□□□■ إنحصار أفكار ■□□□

● إجعل خلفية القراءة سوداء
● عند كل فاصل يمكنك الإستراحة قليلاً ..

بث لون الشاي الأحمر في صفاء الماء ..
تُقرِّب مكعبا السكر من السطح ،، ثم تتركهما ليغوصا محدثان موجة حمراء ..

الملعقة تدور وتدور ،، وتصدم جوانب الكوب ..
تطرق بها حرفه بعد أن افتعلت دوامة ساخنة !!

تُسقط بأطراف أصابعها ذات الأظافر المطلية وريقات النعناع ..

" مجرد زينة لا أكثر .... حسناً "

تضع الكوب على صينية بجانب حبات الكعك .. وها هي تسير باتجاه الصالة .. قد جمعت شعرها الطويل البرونزي إلى فوق ،، مرتدية بيجامتها الرمادية وطوق أذني الأرنب فوق رأسها ..

بخُفَيْ الفراء الوردي تمشي .. وكلما اقتربت من الصالة تعلو أصوات ضحكات نساء .. وأصوات ألعاب الفيديو الصاخبة !!

" فريال ،، ضعي الصينية أمام خالتكِ فاتن "
فوضعتها بهدوء " تفضلي الشاي والكعك خالتي "

قرصت خدها .." شكراً يا أرنوبة خالتك "
وابتسمت ابتسامة زادتها فتنة ..
تمد يدها إلى كوب الشاي ،، مرتدية عبائتها السوداء .. فضفاضة يزين الخرز الأسود اللامع أكمامها ..

قد رفعت النقاب فوق رأسها فكشفت عن بياض وجهها وصغر ملامحها اللطيفة ...

صوتها كصوت طفلة كجسدها ،، ورقيق كنحل أصابعها ... يحتل لون البنفسج مساحة صغيرة تحت عينيها ..

إنه الضعف والإرهاق ..
وتجلس أمامها سيدة المنزل ،، السيدة آمال .. قد تبرجت ووضعت من مساحيق التجميل ما وضعت .. وكأنها تحاول أن تبرهن أنها لا تزال جميلة رغم التجاعيد !!

بينما جلست فريال ذات الخمسة عشر عاماً أمامهما ،، قد رفعت قدميها فوق الأريكة بينما تقلب في جهاز والدتها اللوحي ..

اندمجت الأختان في الحديث والضحك الذي يتخلله تهامس ،، وذاب عقل فريال في الجهاز اللوحي ... بينما محمد جالس فوق وسادة عملاقة ملقاة على الأرض ،، يلعب ألعاب الفيديو مع ابنة خالته
^ زهرة ^ المصابة بالبله !!

" أحسنتي اووو يالكِ من بارعة "
ثم يطلق ضحكة عالية مزعجة ...
" لقد هزمتنيييي اااخ لقد متت !! "

فتضحك الطفلة زهرة ضحكة جميلة .. تثير الدموع في عيني سامعها ورائيها .. ضحكة بريئة من قلب لم تلمسه ذرة سوداء ..

" فريال "
" نعم أمي "
" إتصلي بشقيقك إياد واطمئني عليه "

تأففت فريال ولم تحرك عينيها بعيداً عن الشاشة .. فدائماً لا يهدأ لوالدتها بال إذا خرج شقيقها الكبير من المنزل ..

تظل في قلق يأرق تفكيرها ،، وتوتر يخل بأفعالها ... فلا تسكن ضلوعها حتى تراه أمام ناظريها آمناً سالماً !!

^ إلى متى ستظل أمي مهوووووسة به !! ^

" فرياااااااال " صرخت أمها " ماذا قلت لك ؟ "
" اوووووف ،، حسناً حسناً "

" إتصلي به وأخبريه أن ياتي فخالته تنتظر رويته "

قامت فريال متجهة إلى مكان هادئ في الصالة ،، وفي يدها الهاتف ... إنها أحد الردهات قرب غرف النوم ،، علق محمد فيها صور شقيقتهم حور بزينتها في حفل زفافها ..

تنهدت ..." يا ربيييي متى سأتزوج وأرتاح من .. إياد إياد إياد ؟! "
وقفت واضعة الهاتف على أذنها تستمع لرنينه وتتأفف من حين لآخر !!

يرن ..

يرن ويرن ..
" حسناً لم يرد .. جيد "

- إنهاء المكالمة -


●○•●○•●○•●○•●○•●○•●○•●

ربما لأنه ..

" بسرعة تامر "

سقط رأس إياد إلى الأمام .. أمسك به تامر وأنامه على الأريكة .. يرفع قدميه إلى الأعلى .. بينما يضرب أيمن خده ..

" أفق ...

أفق ...

هيا مابك ... أفق "

" افحص قلبه يا أبي "
أمسك الخال أيمن رسغ إياد ،، يضغط عليه بأصابعه ،، وبيده الأخرى يلمس وتينه ^ ذلك العرق في رقبته^
ثم يقول بيأس ..

" إنه بطيء وضعيف "

تعجب تامر " ضعيف !! " ونظر مباشرة إلى الحلوى !!

صرخ والده ..
" إرفع قدميه أكثر "

لا استجابة ..
لا وعي ..

هناك فقط بعض العرق البارد على جبينه ..
اضطرب الخادم اضطراباً شديداً ،، فحتى إن عاد إياد إلى وعيه .. فسيكون مصيره الموت إن علموا أنه الفاعل ..

شعر بأن الأرض تتذبذب من تحته ،، فاضطرب جسده وارتعشت أطرافه ،، كاد يغشى عليه من الخوف .. يجب أن يتخلص من ذلك الظرف المليء بتلك المادة ..

مد يده في جيبه ..
وهم بإخراجه ..

" احضر الماء ... " أشار الخال أيمن إلى الطاولة "جيدة نحتاج إلى السكر ،، حلوى القهوة جيدة "

استفاق الجد من صدمته وجموده ..
" ضيااااااء .. أحضر الماء أسمعته؟ "

" حسناً سأحضره سيدي "

رش الخال أيمن بعض الماء على وجه إياد ،، وبدأ بمناداته باسمه قرب أذنه ..

" إياد ..

إياد ..

إياد رد على .. هل أنت هنا ؟

إياد !! "

الجو مشحون بالتوتر .. يكاد الجد يؤمن بالعين !!
وكأنما صوبت عليه أسهم أعينهم فأصابت صميمه !!
ولربما عينه أيضاً شاركتهم !!

وبدأ يعيد مشهد دخوله ،، ونظرات كلٍ منهم ..
انتباه مشدود وذهول واضح .. ببطء يعيد المشهد ويعيده في ذاكرته ..

ويعيده مراراً وتكراراً .. وقوفه وجلوسه وتناوله لقطع الحلوى ..

النظرات ..

" لا إستجابة .. " قالها أيمن بيأس
" سأتصل بالإسعاف "

لكن تامر أبعد والده .. وبحركة سريعة جداً ،، أنزل رأس إياد إلى أسفل الأريكة ورفع قدميه أكثر ..

" يجب أن يصل الدم إلى رأسه ... يجب ذلك "

وبدأ يضغط بيديه على صدره ..
يضغط ..

ويضغط ..

ثم يضغط ..
وها هو يعيد قياس نبضه واضعاً إصبعيه على رقبته ..

^ يا إلهي .. ^

قالها في نفسه وقد شَلت الصدمة حركته .. ينظر إلى وجه إياد الذي تلون عدة ألوان متتالية !!

ثم يتجه بنظرته المصدومة نحو والده الواقف هناك !! ...
يقابلها الوالد بسكون فريد .

- سعال -
إنه يفتح عينيه ..
بهدوء تستلمان الضوء ،، قد بدأت تظهر له ألوان السقف وإضاءاته ..

" حمدا لله " قالها الجد بسعادة .. وهم الجميع بالإقتراب ..

" لا يزال متعباً لا تقتربوا .. " نظر إليه واضعاً يده خلف رقبته " إياد ..

إياد ..

إياد أتسمعني ؟ "

نظر نحوه بلا وعي ..

" هل يمكنك أن تتحرك ؟

هل أنت بخير ؟ "

نظر نحوه نظرة ثملة أخرى .. لكنه أومأ برأسه
^ أجل ^

أنزل له قدميه .. ثم انتظر قليلاً ..
ثم جعله يتكئ ..
وبعدها أجلسه نصف جلسة *

لقد كانت حركاته في غاية الدقة والهدوء .. يعرف جيداً ما يفعله ..

" أحضروا له العصير "

أحضروا له كوباً .. وبدأ يشربه بينما يتنفس بصعوبة !!

" بماذا تشعر الآن ؟ "
نظر إليه وعلامات الإجهاد تحت عينيه ..

" أشعر أن ...
هناك ..
ألم في صدري ..
وكأن عشرات الطعنات تنفذ بين ضلوعي "

وضع تامر يده على صدر إياد ..
" حسناً .. لا بأس "

وقف متجهاً خلفه ..
" ستشعر بتحسن الآن "

وضع كلتا يديه على رقبته من الخلف ،، وبدأ بأصابعه يدلك عنقه بشكل دائري مدروس .. بينما يتنفس إياد بصعوبة بالغة رافعاً رأسه إلى فوق ،، قد ذهب لون وجهه وأعياه التعب ..

وقوة بدنه لم تشفع له !!
إنه القلب أساس كل شيء ...

بينما ركض الخادم نحو المكان الذي خبأ فيه الكوب ذو بقايا العصير المسموم ربما ... ومن شدة فزعه كسره وألقى كسراته في المجلس الكبير حيث مدخنة مشتعلة تدفئ المنزل ..

وبالطبع ألقى ذلك الظرف معه ..
فالتهبت النيران واشتعلت وتلونت ،، تتراقص ألسنتها مبتلعة تلك المادة اللعينة ...

□□□□■■■■■■■■■■■■■■■■□□□□

" هل تحدث لك عادة نوبات مثل هذه يا إياد ؟ "
قالها يكمل التدليك ..
" لا "

" حسناً "
رفع يديه " أرجو أنك تحسنت الآن "
" أجل .. قليلاً "
" جيد .. لا تقف حتى تشعر بالهدوء * "

ظل إياد جالساً بلا حراك ،، رافعاً رأسه إلى فوق يحاول إلتقاط أنفاسه ومجارات نبضات قلبه ..
" إن لم تهدأ خلال خمس دقائق ليجب نقلك للمشفى "

وما إن سمع إياد كلمة المشفى ،، حتى أغمض عينيه وتنفس بهدوء وصمت ...
" رجاءً لا تخبروا أمي بما جرى .. "
" بالتأكيد " قالها الخال مازحاً " فنحن لا نريد الموت على يدها "

رغم ألمه ... ورغم شعوره المبهم بوجود خطأ ما ،، فهو على يقين واضح كالشمس ،، أن كل تلك المشاكل والأزمات ستمر مرور الرياح كمروره في هذه البلد العربية التي لا انتماء له فيها ...

ربت تامر على كتفه ممسكاً برسغه .. " لا تقلق ،، نبضك يتحسن "

تنهد الجد براحة كبيرة " الحمد لله " وجلس على كرسييه ... قد ألصق ظهره فيه قائلاً لإياد ..
" كل هذا الجبروت ... وتختنق من قطعة بسكويت !! "

نظر إياد نحوه بطرف عينيه مبتسماً ابتسامة جميلة ذات أسنان ،، وبرزت خطوط التجاعيد الخفيفة قرب العينين .. ابتسامة في غاية الصفاء وكأنه صدق ذلك على نفسه .. ثم عاد لوضعيته السابقة .. ناظراً إلى السقف دون حراك ..

لقد هدأ البال ،، وعاد الجد يتحدث والخال يمزح ،، وإياد يضحك ..

عاد كما كان تدريجياً .. خاصة عندما سمع نداء الطعام ،، قد جهزوا سفرة طويلة عريضة ،، وضع عليها ما لذ وطاب من لحم ودجاج وأرز وألوان السلطات وأطباق الشوربا هنا وهناك ..

سفرة مكللة بالفواكه وألوان الترف ... تشبع الأنظار وتنسي من لذة طعامها الهموم ..

جلس الجد على رأس المائدة ،، وأدنى إياد منه ..
" يجب أن أراقبك حتى لا تختنق مجدداً كالقطط "

ابتسم إياد بخجل ..
" هذه أول مرة لي يا جدي .. "
" لا أول مرة ولا آخر مرة ،، لقد بدوت كسمكة خرجت للتو من الماء "

"ربما حدث ذلك لأنني دخنت سيجارتين قبل دخولي ،، أو لأنني لم آكل جيداً اليوم "

نظر نحوه بينما يناوله ملعقته " مممم لماذا ؟ "

" أمي طبخت السمك وأنا لا أحبه ،، أحب الكبة وكل ما يشوى على الفحم من لحم  .. عندما كنت أذهب إلى اسطمبول لزيارة أختي وزوجها ،، كنت ارتاد تلك المطاعم العظيمة التي تفوح منها- "

" ااووووه تركيا .. لقد ذهبت إلى هناك عدة مرات ولا أنكر أنها بحق بلد كل ما يشوى ،، ولكني لا أحب الخدمات في مطار أتاتُرك ،، أتعلم .. فأنا أحمل جواز السفر الألماني لذا يعاملونني ك- "

" لااااا تذكر تركيا أمام طليقتك الألمانية التي ستحضر غداً يا أبي أرجوك ،، لكي لا تصاب بتلك النوبة الوطنية الحادة "

ضحك الجد ضحكة عالية ..
" فلتمت ولتترك لي ابنتاي ،، سأكون في غاية السعادة حينها "

سأله مروان .." أهي ألمانية بالفعل يا جدي ؟ "
أجاب الجد يلوح بيده في الهواء ..
" أجل ألمانية ... بايرنية ... من نورمبرغ ،، وستحضر مع ابنتاي غداً .."

" يال تلك الأخبار السعيدة أبي ،، بعد طول غياب سترى ابنتاك " ضحك أيمن " أرجو أن تتقبلا بيئتنا العربية "

وظلوا يتحدثون بينما الصمت غالب على تامر .. الذي سقط في حفرة التفكير العميق ،، تلك الحفرة المليئة بالفرضيات والإحتمالات ،، حفرة بلا قاع ...

صدمة ما اسقطته من برج الثقة إلى ذلك المكان السحيق الأسود المليء بالأوهام ..
فظل يحدق فيما أمامه من طعام دون أن تلمس ملعقته الفضية شيئاً ...

ولولا رنين هاتف إياد ،، لما استفاق من سكرته ..

" إنها أمي .. يجيب أن- "

" أخبرها أنك ستتأخر قليلاً هذا غير معقول ،، كل نصف ساعة تطمئن عليك وكأنك عند شخص غريب لا عند جدك .. أطلب منها أن تكف عن معاملتك كالمتخلفين عقلياً "

ابتسم إياد هذه المرة ابتسامة ثقيلة وكأنه لم يتقبل مزاح جده .. " حسناً ،، من بعد إذنكم ...

أجل أمي .. "

لقد خرج من غرفة الطعام .. يبتعد صوته تدريجياً ..

ضحك خاله ضحكة سخرية " إبن أمه "

يأكل الجد قائلاً " من الصعب أن يقف في وجهها إنه مضطر لأن يكون كذلك .. المهم أنه لم يمت اليوم وإلاّ لكانت قتلتنا جميعاً ،، وأرجو أن يكون ما حدث اليوم سراً بيننا "

وافقه الجميع ..
" لقد كانت نوبة مفزعة يا جدي " قالها تامر ..
" ويجب أن يذهب إلى طبيب ليطمئن على حالة قلبه .. فالإغماء بسبب الخفقان يؤدي إلى ذبحة صدرية  "

" أنا لا أفقه في الطب ،، ها هو ذا كالحصان ليس علينا أن نقلق "

" تامر يا بني .." مسح على ظهره " كم أنت طيب القلب "

ليس القلب الطيب بل هو العقل النظيف ..
ما حدث اليوم لا يمت للصدف بصلة ..

فها هو إياد يعود إلى مقعده ،، وكذلك تامر قد أسقطته الصدمة من جديد في دوامة لا طائل منها ..

■¤■¤■¤■¤■¤■¤■¤■¤■¤■¤■

الصدمة التي دامت حتى بعد تلك الزيارة الطويلة ..
ورافقته هنا ..

على سريره ..
حيث بزغ القمر وأنار الغرفة بضوءه الأبيض البارد ..
يستلقي شقيقه مروان على السرير المجاور ،، يقلب في هاتفه ...

" لقد كانت صورة جماعية رائعة مع إياد "
قالها بينما يقارن شكله بشكل غيره في الصور ..
" هههه أبدو كالأبله هنا ،، أنظر "

أدار الشاشة باتجاهه .. فأدرك للتو أنه نائم على جنبه الآخر ..

" هل نمت ؟ "
قام من سريره ونظر موجهاً ضوء الهاتف على وجهه .. ليتعجب من هيئته فاتحاً عينيه لا يزال غارقاً في التفكير حد شعرات رأسه ..

" ماذا بك ؟! "

قال تامر بعبوس ..
" لا شيء "

" أتعلم ... لقد بعثت لي ابنة خالتي صور ابنتي جدي الألمانيتين القادمتين غداً ... انظر

هذه من المفترض أن تكون خالتي هايدي إنها تصغرني بسنتين 😅 .."

لم يلتفت تامر حتى ..

" وهذه إيملي ،، لا أصدق أنها في الثلاثين .. تبدو في الثالثة والعشرين ،، أنظ- "

" ابتعد عني الآن يا مروان ... رجاءً "
قالها بلهجة آمرة وعنيفة .. قد ارتفع مستوى صوته بشكل مفاجيء  " أنا لست بخير .. "

شقيقه يعرف تلك الجملة ..
تلك الجملة التي ،، يقولها عندما يتنازل عن كبريائه الصامت ويبلغ الحزن والألم مداه ..

إنه لا يريد أن يتحدث أو يتحرك .. إنه فقط تائه بين الحقيقة الصادمة والزيف الجميل ..

" هل إياد هو السبب ؟ أم كلمات جدي ؟ "
" لا شيء منهما أغرب عن وجهي فحسب .. "

احتارتا عينا مروان ناظراً نحو أخيه .. وتراجع إلى سريره بضع خطوات ،، يضع سماعات الأذن ويكمل تضييع وقته في التقليب بين الصفحات والصور ..

" أتعلم .. الإنترنت هنا أكثر من قوي "

قام تامر من مكانه بانفعال .. ودخل إلى الشرفه قد أوصدها ورائه ... يشعر أنه لوحده الآن ،، ربما يمكنه الصراخ عالياً فلعل الصراخ يطفئ ألسنة نيران شكوكه التي ستحيله فحماً أسود ..

عسى أن ينقذه صراخه من السقوط المتكرر في نفس الحفرة .. فكلما تذكر ما حدث ،، يقف عند تلك النقطة الغير مفهومة .. فتبتلع الهاوية ابتلاعاً .. كمن يسقط في ثقب أسود فيعيد نفسه وأفكاره ألف مرة ومرة ..

ينظر إلى حديقة المنزل والمسابح المضيئة ليلاً ..
إلى النخيل الطويل ،، وكيف يغطي أجزاءاً من قرص القمر ..

يريد أن يلقي بأسئلته في الأفق الشاسع فلربما يجيبه الغيب !!

أما حدث اليوم كان صدفة ؟
كان خطأ ؟

يتذكر الجملة التي دمرت كل شيء ..
" نبضه بطيء وضعيف "


لم تكن تلك الحقيقة ..

الحقيقة الوحيدة ..

أنه لا يمكن لطبيب أن يحتال على طبيب ..

تذكر عندما كان يضغط على صدره بكلتا يديه ،، وكيف أنه من شدة تسارع النبض وقوته ،، كاد أن يسمعه من مكانه ذاك ..

ولو أنه استمر في الضغط على صدره اتباعاً لتشخيص والده ،، لكانت هذه الليلة ليلة ارتفاع روح إياد حتماً ..

لهذا شلّ حركته ..
من شدة نبضه ،، شعر وكأن قلب إياد في قبضته ..

كيف وقد قال له والده أن نبضه ضعيف !!

^ حينها نظرت مباشرة إلى حلوى القهوة .. يستحيل أن ،، أقصد إنها حلوة .... ^

حلوى القهوة !!!!

اتسعت حدقات عينيه .. عندما تذكر محاولة والده إعطاء إياد جرعة زائدة من حلوى القهوة !!

بكل بساطة ..

لقد حاول قتلة ..

ثم صمت قليلاً ..
^ يستحيل أن يكون والدي بهذا الغباء .. ولماذا قد يريد أن يؤذي إياد ؟! ^

بدأ يراجع في ذهنه الأحداث ..
إن عقله يعارض عقله !!
وقلبه مضطرب الحجرات ينقبض كلما أعاد الأحداث ..

يستحيل أن يخطيء رجل عادي في التفريق بين نبض قوي ونبض ضعيف .. فماذا لو كان طبيباً قديراً يأتيه مئات المرضى في الأسبوع الواحد !!

ياله من أمر محير ..
يستحيل أن يصدق أحد على والده أنه سيء من مجرد موقف كهذا .. حتى لو كان الدليل واضحاً وضوح الشمس ..

لكن هناك أمرٌ آخر ..

تذكر تامر يحادث نفسه ..

^ إن النوبة التي تعرض لها إياد لم تكن نوبة خفقان عادية أبداً ،، لقد بدى وكأن كل شيء حدث فجأة وباندفاع شديد .. وكأنها كانت جرعة من الموت !! .....

لا لا يا تامر هذا فقط في الأفلام .. كل ما حدث اليوم هو مجرد مجموعة من الصدف ،، ووالدك لم يخطيء لربما كان نبضه ضعيفاً بالفعل في البداية ثم تسارع .. الإضطراب في النبض شائع جداً ..

والآن .. فلتعد إلى النوم .. ^

وبالفعل عاد إلى سريره يحاول إحراق كل شك يطرؤ على باله .. فلا حاجة له إلى إرهاق ذهنه بعد ذلك اليوم الطويل ..

●●○••○●●○••○●●○••○●●○••○●●○••○●●















لكنه لم يستطع ..
فلا يمكن قطع ثعابين الشك التي تخنقك سوى بنصل اليقين ..

قام من مكانه متوجهاً إلى خارج الغرفة ،، لم ينم الخدم بعد .. أحدى الخادمات كانت في المطبخ تغسل الصحون ..

" المعذرة .. أين ضياء ؟ "
" إنه يرتب المجلس سيدي "

توجه صوب المجلس بخطوات متسارعة ،، يعبر الصالة صم الردهة الطويلة .. ها هي البوابة مفتوحة على مصرعيها ،، ينبثق منها ضوء في قلب عتمة الردهة ..

ضياء "
" أجل سيدي "
قالها بهدوء وراحة تامة .. قد علق ابتسامة بريئة بين شفتيه ..

أريد أن أفحص حلوى القهوة وكل ما شربه وتناوله السيد إياد "

عندما نطق بذلك ،، هو نفسه انذهل مما قال .. فما قاله أمرٌ خطير إذ يدعي احتمال وجود مؤامرة ،، ولكنه تدارك نفسه ..
" فلربما لديه حساسية ضد شيء معين "

" بالطبع بالطبع .. سيدي يمكنك ذلك "
قالها الخادم بثقة تامة ..

قد سار إلى صالة مفتوحة وُضع فيها أرائك جميلة صغيرة .. " إنها للإنتظار .. "
اشار إلى كوب العصير ،، تهتز في قاعه البقايا ..

" لقد شرب هذا ... ويمكنك أخذ عينات من حلوى القهوة "

" جيد ،، أرجو ألا يعلم أحدهم ما أفعل "

" بالتأكيد سيدي ليس من الضروري أن يعلم أحد "
" شكراً على تعاونك ،، الآن اذهب "

ذهب الخادم بينما تامر يخرج محرمته القماشية .. ويمسك بها الكوب الطويل ،، يقربه منه ويشمه ..

ويتمعن في شمه ..
ثم يتذوقه ..

بينما الخادم يراقبه بارتياح ،، سيبحث ويبحث وسيكتشف أنه يدور حول نفس النقطة حتى يستسلم ويتعب ،، لا أكثر ولا أقل ..

لا شيء يثبت مجيء تلك المرأة إلى المنزل ..
لا شيء يثبت وجود مادة تزيد من تسارع النبض ..
لا شيء واضح ..

كل شيء يدل على أنها مجرد صدف متعاقبة ..
فرجاءً كف عن المحاولة ..


لا جدوى ..
إنه إنحصار الأفكار !!

¤●¤●¤●¤●¤●¤●¤●¤●¤●¤
- يتبع-




* الطريقة التي استعملها تامر في إيقاظ إياد هي الطريقة الصحيحة التي يجب علينا اتباعها حال حدوث حالة إغماء لأحدهم .

حسناً ..

يبدو أن الأمور الشائكة بدأت تحدث ..
أريد منكم أن تكونوا متيقظين دوماً ،، فقد يكون المتلاعب قد بدأ لعبتة ..

وقد يكون المتلاعب أي رجل موجود في الرواية عجوزاً كان أم كهلاً ..

يسعدني وجودكم هنا كثيراً ❤❤


Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top