■●|غفلة|●■
- جالسان على مقعد الحديقة -
" مسمم !! "
جحظت عيناه ،، تكاد تخرجان عجباً من محجريهما!! توقف الزمن عنده للحظات تعيد ذاكرته تفاصيل الحدث ..
فيخرج من صدمته بهز رأسه اعتراضاً ،، وكأنه يحاول إسقاط تلك الفكرة التي انقضت وتشبثت فجأة بعقله !!
" كيف علمت أنه سم ؟ "
" لقد فحصته "
نظر نحوه بجدية بالغة ،، لم يعتدها عليه أحد ..
" تامر .. " أخفض صوته " أنت تعلم أن هذا الكلام في غاية الخطورة "
" لقد تأكدت بنفسي .. أنا واثق "
فكر إياد قليلاً ..
" لم أصب بتسمم ... كان ألماً في القلب "
" إياد إنه دواء يدعى الديجوكسين ... كان نقياً ومركزاً ،، وعندما تعطى منه تلك الجرعة الهائلة ،، تصاب بتسمم الديجوكسين .. فتزيد ضربات قلبك حتى- "
يقف قائماً من مقعده مما أخرس تامر ،، قد هم بالرحيل فهو لا بطيق سماع المزيد ..
" أنت تتخيل ذلك .. "
" إياد ..إستمع إلي " أمسك بذراعه " هناك أمر يجب أن تكون على علم تام به .. فقد يتم إيذاء أحد من عائلتك "
يقرب إياد وجهه من تامر محنياً ظهره قائلاً بصوته الرخيم .. " أنا لا أعرف ما يجري في منزل جدي .. لكن ،، أنت مخطيء بالتأكيد "
أخرج تامر من جيبه ورقة بيضاء مطوية ..
" هذه نتائج تحليل العصير "
سحبها إياد من يده بسرعة موجهاً إليه نظرات الشك .. يفتح طياتها لتظهر له العديد من الكلمات المحصورة في جداول وأرقام منسوبة مئوية ..
ضيق عينيه متمتماً يقرأ أسماء المواد ،، يبعد الورقة ويقربها منه مرة تلوى أخرى بينما يتلمس جيب معطفه مخرجاً هاتفه الحديث ...
"هل صدقتني الآن يا إياد ؟ "
إلتقط صورة للورقة قائلاً " ممممم أنا لا أفهم في الطب " يبتسم بعفوية وكأنه لم يصدق حرفاً " أفهم فقط في الآلات "
يعطيه ورقته ..
" خذ .. "
إلتقط تامر الورقة رافعاً بصره نحوه ينتظر ردة فعلٍ موافقة له .. أو ملمحاً دالاً على صدمة التصديق .. لكن وجهه ظل جامداً كعقله !!
" إياد الأمر جدي .. "
تأفف إياد ملأ فمه واضعاً يديه على خصره يتلفت يمنة ويسرة بصمت .. ثم يرمي بنظراته نحو السماء ،، كم تمنى أن يتوقف تامر عن إثارة الشك في نفسه ..
" نحن لسنا في فيلم ،، أتريدني أن أصدق أن أحدهم خطط لقتلي ؟! ههههه أرجوك أنت طبيب مثقف وعاقل ،، لمَ قد يفكر أحدهم ب- "
" المال " أكمل بسرعة " المال هو السبب ،، ينوي جدي أن يهب أحد مصانعه أو معارضه .. أو ربما العديد منها .. لأحد أبناءه "
عاد إياد للجلوس بجانبه بحركة سريعة وانجذاب كبير .. يصوب نحوه نظرات فضول طفولية ..
فأكمل بهدوؤ ..
" إياد ،، أتعرف أن جدي يكسب من المصنع الواحد ليس أقل من خمسة وخمسين ألف دولار شهرياً !! أما المعارض العملاقة خاصته ،، فتستأجرها الشركات بمبالغ طائلة لا تصدق "
أجابه إياد بلا مبالاة ..
" أعرف أعرف ذلك والدي يمتلك معرضاً "
" إنها ثروة طائلة .. وسيهب الجد معظمها لإبن واحد من- "
" أنت قلتها .. ابن وليس حفيد "
" إياد .. " أدار جسده صوبه " شغل عقلك معي أرجوك ..هناك عدة إحتمالات .. "
رفع يده يعد على أصابعه ..
" أن يكون الفاعل قد سممك لأنه خائف من أن تستحوذ على إعجاب الجد .. وهذا هو الإحتمال الأضعف ..
أو كان يريد قتلك لتدب الخلافات بين والدتك وجدك فتفقد أمك حظها ،، لأنها الأوفر حظاً بين إخوتها جميعاً ...
أو أنك لم تكن المقصود ..
فقد يكون الفاعل يعرف تمام المعرفة أنه ليس المفضل لدى الجد وأنه لن يحظى بذرة .. ففضل أخذ المال بالطريقة الرسمية ،، أي عن طريق الميراث .. فحاول قتل الجد لكن بطريقة ما دخلت المادة إلى عصيرك أنت ..
لأن جدي مصاب بارتفاع الضغط وهذه هي الطريقة الأمثل لقتل مريض الضغط ... أو قد- "
" أو قد تكون أنت الفاعل .. "
صدم تامر من قول إياد .. قد اسكتته الصدمة للحظات متتالية ..
" أ .. أنا ؟ " أشار إلى نفسه بوجه متسائل ..
" أجل " أطبق شفتيه يهز رأسه ب ^ نعم ^ رافعاً حاجبيه متأكداً مما قاله " إن أردتني أن أضع الإحتمالات بنفس الطريقة التي تضعها أنت ... لقد قربت يدي يومها من حلوى القهوة فصببت لي فنجان قهوة دون أن أطلب ذلك .. "
سكت تامر يحاول تذكر تلك اللحظة البعيدة .. ولعله من شدة عفويته نسيها !! ليكمل إياد هامساً بلمعة لومٍ حذر في عينيه ..
" أتعلم ماذا كان سيحدث لي إن تجرعت القهوة يومها ؟ "
ضحك تامر بتوتر بالغ ضحكة ذات قهقهة مغلقة الفكين ظهرت خطوطها عند طرفي شفتيه دقيقتي المرسم ،، يكاد لا يستسيغ ما توصل إليه عقل إياد !!
" بالتأكيد أنت تمزح ،، أنا من أنقذتك .. كما أنني لا يمكن أن أؤذي أخاً- "
" أرجوووك تامر .. " اسكته رافعاً كفيه في وجهه
" لسنا مقربين وأنت تعلم ذلك .. منذ الصغر وذهبت أُخوتنا ضحية المقارنة والمفاضلة بيني وبينك .. كوننا أكبر حفيدين للجد " بضحكة متعالية " نحن لا نحب بعضنا .. "
إرتدت أحرف تامر رداء الجدية الصلب ..
" أرجوك إياد كف عن سرد التفاهات فأنا لا أتحمل هذا الإتهام العظيم .. "
" أنا بالتأكيد لا أتهمك يا تامر إفهمني .. لقد قصدت أنني إن اتبعت نهجك في إلقاء الإتهامات .. فلا بأس إن ألقيته عليك ،، لأنك بدورك ألقيته على جميع أبناء جدي بما فيهم والدك .. "
أخرست جمل إياد تامر نهائياً .. فها هو بكل ثقة يدمر كل احتمالاته دفعة واحدة .. قد وقف باستقامته أمام ناظريه يرفع يديه إلى زرقة السماء ...
" إذاً .. فلنحول هذه الأجازة إلى منتجع في الجحيم وليشر بعضنا إلى بعض بأصابع الإتهام اللعينة ... ولندع الفوضى تدب لتزلزل بيتاً قد نخرت ديدان التفرقة جذوره .. "
بنبرة منخفضة " أتريد أن يحدث ذلك ؟!! "
سحب تامر إلى رئتيه كماً من الهواء ينفخ به صدره ،، لعل ذلك يهدئ من روعه .. إذ أن إياد لا يدرك بشكلٍ أو بآخر خطورة الأمر ..
إنه يريد إما الإنسحاب الكلي ،، أو الهجوم الشرس .. لا يعرف للوسطية موضعاً في عقله البسيط ،، أو يمكن قول ،، عقله اللا مبالي أو نفسه الأنانية ..
" إياد ،،أنا أفعل ذلك لمصلحتك ومصلحتنا جميعاً "
ربت إياد على كتفه الأيمن بشفقة ..
" نحن في أواخر العشرينات ،، كبار أجل لكننا لسنا كبار العائلة .. "
قرب وجهه منه يحدق متمعناً في مقلتيه بنظرات فاترة .. يلصق أحرفه على مسامعه حرفاً حرفاً ..
" هذه الورقة ... يجب أن تريها لجدي ووالدتي .. سيستدعيان الخادم وبكل سهولة سيعرفان ما حدث .. فجدي هو محرك الدفة في هذه الباخرة الصدئة "
" تفكيرٌ صائب "
وافقه تامر مرحباً بكل كلمة قالها .. يبتسم في وجهه بينما قد اُضرم الخوف في جوفه ..
^ يستحيل أن أخبر جدي ،، لأن الفاعل قد يكون والدي ..^
في هذه اللحظة فقط أدرك تامر أنه كاد على وشك ارتكاب خطأٍ لا تحمد عقباه .. فلو أن إياد كان قد أصر على كشف الحقيقة ،، وكان والده هو الفاعل ...
^ يا إلهي ^
أغمض عينيه بسلام يحمد ربه ألف حمد .. فحتى لو اكتشف تامر أن والده هو الفاعل .. فلن يفضح الإبن والده بكل تأكيد ..
" أنت محق .. "
وقف ينفض ثيابه إن علق فيها غبار المقعد .. تصتدم نظراتهما فيبتسم إياد بحب ..
" أقدر خوفك .. شكراً لك على إنقاذي بالأمس " مربتاً على جانب ذراعه بنبرة خفية وكأنه يخجل من قولها ..
" لا أبداً " يعانقه عناقاً قوياً " أرجوك لا تنسى أن الديجوكسين لا يزال في دمك " فارق حضنه بابتسامة لطيفه .. " إن شعرت بشيء أخبرني "
" بالتأكيد .. والآن فلتسمح لي لم أتجهز بعد لقدوم الزوار .. كما ترى معطفي الطويل الشتوي يعلوا ملابس النوم " ترتسم على شفتيه ابتسامة خجل ..
" مممم تفضل معي إلى المنزل "
سار إياد أمامه بصمت مريب ،، يحاول نسيان ما سمع من أخبارٍ سيئة .. لقد أدرك تامر تواً أن ابن عمته ضعيف النفس ... يريد تجنب الصراعات ،، وهذا يظهر كثيراً على لمحات وجهه سريعة الإنفعال ..
لكنه من ذلك النوع الذي قد ينفجر في أية لحظة ..
لذا فهو ليس الشريك المناسب في طريق معرفة الحقيقة .. بل الشريك المناسب لتامر هو ظله وعقله .. يجب أن يبدأ بالخطوة التالية ...
^ سأصارح والدي ^
■□□■□□■□□■□□■□□■□□■□□■□□■
رائحة طعام ..
وعجوز متكئ على كرسيٍ مريح .. لا أحد قربه ،، فالخال أيمن والد تامر واقف مع شقيقته آمال والدة إياد في المطبخ المفتوح على بعد ميترات من الجد ،، يمازحها ويخطف الطعام من خلف ظهرها ..
تتغافل عنه مبتسمة في حين يغازل يديها الطاهيتين للطعام .. والجد يراقبهما بضحكة سعيدة .. يستند بكلتا يديه على عكازه الخشبي الثقيل ،، ناعم مطليْ بإتقان .. يحب امساكه رغم استغنائه عنه .. كالصولجان يمنحه تلك الهيبة !!
فهو ذكرى من والده المرحوم ،، الذي وهبه كماً من ثروته في حياته دون اخوته ... وقد سبب ذلك شقاقاً بينهم ،، وتدور الدائرة ،، ويرى نفسه في نفس الموضع وكأن القدر أقسم أن يعيد الزمن نفسه كل عدة عقود !!
" جديييي "
ركضت نحوه تفتح ذراعيها بسعادة .. فريال مدللة الجد " ياااا حبيبة جدك " ضاحكاً كالقراصنة .. وهي تعانقه بسعادة كبيرة ...
يستحيل جداً في غاية الرفق .. ذو ملامح دافئة حنونة !!
يمسح على شعرها ،، ينعم نبرته الخشنة ..
" أنتِ فاتنة جداً .. تشبهين فتيات الجنة .. وتزدادين جمالاً عن كل مرة أراكي فيها "
احمر خدها وشعرت أنها قد علت حد السماء جمالاً ..
فعمرها الصغير يجعل منها نكرة بين اخوتها ...
كثيراً ما تحدق في كل مرءاة تراها .. تنتظر من المرايا المديح ،، فلا أحد في هذا المنزل يتغزل في عيني الزمرد .. ولا في شعرٍ كلون الكراميل طويل الخصلات ..
ربما والدها فقط هو الذي لاحظ تلك النغازات على جانبي ابتسامتها الطفولية ..
" خذي "
أخرج من جيبه مئتي دينار ..
ابتسمت بسعادة " أحبك جديييي " ضمتها إلى قلبها مقبلة خده .. ثم ركضت نحو والدتها ..
" أمي أمي ... أريد الخروج لشراء الحلوى لخالتي هايدي هل يمكنني ؟ "
واقفة أمام الموقد بانشغال آمرة " إستأذني إياد "
" لقد استأذنتك أنتِ "
" إسمعي الكلام واستأذني منه .. إنه شقيقك الكبير هو يعرف الطرقات والأمن هنا أكثر مني .. "
تأففت بيأس تبغي لو يخرج من أنفاسها نار تحرق قواعد هذا المنزل العقيم ..
فها هو شقيقها الكبير يدخل معلقاً معطفه قرب الباب يرتدي خفيه " تفضل " مشيراً لتامر بالدخول ...
" مرحباً أمي " يلف الجد عنقه متتبعاً مصدر صوته .. فتقع عيناه على ذات الشاب صاحب الأمس ولكن بثيابه القطنية المريحة .. بنطال واسع طويل بلون الحمرة تتقاطع عليه الخطوط السوداء .. والجزء العلوي أبيض بلا أكمام يبرز عضلات ذراعيه الملفتة ..
وبينما يصعد على الدرج أمام جده ..
" انظري إلى ابنك المنافق أمس كالمقبل على الزواج واليوم كالشحاذين "
وقفت قدماه على درجتين متفاوتتين فوق الدرج يشير بيده قرب ذقنه تتلامس أطراف أصابعه مجتمعة يتوعد جده مازحاً ..
" اصبر عليّ سأريك .."
أكمل الصعود ولم يعطِ جده فرصة للتذمر على فعله ذاك ...
تصيح أخته راكضة خلفه ..
" إياد إياد .. هل يمكنني الخروج لشراء الحلوى ؟ "
" لا "
يصعد دون أن يلقي لها بالاً ..
فتصرخ قافزة كالأرنب باعتراض صاعدة ورائه بعبراتها اللامعة وشفتيها العابست ..
" لماذا ؟!!!!! "
يدخل الصالة العلوية متجاهلاً صراخها كلياً .. فهي مزعجة على كل حال ..
" أرجوك أرجوك أرجوووك .. " وما إن وصلت قدماه للبهو ،، صدم سمعه صوت شقيقه محمد الأجش ..
" وهذه الشاشة بثمانين ألفاً .. اشتراها لي والدي عندما حصلت على المركز الأول لكن انظر ... لقد قطعت أمي بالمقص رأس الكابل لأنني أدمت لعب ألعاب ال- "
" محمد " واقفاً قرب الباب ..
" لحظة يا مروان ... نااااعم يا أستاذ إياد " يقترب منه فقد أشار له على انفراد ..
يهمس متغافلاً عن بكاء اخته خلف ظهره يبعدها بيده .. " كم مرة قلت لك ألا تدخل أياً كان إلى غرفنا الخاصة ؟ "
" إنه مروان "
أخفض صوته ..
" حالتهم المادية أقل منا ،، انظر إلى ثيابهم وأغراضهم !! كما أن هذه خصوصيات هيا أخرجه "
نظر إليه محمد بتعجب !!
"إنها غرفتي لوحدي يمكنك تطبيق ذلك على غرفتك أيها المتعالي ... كما أنهم ط- "
" إياااااااد أرجووك ... لماذا لا توافق على ذهابي لشراء الحلوى هاا؟ لماذا ؟ " وبدأت دموعها تسيل وأنفها الصغير يزدان بالحمرة ،، يتلون وجهها تتودد له ..
" أرجووووووك " تجهش بالبكاء ممسكة بيديها الرقيقتين يده المخيفة ذات العروق ..
شعر بصفير الفوضى يخترق أذنيه حتى كاد يفقد صوابه ..
" حسناً حسناً حسناً .. لا تتأخري "
تحول صراخها وبكاؤها في طرفة عين إلى سعادة قافزة .. تعانقه واقفة على أطراف أصابعها مقبلة خده ..
" أنت أروع أخٍ في العاااااالم كله ،، أعدك سأرتب لك غرفتك ولن أرفض تحضير العصير لك عندما تطلبه م- "
" حسناً عزيزتي .. " يبعدها عنه متوجهاً نحو غرفته ممسكاً بابها يهم بإغلاقه ..
" محمد افعل ما قلته " يشير برأسه اتجاه غرفته
" واذهب مع فريال " أغلق بابه وفتح الأضواء ..
ألقى محمد نظرة للخلف على مروان الجالس بأدب وسكون .. بوجه ملائكيْ خجول ..
^ يريد مني طرده !!! ^
" أحمق متعالي "
" مممم ماذا ؟ "
" تعالَ ننزل لكي أسلم على جدي ،، ثم لنلعب بألعاب الفيديو بالصالة في الأسفل ،، لدي أحدث الأشرطة .. وددت لو نستخدم غرفة إياد فهي أجمل ... لكنه سيدفنني حياً "
" لا بأس " بابتسامة طيبة " شقيقي الكبير أيضاً لا يحب مني الإقتراب من غرفته ... "
تخير محمد أحد قمصانه الجديدة وبدأ بتغيير ثيابه بينما يثرثر ..
" لعل تامر يخفي فتاة تحت سريره "
" هههه لا إنه فقط غريب بعض الشيء "
" أهااااا ،، إذاً جثة فتاة "
يضحك " لا مانع لديه "
يغلق أزرة قميصه الصغيرة بينما يثرثر ..
" لا لا لا .. إياد غرفته مفتوحة الباب خمساً وعشرين ساعة .. أمي تدخل تضع له ثيابه .. أنا أخرج سارقاً تلك الثياب ،، أختي تخرج واضعة سماعات رأسه .. والدي يدخل لينام عندما يتشاجر مع أمي ... أمي تدخل ممسكة صينية طعام له .. أنا أخرج ممسكاً مفاتيح سيارته ..... وهكذا ،، كالطريق السريع ذهاب وإياباً "
" ياله من متساهل "
" لا لم يكن متساهلاً قط لكنه اعتاد ذلك فهو في الأساس غير موجود معنا معظم العام وغرفته مجهزة بأحدث التقنيات "
رش بضع مرات من زجاجة عطرٍ ذهبية ..
" حتى هذا هو عطره .. " يضع زجاجة العطر في خزانته ويغلق عليها ..
" هيا بنا "
يمشي محمد يدعي ربه ألاّ يتجرع تلك الجرعة من كلام جده مجدداً ،، بوجه متضرع يعبر الردهة ..
" سأسلم عليه واختفي بسرعة "
شق وجهه بابتسامة مهرج .. متأهباً للظهور من خلف الجدار ...
يخرج فجأة " يااااا الله ... جدي الحبيب !! "
يمشي نحوه بابتسامة مخيفة ..
" أبعدوا هذا الثور عني "
" جدييييي حبيييبييي " يقبل خد جده رغم أنفه .. وعندما شعر بانزعاجه قبله مجدداً وبالغ في تقبيله ..
" أحبك أحبك أحبك مممووااه ممموواه "
أبعده بيده صارخاً " توقف أيها الشاذ "
ضحك محمد ودمعة المهانة في عينه إثر صدمة الجملة .. يقاوم صرخة في أعماقه ..
" أحبك جدي "
" إنقلع أيها المزعج "
" لا أستطيع فأنا أحبك ... سأظل بجانبك حتى تموووووو- "
" محمااااد "
" ماذا يا أمي أنا أعده "
وتعالت الضحكات بينما توبخه والدته وتسحبه من أذنه ... إنه شاب بشوش كثير المزاح ،، هو من يفتح قلبه للجميع دون كلل أو ملل بكل سعة صدر ..
مصدر الضحك والسعادة في هذا المنزل وفي كل منزل ،، بين رفاقه وفي جامعته .. لا يضمر في أعماقه شيئاً ..
ربما ..
■□■■■□■■■□■■■■□■■■□■
تمر الدقائق ،، العشرات والعشرات منها .. كطول الساعات هي ... إنها دقائق الإنتظار الكريهة التي يبدو كل شيء فيها أبطأ ..
لكنه كانت ممتعة هذه المرة ..
فقد جلس إياد قرب الجد .. يريه على شاشة حاسوبه المحمول تلك المزايا الجديدة للجيل الجديد من سيارات BMW و Audi .. بإظهار ديناميكي ممتاز ،، يحرك يديه أثناء شرحه لطريقة عمل هذه التقنيات ..
والجد منجذب في غاية الإعجاب ،، يبتسم بين حينٍ لآخر مستنداً ينصت بتمعن لكل لفظ يلفظه ..
ويشاركه الخال أيمن المشدود لأسلوب إياد الذي لا يدل إلاّ على كونه مخضرماً في مجاله عاشقاً لمهنته ..
مروان جالس مع محمد في الصالة ،، قد اختارا القفز معاً إلى هاوية العوالم الرقمية ... فقطعا اتصالهما بالعالم الخارجي ،، حتى لم يعدوا يسمعون لأحد حولهم حسيس !!
والدة إياد طبيبة الأسنان تحادث الطبيب تامر عن العصب العاشر ،، في حوارٍ طبيٍّ مفيد لم يحضره غيرهما ...
الإنشغال الذهني قد بلغ ذروته .. حتى بدى وكأنهم قد نسو أمر مجيء طليقة الجد والخالتين .. لكن ترنيمة الجرس الجميلة ذات الصدى ،، أعادت لهم الذاكرة المفقودة ..
نظر جميعهم صوب مدخل البيت .. ليركض محمد ممسكاً مقبض الباب يفتحه ..
وقفت تستند كالثملة على إطار الباب الصنوبري ،، تمر النسائم لمداعبة خصلات الحرير السوداء ..
ترتدي نظاراتها الشمسية ملونة العدسات وحمرة قانية ،، قبعة صيفية وثياب ضيقة كاشفة !!!!
نظر محمد بتعجب !!
ثم التفت نصف إلتفاتة إليهم جالسين بصمت ...
" هل طلب أحدكم راقصة ؟! "
تتحول حركتها البطيئة فجأة إلى ضربة موجعة بالحقيبة .. " وقح "
فما كان منه إلاّ الدخول في هستيريا من الضحك بينما تتخطاه إلى الداخل بخطواتٍ ثقيلة .. وكأنها تحاول جاهدة إقناع خطواتها بالتراجع ..
قبل اللقاء ..
يقف الجد من مُتكئه كالشمعة يذيبه الشوق ببطء .. ناظراً إلى تلك التي اجتازت سبعة أعوام في حضنه وثلاثاً وعشرين دونه ..
فها هي غدت ثلاثينية .. أقل ما يقال عنها أنها امرأة بكل ما تحمله كلمة امرأة من جمال وفتنة ونعومة في المعنى ..
تبتل قدحتاها الزرقاوتين بالعبرات ،، قد توقفت عن التقدم .. بينما يقترب والدها بلهفة .. يضمها إلى ضلوعه القديمة الهشة ..
لعله يوقظ في أحشائها طفلته ابنة السابعة ..
فتعود كالزهرة الذابلة إلى الحياة .. تتورد مبتسمة تمسح دمعها في كتفه المنحني ..
صامتة تحاول كبت جماح بكائها ..
تضمه وتعده بصوتٍ مختفٍ مبحوح ،، أنها لن تنقطع عنه مجدداً ..
" يكفيكِ بكاءً حبيبتي "
يمسح دمعها بيده المرتعشة ...
يتقدم أيمن أخوها الكبير .. والذي تفحص ملامحها الحزينة ألف مرة ،، يكاد لا يصدق أنها هي !! لقد كبرت وأصبحت بهذا الجمال !!
تترك حضن والدها لتعانقه بدورها ..
" يا إلهي لقد كبرتي "
" وأنت أصبحت عجوزاً "
ضحك أيمن بخجل ..
بينما اقترب تامر يمد يده للمصاحة ..
" مرحباً عمتي "
ارتبكت من يده المدودة " أو .. أووه " صافحتها بشكل رسمي " يالك من سيد محترم "
يتخطى مروان شقيقه نحوها .. فتضيق عينيها متسائلة " من ؟ "
ابتسم ابتسامة خجولة ..
" مروان شقيق تامر يا عمتي "
ضحكت تقرص خده ..
" لما تخجل أنت يا ولد !! " تقهقه بفتنة " يا إلهي كم أحب الشاب الخجول " طابعة على خده أحمر شفاهها ..
ثم تنتقل إلى حضن والدة إياد الواقفة بينهم .. تلك من كانت لها شقيقة وأماً ..
" اشتقت لكِ "
" أنا سعيدة جداً بوجودي معكم .. ماما وهايدي قادمتان في الطريق " مشت إلى الداخل أكثر " لقد استهواهما مشتل نباتات فطلبت من سائق أبي الذي أرسله أن يوصلني أنا أولاً "
وقعت عيناها على إياد جالساً مكانه أمام الحاسوب ..
" ه هااي ،، لم أتوقع رؤيتك هنا "
تلوح له مبتسمة تقترب ،، فيقرب يدها منه مقبلاً إياها سريعاً بانشغال ..
ارتمت على الكرسي جانبه وكأنها تريد أن تطلق التعب من بين مفاصلها ،، تتنهد ثم تلتفت نحو إياد المنشغل بحاسوبه " هل معك سيجارة؟ "
أخرج من جيبه علبة السجائر الفاخرة قد فتحها بالفعل لتخرج منها بضع سيجارات ،، يقربها نحوها لتتخير واحدة .. وعاد جميع من تحلق حولها إلى ما كانوا يفعلون ،، فلا أحد منهم يود التعليق على سلوكها السيء .. إنها الضيفة !!
ارتاح والدها على الكرسي الآخر أمامها ..
ينظر إلى ثيابها الغير محتشمة ،، وتصرفاتها الضائعة ،، يود وبشدة محاسبة طليقته على تربية هذا النموذج المشوه ..
يحاول صد لسانه عن قول أي ملاحظات ،، لكي لا تهرب القطة من الإقامة معه طمعاً فيما تسميه الحرية .. فهو فقط ينتظر أن تمسك المصيدة بالفأر الراكض هنا وهناك ..
وعندها سيعلمه كيف يصبح فراشة !!
غير تفكيره متسائلاً ..
" لمَ لم تتزوجي بعد ؟ "
" لأن جنسكم لعين "
" المعذرة !! " ناظراً إليها كل رجل حولها .. تامر بصدمة وإياد بعبوس وأيمن بضحكة ..
لقد ورثت من والدها لسانه بالتأكيد !!
رفعت كتفيها " آسفة ولكنها الحقيقة " تشعل النار وتسحب هامسة بألم ..
" الحب معكم قذر "
تنفث الدوخان في الهواء ..
" اهاا بالمناسبة " مبتسمة بدموع عالقة " أين تلك الأرنبة فريال لم أسلم عليها أهي نائمة ؟ "
سؤالها كان كقرعة طبل ،، أصابت إياد بصدمة ورعشة معاً !! جحظت عيناه تاركاً حاسوبه ..
لقد أدرك للتو أن شقيقته لم تعد بعد !!
|●▪|●▪|●▪|●▪|●▪|●▪|●▪|
- يتبع -
● الديجوكسين مادة للعلاج لكن الجرعة الزائدة منها تسبب التسمم ،، وهذا كان سلاح الجريمة للممرض الأمريكي
《تشارلز كولين》
الذي قتل من ٤٠ إلى ١٠٠ شخص بهذه الطريقة
وهي تتسبب في الخفقان المميت والقيء وإضطرابات في الرئة ثم الإغماء ..
فالموت .
● مرحباً قرائي الأعزاء ... أعلم أن الأحداث لا تزال فاترة بعض الشيء ،، لكن لن ينال المتعة سوى الشخص الصبور .. فالعواصغ لا تحدث فجأة .
● سنرى من منكم سيعرف الملاعب ،، فقد بدأ ينسج لعبته منذ مدة .. فعليكم أن تكونوا يقظين فقد يكون قد ظهر أو لم يظهر في الرواية سوا اسمه ..
سعيدة بكم ❤
Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top