في غرفة مممم... ليست بالمتواضعة أبداً؛ فكلُّ ما يتمناه أي شابٍ موجودٌ بها..
يمكنك وصفها أنها غرفة من المستقبل،، فقد أُسدلت الستائر لتحجز أشعة الطبيعة.. وتوهجت الأضواء بنفسجي أزرق أحمر وأصفر.. قرب السرير الطافي صادرة من الأجهزة ووحدات الإضاءة..
جلس محمد أمام مكتبه الصغير،، ورفع قدميه فوق الطاولة يحملق في الصورة...
يضغط على أيقونة المايكروفون "يا رجل .. هذا بشع جداً ،، أهي لعبة فيديو جديدة ؟!"
- إرسال الرسالة الصوتية -
أعاد الضغط على الأيقونة "أتعرف ما يمثله هذا القناع ؟!"
دخلت شقيقته فريال حاملةً كأس عصير لتقطع تسجيله،، وحطَّت الكوب على الطاولة نصب عينيه..
تعانقت أصابع يدها بخجل "هل يمكنني أن أستعير حاسوبك الآن ؟!"
رفع إليه الكوب وأنهى العصير في شربة واحدة ولم يأبه للقطرات المتسربة منه..
تجشأ،، وعاد يحملق في هاتفه..
أخفضت فريال رأسها قليلاً إلى اليمين لينسدل شعرها على جانبها "هااي مرحباً أنا أكلمك"
تفقدها بنظرات سريعة متسائلة..
فتحركت عينيها في كل مكانٍ بتوتر "هأ هلا تعيرني حاسوبك لو سمحت ؟! أريد أن-"
سكتت فجأة.. فقد جذبت الصورة انتباهها،، فتمعنت لترتسم على شفتيها ابتسامة واسعة بمرح!!
"هل تتابعه أنت أيضاً ؟!" مشيرةً إلى الصورة..
ارتبك "أتابع من يا كراميلا؟!"
خطفت هاتفه من يده "إنها تلك القصص المصورة التي تحكي عن أسطورة قناع الموت الأسود.."
ضحك محمد بسخرية..
فأكدت له "أجللل إنه هو ذاته.. لقد كان أتباعه يرتدون هذا بينما هو يرتدي منقار الغراااب.."
استهزأ محمد "موت أسود ومنقار غراب م ما هذه الطلاسم يا فتاة؟!"
قفزت فريال قفزة واحدة لتعتلي سطح المكتب أمامه،، وتربعت.. ثم تنهدت بعمق لتتمكن من تغيير صوتها الرقيق إلى صوتٍ مخيفٍ وعميق!! ثبتت عيناها عليه..
وبين أضواء الغرفة الخافتة وهواء التكييف،، تروي له القصة "في أوروبااا..
وتحديداً في القرن الرابع عشررر" مبعّدة بين أصابع يديها "انتشررر وباء فتك بآلافٍ منهم يدعى الطاعون،، يلقبونه بالموت الأسود...
وكان الأطباء الذين يقومون بمعالجة المرضى يرتدون تلك الأقنعة لتحميهم من انتقال الطاعون.. ويمسكون عصى طويلة كي يلمسوا بها المرضى.."
أرفقت ملاحظة سريعة "لكنها كانت مختلفة قليلا عن هذا فقد كانت أشبه بمنقار الغراب يحشون فيه أعشاب طبيعية لتنقي الهواء الذي يتنفسونه،، ويرتدون كذلك عدسات حمراء او بيضاء.. ممم وهناك أنواع منها كهذا.."
تحمست فجأة مصفقة بيدها "والأسطورة تحكي عن طبيب يرتدي هذا القناع يده اليسرى قاتلة واليمنى شافية... قرر أن يقود مجموعة لتطهير العالم ،، فقد اعتبروا أ أ مم ه هل تشاهده أنت أيضاً؟!"
صمت محمد لثوانٍ معدودة ..
^ يال الأطفال صاروا مثقفين جداً ^
ابتسم وهمَّ بنطق كلمته وإضافة لمسته الفلسفية.. فقاطعته "وعلى مر العصور أصبح هذا القناع رمزاً للرعب والموت الأسود يتشائم منه الكثيرون.. يرتدونه في الكرنفالات وليالي الهالو.."
اهتز هاتفه على المكتب فاجتذب حواسه وأسكتها ليمسكه.. إنها رسالة صوتية من مروان يقول بتوكيد..
"إنها.... صورة.... من مقطععع..... إلتقطته كامرات المراقبة في قرب باب مكتب جدي"
أشاح محمد بيده لأخته ناحية الباب يأمرها بالخروج ليكمل سماع الرسالة،، لكنها ظلت جالسة تلقي مسامعها بفضولٍ لمعرفة ما يدور من حديث..
فمدَّ يده إلى حاسوبه الأزرق هناك يسحبه من فوق الطاولة،، ويدفعه بقوة في حضنها،، هذا هو الشيء الوحيد الذي جعل تلك المدللة تقفز بسعادة مغادرةً الغرفة!!
وقتها أعاد سماع بقية الرسالة "إنها.... صورة.... من مقطععع... إلتقطته كامرات المراقبة قرب باب مكتب جدي.. لقد إلتُقط هذا المقطع بالأمس في تمام 12:50
وعندما أتمت الواحدة بعد منتصف الليل،، أي بعد عشر دقائق بالضبط من ظهور ذاك الشيء،، أيقظني فزع أخي قد تلقى مكالمة ملحَّة،، جعلته يهرع نحو الخارج ويفتح الأضواء.. لينتزع الكاميرا اليسرى من مكانها!!
وفي اليوم التالي كان يحاول إصلاحها ليرى مافيها فأخرجت له الذاكرة،، ورأيت هذا.."
سكت محمد سكتة طويلة توحي بالحيرة.. وطفت أفكاره عالياً فوق رأسه،، هل منزل جدي به طاعون مثلاً؟!
بعثر صوت أفكاره الساذجة رسالة صوتية أخرى!!
"...أمرني والدي اليوم بنزع الذاكرة من الكاميرا اليمنى وتسليمها له.. فعلت و"
كتب له محمد "أحمق.. يجب أن تعرف ما يجري أولاً.."
يمسح محمد جبينه فقد تلألأ العرق البارد.. لقد بدأت دقات قلبه تتسارع وكذلك أنفاسه.. يقتحم التشاؤم أفكاره فيتخيل الأسوأ فالأسوأ!!
تبدلت ملامحه البشوشة بأخرى في غاية الجدية.. يحاول تثبيت جسده على الكرسي ويلتقط أنفاساً تلوَ أنفاس في محاولة استعادة توازنه..
- تنبيه رسالة -
" لقد نسخت مقطع يوم أمس أي.. يوم إجهاض العمة إيملي لأشاهدة.. تعالَ لنشاهده معاً"
ابتدأ محمد رسالته الصوتية بضحكة " أنت أحمق يا مروان!! إن اشتم إياد رائحة خروجي من المنزل سيفضحني أمام والدي ولن يترك شيئاً"
ردّ عليه مروان بصوت منخفض تتخلله أنفاس عالية
"تعال خفية كالمرة الفائتة"
اتصل محمد بمروان وسرعان ما أجابه فقال محمد بانفعال "إفهمني أرجوووك يا مروان،، لقد وضع إياد كميرات مراقبة في كل أركان مداخل المنزل ومخارجها.. جميع الأركان حرفياً.. سيكتشف خروجي"
همس مروان بينما تُسمع خطواته تجواله "سآتيكَ أنا،، لكنني قلق من أن يرفض والدي.. فهناك حركة خفيفة في الخفاء تنوء عن صراع كبير.. ل لا أعرف لكنه كااا .. كاا كحرب أو أسوأ.. بين كبار العائلة..
- ينظر عبر فتحة الباب إلى البهو حيث فراغ المكان وامتلاء الهواء بأصوات الجدال من مكتب الجد - شقيقك إياد وشقيقي متحدين معاً.. ضد والدي"
بنبرة عميقة وغريبة تظهر من أعماق الكتمان داخله.. أكّد محمد له " إذا لم يتوقف هذا النزاع الغبي... سيكون أمامهم القليل لتُقلب الموازين.. أقسم أننا سنرى السماء تحت أقادمنا..
يا مروان،، يجب أن تنصح شقيقك بالابتعاد عن والدك وإياد معاً،، وأنا كذلك سأجرُّ إياد بعيداً وسأحاول إقناعه بالعودة إلى أميريكا قبل أن يصاب بسوء.. فهناك من يطمع في أموال الجد،، ويستغل خلافاتنا"
"ح حاضر سأخبر تامر"
وأغلق المكالمة من فوره..
يخلع محمد نظاراته الكبيرة ليظهر أنه لا يقل جمالاً عن شقيقه.. قد تركت النظارات علامتين أعلى قصبة أنفه فجعل يدعكهما بإصبعيه ليخفف من حدة الألم..
هو متأكد أنه لن يستطيع إقناع إياد بترك الخلافات فهو عنيدٌ جداً.. لا أحد يقنعه بشيء،، أي شيء..
نفخ الهواء بيأس يأرجح قدمه بسرعة..
ربما خاله آدم يقنع إياد،، فهما صديقان مقربان جداً..
^أجل لا مانع من المحاولة^
فناقوص الخطر يدق .. بل إنها طبول الحرب!!
النهاية على بعدَ أيامٍ قليلة .
_______________________________
■
■□■■□■■□■■□■■□■■□■■□■■□■■□■■
داخل منزلٍ كبير على الجانب الآخر من المدينة..
قرميد أحمر وفخامة مركز،، اصطفت أمامه عدة سيارات،، ربما أربعة..
يستعجل ذاك الرجل الوسيم الأشيب،، ليدق بجزمته رخام أرضية المجلس،، بابتسامة عريضة اعتادوا رؤيتها تشق وجهه..
بين أربعة أشخاص عن يمينه ويساره،، يصل إلى كرسيٍّ أشبه بكرسيْ والده.. يجلس،، فيضع إحدى قدميه فوق الأخرى قائلاً "أعتذر عن التأخير"
فيومئ الجميع بابتسامة مجاملة "لا بأس"
نظر إلى وجوههم البائسة،، رجلٌ سمينٌ أشقر لا يجرؤ على رفع بصره ربما احتراماً أو غضباً.. إنه فارس..
وامرأة طويلة نحيلة قد قبّحتها كثرة المساحيق.. تضع من الحلي ما يشبع غرورها إنها سلمى والدة مي..
وهناك قرب التلفاز قد رفعت نقابها ليظهر حسنها وجمال عينيها،، فاتن اسمها وكم هي فاتنة،، يجاورها في الجلوس ابنها لؤي..
قدم جمع الأشقة هذا تحت رغبة شقيقهم الأكبر فاروق.. بالتأكيد يعرفون الغرض من هذا الإجتماع أو يشنمون رائحة السبب ولا يريدون الجزم..
لكن "أجل يا أحبتي،، اجتمعنا من أجل ما صرَّح به والدنا.. قلت سأسكت لكن يكفي سكوتاً.."
صوَّب الجميع نظراتهم نحوه.. متسائلة متضايقة ومسرورة.. فاعتدل ساحباً منديلاً من جانبه وأخذ يطويه عدة طويات..
"يريد أن يهب ثلث ثروته أي مصنع الفولاذ والذي يكسب منه ١٠٠ مليون دولار شهرياً إنه هههه مبلغ يُطَيِّر العقل!!"
شعر فارس بالإختناق عندما سمع الرقم،، واحمر وجهه بينما بدأت سلمى بتخيل ما ستفعله إن امتلكت ثروة كهذه..
أما فاتن فزادها الرقم بؤساً ويأساً تردد في ذاتها كلمة مستحيل..
ابتسم فاروق ابتسامة أخرى عريضة في وجوههم "فلنتفق،، أن والدنا ليس عادلاً لأنه فكر في أمرٍ كهذا"
وافقه الجميع "أجل"
أكمل فاروق "إذاً إذا حصل أحدنا على تلك الثروة سنقسمها على أربع.. هذا هو العدل"
صدرت ضحكة سلمى ساخرة كضحكة مشعوذة عالياً لتصطدم السقف "وهل إن حصلت عليه أنت ستقسمه؟!"
وضع يده على قلبه "إنه وعد"
فسكتت وأشاحت بوجهها جانباً بنظرة تكذيب لكل ما قاله حتى الآن..
ورغم أنه يعلم كره اخوته له لأنه بخيل،، ولا يساعد أحدهم بنصف درهم.. إلاَّ أنه أكمل حديثه "جميعنا نعلم أن أيمن سيحصل على تلك الهبة العظيمة،، خاصةً بعد أن يقنع الجد بأنه سيصرفها على إكمال بناء تلك المستشفى الخاصة التي يحلم بها..
هذا إن لم تخطف آمال الهبة منه،، كونها ابنته أبينا المفضلة التي تبالغ في زيارته وتمجيده.."
تنهد"أو ربما ظننتم أن يأخذ حبه لإبنتيه إيملي وهايدي نصيباً من عقله فيعطيهما.. ولمَ لا فهما قد حُرما منه سنين طوال" حلَّت البشاشة على وجهه فجأة "لكنني أملك لكم خبراً رائعاً.. لقد تم طمس إيملي من اللائحة،، والدي علم أنها ارتكبت خطيئة وحملت،، وشاء الرب أن يفضهحا فأجهضت"
حاول كتم ضحكته،، بينما الجميع في صدمة كبيرة يتبادلون النظرات.. لتقف فاتن قائلة "كيف علمت؟! أهذا حقيقي؟!"
"احم اححمم" واتكأ على يساره "الخادمة أمينة تخبرني بكل صغيرة وكبيرة"
أمسك لؤي ذراع والدته ليجلسها "ماذا تتوقعين إنها تعيش في الغرب وعمرها ٣٠ عاماً لا يعقل ألا تكون أقدمت على هذا.. اجلسي اجلسي يا أمي فليسترنا الرب"
ارتبك فارس "ألا يجب أن نطمئن عليها؟!"
رفعت سلمى صوتها توبخه "ألم تسمع ما قاله؟! إنها عاهرة" بدأت بتحريك رؤوس أصابعها المطلية على شفتها السفلية بشبه ابتسامة "لقد أخبرتني ابنتي مي أنها رأتها تحاول إغواء إياد" وضحكت بسخرية..
فقاطعتها فاتن "يال العاار.. هذا اتهام عظيم إحفظي"
صوبت سلمى نظرات حادة إلى منتصف بؤبؤتها..
"أتعنين أ-"
"مهلاً مهلاً يا سيدات.. لا تدعن الخلافات تفرق بيننا نحن أشقاء ويجب أن نتعاون لا أن نتفرق"
سكت جميعهم رغماً عنهم.. سيتعاونون من أجل هدفٍ واحد بعضهم يرى أنه ليس طمعاً بل فرصة ولا بأس أن يحاولوا اغتنامها..
والبعض الآخر يرى أنه الوحيد الذي يستحق ذلك..
أكمل فاروق خطبته الثورية "نحن دائماً الأقل حظاً،، لسنا مثل أيمن وآمال نعيش في عالم الثراء والنجاح.. ولا مثل إيميلي وهايدي وآدم نعيش في ألمانيا حرية ورغد..
يجب أن نستفيد شيئاً لا يمكن أن نجلس ونشاهدهم يحصلون على ما يتمنونه للمرة الثانية أتذكرون المنزل الصيفي في جنوب لبنان؟!
لقد كتب والدنا نصفه لآمال ونصفه لأيمن.. إنه على مساحة هائلة أرض زراعية وطبيعة خلابة تحقق ثروة طائلة.. والآن هل سنخسر للمرة الثانية؟"
أومأ الجميع بغيظ "لا"
نظرت فاتن إليهم بحزن "لا أستطيع تخيل أن أحدنا سيحصل على تلك الثروة.. نحن بؤساء،، والدنا لا يفضل أياً منا.. حالنا حال آدم المحروم"
صرخت بها سلمى "أناااا أستحق وأبي يحبني"
"أنتي ثرية ويمكنكي فعل أي شيء أنا وفارس نكافح من أجل العيش وننتظر المساعدات.."
سالت عينيها بالدموع فأخفض فارس رأسه بحزن موافقاً لها..
بكلمات مختلطة بالبكاء أكملت الإحتجاج "أنت يا فاروق لا تملك إلاّ ابنة واحدة وقد تزوجت منذ فترة،، وأنتي يا سلمى تملكين (مي) فقط.. أما أنا وفارس لدينا الكثير من المسؤوليات.. ولا نملك المال..
ولم يمد أحدكما لنا يده بأي مساعدات.. أما أختي آمال فتعطيني راتباً شهرياً لولاه لنمنا عراة ولشردنا في الشوارع.." قامت وأنزلت نقابها تهم بالرحيل لتخفي انهيار ملامحها واحمرار وجهها.. وآخر ما أسمعتهم اهتزاز صوتها "لا يمكنني الوثوق بكم آسفة"
ادارت ظهرها لهم راحلة وتبعها ابنها بعد أن رمق خاله فاروق وخالته سلمى بنظرات الحقد.. لكن فارس ورغم موافقته فاتن،، إلّا أنه لا يملك سوى الإستعانة بكبيرهم..
كبيرهم الذي ابتسم بتجاهلٍ لما حدث منذ قليل،، هو يعلم أنهم بحاجة إليه قطعاً "سننتظر أولاً اجتماع الجمعة القادم لنعرف ما ينوي والدنا قوله.. وأنتي يا سلمى لديَّ مهمة لكْ..
أعرف أنكِ لا تحبين آمال وهي أيضاً لا تطيق رؤيتك،، لذا أريدكِ أن تخرجي أسوأ مافيها أمام والدنا وتظهرين بمظهر البريئة.."
ابتسمت سلمى بغرور فهي موقنة أنها ملكة الألاعيب والحيل في هذه العائلة.. قاطع فارس تفاخرها بسؤاله
"وماذا عني؟!"
"انت ستحاول بقدر الإمكان جعل والدنا يتقبل أولادك ولو قليلاً،، ستكثر من زيارته،، الأجداد يحبون الأطفال الصغار.."
وهكذا بدأ هجومٌ جديد.. يوقن فاروق أن أخواه قد يفشلان،، لكنه موقن بأنه لن يفشل أبداً..
________________________________
●■□●■□●■□●■□●□■●
ربما سيربح فاروق بالتأكيد لأن خلافاً دبَّ في مكتب الجد بين آدم وأيمن.. وذلك عندما صدما الجد بمسألة السم وفقدان إيملي لرحمها..
لم يراعيا مظهره وكأنه يتهاوى من هول خبر ابنته،، يحاول بكل ما تبقى له من قوة في هذه الحياة أن يربط على قلبه فلا ينهار كالنساء بينما يستمع لتصريحات آدم..
"إيملي لم تركتب خطيئةً يا أبي أنا شاهد على ذلك،، لقد تم الإعتداء عليها من قبل صديق صديقتها،، ويومها ذهبنا ورفعنا دعوى عليه لكن لم تثبت لأنه كان ثملاً،، وبُرِّئ بنصِّ القانون.. ويمكنني أن أريك جميع الأوراق الرسمية...
ولكن حتى حادثة الإجهاض أخبرني تامر بأنها كانت جريمة مدبرة وأحدهم أغلق الباب ثم فتحه ليبدو كأحمق بل وأنَّ أحدهم دسَّ حبوب الإجهاض بين أدويتها"
يبلتع الجد ريقه ويتلقى صفعات الأخبار ومرارتها.. إذ يقف عن يساره آدم نحيل طويل القامة بنظراتٍ واثقة متأكدٌ من كل ما يقول.. وعن يمينه أيمن متحدثاً بلباقة وهدوء شديدين..
"يا أبي العزيز،، يستحيل أن يحاول تامر ابني اشعال الفتنة.. إنه مسالمٌ جداً منذ صغره،، هناك من يخدعه ويأثر عليه ليظهر أنه مُلام وسيِّء"
عاد السيد أوس للجلوس على كرسية المريح أمام المكتب.. وانحدر نحو الأمام بغضب عاقداً أصابعه مستنداً يستمع إلى ابنه الأكبر أيمن الذي تابع.. "إياد يتصل به بين الحين والآخر ويأمره بفعل أشياءَ معينة.. إنه يريد أن يوقع ابني في مصي-"
"هااي هااي هااااي" جلس بعد أن كان مضَّجعاً على الأريكة هناك،، يتحدث بأسلوبٍ مندفع..
"لا تقحمي ...
لأنني الضحية،، وابنكَ هو من جاء إلي..
وأخبرني أنني قد تم تسميمي...
-أكمل برتم سريع- يمكنك سؤال تامر بنفسك يا جدي" وعاد للإستلقاء يهمس بالسباب لعل ذلك يطفئ نيرانه..
فخرج أيمن من المكتب مغاضباً يشد على قبضتيه وفكه.. فيتأفف إياد بوقاحة مستلقٍ على أحد الأرائك الفخمة هناك قرب المكتب.. لا يهتم بجزمته قد لطختها بالطين..
نظر جده إليه نظرةَ آمر يزجره "إعتذر إلى خالك"
رفع كفه "أنا لا أعتذر لأحد.. كما أنني لم-"
عاد أيمن واقتحم المكتب ممسكاً حاوية القمامة الكبيرة بمنديل.. ووضعها أرضاً..
تعجب الجميع ناظرين لما يفعل.. وشعر إياد بوخزة جعلته يقز من مضجعه ويقف في صدمة!!
يرفع أيمن صوته بثقة "هذه الصفائح الورقية،، من الورق المقوى.. وضعها إياد داخل عدة مكيفات أمس أثناء زيارته.. إنظر يا أبي -ركل الحاوية لتقلب كل مافيها أرضاً- هل هذا طبيعي؟!
-ينظر نحو إياد- أخبرنا أيها المحتال الخبيث ما الذي تنوي فعله؟!"
تعجب الجدُّ وآدم وارتفع الحاجبان مع اتساع العينين في صدمة!!
استشاط إياد غضباً،، واشتعل رأسه اشتعالاً،، يسير نحو خاله قد تخطى الحاوية وما أسقطته من مهملات،، حتى يجابه أيمن بطوله مبرزاً أنيابه..
بصوتٍ مريضٍ به خشونة "انظر إلى عينيْ
-يشير بإصبعيه- أترى الأحمر كيف يرسمهما ويلونهما؟! أنا لم أنم منذ تلك الزيارة اللعينة.." صرخ بهم جميعاً مشيراً إلى نفسه "هذا المحتال الخبيث الذي تتحدث عنه إن أسدل أجفانه لحظة ستموتون جميعاً"
قفز قلب الجد ونظر بتسائلٍ إلى عينيْ إياد.. لعله يستشف الصدق فيها.. فوجد من العروق الحمراء عشرات متفرعة تشق بياض عينيه.. ووجهاً يحمرُّ من حرارة جوفه..
قاطع تحديقه ضحكة آدم يضم يديه "أنا لا أعرف ما المشكلة في أن يضع أحدهم ورق كرتون في فتحات التكييف!!!"
أجابه أيمن "إإ... إنه تصرفٌ مريب"
انفعل إياد وانفلت سخطه "أنت آخر من يتحدث عن التصرفات المريبة"
زمجر الجد بتحذير "إياااااااد"
"صبراً يا جدي.. -عاد يحملق في خاله- أنت.. ألم يقل لكَ تامر وأمام ناظريَّ قالها،، ألا تخبر جدي بأمر إيملي لكي لا يفهم بأسلوبٍ خاطئ؟!
لما أخبرته؟!
لما تحقد عليها هكذا؟!
كان يمكنك أن تنتظر لنفهم ما حدث أولاً لكن يبدو أن كلَّ شيءٍ مدبَّرٌ هنا-"
"ننتظر ماذا؟! كلُّ شيءٍ واضح لو كانت على حق لما أخفت شيئاً.. كما أن موضوعنا الآن ليس إيملي وجريمة اجهاضها كما قال آدم.. بل أفعالك واحتيالك على ابني.. ذلك الورق المقوى وطلبك ذاكرة الكاميرا ال-"
صرخ إياد في وجهه "إخرس"
هزً علو صوته أركان المكتب وقلوب ثلاثتهم.. فوقف الجد بصدمة وانزعاج شديدين،، متخبِّطاً بين جوٍّ مشحون ومعلومات خطيرة!!
يصرخ إياد في وجه خاله "أغرب عن وجهي.. إن كان هناك من يجب أن يفهم تصرفاتي المريبة فهو جدي وليس غيره هيا أريد الإنفراد به"
نظر الجد باستنكار لفظاظته... لكن إياد لم يلقي أيَّ بالٍ لنظرات التحذير التي يطلقها جده بين حينٍ وآخر.. بل أكمل مشيراً لآدم مؤكداً "وأنت أيضاً يا آدم من بعد إذنك أريد جدي فقط،، فمن الأفضل أن يسمعَ كلّا منا على انفراد ليستشف الحقيقة"
تراجع آدم نحو الباب ينوي الخروج ولكن قدميْ أيمن تجمدتا أكثر.. فنظر الجدُّ إلى وجه إياد الأشبه بتنين على وشك نفث النيران،، وقرر النزول تحت رغبته مؤقتاً قبل أن يسوء الوضع وإلَّا سينفلت جأشه ويُجَن..
فتظاهر أنه يمسك بزمام الأمور وقام آمراً بصوتٍ مخيف "سأسمع كلَّ واحدٍ منكم على انفراد.. تفضل يا أيمن - مشيراً له بالخروج -"
ترك أيمن موقعه تحت رغبة إياد وأمر والده.. يأرجح يديه بنظرات مقتٍ قاتلة ثم يخرج مغلقاً الباب خلفه..
|•▪○•▪○•▪○•▪○•▪○•▪○•▪○•▪○•▪○•▪○•▪○•▪○•|
وها هو إياد.. أمام تلك اللحظة التي لم يتمناها.. يحملق بجرأة في زرقة عيني جده دون أدنى ذرة خوف،، لكن بكمٍّ هائل من الغضب يزيد الإحمرار حول زمرديتيه..
ويجلس جده حتى يستوي على كرسيه،، يعقد حاجبيه مدعيا الغضب،، رغم أن كل المشاعر هجرته إلاً الحسرة.. فسماعه لفقدان ابنته ما فقدت.. جعله محصوراً بين الواقع بنزلعاتع،، وبين سكرات الألم والندم..
فأخذ من الأنفاس ما أخذ.. وأشار لإياد.. فربض على الكرسي بشاهد وجه جده وعبوس شفتيه..
"أنا مبتلى يا جدي.."
ضرب الجدُّ بيده ساخطاً "مبتلى بوقاحتك.. إنه خالك.. والدك الثاني.. شقيق أمك.. ابني أنا!! تخطيت كلَّ هذا وجعلت توبخه كالخدم.."
أجابه وسكرة الغضب تثلق لسانه..
"لم يكن يجب عليه أن يتكلم"
"أنت خارق الوقاحة يا إياد يا ابن مراد.. هذا ليس من شيم عائلتنا"
"جدي" بصوتٍ مبحوح وهادئ "لا تحكم على الأمور هكذا.. سأخبرك بشيءٍ واحد وعدني أن يدخل إلى مسامعك ولا يخرج من جوفك مطلقاً"
أمعن الجد النظر في وجه إياد في شيء من الصدمة.. فكلماته التي يصوبها منذ بداية الشجار تخفي ورائها أمراً بل أموراً في غاية الخطورة..
"قل كل ما تعرفه وكل ماحدث ف-"
"جدي سأقول شيئاً واحداً وأرحل لأنني إن لم أنم اليوم سأموت الليلة..
فاسمعني جيداً ولا تكثر الأسئلة لأن كل ما تريد معرفته..
ستشاهده.."
أخذ الجد نفساً وأرجع ظهره للوراء،، هو مستعد لسماع التراهات الآن... لا يزال يشعر أن كل ما يحدث هو نزاع خفي على ثروته الطائلة لا أكثر..
أخفض إياد صوته ".... لكن الأمر يا جدي هو كارثة،، لا أعرف ربما سمعت خبر مذبحة العائلة أأ بالتأكيد سمعته.."
قفز قلب الجد العجوز واقترب أكثر من إياد.. بينهما المكتب الفسيح وحولهما الفراغ،، ليهمس حفيده بما لا يمكن تصديقه..
"نحن العائلة التالية."
شهق الجدُّ شهقة عالية ملأت صدره بالهواء وجمدت كلَّ ملامحه المفزوعة.. لا يستطيع تكذيب ما سمع فملامح إياد جادة في وعيناه في غاية الحدة!!
"فعن ماذا أفعل وكيف،، فالشرطة خلف ظهري.. وإذا اشتم ذاك السفاح أننا نعلم بنيته.. سيهجم بشراسة شديدة.. لذا احفظ هذا السرَّ كما تحفظ أرواح عائلتك.." وقف إياد وضرب بيده سطح المكتب ضربة خفيفة ليستفيق جده من هولِ الصدمة.. "أنا حرٌّ فيما أفعل ولدي صلاحية قانوني لذا رجاءً يا جدي استعمل حكمتك في إسكات تساؤلات الخال أيمن"
ابتلع الجد ريقه.. فقد سمع للتو شيئاً فاق كل توقعاته البسيطة.. لقد سكت،، سكت تماما ولم يجرؤ على نطق كلمة لأن عقله لم يحلل بعد تلك الصدمات.. وعندما لمح إياد أن إدراك جده شُلَّ تماماً،، أدار له ظهره مغادراً المكتب بهدوء..
فالبقاء،، سيولِّد كثرة الأسئلة.. وكثرة الأسئلة تزيد الحيرة.. وعندما يؤمرُ المرؤ بشيء،، ويوضع حد قاطع يمنع من التساؤل.. يقوم بتنفيذ الأمر على أكمل وجه وتحليله بالشكلِ الصحيح..
وبالفعل أسند الجد رأسه على يده بعد خروج أكثر أحفاده جرأة.. واستغلَّ الصمت المحيط به ليُخرج من دُرجه قلماً،، وورقة.. وبدأ بكتابة بعض البنود..
تسمم إياد
اختطاف شقيقة إياد
إجهاض ابنتي
وبدأ يستنتج تلقائياً أن الشرطة وقفت بجانب إياد منذ أول مرة إلتجأ إليها وقت الإختطاف.. رغم أنه ليس من المنطقي أن يربطوا الإختطاف ب..
مقتل العائلة
كتبها كبيرة على الورقة لتغطي بقية الكلمات..
يستحيل أن يكون مجرد تخمين،، بالتأكيد يملكون الأدلة.. ولكن،، بدت على الجدِّ ملامح التيه..
^لمَ كان أوَّل حدثين يخصان إياد؟! وبعد ذلك أجهضت ابنتي بشكلٍ وحشي وفقدت رحمها هذا نذير شؤم.. هذا يعني أن الخطوة التالية تضرب بيتي أنا وسمعتي ربما..
أنا أعمى..
مغفلٌ كبير..
سأكتفي اليوم بتصديق ما قيل ثم سأتأكد بنفسي لاحقاً.. لكن بحق إن علمت أن كل هذا حقيقيْ سيعاقب إياد أشد عقاب لإخفائه كل تلك المعلومات عني..^
أخرج من الدرج صورة صغيرة لا تكاد تتعدى حجم قلب كفه المجعد،، تبتسم فيها فتاتان صغيرتان بحيوية،، هايدي وإيملي..
^هل تقصدها الفاعل ليشوه سمعة العائلة؟! أم-^
قطع حبلَ أفكاره دخولُ أيمن..
"هل طلبتني يا أبي؟!"
وضع الصورة في الدرج وأشار له "تعال اجلس"
فأغلق أيمن الباب خلفه وتقدم نحو المكتب،، تاركاً خارج المكتب إياد واقفاً يفرك عينيه الناعستين فيهمس له آدم "إنها فرصتنا.."
نظر إليه إياد نظرةً جانبية.. يبدو عليه الإرهاق ونفاذ القوى،، لكن ما من فرصةٍ لتفتيش غرفة أيمن أفضل من هذه،، ولكن..
"كيف سنعرف أين غرفة أيمن يا آدم؟!"
"أترك هذا لي" وأشار برأسه نحو الخادمة تجول بين الغرف بالمكنسة،، وتنفض الغبار عن الأثاث بكدٍّ تمسح جبينها المتعرق وترفع رأسها لترى آدم قبالها!!
تكاد لا تذكر من هو فهي لا تعرف سوى أنه ابن السيد أوس من عيني أبيه اللتين خلقتا أعلى رأسه.. لكنه يبدو بجسده كمراهق أو عشريني..
حاول كسر شفتيه بابتسامة كاذبة لم تلبث أن ذبلت وتحولت إلى عبوس "أين مروان؟!"
فابتسمت له "في غرفته"
إلتفت يميناً ويساراً "وأين غرفته؟!"
أشارت "في الأعلى فور صعود السلم اتجه إلى الرواق الأيمن.. إنها ثالث الأبواب على اليسار"
"تقصدين بجانب غرفة أيمن؟!"
"ل لا لا سيد آدم،، غرفة أيمن قبالها بالضبط"
أومأ "آها شكراً لكِ"
وأشار برأسه إلى إياد الذي كتم ضحكته الناعسة.. وتقدمه آدم صعوداً إلى أعلى الدَّرج بينما غلب إياد العجز فجعل يستند على الدرابزين كرجلٍ في السبعين..
يقف آدم أعلى الدرج يراقب حركته..
"أنت تتهاوى يا رجل"
شَخَصَ بصر إياد نحوه.. وأخرج بعض الأنفاس ثم بدأ بالصعود بسرعة نسبياً.. حتى التقيا فوق،، ومن هذه النقطة اتجها يميناً..
"إنتظر إيليوت.." بصوتٍ متعب "أنا أعرف هذا الرواق،، هذا مكتب جدي هناك على جانبي الباب يفترض أن توجد كاميرتان إحداهما.."
اختلَّ توازن إياد للحظة "سحقاً!!"
إنها الكاميرا اليمنى أيضاً!! من يجرؤ على نزعها؟!
أزاح وجهه إلى غرفة إيملي هناك..
فتسائل آدم "أليست تطلُّ على غرفة إيملي؟!"
"اها" مؤكداً.. ليرمق كلٌّ منهما الآخر بنظرة تنبئ بالخطر!!
_____________________________
في ذات الوقت حمل الفضول مروان أن يشغِّل مقطع الساعة التاسعة والنصف حيث يدخل شقيقه تامر إلى غرفة إيملي ليوقظها..
تسجِّل الكاميرا الدقائق تمر.. ربما خمس دقائق ويغلق تامر الباب من الداخل لأنه خشي أن يكتشف أحد..
وعندما أصبحت قرابة العاشرة تسجل الكاميرا حضور ش..
يقفز قلبُ مروان من مكانه ويغلق شاشة الحاسوب.. إذ اقتحم الغرفة شابان لا قوة له بهما،، لا يدري لمَ تتنقل أعينهما تارة نحوه وتارة نحو الكاميرا المفككة فوق المكتب..
أدرك غايتهما..
يتقدمان بصمت وسرعة
ليسحب إياد حاسوبه..
ويمسك آدم بمقدمة قميصه يسحبها لأعلى فيجبره على الوقوف،، ثم يضرب ظهره في عرض الحائط ليصبح محاصراً بينه وبين صلب الجدار..
يفتح إياد الحاسوب يفتش عن آخر ما تم فتحه،، فيطيل مروان عنقه في محاولة رؤية إياد ليلصق آدم وجهه في وجه مروان..
"أستطيع فعلَ أيَّ شيءٍ في سبيل أختي أتفهم؟"
اضطربت مقلتا مروان وجعلت تتخبط يمينا ويساراً ككرة في مباراة بينج بونج.. وتصاعد الدم إلى وجهه لتخرج كلماته بشق النفس "لا أعرف م.. مأ أيها العم آدم إنه الفضول فحسب"
همس له "أين شريحة الذاكرة؟!"
جعل مروان يقسم ويقسم بارتعاد أنه سلمها لوالده.. لكن آدم كرر سؤاله "أين هي؟! من أمرك بإخراجها؟! أخبرني"
في ذات اللحظة اجتاحت الرعشة جسد إياد لتنتصب جذور شعر رأسه لحظياً.. فور رؤيته لتلك الصورة..
صورة المجهول بقناع الطاعون!!
فيرفع بصره نحو مروان ويعقد حاجبيه ليزيد ذلك ضحيتهم ارتجافاً..
يشير إياد لآدم بتركه والمجيء.. فيترك آدم ذاك الصغير ويقف بجانب إياد..
لِيُصرع!!
"أرأيت؟!" نظر إياد نحوه "هذا يبدو كسفاح.. يبدو أنَّ أيمن يخفي شيئاً.."
"إياد.. يجب علينا الإسراع"
"حسناً" مدَّ إياد الحاسوب إلى صاحبه وأشاد بصوتٍ رخيم "حمِّل المقطع على ذاكرة لي.."
يرتجف مروان ويأخذ الحاسوب بيدين مرتعشتين،، ورأسٍ منحدر.. صمتٌ وغضب وخوف،، صراع مشاعر وأعاصيرُ تناقض داخله.. ليس أمامه سوى الطاعة والطاعة.. ولا شيء غير الطاعة.. تامر فوالده فهذا المتسلط..
تضخمت عينا إياد كالبومة "نفِّذ أو أقتلك"
أومأ له "حسناً"
واختفى الإثنان من أمام ناظريه ليتركاه محسوراً بين خوفٍ ورعب.. يلصق ظهره بالحائط ثم يجلس ويفتح الحاسوب.. فهو مُسَيَّر.
__________________________________
صرير باب غرفة أيمن.. قد رحَّبَ بدخولهما،، وما هي إلاَّ ثوانٍ حتى انقضا بضراوة وأخذا يبعثران المكان أجمع،، بحثاً عن..
"حبوب إجهاض.."
إياد بكلل "أتظن أنه بهذا الغباء ليتركها في عبوتها بين أدويته؟!!"
يفتح آدم جميع الأدراج ويفتش بنظرات خاطفة
"بل هو بذاك الذكاء الذي يجعله يدسُّ الحبوب بين أدويتها.. إذاً إن لم نجد-"
سكت فجأة وطال صمته،، فقد وجد حبتي دواء منفردتين دائرتي الشكل في دُرجٍ خشبي عملاق بجوار سريره!!
بل وأخرج إياد المزيد من أحد سراويل أيمن المعلقة!!
ركض آدم نحو غرفة إيملي كالسهم واسطاع تمييز بابها اللعين.. تلك الغرفة التي وقف عند بابها أمس فلمح من فتحته دماء أخته وتفاجأ بها جثة عارية..
وها هي وكأن شيئاً لم يكن،، غرفة نظيفة لامعة تنيرها الشمس.. تكتم جدرانها حقيقة الحدث الأليم وتتظاهر في صمتٍ أنها لم تشهد قسوة..
وسرعان ما وقع بصر إياد على علبة الدواء المنكبة فوق الفراش.. فرفعها نحوه "فيتامينات!!"
أخذ آدم يجمع عشرات الأقراص المتطابقة مع تلك التي أخذها من الدُّرج،، ليدرك كلاهما أن هناكَ بالفعل جريمة .
"آدم.. سآخذ ما طلبته من مروان ونذهب،، أنا أحتاج إلى الراحة أما أنت فستفحص الحبوب عند أي صيدلي"
"حسناً،، هيا بنا"
وتركا موقعهما..
إلى مروان الذي سلمهما مقطع يوم أمس من الكاميرا اليمنى بخضوع،، يربت إياد على كتفه بقوة مؤلمة..
"ولدٌ جيد"
ثمَّ يختفيان من أمام ناظريه.. ويتركا الدموع تبلل خديه كطفلٍ تعرَّض للتنمر،، يجتاحه شعورٌ مؤلم كونه نكرة،، أحمق وعديم الفائدة.. يحيطه الحزن ويصهر عظامه ليتمنى لحظتها..
حضناً يفتقده بشدة..
"أمي"
همس باسمها وجلس أرضاً..
يحيط كيانه بذراعيه ويجهش بالبكاء عالياً.. تنكبُّ الدموع من عينيه وتبلل الأرض.. صافية يرى فيها نفسه المنكسرة..
جسدٌ يرجف حتى بعد سماعه صوت إيطارات سيارة إياد تحكُّ الأرض مسرعةً بالمغادرة..
عبرات تتلو العبرات،، أكُتبَ عليه السكوت والهوان؟!
ربما البكاء سيبرد جوفه الحامي..
ربما سيبدد غيومه..
مؤمنٌ بأنه لا توجد راحة أكبر من ذرف الدموع على نفسه.. موقنٌ بلذة الشفقة تعتصر قلبه،، الكلُّ يهجره..
متى ستعود إليه حبيبته مي لمجالسته؟!
ليت ذراعيه المحيطتان به هما ذراعيها..
ليته يتمكن ولو لمرة من إنزال رأسه على صدرها الحنون..
تذكر آخر ليلة بينهما،، فابتسم يمسح دمعه بسعادة كلما تذكر جمالها تلك الليلة النجمية..
قد تبدت كل أحلامه أمام عينه وكاد يوشك أن يفعل ما تمناه طيلة غربته طوال سنتين..
أن يهديها الإسوار الألماسي فهو.. ينتظر رؤية البسمة فرحاً على وجهها،، فيشعر بها سعيدة بسببه..
يغمض عينيه ويردد هامساً..
^إن أردت أن تكون بطلاً،، فأسعد امرأة^
ملأ صدره بالهواء ووقف مجدداً على قدميه يردد هذه الجملة.. يقترب بخطوات جريئة نحو هاتفه فوق الطاولة.. ويلتقطه،، ليقرر ما سيفعل..
"أ ألو!!"
"مروان؟!"
أثار صوتها الرقيق في نفسه القلاقل فتعرقلت أفكاره وتلعثمت كلماته..
"م..مي،، أرسل لكي منذ يومين لمَ لا تردين؟!"
سكتت قليلاً تبحث عن حجةٍ واهية أو عذرٍ رخيص.. أي شيءٍ يفي بالغرض مع هذا الأحمق..
فابتسمت "لم أكن بخير"
"س سلامات،، كيف حالكِ الآن؟!"
تنهدت "بخير"
صمت قليلاً يجهِّز لما سيقول.. كيف وأين وبأي طريقة،، يحاول ضبط صوته ومخارج حروفه.. يتكلف من الجهد والوقت ما جعلها تتأفف مللاً..
"ففف"
"م مي أتسمحين لي أن.. ه هل يمكنني إذا كان لديكي الوقت أن،، أقصد هل يمكننا أن نلتقي؟!"
أدارت مي الجملة في رأسها وفكرت قليلاً.. سيكون شيئاً يبعد الملل عنها ولو قليلاً ويضيف بعض المتعة
"ما رأيك بمدينة الملاهي؟!" قالتها بمرحٍ جعله ينسى كونه خطط لمكانٍ أكثر رومانسةً وهدوءاً..
"فكرة رائعة،، متى يكون ذلك؟!"
"غداً إذا أردت.. فاليوم الليلة سأذهب مع والدتي لزيارة الخالة إيملي سمعت أنها أجهضت"
جلس على السرير يحاول مسايرة أحاديثها..
"أجل،،يالها من مسكينة"
"لااا يا مغفل" ضحكت "هي ليست كذلك بالتأكيد إنها خبيثة جداً،، ترتكب الزنى ثم تنسينا بفعلتها لنشفق عليها"
"لا لا يا مي عمتي إيملي كما قال أخي إنها بريئة"
ضحكت بسخرية ثم بدأت تتلاحق كلماتها بنبرة غلٍّ ملتهبة بنيران الحقد "أنت لا تعلم شيئاً،، أتعلم من كان في بطنها؟!" أردفت بهمس "كان ابن إياد"
قفز الهاتف من يد مروان وكأنه حريقٌ في يده،، يكاد يجد صعوبة في تثبيته على أذنه من فرط الصدمة..
هامساً بنبرة عتاب "أتقولين الحق؟! هل حللتي الحمض النو النونوي أقصد النووي مثلاً؟! لا يعلم ذلك سوى الله.. هذا ادعاء عظيم.. لو فعلا ذلك لتوَّجب قتلهما فلا تخوضي في هكذا أمور"
تضايقت بشدة "أنا لم أحلل الحمض النووي لكنها قالت ذلك أمامي.. قالت له : لا تضحكني لقد كدت أسقط طفلنا.."
قهقه مروان "عمتي إيملي مزاحها ثقيل،، أنا أكره إياد لكن لا يمكننا الحكم على شرف أحدهم من خلال كلمة.. أرجوكي أتركي ذلك جانباً وتعالي نحدد وقت اللقاء"
شعرت مي بخجلٍ شديد مما تلفظت به توًّا واحمرت وجنتاها،، تعترف بينها وين نفسها أن فرطَ الحقد أخذ عقلها بعيداً.. فتطلب العفو بخجلٍ شديد لتظهر طيبة قلبها الوهمية..
رغم أنه في قرارة نفسها تؤمن بنجاسة تلك التي تدعى إيملي فقط لأنها مقربةٌ من إياد..
_____________________________
مقربةٌ منه وتسره رؤيتها.. كتلك اللحظة التي عاد فيها إلى منزله،، يتسلل بهدوء على أطراف أصابع فوق السجاد وبخطوات بطيئة إلى داخل غرفته كي لا يوقظ ذلك الشيطان النائم!!
فلا أكره على إيملي من أن يوقظها أحدهم من سباتها العميق النادر.. عادة يمتلكها الغضب وتحطم العالم فوق رأس من يفعلها..
غاصت بين فراشه ولم تعد تتنفس سوى عبقه.. تخدرت أطرافها وافترشت خصلات شعرها الوسادة فأصبحت لها وسادة..
في وضعية عفوية تتوسط سريره وتعلوها البطانية مموجة ومبعثرة الأطراف،، فيمر بعيداً عن محيطها حتى يصل إلى خزانته ويجمع ثيابه لدخول حمامه الخاص للإستحمام..
أو للنوم في الحمام لا فرق..
فقد استلقى في الحوض وترك الماء الدافئ ينساب على جسده،، يحتضنه ويغرقه.. ليتسنى له إغلاق عينيه الحمراوين وتوديع التعب..
أحاط الحوضَ ستارٌ جميل يلفه من كلِّ النواحي ويستره.. قد امتلأ بالماءً،، ينزل بجسده أكثر إلى قاع الحوض ليغمره الدفئ كامله ويدع وجهه فقط فوق السطح..
يرفع يده إلى الصنبور ليوقف تدفق المياه فيتوقف الخرير ويركه غاصَّاً في راحته بين النجوم طافياً يعيد شحن جسده..
وتسود الرؤيا مع إسداله لجفنيه..
يال الراحة..
اخرجَ أنفاسه وغطَّ في النوم .
ظلام وظلام..
صرير الباب يُفتح فيجبره على الإستيقاظ..
"ااامم،، للتنبيه فقط أنا هنا أستحم.."
لم يجبه أحد.. فأطال عنقه ينظر بين فتحات الستار الضيقة "إيملي هل أنتي هنا؟!!
إيملي..
هاهاها مزحة ثقيلة هيا انقلعي..
إييم.. بعض الخصوصية لو سمحتي.."
ابتسم فهي أحد مقالبها السخيفة الفاشلة..
فاعتدل جالساً ليلمح عند قدميه..
أحدهم يمسك..
سلك كهرباء..
و
-كلك-
تُغلق الأضواء .
________________________
-يتبع-
ما بدو الوتباد يحط كل الصور 🙂💔
Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top