| صراع خفي |

* استرح عند كل فاصل لتستطيع التركيز ..
* البارت طويل ولكن ،، لا يوجد حرف بلا فائدة .

______________________________________

- في أحد المنازل -

يسقط كيانه على سريره فيرتد ارتدادة ناعمة وكأنما حط بين أحضان الراحة ..

يمكن لأي بشر كان قول أن فراشه ذاك هو الأنعم ملمساً والأجمل عبقاً .. لكنه ليس كذلك بالنسبة له ،، فدفؤه برد ونعومته كتلك الأرض الإسفلتية الباردة يومها ... ولا تفارق أنفه إذ ينام عليه رائحة الدم والنتانة !!

وما إن يتمدد على سريره ،، تعود الهلوسات لزيارته ،، أو بالأحرى .. لإقتحام غرفته وتنقض عليه دفعة واحدة تنهش لحمة !! وكأنما أقسمت ألا تدعه يرتاح للحظة منذ ذلك اليوم ..

هو جامد بلا حراك ..

قد اعتاد ذلك الشتات ،، تلك الروح المهشمة إلى عشرات القطع تعود ..
يتهاتف عليه نفسه !!

تعلوا أصواته أكثر يهمزونه ويلمزونه ،، يلومونه .. يتحدثون عنه ،، يهددونه بصوت عالٍ !!

يتحلقون حول جسده الغائر في الفراش .. وكأنما هو نارٌ اشتعلت به ،، فتراقصوا فرحين مصدرين أصوات صارخة وضحكات مفزعة ينتظرون فناء ذلك الجسد الملعون ..

جسدٌ لا تطرق الراحة بابه ،، ويأبى الأمان النوم بين ضلوعه الدافئة منذ ذلك اليوم .. مجدداً ..

فها هم فتاته يصعدون على سريره زاحفين ،، بعضهم يشد طرف قدمه ،، أو إصبع يده .. يلمس أنفه أو يتسلق جسده !!

يحاول غض نظره عن وجوهه المشوهة ،، ويتجنب سماع أصواته العديدة ...

أغمض عينيه بهدوء ،، قشعريرة الخوف قد تملكته وكأن بلورات الجليد تشابكت في مسارات دمه .. يخاف أن يجن أو يصرخ بهم .. فيسمعه الناس حوله ويجزموا بذهاب عقله المريض ..

" لا شيء لنخافه أكثر من أنفسنا نحن .. صدقني ،، فالناس ليسو مخيفين في الأصل .. إنما هي مخاوفنا التي تتلبسهم فنهرع هاربين منهم بينما لا ندرك أننا نهرب من شيء ما داخلنا ... "

تلك كلمات الرجل العالقة في ذهنه ...

فتح عينيه بسرعة ... بكامل هدوئه " توقفوا "
خفتت الأصوات جميعاً لأمره ،، هادئ لكن في أوج قوته يحادثهم بملمح السيد الآمر ..

" أنا أعرف ما يجب فعله .. إذهبوا "

تيار هواء سريع مرّ يحمل صوت فحيح قوي ،، خطف جميعهم في طرفة عين ولم يبقَ سوى بقايا من صدى الفحيح في أركان غرفته ،، اختفوا كما لم يكونوا !!

عادت الأسقف والجدران .. وارتدت غرفته ثوب الصمت ،، لقد أعادهم محبوسين داخل شرخه النتن فليصرخوا هناك كما يحلو لهم ،، فلن يلقي بالاً لهم ..
وهو فقط من سيسمح بخروجهن ..

مثل ذلك الذي هناك ..
ظل واقفاً تغطيه الظلمة ،، يسقط النور على قطع من وجهه ليبدو كقناع ..

" إذاً ... أنت من سأحتاجه هذه الأيام "

أنهى جملته بابتسامة ،، ذات أنياب .

___________________________

■□■▪■□■▪■□■▪■□■▪■□■▪■□■▪■□■

ها هو الصباح ..
الشمس بأشعتها تطارد الضباب البارد فقد شوش قرصها وحجب ضوئها عن اختراق المنازل عبر النوافذ ..

البَرَد على الزجاج ..
الكل نيام ،، شخير هنا وصفير هناك .. أو نوم صامت !!

يتقلب أو كجثة في تابوت ..
أوضاع نومٍ مختلفة ..

لولا رعاية الرب ،، لأنقضت عليهم الشرور دفعة واحدة .. فهم في أوج عجزهم تحت رحمة الإله لاغير ..

في أحد المنازل المحاطة بالأمن ،، اعتادت أن تستيقظ على رنين منبهها صباحاً قبل الجميع .. تتجول في غرفتها الفسيحة حيث كل ما تتمناه ،، من أثاث وأزياء وأحذية ..

لقد اعتادت عيناها الترف ،، فلم تعد تلحظه ..

كأميرة ،، تتقن الإعتناء بكل تفصيلة صغيرة وكبيرة بها ..

^ أستيقظ باكراً ،، أغسل وجهي بغسول طبي .. أضيف قطرتين من هذا وأدهنه على وجهي ،، إنه للنضارة ..

وثلاث قطرات من ذاك - تقطر من السائل الشفاف على خدها وها هي تدمجه بيدها ذات الأصابع الطويلة والأظافر الزهرية - إنه سائل طبي يحتفظ بلون الوجه ..

مرطب .. ومن ثم أسرح شعري الطويل الأسود بعناية ،، أربطه للخلف وبعد الفطور وقت قناع العسل والخيار .. بينما سأضع قدماي في ال ...

ااه بالنسبة للفطور ،، روتيني اليوم يقول أن الإفطار سيكون ممممم

- أمسكت هاتفها اللوحي تقلب -

رسالة من مروان !!
- تقرأ - كان يوماً حافلاً .. (صورة) ^

الصورة ..

توقفت مقلتاها للحظات تحدق في الصورة .. قد انعكس وجهه على حدقاتيها ..

أحست بتيار عطر هب فجأة فتلمس قلبها عدة لمسات جميلة .. لقد عشقته عيناها وغرقت غرقاً بين ملامحه .. ليس مروان ،، بل ..

تكتب " من هذا الذي معكم ف- "
تذكرت وكأنها قد نسيت أن مروان يكن لها الحب .. بل العشق أيضاً ..

فلا يمر يومٌ إلاّ ويبالغ في الإهتمام بها والسؤال عن حالها ماذا فعلت وماذا شربت وأكلت ...

ولعلها بادلته نفس الشعور للحظة ،، أو ربما للحظات .. ولكنها في هذه اللحظة بالتحديد ...
نقضت إعجابها وكأنه لم يكن !!

لم يكن إعجابهما بهذا الضعف ،، لكنه لم يكن بتلك القوة التي يمكن أن تهزم سحر الجمال وعشق الإنسان له ..

أجهضت حبهما الصغير الذي لم يولد بعد .. إنها العين وما تهوى !! .. تلمس الشاشة بإصبعيها ،، تقوم بتكبير الصورة أكثر فأكثر هامسة ..

" رب خلقت الجمال وقلت اتقُوا .. كيف نرى الجمال ولا نعشقُ !! "
بابتسامة جميلة تتلمس وجهه على الشاشة ..
" هل هو حقيقي ؟ "

إنه ذلك النوع من الرجال الذي تلين له جميع معادن النساء ،، النفيس منها قبل الرخيص ..

لقد أحست من نظرتها الأولى أنها امتلكته ،، وأصبح يحق لها أن تغار عليه وتخيم بحبها على حياته ..
^ يجب أن أعرف من هو ^

وفجأة طرأ على بالها سؤال سمم جمال شعوريها ..

^ ماذا لو كان مرتبطاً ؟ ... أو متزوجاً حتى ؟
هذا أمر متوقع جداً فرجل بهذا الجسد وهذا الجمال يستحيل أن يصون نفسه كل تلك السنوات دون أن يوقع أجمل امرأة في العالم على فراش سريره ^

بدأ اليأس يتملكها بنفس السرعة التي تملكها حبه فيها ..

أغلقت الهاتف ملقية إياه على سريرها .. قد توجهت نحو مرءاتها العملاقة وكأنها تود سؤالها من هي اجمل فتاة على وجه الأرض ؟!

فها هي تتمعن وتتمعن ،، نظرة يائسة إلى نفسها ثم نظرة أمل .. ثم تعود لذلك الشعور البائس ..
^ لست خارقة الجمال . ^

ها هي تغلق الأضواء وتدع نور الشمس يتخلل حمرة الستائر ساقطاً على وجهها وجسدها المستلقي ،، وكأن الحب القاني أغرقها في جوفه فاختارت الموت غريقة ..

ترن منبهاتها ،، لقد أفسدت الروتين باستلقائها .. لن تتناول فطورها اليوم في موعده ولن تضع أقنعة الجمال .. لقد أحاطها الشرود وأنامها العشق في أحضان الخيال ..

لتمسك هاتفها مجدداً بسرعة فقد اتخذت القرار ..
تكمل الرسالة لمروان " ... الذي في الصورة ؟ "

-تم إرسال الرسالة -

°•○●□■°•○●□■°•○●□■°•○●□■°

- يسجل رسالة صوتيه -
بصوته الفاتر بعيد إستفاقته من سباته ..

" إنه إياد ابن عمتي آمال ،، لقد دعتنا أمه اليوم
لتناول الفطور عندهم ف- .... أوو لقد أرسلت الرسالة قبل أن أكمل حديثي "

ضعط على أيقونة المايكروفون مجدداً يقرب فمه ..
" لقد دعتنا والدته للفطور وتقضية اليوم عندها ،، سيأتي جدي أيضاً فزوجته وابنتاه سيقيمان عند عمتي آمال ... لمَ لا تأتين معنا؟ فأناااا " أخفض نبرته فقد صدرت من أعماق قلبه تلك الجملة
" اشتقت إلى رؤيتك .. "

- تم الإرسال -

وها هو بدوره يفتح صورها الشخصية ،، يتمعن ليملأ خزان حبه بجمال ملامحها .. يكاد جمالها يخطف نبضات قلبه .. ويقطفها نبضة نبضة مع كل لمحة وابتسامة ناعمة .. فيستبدل ما قطف من نبضاته بمقطع من اسمها ..

فوجودها يضخ الدم في شرايينه ،، وصوتها نبض ..

لكن مرور أخيه تامر أمامه فجأة شوشه ..
" تامر !! ماذا تفعل إنها الثامنة صباحاً لقد ارتديت ملابسك !! "

" أجل " قالها يغلق أزرة معطفه الأسود ..

" إلى أين أنت ذاهب ؟ "
" إلى مكان ما .. " هم بالخروج من الباب
" سأعود بسرعة "

" حسناً "

- تنبيه رسالة -
" سآتي معكم .... جيد " ابتسم يقفز من مكانه فرحاً وكأنه انتصر للتو رغم أنه على حافة الهزيمة !!

" أجل أجل " صارخاً بسعادة ..
يسرع نحو حقيبته .. قد مد يده بين الثياب ليخرج تلك الهدية التي ادخر لشرائها الكثير من المال ...

يفتح علبة زرقاء ،، مبطنة مخملية وينحني ..
" إسوار من الألماس يليق ببياض رسغك آنستي .... لا لا يبدو كإعلان ،، احم " يقف مجددا كسيد بريطاني واضعاً يده خلف ظهره " آنستي .. إنه- ... اووو لا لا "

أمسك العلبة بكلتا يديه مغمضاً عينيه .. يتخيله يعانق رسغها النحيل ..

" مي .. مي أنا ،، ربما الكلمات لا تكفي ... ولكني- "

" مروان أين شقيقك تامر ؟ "
إلتفت نحو والده الذي وقف فجأة أثناء مروره قرب باب الغرفة ،، قد أخفى العلبة خلف ظهره ..

" لقد .. لقد ذهب "
" اها " ناظراً بشكٍ إلى ما خلف ظهره !!

وفور تخطيه عتبة باب الغرفة داخلاً بهدوء ،، جلس مروان على سريره مزيحاً العلبة إلى أسفل وسادته ..

يضحك الوالد ..
" ماذا كان في يدك ؟ "
اشتعل الخجل في وجه مروان ...
" أبيييي إنه أمر خاص ،، سأخبرك لاحقاً "

" حسناً سأنتظر أن تخبرني "
ضحك ضحكة خفيفة " أتعلم أين ذهب شقيقك ؟ "
" لا .. قال سيأتي بسرعة "

■□■□□□□■□■□□□□■□■□□□□■□■

" أنا طبيب "
أخرج بطاقته الشخصية ،، فأجبرت الممرضة على الخضوع لأوامره ..

" حسناً معمل التحاليل على اليمين في آخر الممر .. ستجد الدكتور هيثم يمكنك أخذ الإذن منه "

" حسناً .. "

ها هو يمشي بخطواته السريعة عابراً الممر الأبيض في يده الكوب كما هو لم يمسه شيء ،، وعلى جانبيه أبواب العيادات .. يعلو سقف الممر الأمتار والأمتار ..

رائحة المعقات وأصوات التوجع ووجوه الجالسين منكسرة على جانبيه .. ينتظرون الخلاص من آلامهم ..

إنها المستشفى ،، وكم يكره تلك الكلمة ..
فعليه في كل مرة يدخلها أن ينتزع قلبه ويلقيه جانباً متجاهلاً نزيفه الحاد حتى انتهاء الدوام ..

- يهرول أكثر -
لقد وصل ..

" المعذرة .. أين معمل التحاليل "

" هنا معمل التحاليل .. هل أساعدك في شيء ؟ "

أخرج بطاقته مجدداً ..
" أنا طبيب .. أريد أن أقوم بشيء هنا بنفسي "

●□|°|°|°|°|°|°|°|°|°|°|□●

" أمي .. "

تأففت " ناااعم "

" هل يمكنني- "

" لا "

" لم أكمل كلامي حتى !! "

"أعرف ما ستقول فلا داعي لتكمل كلامك .. لا لا يمكنك الخروج سيأتي جدك ويقضي اليوم معنا وكذلك زوجة جدك الألمانية والتي اعتنت بي بعد موت أمي .. أنا أحبها كثيراً وأنت تعلم كم أكن لها ال- "

" لاااا ياا أميي " بصوت متعب " كنت أود أن أسألكِ فقط ما إذا كان بإمكاني أخذ قطعة من اللازانيا فرائحتها أيقظتني من النوم "

تركت الصحون والماء تدفق عليها ملتفتة نصف إلتفاتة .. ناظرة إلى وجهه الناعس وشعره المبعثر وكأنه يطفو في الفضاء !!

" لا "

" ولكن لمااا "

أجابته صارخة ..

" لأنك لن تكتفي بواحدة ،، ستنهيها قبل أن يأتي الضيوف ... هناك كل ما تشتهي موجود في الثلاجة لم تتوقف الحياة على قطة لازانيا "

أكملت غسل الصحون بهدوء ..
" كما أنك لم تغسل وجهك بعد "

شعر محمد بالحوائط قد سقطت أمامه ،، وبأبواب الحديد قد اغلقت في وجهه !!
لا طريق مفتوحاً لمصدر الرائحة الشهية سوى السرقة ربما !!

" أمييي "
دخل المطبخ فجأة بملابس نومه القطنية .. قد أحاط والدته بضخامة ذراعيه من الخلف ،، يقبل خدها الحبيب هامساً ..

" أنا جائع .. "

ربتت على كتفه وابتسمت ..
" هل أكلت جيداً أمس ؟ "

" أجل ولكني جائع الآاااان ،، أريد لازانيا "

أحست بالشفقة تعصر قلبها ..
" يا حبيب أمك .. "

أغلقت صنبور المياه تجفف يديها بالمنشفة بينما محمد يراقب تحركاتها فيشتعل فتيل الغيرة داخله ..
فها هي ذي تخرج الصينية الواسعة من الفرن وتعطيه قطعتان كبيرتان ..

" لما تعاملينه كالكتكوت بينما هو عجل ؟ .. يا الله ماهذ الظلم .. "

" لماااا لا تسأل نفسك ؟ ... سأخبرك لماذا ،، لأنه- "
" أوووه تلك المحاضرة مجدداً "
خرج من المطبخ خلف أخيه الذي أشار له حاملاً الطبق ..

معاً إلى الحديقة الخلفية حيث يطل زجاج المطبخ ،، ضباب الصبح لم ينقشع بعد .. قد تلمس خضار العشب وطبع قبلاته على الأسطح الزجاجية ..

يتقدمه إياد والصحن في يده مشيراً إليه خلفه ..
" اهااا أحسنت كلب جيد .. هيا هيا "

" إيااااد كف عن هذا وأعطني واحدة "

" إنبح أولاً "

" أيها السادي القذر ... قلت لك أعطني واحدة ... واحدة فقط لا غير "

" قلت انبح أولاً "

فينبح محمد مقلداً صوت كلب شرس ،، قد اندفع بكل قوته وراء شقيقه ... سينتزع منه الصحن بالتأكيد ..
" .... ولحمك أيضاً "

" ووو تمهل "

علت ضحكتهما الجميلة في بداية النهار .. لتكون بشرى على مشارف هذا اليوم البارد ،، حيث تراقب شمس الشتاء العالم بدفئ عينيها ..

قد غردت العصافير واختلطت مع طيور الحبارى المهاجرة شتاءً .. يشرب بعضها عنوة من ماء المسبح الزرقاء هناك ،، والبعض الآخر يلتقط الحب من الأرض ..

جالسين على سورٍ قصير تحت دوح التوت الظليلة .. الصحن قد بقي فيه جزء كبير من قطعة إياد بينما محمد قد أنهى قطعته !!

" ماذا فعلت أمس ؟ لم تخبرني .. " يكاد ينفجر فمه من كثرة الطعام ..

" لا شيء .. " مد يده إلى الصحن ليأخذ قطعته ..

لكنه لم يلمس سوى الصحن !!
نظر إلى الصحن ،، لقد فرغ وانتقلت بقية قطعته بطريقة ما إلى يد شقيقه !!

" محترم "

" ماذا !! ظننتك لا تريدها "
تراجع إياد خطوتين جالساً ينظر نحو المنزل
" أمييييييي "

" عيب على شاربك "

" يال شجعك "

أكمل محمد المضغ وكأن شيئاً لم يكن ،، يحدق بتمعن في وجه أخيه " هل شتمك جدي ؟ "

" أجل "

" الحمد لله وجدنا من يستطيع أن يذلك ... سيأتي اليوم ويكمل إهانتك فهو لم يبدأ بعد ،، فكلما زادت المعزة ؛؛ زادت المهانة "

ضحك إياد " لا أعلم ولكني لم أغضب منه ،، شعرت أنه قالها بدافع المزاح "

" أسمعني ماذا قال فيك من كلام ،، فلعله يشفي غليلي منك ،، يااا رب أنت العالم "

" مممم " يعيد الشريط في ذاكرته " قال أنني اختنقت من قطعة بسكويت "

" ماااذااا !!! " شعر محمد بالقهر " أين المسبات والتعليقات المزعجة على شكلك وأسلوبك وقصة شعرك وحذاء والدك ؟ ... أنت تكذب لأنك لا تريد أن - "

" وقال أنني قليل ذوق "
" فقط !!! يييه لقد رحمك ،، لن تفلت منه اليوم "

" والآن كف عن الثرثرة " نزل واقفاً من فوق السور "واذهب لتجهز نفسك ،، ستأتي إيملي وهايدي .. خالتينا المجنونتان "

" يييه أتتذكر الصيف الفائت عندما أتيا لمضية الوقت معنا في كاليفورنيا ؟ لقد كانت أجمل ذكريات حياتي حقاً .. "

" لقد أحببتهما .. إنهما يعرفان كيف يستمتعان ،، لكن الأردن لن تساعدنا كثيراً هذه المرة "

" اجتماع العائلة كل جمعة في منزل جدي سيكون رائعاً معهما أليس كذلك ؟ "

شرد إياد في الأفق ...
" أنا أتحدث معك !! "
" ااه أجل بالتأكيد .. هيا سأسبقك أنا "

يقولها محاولاً إخفاء مشاعره السوداوية اتجاه المكان والزيارة والأشخاص وكل ما حدث .. إنه ببساطة لا يريد زيارة هذا المنزل مجدداً بعد ما حدث ..

لقد دخله شاعراً بثقل الهواء .. وخرج منه يحمد ربه على نعمة الحياة ..

ولكن هناك فقط سؤال معلق في طرف لسانه ،، ولولا حبه لتجنب المشاكل لسأل ..

ماذا يحدث في منزل الجد ؟
هناك صراع خفي ..

أحدهم يبحث عن الإجابة ..
أو ربما وجدها !!

|□■□|□■□|□■□|□■□|□■□|

بمعطفه الأبيض جالس قرب المحاليل ،، قد استند على قبضته شارد العينين ،، يعكس زجاج الكوب حيرته ويمط صورته على طوله ..

قد تدلت أفكاره من فوقه .. ودفعته في بحر هائج من الحيرة ،، بحر بلا شاطئ .. لكنه يحب الحقيقة بل إنه يهوى الركض ورائها ولو على الشوك حافي القدمين !!

فلو أن هناك مكيدة قد دبرت ،، فهذا يعني أن المنزل ليس آمناً كلياً .. بل وأن من حاول التخلص من إياد ،، لن يتوقف حتى يقف بالسواد في جنازته ..

وأن إياد لم يكن الأول ..
ولن يكون الأخير ..

وربما لم يكن المقصود !!
ربما وربما وربما ..

لا تهم الضحية ..
يجب عليه أن ينزع ذلك القناع .. ويعرف كيف حدث ما حدث .. ولكن أولاً يجب عليه أن يفعل شيئاً بسيطاً ليأكد شكوكه أو ينفيها إلى عالم الأوهام ..

- الهاتف يرن ويرن -
إنه شقيقه .. إذاً حان وقت الذهاب ..

وقف ينظر نحو الكوب بصمت ..

^ أنا فقط لا أؤمن بالصدف ،، وهذا هو خيطي الرفيع نحو الحقيقة ... سأكتشف كل شيء قريباً ^

يبدو ..
أن تامر عنيدٌ جداً ..

إنه ذلك الرجل الذي لا يسمح بمرور شيء تحت عينيه بسهولة .. حتى لو أوقع نفسه في ألف مشكلة ومشكلة ،، فسيفضل الموت على عدم معرفة الحقيقة كاملة ..

متوجه في سيارة الأجرة نحو منزل إياد .. فيجب أن يتحدثا بجدية قليلاً ..

" وأرجو أن يكون متعاوناً .. "

○●○●○●○●○●○●○●○●○●○

- دق جرس المنزل عملاق الصوت -
منبهاً على وصول أحد الزوار أمام البوابة ..
يرتدي إياد معطفه المعلق قرب باب الخروج ،، قد اجتاز باب المنزل ..

يعبر الحديقة بينما الرياح قوية تبعثر خصلات شعره البني .. يضغط عينيه المتأذيتان من أشعة الشمس عديمة الدفئ ،، لم تُذهب من البرد شيئاً !!

فها هو يقحم يديه في جيب سترته لعل أصابعه المتجمدة تعانق الدفئ داخلها ..

يفتح البوابة الأوتوماتيكية لإدخال السيارة .. يتحرك بابها العملاق من اليسار إلى اليمين فتكشف لمعان معدنها ،، ينتصب شعار المرسيدس الفضي على نهايتها من الأمام ..

إنها عادته أن يحدق بكل تفصيلة يراها في السيارة .. فيتحرك انعكاسها على ألوان قدحتيه حركة بطيئة .. حتى أنه قد نسي إيقافها ومعرفة من داخلها !!

حتى توقفت ..
وفُتحت أحد النوافذ السوداء من المقعد الخلفي بهدوء تنزل لتكشف ببطء عن وجه ذلك السيد ..

" واقفٌ كالأبله وكأنك - "

" اووو جدي .. " ضحك ملأ فمه ،، يتحدث معه بِوُد " كيف حالك ؟! "

" لا ما رأيك أن تحضر لي الشاي إلى هنا لأشربه داخل السيارة بالمرة !! ... لا تفضل ولا أهلاً وسهلاً تتحدث فقط واقفاً تستند على نافذة بابي وكأنك أحد العمال في ماكدونالدز ... ابتعد "

ابتعد إياد بوجه شارد .. وكأنه لم يسمع مما قاله جده حرفاً !! قد لفت انتباهه سيارة الأجرة القادمة .. والتي خرج تامر منها مستعجلاً يضرب الأرض بخطوات طويلة ،، يجتاز البوابة ..

تسائل ما بال وجهه قد ذهب لونه هكذا ؟
لقد اشتم رائحة فزعه على بعد أمتار !!

" قلت تراجع لأفتح الباب ... أحمق عديم الفائدة "
تجاهل إياد وجود جده وتوجه نحو تامر الذي بدوره قد وضعه نصب عينيه .. يهرول باستعجال ..

" إياد "
عانقا بعضهما سريعاً ثم أشار له ..
" هل لي بدقيقة معك ؟ "
شعر إياد بجدية الأمر ،، فوجهه متهجم ونظراته تحوي أخباراً مهمة ..

" تعال .. "

سارا معاً بصمت عبر الحديقة ،، وكأن كل واحد منهما يعرف ما سيُقال أو ربما جزءاً منه ..

شعر إياد بالدم قد وصل أذنيه من التوتر .. يجلسه على مقعد الحديقة الخشبي ،، تحت أغصان التوت ...
" إياد .. " ملأ رئتيه بالهواء ،، يتحدث بشكل هادئ ورسمي كما لو كان يحادث أحد مرضاه ..

" بداية .. كيف صحتك "
ابتسم اياد ابتسامة الأصحاء " بخير كما ترى "

" حسناً " صمت قليلاً يحاول إختيار كلماته .. يسند عظمة كوعه لأيمن على ركبتيه بينما يطرق بمقدمة قدمه الأرض عدة طرقات ..

مسح وجهه بيده الأخرى يتنفس بتوتر ،، وإياد يراقبه بصمت .. قد أمطرت سماؤه الفضول فبللته بالأسئلة ..

" إياد هل عانيت مسبقاً من تلك الحالة ؟ "

أدار إياد عينيه قد ملّ تكرار السؤال ..
" لقد أخبرتك بالأمس .. إنها المرة الأولى لي ،، لقد كانت- "

" أنا أصدقك "
تعجب إياد ضاحكاً " كان هذا سريعاً "

" إياد ... " رمقه بنظرة ،، يرسم الوردي أطراف عينيه ..





















" كان العصير مسموماً "

□■●□■●□■●□■●□■●□■●□
- يتبع -

Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top