|●Adam the 1st (1)●|

-بروفا-

●▪●▪●▪●▪○●▪●▪●▪●▪●▪○●▪●▪●▪●▪●▪●▪○


عمق بحرٍ أسود،، إعتدت الغرق فيه..
هناك تسقط أنت..

فيتم إبتلاعك بقوة نحو الداخل،،
ودفعك برفق نحو الأسفل شيئاً فشيئاً ..

ستمتلئ عيناك بالظلام،،
وسيحشو الصمت أذنيك حتى تفيضان به .

ستشدُّ الجاذبية ساقيك سحباً للقاع ،، إن وُجِد ..
فتغدو،، غيرَ قادرٍ على التنفس،،

ستلفظ آخر ذرّات الهواء الباقية في صدرك..

تلك الزفرات الأخيرة عدٌّ تنازليْ،، عدُّ لا تعرف من أيِّ رقمٍ ابتدأ..

ستتخبط محتاراً،، هل هذه الزفرة الأخيرة؟

-تزفر-

لا..

ربما هذه..

متى الزفرة الأخيرة؟

أتعلم..

الغرق قطعة من الجحيم ..
إنه موتٌ بطيء.. إذ تشعر بكل ذرة ألم أثناء توقُّف أعضائك،، وقريباً سيقتحم الماء جوفك ويملأ معدتك..
رئتيك..

دمك..

سينتفخ جسدُك حتّى تصير أشبه بورم خبيث ذميم..
وحينها فقط ،، سيلفظك البحر وتطفو على السطح .

هل سمعتني؟
أارتعدت الآن؟!

إذاً قاوم ..

وها أنت الآن تقاوم..

وتُحرّك أطرافك فتتموج دون جدوى تذكر ..

أترى قبضة القاع؟

أنت لا تراها لكنها،،

قويةٌ
كبيرةٌ

وتخنقك.

الأسوأ أنك لا تموت!!
أنت فقط،، تنتظر زفرة أخيرة.. زفرة الخلاص .

________________________

هذا ما أشعر به كلما حاولت استرجاع ذكرياتي..

أنا هو . . . آدم .

اِشعر بي الآن..
هيا اختنق
هيا اركل بقدميك واضرب بيديك واصرخ..

حاول أن تصرخ..

لا أرض تحتك ولا سماء فوقك أنت في المنتصف بين فراغين..

في منتصف كلّ شيء أنتَ هو ..

ارفع يدك هيا..

هيا فلعل يداً،، تمسُّ أصابعك النحيلة وتسحبك،،
فابق رافعاً إياها ..

أنت مجدداً،، تلفظ أنفاسك الأخيرة..

ينعدم الأوكسجين في رأسك فيركل الصداع جمجمتك من الداخل حتّى تكاد شقوقٌ عليها تظهر..

تحاول الصراخ بينما لا صوت ..
فقط صورتك فاتحاً فاك،، تنفر أوردة حمراء متشجِّرة من بياض عينيك ..

تهبطُ ببطء . . .

أين الزفرة الأخيرة؟
أنت تبحث عن الزفرة الأخيرة داخلك ..

تعذّب،، فأنت لن تموت.
هيا اصرخ..

هيا إشعر بي..

اِشعر..

لا أحد حولك ولا شيء،، عتمة في بطن الظلام تلفُّها عتمةٌ..
مطلية بعتمةٍ..
ملقاة في بؤرة ثقبٍ أسود سحيق إذ لا مكان ولا زمان ..

والآن بصيص سعادة ينسلُّ إلى قلبك..

إذ هي زفرتك الأخيرة تحاول الصعود في قصبتك فيباغتها الماء نحو الداخل..

لقد ملأ رئتيك .

أتشعر بثقله؟
وكأن جالوناً من الماء ملأ صدرك ..

هكذا أنا دوماً،، أشعر بضيق ..

إشعر بي..

اش--

مهلاً!!

أحدهم اقتلع روحك من عينيك ..


وقذفها بعيداً..
بعيداً بعيداً بعيداً جدّاً..

قذفةً على بُعد واحدٍ و عشرين سنةً مضت جعلتك ترى جسدك المنتفخ هناك يبتعد عنك أميالاً وأميال حتى تتوارى عن ناظريك..

مقذوفاً للماضي!!

______________________________

إذ شعاع الشمس فوقك،، أبيض

لطالما آمنتُ أنه أبيض..

لذلك كنت أرى الشمس،، كدائرة..

دائرة فارغة قبيحة،، بجانبها أشكال منبعجة متلاصقة كانت هي السحب..

وهناك عصافير كثيرة،، كل عصفور أشبه بتلّتين متلاصقتين ،، هكذا كنت أرى الأجنحة..

العشب (شخابيط) متنافرة متعاركة متخبِّطة يقف فوقها طفلٌ عيناه نقطتان،، وفمه هلال..

يده بثلاث أصابع كبيرة فقط،، ممسكةً في يد رجل..
عيناه نقطتان،، وفمه هلالٌ أيضاً..

هذه كانت،، إحدى لوح ذاك الطفل هناك..

أنا ،، آدم ..


أتراني؟

أنا في الثامنة الآن..

نحيل وصغير،،
لا تحاول مصافحتي لأنك سترتعش من نحل أصابعي،، وستشرد في شكل رسغي كم هو دقيق!!

لا تحاول مداعبتي،، فاللعب ممنوع .

[لا تركض]

هذه كانت الجملة الأكثر سماعاً في ذلك الوقت..
لذا فأنا كما ترى،، أقضي جُلَّ ساعاتي وأقلام التلوين بين أصابعي تقصر وتقصر و ..
تقصر مع الوقت ..

أعتكف أمام الفطور لساعات أرفض تناوله ..
أو ألعب بيديْ أو الطعام ..

شاردٌ
تائه


لكنني سعيد!!

لا ألعب الكرة لكنني سعيد..
لا أخرج من باب المنزل..
أتعرَّض في المدرسة للتنمُّر..
ليس لديَّ أصدقاء..

نحيل ضعيف مريض وحيد لعين..

لكنني ،،

سعيد .


ألا تصدِّقني؟!

تعالَ وانظر..

أترى وجهي؟!

شعري ذهبيْ يعطّي جبهتي وعيناي مسحوبتان قليلاً،، زرقاوتان تماماً كالسماء المبعثرة في لوحتي،،
لا تفارقني ابتسامة وديعة قصيرة بحجم شفتيْ رغمَ خدايَ الفارغين..

لم أكن أقلق بشأن الغد أو اليوم ..
آفاق عقلي لا تبصر سوى السعادة والأمان على بعد الأبد لا أرى سواهما ..

أنا ،، آدم ..

كنت طفلاً وحيداً ..

ليس تماماً ، أنظر إلى القفص هناك ..
مكعّب معدنيْ ، مطليْ باللون الذهبيْ ، ومعلّق من خطّاف ثابت في الشرفة ..

إنه يعجّ كما ترى بطيورٍ بيضاء ، لا يمكنك تصنيفها كعصافير كونها كبيرة، ولا كحمامات كونها صغيرة ..
إنها في المنتصف ..

منتصف كلّ شيء ..

لديها صوتٌ جميل ، ولطالما تسائلت هل هو الغناء؟
أم أنها الأحاديثُ الجانبية؟

أجنحتها بيضاء، يصطفّ الريش على طولها
اصطفافة الجنْد في سبيل جعلها تحلّق .. وهكذا هي الطيور عندما تعلو في السماء، تنظر إلينا نحن الأسفل ..

إنها لا تخاف الريّاح ..
لا ترتبك من زرقة السماء الفسيحة ..
إنّ قلوبها قويّة ..

صديقة الملائكة ومخلوقاتُ الرب ..

لم أكن قد تعرّفتُ بعد على ذلك الجانب المظلم من الطيور ..

الغربان، البوم الصقور ..

النسور .

أردتُ أنّ أحلق كما تفعل ، فهي تبدو بجناحيها وكأنها تحتضن العالم بكلّ ذلكَ الحبّ وبلا خوفٍ من المرتفعات فهيَ تعلمُ كم أنّ الأمر أبسط من أن نخشى الموت ..

ذلك الطفلُ أمامك يعشقُ الرب ..
يؤمِنُ بِه أكثرَ مما يفعله أيّ كبير لأنه كان يرجو منه أن يدخلَه الجنّة فيحصلَ على جناحينِ كخاصةِ الملائكة ..

عشقي للتجربةِ والجمال ، للوحدة ..
كان آدم أبونا هو الأول ، ماذا لو كنت أنا أولاً في شيءٍ ما؟

شيءٍ أجيده!!
____________________________

وبينما أنا،، كما تراني منغمساً في فنّي،، تناديني والدتي باسمي ذاك ،، آدم ..

فأترك اللوحة،، الأقلام وكل شيء ،،
وأركض ألبِّي ندائها..

رأيتها تبتسم،، كانت في غرفة الضيوف..
تشير بيدها إلى شابة جميلة.. المفترض أنها أختي آمال ..

هل ترى أطفالها؟

كان لديها فتاة حمراء الشعر ورضيعٌ يبكي ..

و ..

هناك..

أترى أكبرهم؟
كان في السابعة ..

أشقر مهندم،، يصرُّ على جرِّ حقيبة تزن أضعافه..
فتزجره أمه لكي يتركها فيفعل..
تشير له أمه أن يصافحني،،

فيفعل..

هذه اللمسة،، كانت بداية كل شيء .

_________________________

أترى هناك؟

أمهاتنا ..

"كوني رفيقة به قليلاً يا ابنتي آمال"

"إنه صعب المرأس ..
إياااااااد توقف عن الركض واجلس بهدوء كي تتجنب صفعتي .."

اتسمع الآن همهماتنا ؟

"هل تكره والدتك لأنها تزجرك؟"

"لا" بلا مبالاة "إنها تفعل ذلك لأنها تخاف عليْ وتحبُّني"

"لكنها توبِّخك!!"

"قلت لك لأنها تحبنيييييي .. هكذا يقول فيتالي"

"من ف--"

"صديقي"

ها هو ذا ..
فيتالي الصديق الخياليْ ولا أدري لمَ جعلته خيالياً ، أكان موجوداً أم لا؟؟ .. لا يهم إنه فقط يذكر اسمه كثيراً ..

إياد مراد كان أقصر بقليل منّي وأقوى منّي بكثير ..

وعيناه كانتا تحويان ،، شيئاً متربِّعاً في سوادهما ؛ شيئاً ك ..

كذاك الذي كنت أراه في عينيْ أبي ..

الرشد .

أجل إنه الرشد ..

كان رغم اقترابه من تتمة السابعة ، يملك قطعةً لا بأس بها من معدن الرشد في حين أنني ،، ابن الثامنة كنت فارغاً من ..

كل ما هو حقيقيْ ..
كل ما هو واقعيْ ..
كل ما هو ليس بطفوليْ .

يمكنك ملاحظة ذلك إذا تمعَّنت في هذا الوجه هناك ..
أأ .. أجل أجل هناك لذاك الطفل النحيل الجالس على ،، طرف السرير ..

أنظر كيف تتدلّى ساقاه متأرجحتين ،، يكسوهما بنطال سميك ،، إنها ثياب النوم خاصته التي تعجُّ بالرسوم المتحركة ..

هل تستطيع رؤيته؟
أم كونُ المصباح القنديليْ ينير الغرفة بخفاتةٍ .. يعميك عن رؤيته؟

إنه مصباحي المفضَّل أنا ،، آدم ..

يتغيَّر لونه ،، من أحمر .. برتقاليْ أصفر ثم أخضر فأزرق ..
دورة ألوان تنعكس على وجهه فوق المكتب ،، في الأعلى حيث تربّع ..

على مرئى مني ومنك ،، نتجاذب أطراف الحديث ..
والحديثِ ليلاً مما يجعله تسامراً ..

سَمرٌ ربيعيْ..

أمم

دعني اتذكر .. إنَّ

إنَّها ليلة في منتصف نيسان / أبريل
حين بدأنا ،، نقترب .

دعك من الوقت واستمع للنحيل..

"أنا مريضٌ بعلَّة خطيرة جداً أتعلم؟"

يبتسم باستخفاف كما ترى "أيُّ علَّة؟"

ينزل الطفل أنا ،، من فوق السرير ويقترب حيث يجلس الآخر فوق المكتب ..

يومئ النحيل "لا أدري" ثم يتابع بحروفه الضعيفة ..
كُ كُنَّا نتواصل بالعربية أجل ..

العربية لغته الأم ولغتي الأب ..

يسرد النحيل على مسمعك ومسمعه ..
"لا أدري.. لكن والدتي قامت بعزلي فجأة عن أختاي..
لم تعد تحممني معهن أو تنيمني بينهن .. وكلما شكوت ذلك تقول أنني كبرت"

يضحك الولد،، إياد ..
وأعلم أنك مثلي تكاد تجزم أن تلك الضحكة التي تفوّه بها توّاً ضحكة راشدٍ ساخرة ..
"لأنك كبرت"

يرجع الطفل أنا .. خصلاته قليلاً إلى خلف أذنه ليبدو وجهه الجميل أشبه بفتاةٍ شديدة الرقة ..

وأكرر ،، شديدة الرقة ..

ثم يتابع قائلاً "كما أنها ترغمني على كتابة الفروض المدرسية"

"لكي تصبِحَ شيئاً عظيماً عندما تكبر"

يبتسم النحيل الأبله بحماس ..
"أجل سأصبح كأمي،، رائعة"

▶️
...

لا ليس خطأً ،، أجل لقد سمعت ما سمعته للتو ..
ربما هذا سبب انعقاد لسانه ولسانك في ذات اللحظة ...

فكما ترى ،، لقد تلوَّن وجهه لكنه استرسل ..
"أنت عندما تكبر لا يمكنك أن تصبح سوى،، رجل"

ببساطة علا صوت الأحمق النحيل "لماذا؟"

تضطرب شفتا الطفل إياد بشيء من الوجل ..
"لأنك .. لأنك
لأنك .. ذكر"

حينها تسائل بكل براءة ..
"وما الذي يثبت أنني ذكر؟ أنا أريد أن أكون امرأة ك--"

تطيح به صفعة ضربت وجهه موجهة من ،، إياد ..
ودون سابق نذير ..

لقد سقط النحيل سريعاً ،، وارتجّت جمجمته بل..

بل وكما ترى ،، لقد انقضّ عليه ذاك الآخر القوي ..

يمسك بعنقه "هيّا دافع عن نفسك كالرجال"

ووجّه إليه وابل اللكمات ،، ترعدك ولكن إياكَ أن تقترب.. لن تستطيع فعلَ شيءٍ أو منع شيءٍ لأنك مجرد مشاهدٍ فقط..

مشاهد لذاكرتي المتآكلة ..

اترك ذلك النحيل يتلقّى كمَّ الصفعات واللكمات القويّة..

دعه يشعر..

دعه يحتال ... رجلاً .

لا ،، مجدداً لا تتحرك حتى لو رأيت الدم يسيل ..
قلت دعه دعه اللعنة ،، دعه يكسر له سنه .

أطلق النحيل صرخة استغاثة جمعت حوله نساء الأسرة ..

لم تكن بداية جيدة مع أوّل صديقٍ أحصل عليه ..
بل ،، ولا أدري ما الذي جعله يقفز بذاك الحنق العظيم منتطياً صدري ..

وإلى هذه اللحظة أجهل كيف انقلب شيطاناً ..

كل ما أعرفه ،، أننا توقفنا عن الحديث .
لقد تعرض لتعنيفٍ شديد ومع ذلك لم يعتذر لي أو يبدي أسفه..

انظر إليه كيف قضى بقية عطلته معنا في بايرن،، يتظاهر بعدم وجودي .. هه

تبّاً وكم كان ولا يزال كالنسر لا يحني رأسه ..

يُسرف في اللعب وسريعاً ما كان يكسب الصداقات ذلك الأمريكيْ ..

الأمركيْ ،، الأشقر الصغير وكيف كانت الألمانية طليقة على لسانه كالسهم ،، كون والدته الروسية الأصل ترعرعت تحت سماء ميونخ ..

كيف لطفل السابعة أن يجيد ثلاث لغاتٍ دفعةً واحدة إجادة تامة!!

إنه أقرب لأن يكون معجزة فريدة ..

أتسمعه هناك كيف يتحدّث؟
إنه سريعٌ وطليق ،، إذا تحدث الألمانية البارنية يصبح ألمانيّاً ..
إذا تحدث الأمريكية فهو كذلك ..

وإذا جرت العربية على لسانة ،، تجري لهجة وفصحى
وهذا ما جعله مميزاً وذكيّاً ..

ذكيْ هي كلمة مُنقِصة لقدره حتماً ..
ولكن ،، ولسببٍ ما كنت لا أفتأ أراقب ذاك الذكيّ طوال اليوم ..

بعينان كبيرتان ..
اُنظر إليهما كم أنهما ،، كبيرتان تحدِّقان دون وعي ،، خجل أو خوف..

يلعب ويقفز ،، يتشقلب يشاغب ..
ويتجاهل وجودي .

كما لو أنني شفاف أو .. أحد الجدران بل كان يجيد فعل ذلك وبقسوة ..

كان عنيفاً ..

منذ طفولته كان كذلك ..

وأ .. و يتجاهلني .

إلى أن حانت لحظة الوداع ..

وحينها ،، تقف والدته على العتبة وتدفعه برفق ..
"هيا كما اتفقنا"

يدير عينيه الخضراوين ويدخل قليلاً
يتنوي التظاهر بالأسف وأنوي الإختباء من الخجل ..

هل لمحت ابتسامة النحيل مقابل وجه القوي اللا مبالي؟

نار الإعجاب في عينيْ النحيل ببساطة ،، أنت أيها القويْ تفعل كلّ ما أتمنى أنا فعله .. أنت أنا الذي أتخيله ..
أنت الطائر الحبيس بين أضلاعي ،، الذي أتمنى أن أطلقه ..

أنت أنا ..

تحياتي لك أيها الأمريكيْ .

___________________________

ليست المشكلة في كوني لا أدرك جنسي فكثيرٌ من الصبيان الذين يعيشون بين نسوة ،، وفقط ثلاث نسوة طوال الوقت واليوم دون الإختلاط مع أي مخلوقٍ آخر ..
يظنُّ ببساطة أنه منهم ولن يختلف عنهم..

ولم تكمن المشكلة أيضاً في كون والدي
(رمز الرجولة بالنسبة لي) ك بابا نويل يزورني محملاً بالهدايا مرة كل عامٍ فقط ..

كانت المشكلة أنني بلغت الثامنة ،، أتسمعني؟
خمسٌ وثلاث كما ترى !!

ثمان سنوات ولم أكن أدرك الحقيقة أو الفرق من شدة سذاجتي .. كنت أعتبرها عنصرية ضدّي فكل المنزل فتيات ،،وكأنني أخاف من الإعتراف بالإختلاف !!

حتّى في المدرسة لم تكن ثيابي لديها هوية واضحة راسخة لتجعل البعيد يدرك ذلك ..

بل وجهي الرقيق وأكرر ،،
الرقيق ..
كان قد استرق من أنوثة والدتي وأختاي الكثير والكثير ..

أترى الطفل الجالس هناك في باحة المدرسة؟
النحيل أجل ..

لا لا ليست طفلة بل طفلاً إنه أنا آدم ..
يحمل بين يديه شطيرة المربى ،، يحرص ألا تلطخ ثيابه ..

يدع الحواف القاسية ويلقيها في ال هه في القمامة وتباً يا رجل ،، كان رقيقاً لدرجة أنه لا يحب تلك الحواف القاسية في الشطيرة!!

وبعد أن يُتمّ الأكل وحيداً يشاهد الأطفال يلعبون ..

[لا تركض]

سيسقط إن فعل ..
سيتأذّى ..
سيتسخ ..
ستوبخه والدته ..

لكن،، لا بأس من المحاولة .

تراقبه أنت من بعيد يتجرأ ويركض نحو أحد الأراجيح الفارغة بحماس ..
تقبض قبضته على سلسلة الأرجوحة وما إن يفعل حتى ..

"هااي أيها اللقيط اترك الأرجوحة ليس لك حقٌّ في اللعب هنا إنها للألمان الأنقياء"

"لكنني أمسكتها أولاً!!"

"كيف تجرؤ على مجادلتي!!
يا رفاق تعالو وانظروا من يتحدَّاني في عراك .. آدم الفتاة"

تتعالا الضحكات ..

وتكثر التجمُّعات ..

مجموعة اللعناء ..

لا لا تحاول الدفاع عنه اتركهم ينهالون عليه بالضرب ..

هذا أفضل ،، دعه يحتال رجلاً .

ألا تريد الرؤية؟

إذاً أغلق عينيك .

____________________________

تفتحها على شعور الإختناق!!
هل عدت؟!!

مجدداً الظلام وكيف يعبِّئ عنيك بينما تبتلع الماء الأسود بل ،، وما بال طعمه مالح يُذيب لسانك ويكوي جوفك!!

صمت القاع بأكمله يشاهدك تحاول الصراخ ..
الركل ..
الضرب ..

تحاول كلَّ شيءٍ حتّى ..

ببساطة تستسلم .

وتغلق منافذ رؤيتك ببطء لينطفئ الظلام تحت جفنيْك وتسمع في ذاتك صداً يقول ..

كفى .

_______________________

افتح عينك

قلت افتح هيا ..

.
.

.
.
.
.
.
.
.
.



لا ترتبك إنه لا ينظر نحوك .. لن يراك أنت فقط من تشاهد .

هذا هو آدم ال--

"نحن سعداء بقدومكم إلى أميريكا لزيارتنا ..
أ أ .. آدم عزيزي أعتذر عن عدم استقبال إياد لك إنه لم يعد بعد من المدرسة"

"لا بأس"

ولا أدري كيف رأت شوقي في عيناي المريضتين!!
لأنه ببساطة ،، ليس لي صديقٌ غيره ..

ها هو أنا .. في الثانية عشر ..

أمامك وكما ترى ،، نحيلٌ جدّاً وعيناه تتأوهان ضعفاً وتستنجدان وكأنهما ملّتا المكوث في هذا الجسد الضعيف اللعين ..

شفتاي متشققتان دوماً ..
شاحب والأوردة تتلون على بشرتي الشفافة ،،
ها أنا آدم

آدم فقط كما سموني ..
أقوم بشيءٍ من الخذلان نحو لا أعلم ..

فقط أقوم ربما لأنتظر قدومه ،، لقد مرّ على لقائنا أربع سنوات .. أريد أن أراه وأخبره أنني كبرت بما يكفي لأدرك الفرق ..

وأنني عندما أكبر سأصبح مثل والدي..

صدقوني لقد فهمت وكم أكره أن أفهم ..
عرفت وأكره الإعتراف فأنا لا ألومُ ذاتي كم كانت ضعيفة حتى اللحظة ..

ولكن،، صادفني السيد مراد حينها بابتسامة جميلة ..
"ما شاء الله أنت طويل .. ستكون قوِّياً جداً عندما تكبر"

كانت هذه هي الجملة الإيجابية الوحيدة ،، أعني بحق،، الوحيدة الفريدة التي سمعتها من شخصٍ غريب بل ..

وظلّت عالقةً في ذهني لسنوات ..

عالعقة كتلك اللقطة ..

بعد المدرسة قرب المنزل ،، هللل...
هل تسمع مثلي صوت صياح الصبيان ولعبهم؟

تعالَ نتبع الصوت ..
أخرج من المنزل إلى باحته الخلفية ،، حيث على بعد خطوات بسيطة يبدأ الشجر يكثر والأعشاب تطول ..

أرأيته؟
أين؟

أؤ أجل إنه هناك ،،فوق ..

أَركض إلى تلك الجذوع السوداء المتشابكة،،
وأقترب .


"هااي أنت .." بلهجة قوية "ألا تزال تظنُّ نفسك فتاة؟"

لقد نطق بمخاوفي جملةً واحدة فابتسمت بخجل..
"لا" مبرراً "كنت صغيراً حينها فقط لأفهم"

"رائع ،، هيا تسلَّق"

أتسلَّق؟!

يمد يده "سأساعدك ،، هيّا"

يبدو أنها أوّل مرة لذلك الآدم أن يتسلّق شجرة ؛ وهي كذلك ..

فلعلَّك لاحظت ارتجاف ساقيه ،، يديه وارتباك حركاته إلّا أنه مبتسم ..

مبتسم؟!!

أتشعر بسعادته؟

إياد الصبيْ العربيْ الأمريكيْ ،، يقود جماعةً كبيرة من أولاد المدرسة على عكسي أنا ورغم كوني نصفَ عربيْ مضطهد !!

أمّا هو ..

اترى عينيه؟
كانتا أكثر رشداً وأعمق حزناً ..

بل خارج الحياة أجل ،، كان في الحادية عشر وخارج الحياة !!

لاحظت ذلك بينما يسحب يداي حتى أتمكَّن من الوصول إلى الأعلى معهم ،، و ..
أووه يا إلهي كدت أسقط!!

الأغصان الخشنة ،، اسطوانية جافة وقدماي تعجزان بكل بساطة ،، بينما الأولاد يسبقونني إلى أعلى ..

أصل بمساعدته ،، أرأيت ثيابي أصبحت مغبرة لكنني سعيدٌ أبتسم !!

لقد تجرأت وكان هذا أكبر تمرد قمت به منذ ١٢ عاماً!!

لقد أصبحت خارجاً عن القانون الآن أجل ..

نظرت إلى مقلتيه الميتتين ..
يحيطني بذراعيه لكي لا أسقط .

أرفع رأسي و .. اللعنة أترى كم أنا سعيد؟!

رأيت السماء الزرقاء أقرب والشجر حولي ،، أقصر..

مع كل ما أعشقه من طيورٍ تنفضُّ من حولنا على وقع صعود وصياح الصبيان..

في عدة اتجاهات مختلفة تطير وتطير إنه .. الطيران!!

الأجنحة .. الريش الإرتفاع ،، إرتفاع وارتفاع ..

صدى صيحة في السماء أذهلتني!!

بهدوء همس "أسمعت؟ إنه النسر الأصلع"
أحاول التحدث لكن الصخب منعني..
إذ ينادونه ولا يكفّون عن ذكر اسمه حولي
"إيد إيد إيدي"

(إيد)
هذا أسهل من إياد ربَّما !!

الأول على الفصل
الأذكى
الأكثر شعبيّة

ورغم ذلك عبوس عبوس .. كأنَّ صدمةً اجتاحت حياته لا أعلم سببها حتّى اللحظة .

وهذه هي أول لحظة سعيدة لنا معاً ..
نعتلي الأغصان ،، وها هي شفتاي المتشققتين بسمة شغف ..

النسائم تمر بنا لتلتقط ذاكرتي صورة لي بجانبه ..
وأسراب الطيور .

__________________________

وها نحن ذا ..


"ستغضب أمي إن سقطت أو اتسخت ثيابي"

"الأمهات يغضبن ،، يصرخن قليلاً ثم يهدأن هيا اخلع قميصك وتعال نجرّب المياه هنا"

لا بأس من التجربة .. أنظر إلى الصبيان حولي يرتعون كما يحلو لهم ،، وأنا صبي ولا أرغم ذاتي على ذلك بل أنا أريد ذلك ..

لا لا تقلق على النحيل ابق مكانك وراقب فقط ..
أتراه يخلع قميصه؟

أتبصر عظام قفصه البارزة وعموده الفقري؟

اهدأ لا تقلق لن يصيبه مكروه طالما القويّ معه ..

"هيا تعال"
ألفاظه قوية أليس كذلك؟ هه

عابس جاد يأمر دوماً ..
وها أنا ذا أهبط بهدوء في برودة الماء ويده تكمش يدي ..

"هيا سأساعدك .. حرك قدميك ..

لا لا آدم اسمعني

حرك قدميك كما لو كنت على دراجة
أبق رأسك فوق
وذراعيك أسفل الماء ..

قلت ذراعاك أسفل الماء أجل

أجل هكذا"

الماء عميقة بالنسبة للنحيل ..
انها تصل إلى أعلى عنقه لكن القوي لا زال يمسك به من الخلف ويرشده ..

مجدداً ،، أتسمع لهجته وحروفه الواضحة ؟
"جسدك أخف من الماء لأنه مليء بالهواء ..
سيطفوا طالما أنزلت ذراعيك تحت الماء أفهمتني؟ هذا مبدئياً ..

ثم انتظر حتّى تستكين ويطفو جسدك قليلاً على السطح قبل أن تبدأ السباحة فهمت؟"

بصعوبة "أجل"

يحرٍك النحيل ذراعيه ويسبح بينما إيد يحيط خصره ..
"أنت ذكي ،، آدم أحسنت"

تلك الكلمة دفعتني ..
قالها وهو يسبحُ أمامي ، أستطيعُ رؤيته في ذاكرتي حتّى اللحظة ..

تلك الكملة .. دفعتني بقوة للسباحة أكثر بعيداً وبعيداً ..

شعري الذهبيْ تبلل أصبح أشبه بالأسود ..
رموش عيناي تلاصقت مبتلة على شكل مثلثات كما ترى ناهيك عن ..

يا إلهي إنني أغرق
"الن النجدة النج دة"

تحت الماء انطلق كالصاروخ ومعه رفيقاه ..
التقطوني من الماء بكل سهولة قبل أن أبتلع،، قطرة .

أخرجوني من البركة ..
ومن اللعبة ..

"إنه ضعيف لا يمكننا المخاطرة إيد"

"هذا طبيعيْ يا رفاق ،، إنها أول مرة له ..
أكملوا اللعب وأنا سأعيده للمنزل"

من الصدمة أعجز عن الحركة ..
ضعيف ضعيف ضعيف و ضعيف
دائماً و..

لقد بكيت يومها كثيراً في المنزل ..
بالتأكيد أنت تسمع نحيبي المكتوم في الوسادة ،، وكيف تركني إيد هنا ك ..

كفتاة وذهب ليكمل اللعب!!

الوسادة ابتلت وأفراد المنزل يسألونني لكن بلا جدوى ..

لا .. لا تخبرهم دعوني وشأني ..
دعوني هيا ابتعدوا ..

"اخرجوووا"

_______________________

أغمض عينيك وافتحها مجدداً ..

لا تقل إنك لا ترى شيئاً ،، حتى لو كنت لا تبصر بالفعل ..

لكن العين ليست هي فقط مدخل الرؤية ..
لأنك أكيد تسمع صوت الخرير وياله من خرير قويْ ،، إنه بالتأكيد هطول لكمٍّ هائل من الماء و..

أجل أحسنت إنه شلال ..
وما الذي جاء بك هنا ليلاً؟

ربما لتعرف من وضع حقيبة هناك ،، وأخرج منها ذلك الكشّاف الكبير ليضيء به!!

أيعقل؟

أعلم أنّك لا تصدق لكن أجل إنه النحيل ..

-صوت قفزة في الماء-

القدمان كالدراجة ..
اليدان تحت ..
انتظر حتّى يطفو جسدك ..

يحادث نفسه ..

"حينها تبدأ بالسباحة .. سأفعلها "

مجنون أليس كذلك؟

"وأول ما يدلُّ على رجولتك هو جنونك"

من هناك؟

يستدير ببطء نحو اليابس خلفه ..

إيد!!

لقد تبعه وجلس يبتسم عند حاجيّاته ..

"التهوّر رائع أليس كذلك؟"

"هه كثيراً"

حولنا كان ظلام الطبيعة وصراصير الليل ،،
نقيق وصوتُ حركتي في الماء من حينٍ لآخر .. وأشجار تلوّح للنسيم .

النجوم فوقنا كثيرة ملونة كالنمش على وجه هايدي أعجز عن عدّها ..

على اليابس العشبيْ الترابيْ يتربّع إيد ،، قرب الصخرة الكبيرة هناك أترى؟
يراقبني بحذرٍ أن أغرق ويلقي عليَّ التعليمات ..

آدم ماهر ..
آدم يحاول ..

يكفي أنه يحاول ..

لا أريد أن أكون ضعيفاً بعد الآن .


"يمكننا القدوم غداً آدم هذا يكفي" يخرج المنشفة "هيا اخرج.. احسنت ..

هيا ..
لا لا من الجهة الأخرى هنا أحجار مسننة
أجلل "

ويلتقطني ..

وعلى ركبتيه يجلس يجفف جسدي وشعري بعناية،، وكم مرة انكشف وجهي حينها لأبدو مبتسماً جداً ..
سعيداً جدّاً..

فخوراً بنفسي،، جدّاً ..

وهذا يكفي .

____________________________

قضيت معه أياماً تجردت فيها من الخوف والخجل ..
لقد أطلقت طائري كما أطلق نسره ؛ لكنه كان حادثاً ..

أقسم أنه كان كذلك
أقسم أقسم ويجب أن تصدقني ..

يستحيل أن يفكّر صبيْ الحادية عشر ب ..
ب ..

"هل تحبني آدم؟"

"أجل أنت صديقي المفضل"

ثم نكمل اللعب ..

ومجدداً قبل النوم "هل تبحني؟"

"بالطبع"

لقد سألني إياها قرابة العشر مرات قبل أن ..

أن ..

"هل تحبني آدم؟"

"كثيييراً"

أحبك أحبك أجل أحبك أنت ،،
أنت لامع ورائع أنت قدوتي ..
أنت قوي وعظيم فكيف وأنا أرى ذاتي فيك ألا أحبك؟

"إذاً اتبعني"

"إلى الغابة؟"

"سأجعلك قويّاً حتى لا يستغلّك أحد"

تعال نتبعه ..

تعال معنا نسير فوق طينة الغابة ونطبع شبه آثار أقدام قرب الأوراق الخريفية مارِّين بالفطر الأبيض السام عند أقدام شجر الصنوبر ..


الساعة السابعة صباحاً وضباب الغابة لم ينقشع بعد ..
تركض السناجب والقوارض لتجمع رزقها وتلك الطيور فوق ..

الطيور ..

ما أجمل الطيور .

أسير ويسير وتسير أنت تترقب ما يجول في عقل (إيد)

"هنا"


"وااو"

"يقال أنه منذ الحرب مهجور ..
هذا مكاننا السرِّيْ تعال اتبعني"

وأدخل ..

لقد وعدني أن أصبح قويّاً ..
وعدني بذلك ..

ولذلك ،،

أُأ .. أقسم أنه حادث أقسم بذلك ..
وإلّا كيف ل .. لطفلٍ في (الحادية عشر) أن ..

أن يفتح جانب رأسي عمداً!!

لا تفزع إنه ليس شيطاناً ..
لا لا تنجدني دعني .. انقلع ،،

سأصبح قوياً لا تنقذني..

لا تفزع هكذا ،، ليس لأنك رأيت حقيبة ذات أغراض غريبة في يديه ،، وأنا ..

مبلل بالدم ..

لقد كسر جانب جمجمتي ومن شدة الألم لم أكن قادراً على التأوه أو الصراخ ..

جانبي الأيمن أجل أجل ..
إغمائي كان بطيئاً للغاية وكنت أشقّ عينيّ بصعوبةٍ كي أراه ..

واقفاً ..
أمامي ..
عند قدماي الممتدتين أرضاً، يحمل إبرة معدنية طويلة جداً وضخمة ..

بكيانه الصغير وبذات النظرة مزلقاً مقلتيه إلى قاع عينيه يسأل ..

"ألا تزال تحبني؟"


"أجل ،،

أحبك"

يقترب ..

حينها أغيب عن الوعي وتظلم عيناك أنت أيضاً ..

ولا أصحو سوى على الصراخ والفزع ،، أتسمع صوت عجلات سرير الإسعافات؟!

وهو يراقب هناك بصمت ممزوج بالصدمة .

خاطوا جرح رأسي بعناية إنه ،، تحت شعري فوق بقليل .. وحظيت بجبيرة وإقامة جبرية في المنزل .

هذا كان سبب التشنج النصفيْ في وجهي .. ربما!

ولكن، لم يعلم أحدٌ من الأطباء سبب تلك الشحنات الغريبة حتى لحظتنا .

_________________________

"لقد سقطت وأنا ألعب"

هذه كانت كذبتي وكذبتي التي دامت حتى الآن ..
كلما سأل أحدهم عن الجبيرة أو التشنج الجانبي أأ ..

ولكن،،
"هل ضربتني لأصبح قويّاً؟" بشيءٍ من الشك قلتها أحاول أن أفهم ..

"لا .. لقد حاولت وضع القوة بداخلك ويبدو أنني فشلت"

"كيف؟"

يسكتُ قليلاً قبلَ كلّ إجابةٍ كعادته .. ثمّ يبوحُ بشيءٍ مُبهم يحمل آلاف المعاني أعجزُ عن تذكره، لكنها كانت إجابةً قصيرة ك ..

لاحقاً
ستعلم
انتظر

أو تلكَ المرة التي قال بها ..

"فيتالي هو من وضعه .. من أجلنا."

_________________________

يطولُ صمتي ..

وتغلبُ عليّ توجّساتي ..

كنت، كما ترى .. هادئهاً جدّاً
فشفتايَ الدقيقتانِ مطبقتان بقوة ولكنّ عينايَ تفضحانِ شيئاً في تأرجحهما الدقيق ..

كان الفضولُ يقتلني لكنني في ذاتِ الوقتِ أعلمُ، أنّ فتى الثانية عشر لن يعطيني إجابةً ..

أبداً .

ولم أكن معتوهاً بل أصبحتُ حذراً بشكلٍ ما معه، لكنني أيضاً كنت صافياً جدّاً أنجرف له وأنجرف ..

وزاد الإنجراف، منذ الحادث ونحن نقترب أكثر ،، إذ أن والدتي حبستني في المنزل بسبب الحادث .. مدرسة منزلية ونشاطات في مكانٍ واحد، أصبحت أخرق إجتماعياً لا أعرف سوا إيدي ..

بل وأنتظر الصيف كل عام ليأخذني والدي إلى أميريكا، أو يأتي هوَ إلى ألمانيا ..

أصبحنا نتشارك كل شيء ..

أنظر إلى كمِّ الصور في غرفتي ،،
خلفية حاسوبي ،، مكتبي و تسجيلات لحظاتنا ..

١٢
١٣

ثمّ انقطعنا.

١٤

١٥

ويا ليتنا لم نعد ..

______________________________

وجوهنا تكبر، وأجسادنا ..
قامتي تطول وعودي يشتدّ رغم نحافتي ..

تراني في غرفةٍ بسيطةِ الأثاث، الأرضيةُ أسفلكَ خشبيةٌ والجدرانُ ذاتُ لونٍ واحد ..

أقف عارياً، أرتدي قميصي والشمس تفترشُ أشعتها الدافئةُ من النافذة، تعلنَ قدوم صيفي السادس  عشر ..

تحدّقُ بي، لوجهي الهادئ ووجنتايَ البارزنان قليلاً رغم حملي لوجه طفل ..
بحركة أصابعي النحيلة ومفاصلها أغلقُ أزرةَ القميصِ الفوقية ..

رقبتي البيضاء، علامةُ الجرحِ جانبَ رأسي ..

التشنجُ البسيط ..

يخترقُ (صوتٌ) مسمعيكَ، وفوراً تتلفّتُ باحثاً عن مصدره فتقودُكَ أذناكَ كما قادتاني إلى النافذة ..

أقفُ بها وأنظرُ ..

كانت وكأنها تغريدةُ عصفورٍ جميلة، لكنها طريقته في مناداتي ..

أجل هو ..

انظر نحوه،
إيدي ذو الأربعة عشر صيفاً يقفُ ويدهُ على جيبه


حسناً ..

حسناً سأنزل ..

-----

وتخطو وأخطو ونخطوا فوقَ الحشائشِ وتحتَ أقدامنا تتكسرُ أوراقٌ وأغصانٌ جافة كعلاقتنا التي، جفّت فجأة وقلت الكلمات فيها حدّ الصمت ..

يقدمني بخطواتٍ وأتبعه ..

أتبعه ..

إلى العمقِ والشجرُ يزيدُ ويتكاثف ..

لم أسأله إلى أين، فلقد أردت الخروج على أيّ حالٍ ورؤيةَ الغابة لكنه يمشي بسرعة واللعنة .. يكاد يختفي!!

أبقِ عينيكَ عليه، إنه يبتعد ويبتعد ولا تزال يده على ذاتِ الوضعية، على جيبِ بنطاله الأيسر وكأنه يخشى سقوطَ ذلك الشيء البارز في جيبه ..

لقد قال لي جملةً واحدة قبل كلِّ ذلك السيرِ العثر تحتَ سماءٍ من أغضانٍ وجذوعِ شجر ..

لقد قال كعادته "اتبعنِ، سأريكَ أمراً"

وكان يلتفتُ من فينةٍ لأخرى ليتأكدَ أنني أتبعه ..
تسيرُ أنتَ أيضاً ظانّاً أن موعدَ الغروبِ قد آن لكنها الشمسُ تختبئُ خلف الجبل ربما، لكنها وللحظاتٍ تمدُّ خيوطها بين الأغصان ..

ثم تختفي ..

ذلكَ حتى وقف، ورأيتُ

يقف.

أتمّ عدة خطواتٍ ولا تزال بيننا الأمتار .. حتى أراه كما تراه عيناك يرفعُ ما بداخل جيبه الأيس عالياً نحوَ السماء، فتتسعُ مقلتايَ وكأنما سال حبرهما فأغرقَ عينايَ سواد الدهشة!!

يلمع سلاحه ..
بكاتم ..

مصوّبٌ للسماء ..

أتسمّرُ أنا مكاني في وجل، أشهدُ انطلاقَ طلقةٍ رأسية ..

ثوانٍ . . .

وها هي الطيور ..

تتساقط !!

_____________________

-يتبع-

Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top