الحقائب الكبيرة ..
حتى وصلت يداه إلى حقيبة التركواز ..
فقلبها على السرير بسرعة وجلس ،، قد أخرجت كل ما تحويه ،، من محفظة ،، جواز السفر الألماني الأحمر ،، حلوى وأدوية ..
^ أجل .. ^
كيس الأدوية !!
هناك حبوبٌ غامقة ،، إنه حديد ..
وحبوب أوميجا 3 الصفراء الجيلاتينية ..
وهذه التي في العبوة ،، أفرغها جميعها حبوب بيضاء دائرية ..
" إنها فيتامينات حمل "
" أبي !! "
خطف أيمن نظرة متوترة نحو الباب ،، ثم ابتسم ..
" اوء ... اوووه مروان عزيزي "
حاولت يداه إخفاء ما يفعل ،، لكنه لم يستطع تحريكها من فرط التوتر .. ليكمل مروان تساؤله ..
" ماذا يجري في المنزل ؟! وأين خالتي وما بال عنق أخي ؟! "
وقف أيمن وتنهد بثقة ،، يتجه نحو ابنه مغلقاً أضواء الغرفة فالباب ،، ومن ثم يصحبه إلى غرفة نومه يتحدثان .
تاركاً الادوية والأقراص البيضاء مبعثرة على السرير ،، يُسقِط القمر ضوءه عليها فتثير الظلال فوق البطانية ..
أيعقل أن تكون هي سلاح الجريمة ؟!
ماذا كان يفعل أيمن ؟!
هل دسَّ الفاعل حبوب الإجهاض بينها ؟!
_______________________________
لكان في غاية اليسر عليه أن يفعل ويدسها إن كان هو نفسه السفاح المتسلل ،، والذي أصبح يشتهر بأن ضحاياه يظهرون كما لو أنهم قتلو أنفسهم ومزقوا أوصالها بأيديهم ..
بالفعل إنه كالجذام ..
صدح همسٌ في جوف إياد ..
^ لم يترك دليلاً ..
ولا أي دليل ..
لا شعرة ،، ولا بصمة ..
تسلل ..
كيف ؟!
كيف دخل ولم يقاومه أحد ؟!!!
وفي وضح النهار ..
كالشبح اخترق الجدران ،، وكالشيطان تلبسهم فأنكما قتلوا ومزقوا بعضهم بعضاً وابتلع أرواحهم !! ^
فتح عينيه الزمرديتين على مصرعيهما فجأة !!!!!!!
وبدأ قلبه يدق طبول الحرب ..
فَزِعت والدة إيملي منه إذ قفز من مقعده المعدني مهرولاً إلى آخر الرواق يتجنب المارة بدقدقات كعب حذائه ومشيته المهيبة ..
تزداد سرعته خروجاً .. يفتش عن هاتفه الخلوي داخل جيوبه السوداء أثناء سيره ،، وها هو يخرجه مجتازاً البوابة ،، تتسابق خطواته نزولاً على الدرجات القليلة ..
إلتجأ إلى موقفِ السيارات أمام المشفى ..
فارغ لا يحوي سوى الفراغ .. لقد انفض جمع السيارات الغفير هنا فقد انتهى استقبال الزيارات منذ أمد ،، ينهض واقفاً على رفات السكون عمود إنارة ،، يتجه إياد نحوه جاعلاً أصفر نوره سقفاً له ..
وقف .
وأوقف تسارع أنفاسه ..
يمسك هاتفه في قبضته المتدلية ،، ويغمض عينيه لوهلة !!
رياحٌ خفيفة ..
لا أصوات لسيارات ،، أو مارة ..
لا مواء ولا عواء ..
أسرَّ في نفسه ..
^ جيد ^
أعاد الكشف عن قزحيته الملونة ،، لتتسع عدستاه ثم تضيقا مجدداً بسبب الإضاءة الخافتة هنا .. وفي هذه البقعة الخالية بالتحديد ..
سارع واتصل بآدم قبل أن ..
يُقتَلَ أحد آخر !!!
" ألو آدم ؟! "
أجاب " نعم "
صمت إياد وأطبق شفتيه !!!!!!
وعم السكون ،، والسكوت لمدة ٢٠ ثانية ..
تعجب آدم فقد ظنَّ أنه اتصل ليطمئنه او ..
" ماذا هناك يا إياد هل- "
" صه "
همس بها !!
وظل الصمت يسود حتى مرور ٣٠ ثانية أخرى !!
وإن نظرت إلى وجه إياد لوجدت ملامحه مُغَيَّبة تماماً وضائعة وسط محيطٍ مظلم !!
تمر النسائم ،، وبعض السيارات ..
ثم يصرِّح بقلق شديد " آدم .. إبقَ في المنزل لدي شعورٌ سيء أن يستغل السفاح مغيبي ويقتل أسرتي "
أجابه آدم بصوته الراسي " حسناً ،، لا تقلق سأظل متيقظاً "
" وإيمي بخير " تنهد " .. الآن إلى اللقاء "
وأغلق الخط بسرعة ،، لكنه أسرع أكثر في طلب الرقم التالي ألا وهو رقم ..
" تامر !! "
فتح عينيه بصعوبة بالغة على صوت إياد الصادر من هاتفه .. القى نظرة على الوقت ،، إنها الواحدة بعد منتصف الليل !!
تثائب " ماذا ؟! "
خرجت كلمات إياد منظومة برصانة ..
" استيقظ .... وضع كاميرات المراقبة على طول الرواق "
تفشت في جسد تامر قشعريرة جعلت عيناه تنفرجان بقوة ،، تهتزان رعباً وتساؤلاُ مع كل كلمة ينطقها إياد .. " أسرع ،، وضع كميرات مراقبة عند الأبواب ،، النوافذ وقرب السلم على طول الجناح بأكمله "
" أين قد أجدها ؟! " قام بصعوبة بالغة من مضجعه إذ الجبيرة تلف رقبته فتجبره على رفع رأسه قليلاً ..
أجابه إياد بصوتٍ واضح صريح " هناك اثنتان عند مكتب جدي ،، في نفس الجناح حاول نقلهما أو تغيير زاوية الرؤية .. "
انطلق تامر على عجل يتخبط في الظلام بين سريرٍ وطاولة وكرسي .. حتى تصل قدماه إلى باب الغرفة ..
" تامر ،، أتسمعني ؟! "
أجاب بحروفٍ مجلجلة " أ أج أجل أنا لا أعرف م الجبيرة تعيقني حقاً "
دلَّكَ إياد جبهته بإصبعيه تتسارع يحاول كبح غضبه ..
وبكل هدوء ،، يسير تامر في الوراق المعتم إذ تنعكس بعض الأضواء الخافتة على ورق الحائط المزركش ..
تسائل " لا أتذكر .. أين قلت ؟ "
أسرَّ إياد ..
^ سيموت .. بهذه الطريقة سيموت حتماً ^
أخذ نفساً خفيفاً ..
وصرخ بأعلى قوته " هل صحوت بالفعل ؟!!! قلت مئتي مرة قرب مكتب الجد قرب مكتب الجد قرب مكتب الجد ،، أنت معي ؟! "
ارتبك تامر بشدة وتصلبت خطواته في منتصف الردهة بين الأبواب العديدة ،، لماذا يوقظه في هذا الوقت لفعلِ شيءٍ كهذا وبهذا التوتر ؟!!
بهدوء تسائل" ل- "
خرق دوي صوت إياد أذنيه " لا تجادلني استعجل وإلاَّ ستتمزق " ثم أغلق الخط تاركاً إياه في حيرة من أمره متخبطاً بين أسئلته وخوفه المُلح ..
^ أُمَزَّق !! - تأفف - ياله من أمريكي وقح ^
اقترب من مفتاح الضوء بروية ..
وأشعل أضواء السقف المتتالية على طول الرواق ،، فأنارت كل شيءٍ وكشفت حجاب الظلمة .. ليبين السكون ،، والأمان ..
الكل نيام وأحدهم يُسْمَع شخيره العالي فيبعث في نفسه النعاس ،، يتثائب متجهاً نحو غرفة مكتب الجد بخطوات متأنية ،، فقد أدركت عيناه الكامرتين بالفعل على جانبي مدخل المكتب ،، تسجلان اقترابه البطيء نحوهما ..
مد ذراعيه نحو أحديهما ،، قد عاونه طوله الفارع في الوصول إليها وفحص طريقة تثبيتها .. إنها مثبتة بإحكام في الحائط ،، خمس براغي صغيرة الحجم تحتاج مفكاً بحجم صغير جداً !!!
" تباً ،، لمَ أطيعه أصلاً ! "
إن نزعها شبه مستحيل ..
أمسكها بكلتا يديه ،، كالكرة البيضاء تبدو ،، تتوسطها عدسة سوداء تعكس الممر المضيء بأكمله ...
حدقت عيناه في انعكاس الممر بينما يهزها برفق ،، تعكس وجهه وعجز ملامحه ...
^ أجلل .. يمكنني نزعها ربما .. - يحركها أكثر - هكذا ،، وهكذا و - ^
أُخطتفت أنفاسه فجأة مع مرور نسمة سريعة !!
لم تكن نسمة ..
أجل لم تكن نسمة ..
كان شيئاً ما أسود مرَّ بسرعة البرق بمحاذاته !!
شيئاً ك ..
كشيطان !!
أنزل تامر يديه بهدوء ،، ونظر عن يمينه ..
ثم عن يساره ..
وألقى بعينيه إلى أول الرواق ..
ثم إلى آخره ..
لقد شعر - بقبضة - تعصر قلبه بلا أدنى سبب ..
لكن أنفه يشتم رائحة الخطر رغم السكون العميق في الأرجاء !!
الممر ساكن وفارغ وشديد الإنارة ،، ورغم ذلك ارتعشت يداه بينما ينزع الكاميرا من مكانها بسرعة هستيرية !!!!
العرق يسيل على وجهه مختنقاً بالجبيرة ..
^ ما الذي مر بجانبي ؟!!
م ..
ما الذي مر ؟!
ما الذي حدث ؟!!
- يكسر الكاميرا منتزعاً إلياها -
يجب أن أراه ^
يركض نحو غرفته .
_______________________________
على الجانب الآخر ..
صعد إياد عدة خطوات عائداً إلى داخل المشفى ..
يعلو وجهه عبوسٌ مخيف يُرعِد كل من يلقاه فيفسح له الطريق ..
كان يسرع متجاوزاً الموظفين والممرضات وما يحملنه ،، لا يأبه إن كاد يتسبب في سقوط أحدهم فكل تكيزه كان على صوتٍ واحد وهو صوت جرس الإنتظار ..
ليجيبه بكلل " نعم إياد "
" آدم .. هل الجميع بخير ؟! "
أجابه بصوتٍ مبحوح " أجل "
" أنا في طريقي إلى المنزل "
أغلق الخط بسرعة ،، إنها عادته السيئة يقول ما يريد قوله ثم يكتم الأفواه !!
يمر بين الغرف والأقسام ،، حيث المكان شبه فارغ والجميع ساكن الصوت والحركة إحتراماً لقدسية الليل ..
لقد قادته قدماه بسهولة نحو مقاعد الإنتظار ذاتها ..
تلك التي يتقصدون جعلها غير مريحة بالمرة لكي لا تطيل الجلوس عليها ..
فهي بحق باردة وقاسية ،، لا يمكن وصفها سوى أنها أداة للتعذيب تزيد الطين بلة .. يتفحص صفوف المقاعد فيلمح جدته والدة إيملي واقفة مع الطبيبة ..
تبكي وتبتسم في ذات الوقت !!
شَعَرَ بنسائم الفرح تهب به فتجفف عرق قلقه .. ليتجه نحوهما بشيءٍ من الهرولة ،،تقابله الطبيبة بذات الوجه العبوس ذو الخدين الذائبين والشفاه الدقيقة ..
" مبارك سيد إياد "
ابتسم ..
برزت صفوف أسنانه وانبعج الجلد على جانبي عينيه مفتعلاً تجاعيداً مموجةً تجمع بين رشدٍ وبراءة ...
وبعينين لامعتين شوقاً تحدث كطفل " أيمكنني رؤيتها ؟! "
ابتسمت الطبيبة إذ رأت الشوق لامعاً في عينيه ..
فأشاحت بوجهها " إنها في قسم الرعاية .. استيقظت وبصحة جيدة لكن لا أعلم إن كانوا سيسمحون لك ب- "
تركها خلف ظهره متوجهاً نحو بابٍ أزرق بعرض الحائط كُتِبَ عليه قسم الرعاية .. دفعه فأسرعت إليه الممرضة ..
" سيدي ... سيدي " هرولت خلفه " يمنع للرجال دخول هذا القسم سيدي "
تابع السير متجاهلاً إياها ،، في طريق طويل عريض معتم ،، على جانبيه غرفٌ مضيئة أحد حوائطها زجاجية .. حيث يظهر من خلالها أجساد مستلقية مغطاة بعناية ،، المحاليل وأكياس الدم معلقة بقربهم ..
إنه أشبه بمعمل تجارب !!
ظل يبحث بعينيه عن جسدها الضئيل تلحق به الممرضة ..
" سيدي أرجوك استمع إل "
إلتفت فجأة ..
فسكتت من فورها في ذهولٍ وخجل ...
" أين إيمليا ؟! "
عقدت أصابعها معاً ،، واحمرت خجلاً ..
" سيدي هذا ليس موعد الزيارة "
لتظهر من خلفه ممرضة عجوز سمينة جهورة الصوت .. " ما الذي جاء بهذا الشيء هنا ؟!!! "
التفت نحوها بنظرات استنكار " الشيء ؟!!! "
تواقحت قائلة " أجل أيها الفحل ،، ألا تجيد القراءة ؟!! إنه قسمٌ خاصٌ بالسيدات فقط "
نظر إليها بعجرفة يضحك " ولما أنتِ هنا إذاً ؟!! "
" السؤال لك "
ضحك ضحكة بقهقهة خفيفة " أنا لن أغتصبهن "
عبست أكثر في وجهه " هيا تفضل بلا مطرود "
ابتسم في وجهها مشيراً بسبابته " أتعلمين .. تعجبني رجولتك " إلتفت إلى الأخرى " أين إيميليا ؟! "
ارتبكت مشيرة إليه إلى أحد الغرف المضاءة هناك على جهة اليمين ،، واحد من حوائطها زجاج سميك شديد الشفافية لتبدو الغرفة كحوض سمك عملاق ..
وذهبت الأخرى لتشكي إلى الطبيبة بغيظ ..
سار إياد ليمتد صوت كعبه أرجاء الممر المعتم حتى ترائت له عن قرب ،، متمددة على سريرٍ آلي موضوعٍ بشكلٍ أفقي ،، تصحبها عدة أكياس متدلية على جانبيها ..
أحدها يحوي الدم ،، وآخران ممتلئلان بمحاليل بيضاء .. يخرج من كل كيسٍ خرطوم دقيق يتصل بكلتا ذراعيها ...
وضع كفه بأصابعه الخمس على الزجاج متمعناً في حالها المزرية ،، يرخي الهوان اطرافها .. قد سلمت كل قواها لخالقها فهو الوحيد القادر على إعادة الروح إلى هذا الجسد ..
تعلقت حدقتاه اللامعتان بها تحويان الشغف ،، كم يشعر بالأسى على تلك المسكينة .. لقد فقدت كل شيءٍ دفعة واحدة وأعيدت إلى الحياة كي تتعذب أكثر بهذا الفقد ..
وقفت بجانبه والدتها تتسائل
" أهي مستيقظة ؟! "
اطال إياد عنقه وأنزل مقلتيه فلربما يعاين شيئاً من حركتها ..
وبالفعل ،، لم يخيب الإله رجائه ..
فحركت رأسها بثقل مستديرة نحو الجانب الآخر ..
وانزلت مقلتيها ببطء إلى قدميها ،، حيث الجدار الزجاجي واثنان يقفان لم تدرك من هما ،، ولم تستطع رؤية الشوق في عينيهما !!
كانت شفتيها شديدتا العبوس ،، لكن الله حجب عبوسها بجهاز التنفس الصناعي الذي لم يكن يزيدها سوى اختناقاً ..
ضمت والدتها يديها إلى قلبه واستدارت نحو الطبيبة بدومعٍ ترجوها " أيمكنني الدخول ؟! "
كانت على وشك الرفض ،، لكنها رأت عبراتها فابتلعت الألف واللام بمشقة واستبدلتها بابتسامة جميلة ..
" يمكنك أخذها غداً باكراً ،، فالغرفة بأكملها معقمة لا يمكن الدخول " إلتفتت نحوها " إن جسدها هزيل ،، لكنها تحارب لتبقى على قيد الحياة رغ- "
لم تستطع والدتها حبس دموعها أكثر من ذلك ..
فانفجرت في البكاء مخفية وجهها بكلتا يديها المتجعدين ،، تأن بتوجع وكأنها تتألم عن ابنتها .. فيحيطها إياد بذراعيه ضاماً رأسها إلى صدره ليختتم هذا اليوم الطويل بأناتها .
___________________________
مكالمة الساعة الثالثة فجراً
الرنات متتابعة من هاتف تامر اتجذبت أسماع السيد أيمن ..
قد أتم وضوءه بمرفقين مبللين يجفف بالمنشفة ..
إذ كاد الإهتزاز والرنين معاً يثيران حنقه .. فليس من الذوق الإلحاح في الإتصال بهذا الشكل المبالغ فيه الساعة الثالثة فجراً !!
انتظر قليلاً لعل المتصل يدرك خطأه ويتوقف ،، وبالفعل توقف هاتف ابنه عن إثارة الضجيج ..
يعلق المنشفة البيضاء ،، وما إن يخرج من دورة المياه حتى يعود الرنين مجدداً ليملأ أرجاء المكان ويكسر السكون ..
غضب الوالد أيمن واتجه نحو غرفة ابنه ..
من ذاك الذي يجرؤ على بعثرة الهدوء في غرفتة ابنيه ؟
أسرع بخطواته نحو باب الغرفة النصف مفتوح ..
يهم بالدخول ف-
" ألو .. "
يتوقف فجأة قرب الباب ليسمع ما سيدور من حديث بتمعن ،، يلقي بمسامعه إلى الداخل ساحباً ظله وحسيسه إلى الخارج .. مطلقاً آذانه في الجدران ..
" أجل أنا بخير .....
لقد انتزعتها ،، كما طلبت .. سجلت شيئاً مرَّ ولم أستطع رؤيته .. المشكلة " ينظر إلى الكاميرا بجانبه " أظن أنني كسرتها "
يتلقى سَمع أيمن المصغي صوت الطرف الآخر ..
غير واضح أبداً مجرد نبرات قوية طافية بهدوء تأمر وتفسر .. فيستقبلها ابنه بتكرار " اها .. اجل .. حسناً فهمت "
موافقة وموافقة وقبول .. لمن وعلى ماذا ؟!!!
أثارت الجملة الأخيرة القلق والشك في قلب أيمن ..
إذ طلب تامر " الموقع .. أرسله لي "
ظنَّ أيمن أنها نهاية المكالمة .. لكن المتلقي بدأ يتحدث مطولاً ويسرد سرداً طويلاً مفصلاً عن شيءٍ ما .. وابنه يكرر " ممم .. اها "
لقد اتقد الفضول في الوالد أيمن فاقترب أكثر من الباب ملصقاً أذنه به ..
لكن عينا تامر لمحت ظله !!
لقد خالجه شعور أنه مراقب منذ البداية ..
فأنهى المكالمة بقول " حسناً إلى اللقاء "
وأغلق الخط ..
وعندما اتضح لأيمن أنه أغلقه ،، رحل متراجعاً عدة خطوات إلى الخلف .. ثم تابع باعتدال نحو الأمام محاولاً قدر الإمكان اخفاء صوت خطواته إلى ..
إلى أين ؟!!!
وبينما الشمس تشرق على الأقراص المبعثرة فوق السرير .. تخطف يده واحداً منها ،، ليتجه نحو الخادمة في الأسفل ..
إنها السيدة أمينة ..
اعتادت كل فجر أن تتوضأ وتصلي ثم تقوم ببعض الأعمال ،، كري نباتات الزينة والتنظيف وتحضير مكونات وجبة الفطور ..
إذ مسحت العرق عن جبينها عدة مرات أثناء عجنها للعجين ،، أبيض طري ومتماسك .. تمده على الطاولة الخشبية في المطبخ ثم تضع في قلبه الجبن ،، وتلفه ببراعة ..
تفعل ذلك بكل نشاط وحب ،، تتذكر البركة التي حلت عليها مذ دخلت هذا المنزل وحصلت على راتب عالٍ أعانها كأرملة مكسورة الجناح ..
لقد كانت شاردة فيما حدث بالأمس من مأساة ،، وكيف لمنزل هادئ آمن مثل هذا أن ...
تتذكر منظر الدماء في الغرفة مصغية إلى لحن الشروق الخفي ..
ليفاجئها ظهور وجهٍ غاضب قُبالها !!
انتفضت " بسم الله "
وعندما تعرفت عيناها على صاحب الوجه ..
وضعت يدها على قلبها تتنهد بهدوء " سيد أيمن لقد أفزعتني "
" أعتذر "
تخير كرسياً خشبياً طويل الأقدام مستدير المقعد ،، وجلس " لقد كان يوماً عصيباً "
وافقته وأكملت عملها ..
" هل لاحظتي السيد إياد بالأمس ؟! أكان هناك شيءٌ مريب ؟! "
تركت العجين ،، ووقفت في شرودٍ تدعك جانب جبهتها ..
" لا إنه - حفظه الله - شابٌ لطيف ومهذب "
أعاد السؤال مجدداً ..
" ولا أي شيء ؟!! ألم يقترب من الجناح الأيسر حيث غرف نومنا أنا والولدين ؟! "
قالت " بلى "
اعتدل في جلسته بظهرٍ مستقيم يعيرها الإنتباه ..
فأكملت " بعد أن جلس مع الجد قليلاً ،، خرج ،، وطلب مني كرسياً قصيراً .. "
أنفضت يديها من الدقيق " أحضرته له ،، فوضعه قرب أحد المكيفات قرب غرف نومكم ..
فوقف فوقه ووضع شيئاً بين موجهات الهواء البلاستيكية ،، وفور تثبيته أصدر صفيراً خفيفاً ..
نظرت نحوه بتعجب بينما ينزل من فوق الكرسي ..
فأمرني بعدم إزالته لأنه سيجعل الهواء الصادر أفضل .. "
قام من مكانه فوراً " أين ذلك المكيف ؟! "
تقدمته لتأخذه إلى هناك على عجل فقد بدى في غاية الإرتباك !! إذ اصطحبته عبر الأروقة لتضع أمام مكيفٍ ،، يصدر بعض الضجيج الأشبه بصفير خفيف .. بسبب شيءٍ ما مثبت بين فتحته !!
اقترب ومد يده ،، ليزيل قطعة كرتون مطوية على شكل مثلثات الأكورديون !!!
ولم يكتفِ بذلك ،، بل غاص بيده للبحث عن كاميرا أو مسجل صوت ،، إلاً أن ما أثار فزع أيمن هو قول السيدة ..
" ثم بدأ بفعل نفس الشيء مع المكيفات على طول الرواق وعند التكييفات المجاورة للنوافذ ..
لقد أخبرني أنه معندي ويعرف التكييفات ،، وأن هذا سيجعل المنزل أفضل .. "
ابتسم باستخفاف " يبدو أنه خدعكِ ووضع كاميرات مراقبة "
وافقته " شكتت في ذلك ،، لأنه كان يستغرق وقتاً في تثبيت الشيء .. ثم يرفع هاتفه نحوه ويتمعن فيه .. "
" حسناً ،، خذيني إلى بقية المكيفات "
وبالفعل أخذته إلى ما استطاعت تذكره منها ..
ورغم كونهم خمس مكيفات فقط ،، إلا أن ذاكرتها الهشة استطاعت تذكر ثلاثة منهم فقط ..
وليس هذا فقط ما أثار حنقه ..
يلقي بقطعة الكرتون الرابعة مع مثيلاتها بعنف في القمامة صارخاً " إنه يعبث معي "
ويركل الحاوية البلاستيكية بعنف ..
فيهمس صوت تامر في الهاتف محتمياً خلف أحد الجدران ..
" أجل لقد ألقا ثلاثة منها . "
____________________________
يكفي عبثاً ..
إن هذه اللعبة تتخذ مساراً أخطر من البداية ،، فقد بدأت جميع الأطراف باللعب على إثر لعبة ما في حلبة المعركة المجهولة !!
بالطبع لقد بدأ إياد خطته المضادة .. في صراعٍ مع سفاح مجهول الهوية يتربص بالجميع ..
لا يمكنك تخمين ضحيته التالية كما يقول إياد ..
ومع ذلك يظن ..
" أنك التالي يا تامر ،، لأنك حضرت الجريمة ،، ربما يظن أنك تعرفت عليه ..
تامر ..
يجب أن تحذر فالشخص الذي نواجهه معاً ،، إما أنه سفاح أو لديه من السلطه ما يجعله يرسل السفاحين ...
لقد وضعت في أجهزة التكييف فخاً صغيراً لمعرفة من هو .. ولا أعلم إن كان سينجح أم لا "
____________________________
متجهاً نحو المشفى الساعة الثامنة صباحاً .. يدٌ على المقود وأخرى تحبس بين الإصبعين سيجارة ..
يفكر بعينين جمعتا حمرة السهر والإرهاق مع حمرة الدوخان ... يفكر وستحيل أن يوقف التفكير ..
^ ..... ولا أدري ما الذي يدور في رأس أيمن ،، ومن هو فاروق .. ولؤي أهو بيدق على الرقعة أم لا ؟!
كل ما أعرفه أنني يجب علي تصويب سهمي المميت في قلب السفاح بعد أن أستنفذه - ينفخ دوخان سيجارته متجهم الوجه - فأنا ،، واثق من أن ما فعله بتلك العائلة ..
سيفعله بنا إن لم نعطيه ما يريد .. ^
أدار المقود نحو اليمين ،، دخل بوابة المشفى إلى موقف السيارات خيث التجمع بات غفيراً .. يخرج ومعه حقيبة مليئة بالثياب الخاصة بخالته معلقة على كتفه ..
سار نحو المدخل يسحب صدره الهواء بمشقة ،، فالنعاس يغلبه لكن الشوق لرؤيتها يدفعه نحو الأمام ..
في ذلك الوقت كانو قد اقتادوها إلى غرفة أخرى بعد أن تحسنت ،، ووضعوا لها طعاماً وفيراً ليتقوى جسدها فأدارت ظهرها له برفض ..
يفترش شعرها المموج الفراش ،، ترتدي ثياباً واسعة قبيحة معقمة وتخفي جسدها تحت غطاءٍ خفيف ..
ورغم أنها كانت عابسة ،، متلبدة الملامح وصامتة معظم الوقت .. إلاَّ أنها اعتدلت بعد خروج جميع الممرضات من الغرفة ،، وبدأت بإلتهام ما وضع لها من طعام وشراب ،، بل تجرعته رغماً عنها ..
إنها تجبر معدتها على احتوائه لكي تعيش ،، فتحشو فمها به وتمضغ تمضغ بحركة سريعة ساخطة .. قد تبعثر شعرها وامتلأت عيناها حقداً !!
تقبض بيدها الطعام وتقحمه داخلة فمها مرة تلوى مرة دون رحمة ..
فكادت تتقيأ من فرط الإجبار ..
سعلت واختنقت ،، فأنزلت رأسها وانسدل شعرها المموج على الجانبين .. تقع بعض الفتات الرطبة من فمها أرضاً فتشعر ببوادر التقيؤ ،، لتتفاجأ جميع الممرضات في الخارج بصوت تحطيم وتكسير داخل غرفتها ..
فيهرعون إليها ليجدو الغرفة مبعثرة ،، تملأ أرضيتها قطع الطعام وتنتشر .. قد انقلبت الصينية وأدوات الأكل وانتزع محلولٌ من مكانه ..
فركضوا نحو الفراش ليروها على جانبه الآخر جالسة أرضاً تصرخ ،، تبكي و تلعن الحياة .. لقد أصيبت بانهيارٍ عصبي جراء ما حدث لها ..
" .... ونوبات العنف والإنهيار أحد الأعراض الجانبية بعد إزالة الرحم .. " تنهدت بقلق " ربما إن دخلت أنت يا سيد إياد ستهدأ هي "
تعلقت نظراته بوجه الطبيبة بينما يشهد اضطراب الممرضات وأصوات التحطيم والصراخ ..
" هل .. أخبرتموها أن رحمها قد ذهب ؟! "
أومأت الطبيبة " لا .. إن حالتها النفسية في غا- "
" أيتها الطبيبة "
صرخت ممرضة مقبلة صغيرة الحجم بوجهٍ فزع تحاول إلتقاط أنفاسها " ل لقد .. لقد ااه يا إلهي "
وضعت كفها على صدرها واستجرت بعض الهواء
" لقد حطمت كل شيءٍ تقريباً ،، إنها قوية جداً لا يمكن للممرضات تهدئتها .. أخبرتها أن زوجها يريد رؤيتها "
قاطعها " لست زوجها "
فأكملت ' ،، ل .. لكنها ق قالت أنها لا تريد رؤية أحد ي ي يا طبيبة "
أمرت الطبيبة بحزم " إذاً أحضري الممرضين الرجال من القسم ال - "
خضع بصرها وانقطع صوتها فور إطلاق إياد لنظرة مستنكرة تحذيرية إلى عينيها .. نظرة وحش !!
حاولت الإفلات منها فطرفت بعينيها طرفة طويلة ثم أفسحت له الطريق " تصرف أنت "
فسار من من فوره في ذلك المرر الضيق يتتبع الفوضى ،، ولم تكن بالغرفة البعيدة عنه إذ تعرفت عيناه على غرفتها بسهولة ..
ذات الرقم 38
فبغض النظر عن أصوات الصراخ والتحطيم ،، كان باب الغرفة مفتوحاً والزجاج متناثرٌ أرضاً .. فاقتحم المكان ليرى محاولاتهم الفاشلة في إخماد أجيج نيرانها ..
وقف عند الباب ولم يدخل ...
رفع صوته " ابتعدوا عنها "
أُفرغت الغرفة من الممرضات ،، لكنها لا زالت تحوي التحطيم والصراخ .. لم تره إيملي أو رأته ولم تولي لوجوده أي أهمية ..
وقف قرب الباب تاركاً إياها تتخبط في مأساتها وتصرخ بأقوى ما لديها ..
تركها تنعي حظها وتبكي قدر ما تشاء ..
^ أفرغي دمعك ..
أفرغي ضعفك ..
لا تدعي للضعف مكاناً في نبضاتك أو عبراتك ..
اطلقي عيارك عالياً واقتلي ..
اقتلي ..
اقتلي الخوف وأحيي الإنتقام ^
انتظر حتى خارت قواها وجلست مفترشة ساقيها على مد الأرض ،، قد أسندت عمودها الفقري على السرير بشعرٍ منفوش ووجهٍ بلا لون ،، تنظر إلى الأمام بلا وعي ..
فيدخل الغرفة مقترباً من خلفها بهدوء ..
" إيملي " جثا على ركبتيه بجانبها ..
يمد يده بروية تتسلل حتى تمسك يدها الباردة فتضيع في حجم يده ودفئه ..
هامساً قرب أذنها تحرك أنفاسه سكون شعرها ..
" هيا نعد إلى المنزل "
لم تحرك مقلتيها نحوه ،، لكن أوتار صوتها اهتزت في مد ألف اسمه " إيااد " حدّق بها بينما يسمع حروفها المتهاوية " لقد .. قتل ابني "
^ قتل ابنها ؟!!! ^
أرجع شعرها خلف أذنها " من يا عزيزتي ؟ "
" جوزيف ..
جوزيف فيتالي "
تخدرت ملامح إياد متعجباً مما تلفظت به ..
" من هو جوزيف ف- "
" إنه طفل .. "
ضحك ساخراً " طفل ؟!! "
أضافت متجاهلة ضحكته " في السابعة ..
وجهه متحجر - رفعت يديها ببطء تشير إلى وجهها - رمادي ،، متشقق ..
- تشير إلى عينيها - عيناه منبثقتان زرقاوتان ..
- أرخت يديها - بقر بطني عدة مرات في عدة كوابيس .. "
أجابها إياد بمنطقية " أتعنين أن من فعل بكِ كل هذا ،، طفل ؟! "
إلتفتت نحوه وأومأت ب " لا "
كرر سؤاله " من هو جوزيف فيتالي ؟! "
سكتت وأطالت السكوت محدقة في نظراته الراسخة .. ليعيد قائلاً " من أين أتيتِ بهذا الإسم إيملي ؟! هل تهجم ذلك الرجل عليكِ وأرغمكِ على تناول الحبوب ؟! "
" أنا لم أره .. لكنني عندما سألت الطفل في الحلم قال ل- "
ابتلعت بقية الجملة فجأة ،، فقد وقف ورفعت مع وقوفه رأسها " إيملي ،، فلنعد إلى المنزل ..
وهناك " عد على أصابعه " أنا ، أنتِ ، آدم وتامر يجب أن نجتمع في أقرب وقت ،، لأن ما ستعرفينه لم يدخل عقل آدم بالكامل ولن يدخل عقلك ..
أنا وتامر فقط من شهدنا بعض الحقيقة .. "
ساعدها في الوقوف " لن أكذبكِ بشأن جوزيف ،، لأنه إن فعلت فالأجدر بي أن أكذب بوجود سفاح
بين أفراد أسرتنا "
انتظر أن يظهر الذهول على وجهها ،، لكنها اكتفت بوقوفٍ بطيء وحركة متهاوية نحو السرير ..
تنظر إلى يديها المرتعشتين ..
" فليعلم جيداً ..
أن مصيره على يدي . "
__________________________________
- يتبع -
# تخميناتكم .
● من هو جوزيف فيتالي ؟
● لم فعل إياد ذلم في أجهزة التكييف ؟
● ما الذي مر بجانب تامر ؟
☆ أريد أن يخمن أحدكم السفاح ولكن مع الدليل .
Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top