-وليد الجبل-
_مدينة ويليامزبرج_
السماء ...
قد اُفتُرِشت ، بأطراف برتقالية بيضاء مزرقة مع نسمة باردة ..
تندَّى وجه الصبح .. فتثائب الأفق مشرقاً ببطء.
ربما هذه لحظات استثنائية للطبيعة ..
فالأفق خالٍ من تلك المخلوقات المسماة بالبشر .. من أصواتهم وكلماتهم, أفعالهم وآلاتهم وحتى هيآتهم المُلوِّثة للبيئة ...
انتعاشٌ فريد مؤقت قبل اختناق الحياة منا واختناقنا منها ..
وأخيراً ولبعض الوقت ستصدح العصافير فرحاً وتتقافز بين الوردات وعلى أسوار الحدائق .. تشرب من مياه البرك المترامية وتلتقط الأغصان المتفرقة ..
تبني أعشاشها بهِمَّة ..
تجمع الحبوب ...
ستتنفس الشجيرات ويبرد الإسفلت لوهلة قبل أن يسخنه احتكاك الإيطارات وتطأه مختلف الأقدام ..
صباحٌ بريء وكأن الأرض لم تعرف قط حروباً أو نزاعات.
صفاءٌ يوحي ربما أن الهموم والمآسي ستنقشع مع نهاية هذا اليوم.
بعد قرابة التسعين دقيقة من شروق الشمس .. ينفذ في سكون النهار بخفة صوت محرك سيارة خافت وكأن تلك التيوتا القديمة وعجلاتها تسير على استحياء بين المفترقات ..
قادمة من بعيد .. من خارج المدينة، نحو منعطف آخر الحي هناك، حيث منزل بيير - مسرح الإختطاف - كما أصبح اسمه منذ اللحظة ..
توقفت أمام البوابة الصغيرة وترجّل منها جاك أولاً .. يبدو على قميصه الرمادي البساطة وبنطاله من ذاك النوع الذي يفي بالغرض لا أكثر ...
تبدو عيناه صحوتين مع بعض الأعصاب الغير مرتخية؛ ولونه شاحب بعض الشيء ...
شعره مقصقص بعشوائية شديدة .. وأنفاسه قوية تحتدم مع هواء الجو ..
يشير لمن معه في السيارة .. كارلوس المحقق الخاص - أن يترجّل، فيتبعه بخطواتٍ متناسبة وصمتٍ وتمعن ..
يبدو كارلوس رجلاً عادياً متوسطاً في كل صفاته .. يرتدي نظارة ذات عدسات مستديرة كهاري بوتر وقميصاً أبيض ذو أزرة ... وحذاؤه رياضيْ قديم مع حقيبة صغيرة يريطها على خصره يحمل بها بعض الأدوات البسيطة ..
كلاهما لن يجذبا نظرك بتاتاً ولو للحظة ..
يتخطيان الحديقة الأمامية دون كلام .. حتى سبق جيمي كارلوس إلى باب البيت الداكن البسيط هناك إذ كُللٌ من النباتات تحيط المدخل ، يبدو عليها بعض اليَبس والإهمال ..
دقّ جاك (جيمي) الجرس مرة فأخرى تاركاً كارلوس يطيل التفحص في الهيئة العامة للمنزل .. وقد كان من السهل جدّاً ملاحظة أن الدخول والخروج إليه ليس بالأمر العصيْ بتاتاً .. بل إن بساطة تصميمه وضعف تكويناته تجعل منه هدفاً في غاية السهولة.
أفاق كالوس من شروده وأنَّق لوهلةٍ ياقة قميصه فور سماعه للباب يُفتح بهدوء .. يُطِلُّ منه إيدوارد ..
رجلٌ طويلٌ عريضٌ ينعم بقدرٍ ملحوظ من الصحة والعافية .. وربما أكثر ما يلفت الإنتباه به هي فانيلته الصوفية ذات الرقبة القماشية السوداء وبنطاله الأسود كذلك الذي جعله أشبه بالرجل القط ..
لقيهم بوجهٍ متعجِّب وراكز -
ومن ثم أطاح ببعض نظرات التساؤل نحو جاك ..
بيد أن جاك (جيمي) دخل متجاهلاً إياه ومن ثم نادى من داخل المنزل "تفضل كارلوس"
أشهر كارلوس بطاقته لإيدوارد قبيل الدخول قائلاً "محقق خاص. وهذا إذنٌ من النيابة العامة التي أصدرت المذكرة"
مشهراً ورقةً بها العديد من الكلمات وموقعة ومختومة؛ فأخذ إيدوارد يتمعنها بينما يندفع كارلوس دخولاً ..
أخرج كارلوس دفتر ملاحظاته .. وهم لكتابة أمرٍ ما ولكن جاك قاطعه قائلاً "هذه أغراض الطفلة مبعثرة كما هي .. وهنا كما قالت السيدة بياتريس حدث الإختطاف .."
ثم أشار إلى أحد الأماكن أرضاً "وهنا وجدنا السيدة بياتريس طريحة حيث أسعفناها ..."
سأل المحقق "كم شخصاً كنتم آن ذاك؟!"
"أنا وإيدوارد .."
"حسناً"
قالها المحقق؛ وشرد بشدة في الأماكن والزوايا وكأنه يحاول تخيّل ما حدث .. رغم قلة الأدلة إلا أنه استطاع نسج شيءٍ مما حدث في خياله العميق - ولكن -
لاحظ سرير الطفلة الصغير .. وثيابها؛ وكيس حفاظاتها الجديدة .. فألقى سؤالاً "أين تنام عادةً تلك الطفلة؟!"
أجاب إيدوارد "في الأعلى سيدي .."
إلتفت المحقق إلى إيدوارد ناظراً نحوه ..
"وأنت؛ هل أنت زوج السيدة بياتريس؟"
احتنقت نظرات جاك نحو إيدوارد بشدة قبل حتى أن يجيب ..
فأجاب إيدوارد متلافياً لنظرات جاك ..
"لا سيدي .. أنا طبيبها الخاص ومرافقها."
"اهمم .." وهمّ يكتب ملاحظاته ..
ثم قال "وأين كنت وقت الحادث؟"
أجاب "في البقالة."
دوّن كارلوس متمتماً " ف يي .. ا ل البقالة .. همم حسناً"
انتهى ثم نظر إلى جاك مستأذناً "هل لي بالحديث مع السيدة بياتريس؟"
أجاب جاك من فوره "حسناً .. سأوقظها-"
"لا ليس الآن. إنها مرهقة ونائمة." قالها إيدوارد بحدة غير معهودة منه وكأنه آليٌّ خردة .. إلاّ أن جاك اندفع صاعداً وكاسراً لجملته فتبعه إيدوارد إلى الأعلى ..
بينما كارلوس يدون ملاحظةً جديدة لتوه عن تصرفاتهما .. لا يدري كم احتدمت نظرات جيمي جاك إلى إيدوارد قرب باب غرفة السيدة بياتريس المغلق ..
لا يبدو على إيدوارد أنه يرغب في العبث أو إثارة الخلاف بينه وبين جاك تماماً .. بل إنه يحاول تلافي النظر إليه حتى .. وفي ذات الوقت يتحكم ويفرض سيطرته حتى على مواعيد نوم واستيقاظ السيدة بياتريس!!
كانت دقات قلب إيدوارد هادئة وثابتة.
فهو بارع جداً في التحكم بانفعالاته لأبعد حد. بينما دقات قلب جيمي كالضرب على الطبول يكاد لا يحكمها. يقتحم غرفة أمه النائمة كالطفل الشكاء ...
وجدها مستلقية على السرير تتنفس بهدوء ..
رؤيتها وحدها كانت كالشفاء لعينيه وقلبه ..
كالبلسم ..
نائمة على جنبها ووجهُها كالملاك؛ يتناثر شعرها القاتم على الوسادة .. إذ يبين على وجهها النحل وقلة اللحم ورقة البشرة ..
ويظهر شيءٌ من وجنتيها .. ورغم أنها لا تلتفت للتزين بالمساحيق ونسيت روتينات العناية؛ إلا أنها كانت كأميرة خيالية ناعمة سقطت من الجنة في نظر ابنها الوحيد ..
ينزل جيمي على ركبتيه بقربها .. يشعر أن وجود كيانها أبداً ليس يليق بهذه الحياة ولا بمتاعبها ..
يهمس "أمي .." بصوتٍ هادئ ..
ووضع كفّه العريض البارد على البطانية قرب كتفها ..
ثم مجدداً "أمي!!"
تفتح عينيها ببطءٍ ..
لترى وجهه المستنير وشعره القام المقصقص حديثاً .. هذه العينان أزرقهما ساحليٌّ مضيء تلمع بهما شواطئ من رحمة وشفقة ..
تُخرج السيدة يدها من أسفل البطانية بشيءٍ من الهوان .. وتمررها على خده تتلمس وجهه ..
للحظاتٍ ظنّت لربما هي تحلم ..
إن رؤية وجهه حياة بل هي الحياة لها ..
تتلمس وجهه بكفها متمتمة ببحة "جيمي .. هل عدت!!"
أومأ برأسه -أجل- ..
وزاد في عينيه لمعة الدمع ..
تقوم السيدة ببطء مقتربةً منه تشده بهوانٍ إلى صدرها وتحتضن رأسه القريب بقوة حتى سمع نبضها وشعر بشبكة من العروق المتشابكة والأوردة تحيط به وتنبض بنبض قلبها الحنون ...
كان حضناً دافئاً وذا جاذبية قوية ..
تقول له "كل شيءٍ سيكون بخير .. أنا وإيدوارد وجدنا حلّا"
"آمل ذلك .." ثم رفع وجهه ونظر إليها تبتسم ابتسامة صغيرة قلقة ..
فأخبرها "لقد حصلت على محقق خاص يدعى كارلوس .. هو أحد معارف رالف؛ سيساعدنا!"
اضطربت نظرات والدته لثانية ..
ثم تحركت كلتا مقلتيها ورقبتها نحو إيدوار الواقف في الجوار ..
كانت أشبه بنظرة استفسار ترجمها جيمي على أنها استئذان ..
فعاد يشتعل بداخله غيظاً من إيدوارد الذي تحدث قائلاً "سيدة بياتريس .. إن المحقق يريد سؤالك ..
لكن أظن أن عليكي أن ترتاحي لبضع ساعات ثم يمكنكي النزول لمقابلته.
ليتسنّى لكِ التحدث بأريحية .."
أومأت السيدة بياتريس " .. مم-"
فاندفع جيمي "أمي رجاءً الآن .. ليس لاحقاً فليس لدينا وقت!"
قاطعه إيدوارد "دع والدتك تستريح."
تجاهله جيمي وأعاد قائلاً "أمي!!! ابنتي يا أمي!!!"
سارعت قائلةً "اووه حسناً .."
لكنها عادت تنظر إلى إيدوارد ذات النظرة التي أطلق عليها جيمي نظرة الإستئذان!!!
وتابعت "سأتجهز للقائه .. عزيزي لا تقلق."
ثم مسحت على شعره ..
قام من فوره وقال لها "خمس دقائق .. حسناً؟!"
وأشار إشارة صارمة لإيدوارد بالخروج أولاً .. فخرج إيدوارد وتبعه جيمي مغلقاً الغرفة خلفه .
ينزل متجاهلاً إيدوارد ويرى كارلوس في حالة من التفكير والتمحيص وكتابة الملاحظات العديدة ..
وفور حضور جيمي قربه؛ أتاه كارلوس بوجه مليء يالتساؤلات ...
"سؤالي الآن .. كم هو عمر الطفلة؟!"
اجاب جيمي "بضعة أشهر ربما خمس أو ست .."
سأل كارلوس "وما علاقتك بها؟!"
"نحن كالإخوة ..
إنها حفيدة السيدة بياتريس وأنا ابن السيدة المتبنى .."
بدت على كارلوس علامات التعجب قبل أن يسأل "تقول أنها يتيمة الوالدين .. أليس كذلك؟!"
"أجل."
"وما الذي جاء بها وبجدتها هنا؟!"
اجاب جيمي بثقة "أنا أدرس هنا وأعمل وأقيم مع صديقي بيير .. جائت السيدة بياتريس وخادمها المدعو إيدوارد هذا- ومعها حفيدتها لزيارتنا ... هذا كل شيء."
"احمم احمم" قال إيدوارد "طبيبها المرافق."
بحنق قال جيمي "لكنها ليست مريضة حتى!!!"
قاطعهم كارلوس مجدداً بهمهماته يدون "علاقة مضطربة بين .. المتَ .. المتبنى جاااك والطبيب المراافق إيدوارد .. همممم"
ثم قال "هلّا ترياني بطاقتكما الشخصية؟"
أومأ إيدوارد "تفضل" وسلّمه البطاقة حيث صورته وبياناته الخاصة ..
وبينما هو يدون؛ سمعوا صوتاً ناعماً من الأعلى ينادي بطبقة منخفضة قرب الباب المفتوح ..
"إيدوارد ...
إيدوارد هل لي بلحظة؟!"
ترك إيدوارد مكانه وصعد ملبياً النداء بينما ينظر جيمي له بحنق شديد ..
يكسر كارلوس هذا الموقف بسؤاله لجيمي "هل تعرف والد الطفلة جيمي المتوفّى؟!"
أجاب "أجل .."
"هل لديه عداوات؟!"
"لا أعرف .. ربما نعم وربما لا وربما إيدوارد ..
أعني إنه يكره إيدوارد أجل .."
"وماذا عن السيدة بياتريس؟ هل لديها عداوات؟!"
"لا مطلقاً!!"
"هل ترك الخاطف أي رسالة أو إشارة أخرى غير ما رأيته في كاميرة المراقبة؟!"
"لا أظن ذلك."
تنزل السيدة بياتريس مقاطعة للحديث .. بثوبها الفضفاض وخطوات خفيفة سريعة ..
يتبعها إيدوارد كظلها خطوة بخطوة وكأنهما يطفوان سيراً .. حتى وصلت إلى المحقق قائلةً بنبرة منهكة "مرحباً سيد كارلوس سررت بقدومك، شكراً على قبولك مساعدتنا"
ثمّ تابعت بشيءٍ من التظاهر بمشاعر لا تعرفها هي قائلة - "لقد جئت في الوقت المناسب خاصة أنه وفي اليومين الماضيين تكررت اتصالات الخاطف .."
أومأ إيدوارد بأجل مؤكداً حديثها ..
فغلبت على ملامح المحقق بعض الحماسة بينما انتابت جاك صدمة لعدم معرفته هذه المعلومة من قبل ...
ساوره شكٌّ قاتل وأفكار مزعجة ..
إذا اتصل الخاطف بهم بينما كان هو عند جراي ولم يبلغه أحد!!
قطع المحقق حبل أفكاره متسائلاً "هل لنا بكوبيْ قهوة؟ أريد التحدث مع السيدة هُ .. هُناك" مُومِئاً إلى منضدة مستديرة في أحد زوايا غرفة المعيشة تبدو مخصصة لتناول الفطور ..
ثم اتسعت ابتسامة عريضة جداً ومبهمة على وجه المحقق ذي النظارة المستديرة ...
"لا بأس، تفضل" قالت والدة جيمي؛ ومن ثم اتجهت
نحو المنضدة ...
جلسا وجهاً لوجه .. المحقق و السيدة بياتريس .
كانت تضم يديها إلى حجرها بينما أخرج المحقق دفتر ملاحظاته وعدل نظارته يراجع المعلومات الأساسية ..
"سيدة بياتريس .. إذاً أنتِ في السادسة والأربعين، أرملة وليس لديكِ إخوة أو أخوات .. أليس كذلك؟"
أومأت ببطء .. ولسبب ما كانت عيناها متشدقتين مدورتين لا ترمشان وكأنها ترى ما تخاف وتحذر!!
"سيدتي .. استرخي رجاءً وأخبريني، هل تعرفين أو تتوقعين من هو الخاطف؟"
قالت "لا ... لا أعرف شخصة"
سألها "هل لديكِ أعداء؟"
أومأت ب لا ..
ثم سأل "ماذا عن مادياتك؟! بِكم تقدر ثروتك مثلاً؟"
أربك هذا السؤال السيدة لوهلة وكذا جذب أسماع جيمي الذي لم يسأل حتى نفسه قط كم من الأملاك تملكها والدته ..
أجابت السيدة بشيءٍ من الحياء وبصوتٍ خافضٍ جداً "المعذرة سيدي" وجعلت تلعب بأصابع يدها بارتباك "هَ هَل .. تظن أن المال قد يكون هدف الخاطف بالفعل؟"
رفع كاروس منكبية وقوّس شفتيه ب -لا أعرف ..
"ربما!!"
فكرت لوهلة "لكنه لم يطلب مبلغاً هذه المرة .."
"هذه المرة؟! هل طلب من قبل؟"
تداركت الأمر فقالت "أعني .. بالفعل لقد ورثت مؤخراً مبلغاً ما" تقولها متجنبة النظر المباشر بعيني المحقق .. وبطريقة ما تضم إليها ذراعيها في شيءٍ من الهروب من المواجهة ..
لم تدرك إلَّا وإيدوارد واقف خلفها ويده قد حطها على زواية ظهر كرسيها الخشبي كشيءٍ من الدعم النفسي -
ويشرع بقول "احم .." ليجذب الإنتباه .. ثم يردف "منذ قرابة ثلاث أعوام تم الإقرار أن السيدة بياتريس وريثة عائلة فرانكنجهوف الوحيدة."
دعّج كاروس عينيه باستغراب يبحث في ملفات ذاكرته "فرانكنجهوف لا غير؟!"
أدار جيمي جاك عينيه بامتعاظ لايدري ما الذي أحضر باسم عائلة والدته على الطاولة الآن .. ألا يجدر أن يكون الأمر جله منصبّا على كيفية إنقاذ ابنته؟!
شهقة قوية من ماركوس عالية الوقع استفاقت لها أذهان الجميع هاتفاً بحماس "عائلة فرانكنجهوف !!!!"
ابتلعت السيدة ريقها وأومأت ب نعم ..
يبدو وكأن العرق يكاد يُندي جبينها .. ولا يفهم المحقق لما انتصبت عروقها وتصلبت ولكن يبدو أنها لم تشأ أن يعرف أحدهم بذلك.
وجه المحقق بدى وكأنه تشنج لوهلة من الذهول فاختلطت على وجهه ملامح الإنبهار والحماس معاً بل والتعجب الشديد!!
وكأنه صُفع للتو صفعةً مبهجة ومنعشة !!
يراجع شيئاً من الاوراق بين يديه حيث نسب السيدة موضح ولا يكاد يصدق ما يراه بعينيه .. أجل إسمها بياتريس فرانكنجهوف وقد اشتهرت تلك الأسرة بثرائها الفاحش ..
إذ أن أملاكها تقدر ب مئة وستة وسبعين مليار دولار - بل وتلك العائلة مشهورة بنقاء نسلها الذي تم الحفاظ عليه منذ بضع قرون ..
لكن نسائهن في آخر عقدين لا ينجبن سوى مرة في العمر لذى بدى وكأنهم ينتهون .. ولكن -
"هذا ليس مجرى حديثنا الأساسيْ جاك أراك تزفر كثيراً" قالها كارلوس بشيءٍ من المزاح ..
ثمّ أردف "يبدو أن قضيتنا شائكة هنا .."
أجابه إيدوارد "المعذرة سيد كارلوس؛ ولكن السيدة بالفعل قد أوكلت محققاً خاصاً. وكل شيءٍ الآن في طور البحث ..."
ابتسم كارلوس بكل سرور ثم ردّ بحروفٍ واضحة اللفظ والحركات ..
"أرجو العلم - سيد إيدوارد - أني لست هنا لإنقاذ الطفلة فقط.
ولكن و بشكل أساسي هنا لإنقاااااذ - موكِّلي من التهمة .. العقيد زيميركوف بلينسكي. والذي تم اتهامه حتى ال - آن باختطاف طفلين رضيعين خلال هذه الأسابيع القليلة ..."
أجابه إيدوارد بثبات "لم تتهمه السيدة ولم يتم رفع أي دعوى قضائية ضده من قبلنا سيد كارلوس .. لذا يجب عليه أن لا يقلق"
بابتسامة صفراء أجابه كارلوس "هذه ليست قضيتكم وحدها فالطفلة أحدُ الضحايا وليست الضخية الوحيدة ..." ثم أردف "والعقيد بلينسكي لن ينتظر حتى تُرفع عليه دعوة قضائية!! إنها سمعه وهو له منصبه ... أمرني بالتحقق قبل حدوث أي شيء آخر .."
أشارت السيدة بياتريس لإيدوارد بشكلٍ ما أن يتوقف عن الجدال .. وأن يصبر ويهدأ.
فاعتلى الجميع سكوتٌ طال عدة ثوانٍ ..
يرقب جاك المحقق وهو يقلب بين يديه بعض الأوراق بينما إيدوارد يتذكر فجأة إحضار القهوة ..
فيتجه إلى آلة القهوة بسكون وصمت بالغ ثم يحضر كوبين ..
ويضع القهوة في القمع الآلة ...
ثمّ يشغلها بهدوء ..
وهنا يعود المحقق يتسائل ..
"تجزمين أن خاطف الطفلة هو ذاته من شوهد في الكاميرات أليس كذلك؟!"
أومأت بأجل ..
أخرج من جيبه مسجل صوتٍ صغير قديم الطراز .. وضغط على زر التسحيل "سيدتي؛ هلَّا أخبرتني بالتفاصيل؟"
ثمّ أوضح قائلاً "أرجو أن تجيبي عن بعض الأسئلة مثل من أين دخل وكيف؟
ماذا كنتي تفعلين لحظتها؟
ماذا كانت ردة فعلك وفعله؟"
ابتلعت السيدة بياتريس ريقها ونظرت ببعض الوجل .. ثم أجابت "دخل من الحديقة الخلفية من المطبخ.
وكما ترى سيدي المطبخ متصل بالصالة ..
وكنت في الصالة مع حفيدتي وتفاجأة به أمامي-"
استوقفها قائلاً "مهلاً مهلاً .."
يعدّل من جلسته ويقرّب وجهه بعض الشيء منها يتهجأ "قلت .. ب و ضووووح"
اضطربت السيدة بياترس من نظراته المصوبة المفخخة إذ تكاد ترى كمال استدارة مقلتيه من حدة تحديقه ..
فتشعر لوهلة وكأنه يتم معاملتها كمتهمة لا كضحية.
وتظهر عليها علامات التوتر بينما تتردد الحروف على لسانها وينخفض صوتها "س سيدي ..
المعذرة -
لقد كانت هناك على سريرها الصغير المحمول نائمة ..
كنت قد جلبتها للصالة فقد أردت تحضير الفطور وأنا أخاف أن تستيقظ وتبكي بالأعلى وحدها فأنزلتها معي ..
كُ .. كنت أحضر شيئاً من أعلى الرف ..
أظن أنه حليبها ..
إلا أنني سمعت صوتاً خلفي فجأة - فالتفت - فإذا بالرجل الأسمر الضخم يحملها .. ولكن من فزعي لم أستطع الصراخ فقط ركضت نحوه بسرعة فدفع برأسي وسقطت مغشيّاً عليْ .."
|\|\|\|\|\|\|\|\|\|\|\|\|\|\|\|\|\|\|\|\|\|
#المحقق
لا أستطيع إنكار ما تقول ..
قد تكون صادقة في سرد ذاك الحدث.
لكني أجزم أنها تخفي أمراً ..
بل أموراً.
تذكرت لوهلة .. قالت انها تعد الفطور ولكن لما كيس حفاظات الطفلة الذي يحتوي على حفاظات جديدة موجود في الصالة!!
بل وهناك جورب الطفلة وقطعتين من ثيابها في الصالة!!
أعني أن الأمر وكأنه قد تم تغيير ملابس الطفلة هنا ..
فكرت قليلاً بينما يخرق شرودي كوب القهوة يوضع أماماي .. وبأدبٍ ممزوج بشئٍ من سرور يقول لي هذا - الإيدوارد "تفضّل .."
شكرته ثم أخذت الفنجان وشربته بروية المتمحص في التفكير .. ورأيت انعكاسي على القهوة .. فخطر لي سؤال!
"المعذرة ولكن .. هل لي بمعرفة ما نوع الحليب الذي تتناوله الطفلة؟!"
أسرع جاك إلى خزانات المطبخ وأحضر من أحد الأرفف علبة من القصدير مدورة بها بعض بودرا حليب الرضع -
ومع أول نظرة أدركت أنه من أحد المنتجات التي تباع فقط في الصيدليات بالتأكيد ..
شيءٌ ومض بعقلي ..
سألتها "هل هذه العلبة الوحيدة هنا؟"
ترددت السيدة في الإجابة وكأنها لا تدري أو لا تذكر .. ولكن جاك تقافز قائلاً "عادة لدينا علبة إحتياطية جديدة"
ألقيت سؤالاً وجيهاً ..
"وأين هي؟!"
ذهب جاك للبحث عنها بينما ثبّتُّ عيناي كالرادار على وجه السيدة بياتريس (البريء)
وسألتها "سيدتي ... كم من الأيام تمضي حتى تنتهي العلبة؟"
أخذت السيدة نفساً خفيفاً قطعه جاك ظاهراً أمامي وقائلاً "لم أجد العلبة الجديدة" ثم أجاب "في العادة تنتهي كل علبة في خمسة أيامٍ على الأكثر"
فقلت "ومنذ متى والطفاة مختطفة؟!"
أجابت "منذ ثلاثة أيام .. وهذا هو اليوم الرابع سيد كارلوس."
صمت قليلاً ولم تترك عيناي وجهها لوهلة أبداً ..
شعرت وكأن شيئاً ليس على ما يرام .. بل - كل شيء ليس على ما يرام ..
ما الذي أتى بهذه السيدة الثرية إلى منزلٍ بسيط في أحد ضواحي المدينة مع حفيدتها الوحيدة؟!
ثم لم تقل لي طوال التحقيق أرجوك جد حفيدتي في أسرع وقت أو أياً من تلك الجمل .. بل وكأنها لا تأبه لها كثيراً ..
أو وكأنها لا تؤمن أن استرجاعها قد يكون من خلالي مثلاً؟!
شعرت بعدم الإرتياح -صدقاً- فهذه المرأة غريبة وغامضة إلى حدٍّ كبير ..
والفرق بينها وبين اتجين الضحية الأخرى كبيرٌ جدّاً .. ولا أعرف كيف قد يتم اختطاف طفلين بعيديْ المسافة من ذات المصدر واتهام ذات الشخص ولمَ؟
ولكني أصدق ذلك ..
فالسيدة بياتريس على علاقة جيدة بالسيدة اتجين فقد كانتا تعيشان في لوس آنجلوس وكلا العائلتين أصدقاء ..
ورغم تشابك الأحداث إلا أني استطعت الإمساك بخيطٍ ما لا يراه غيري.
تغيير ملابس الطفلة ..
اختفاء علبة حليب جديدة ..
وأخيراً ذاك السؤال ..
"تجاك!"
اجاب بسرعة "نعم سيدي .."
"أريدك أن أسألك إن كان هناك حقيبة خاصة بالطفلة من تلك الحقائب التي تتضع فيها أغراض الرضع"
أومأ جاك "بلى .. هناك واحدة قد اشتريناها مؤخراً ...
إنها زهرية وناعمة ومستطيلة .."
أجاب "هل لا تزال موجودة؟!" ثم تداركت الأمر قائلاً للسيدة "ربما حملها بداخلها مثلاً أليس كذلك؟!"
صمتت السيدة وبدت ملامحها تتلون وتتبدل بشكلٍ ملفت وغير ملائم لبراءة وجهها ..
يركض جاك للأعلى بالغرفة حتى يرى إن كانت الحقيبة لا تزال موجودة أم لا ... بينما أنا متأكد بنسبة ضحمة أن السيدة بياتريس هي من جهزت الطفلة للإختطاف أو لنقل للذهاب في رحلة قصيرة ..
أو طويلة ..
لقد بدلت ملابس الطفلة وجهزت حقيبها ..
بل ويمكنني تخيل الرجل يأخذ الطفلة وهي نائمة بعمق ..
تتأكد شكوكي بأن السيدة متورطة بالفعل حين أرى بأنها لم تخبر الشرطة ولم تبلغ أي جهة رسمية بأي أمر ..
وكما توقعت ..
نزل جاك من الأعلى والذهول يعتريه؛ قائلاً ..
"لم أجد الحقيبة بل وبعض ثياب الطفلة كذلك."
وهنا ننتقل إلى المرحلة التالية ..
"ماذا قال الخاطف لكِ في الهاتف سيدة بياتريس؟"
سكتت قليلاٌ وأخفضت بصرها ..
أصايع يدها متشابكة ولكن غير مشدودة معاً وهذه إشارة بأنها غير مرتبكة ولكن مستسلمة!!
أجابتني "قال لي أن الطفلة بخير."
"وهل طلب المال؟!"
أومأت "لا .. مطلقاً"
"وماذا قال بعد؟!"
"كان يطلب مني أن أصبر وألا أقوم بالتبليغ أو فعل أيِّ أمر .."
سألتها بوضوح "هل تعرفين الخاطف؟!"
سكتت سكتة طويلة ...
وكان جاك وعيناه مصوبة عليها كما عيناي ..
ثم قالت
"لا."
"لا؟!"
"لا مطلقاً. لا أعرفه ولم أره"
هلّا تريني رقمه لأتحقق عنه؟"
"سيدي أرجوك ..
إن علم بوجود محقق أو غيره قد يبدأ بتهديدي فعلياً فرجاءً منك أن تدع الأمر برمته وإن عجزت فسألجأ للسلطات .."
"أنا أحترم رأيك وأقدر مخاوفك سيدتي ... ولكن يجب أن ننقذ الطفلة في أقرب وقت."
أريد قول أني أشعر عميقاً ببرودة قلبها بشأن تلك الطفلة ...
وإيدوارد لا يختلف عن الحائط الذي خلفه، لكنه لا يبدو خطيراً ...
أما جاك فيمكنني قول أن اللهيب يكاد يطل من نافذتيْ عينيه .. وصكة أسنانه مع الخوف البادي على وجهه يدل على كونه الوحيد الذي يشعر بالقلق أو
أو أنه الوحيد المخدوع هنا.
أخذت استراحة وكذلك أعطيتهم لأستجمع أفكاري ..
لقد تم اختطاف طفل اتجين في غابات كاليفورنيا .. وتم اختطاف الطفلة في ويليامزبرج والتي هي بعيدة جدا عن كاليفورنيا ..
وفي كلتا الحالتين، تم اتهام شخص واحد وهو جراي (الأبعد عن التهمة).
والأغرب من ذاك أن تلك الحوادث من اختطاف الرضع حول غابات كاليفورنيا أصبحت شائعة للسلطات، وقد كان جراي أحد المشتبهين بهم الأبعد ...
ولكن أن يتم اتهامه من هنا في حادثة اختطاف منظمة!!!
هذا يعني أن من اتهمه يعرف الكثير والكثير ...
ولكن، حادثة السيدة اتجين تبدو وكأنها إنقاذ للطفل الرضيع.
والخاطف أو كما يمكن تسميته المُنقذ؛ قد وصف مكان إيجاد الطفل في أغنيته عن الحبل الضبابي ...
لكي يجعلها أكثر سهولة للسيدة اتجين حتى تتذكرها ..
أما السيد زيميركوف بلينسكي (جراي)
يتم اتهامه بكل الوسائل ...
رغم أني موقن ببراءته.
والآن صرت متيقنا أكثر ...
_ ينظر بريبة شديدة نحو السيدة_
°•••••••°••••••°•••••••°
#الراوي
وكما يؤمن كارلوس.
يبدو أن اختطاف طفلة جيمي المخطط له سينتهي بشكلٍ مخطط له كذلك ..
ومع ذلك، طلبت السيدة برفق من كارلوس أن يقضي اليوم والليلة عندهم.
"فأنت ضيفنا ..."
"هذا من دواعي سروري سيدتي."
قالها وهو في شيءٍ من شرودٍ طفى على سطحه ليجيبها ثم عاد في غياهيب شروده ...
فلم تبدو السيدة قلقة من كارلوس أكثر من قلقها من جيمي نفسه -
فلقد بدأت تشعر أن الأمر يتفلت من يدها والأسرار تكاد تطفو على السطح فتتكشف.
لقد بدأت السيدة بياتريس تحوم بخفة حول ابنها الرابض على الأريكة وكأنما تحاول تصيد أفكاره ورميها بعيداً ...
يبدو على وجهه القلق والشرود .. فبعد ذلك التحقيق لم يتم الإقتراب ولو بخطوة من مكان الطفلة.
فلا شك قد لاحظ تفوه والدته برواية معينة كاذبة للحدث بأكمله ...
ولكن السيد كارلوس لم يحضر ليسأل بشأن الطفلة فقط بل يمكننا قول أنه تمويه لا أكثر -
فالسيد المحقق كارلوس الذي استقال من عمله في الحكومة وانزوى في أحد اطراف لوس آنجلوس لم يهدأ فضوله لوهلة بغية معرفة سبب حوادث الغابة الغامضة والتي كان الأطفال والرضع ضحايا لها .
والآن، شعر أن السيدة هذه متورطة ...
ليس فقط في هذه الحادثة المرتبة ؛ بل في المزيد.
هنا قام جيمي من مقعده ..
وطلب من والدته أن يتحدثا على انفراد.
"... رجاءً يا أمي ..
فلنتحدث ولمرة واحدة كلانا فقط في الغرفة فوق."
ابتسمت الأم بثقل متعنت
"هه ه .. حسناً-
لا بأس."
فسار جيمي إلى السلم وتبعته والدته وعينا إيدوارد حتى اختفى ووالدته عن أنظار الجميع ..
وسُمِعَ باب الغرفة يُغلق .
إذ في الداخل تنظر بياتريس لوجه ابنها -
لأول مرة ترى في ملامحه كهولة هم.
يحرقها قلبها بشدة ...
تدرك ببطء شديد شناعة ما أُجبرت على القيام به.
أو فلنقل، ما أجبرت نفسها على القيام به.
ولكنها خُيّرت بين حياتها وحياة ابنها وبين تسهيل اختطاف ابنته.
ويال السخرية ..
فقد حرمت ابنها من فلذة كبده خوفاً من أن يحرموها هي من فلذة كبدها ..
وتفوز هنا وحشية الأمومة.
وقسوة الحنان ..
وأنانية الإيثار.
ترى في عينيه انكساراً حزيناً لا يوصف. لم ولن ترضاه على ذاتها.
فقد جاهدت كثيراً لكي لا تواجه هذا الموقف من فقد الإبن -
بياتريس تخرج ببطء من داخل أنانية حبها له -
وتدرك بذات البطء كم أن حبها آذاه جداً.
وكم أن حبها بدأ بالفعل يقتله.
جلست على السرير ..
وقالت "أظن أن بعضاً من أموالي مبتغاهم ...
سأحرص على دفع ما يرضيهم."
سكت جيمي ..
وصوب لها عينين في غاية الحزن.
لم تعرف ما تقول!!
تتعتعت وتداركت فتابعت "لا تقلق لقد سمعت صوتها إنها بخير!!"
أجابها جيمي بسؤالٍ لم يخطر على بالها قائلاً ..
"أمي ..
أريد أن تخبريني الحقيقة.
من آدم الذي استخدمتيه؟!"
فوجئت السيدة بياتريس بشدة وتشعشعت من وجهها الدهشة - فدخل إيدوارد من فوره الغرفة.
"المعذرة سيدة بياتريس ..
الخاطف يتصل!!"
الخاطف يتصل!!!
استشاط جيمي غضباً "كيف تقتحم فج-"
ثم خمد وارتخى ..
فور سماعه صوت ابنته من الهاتف.
بخير.
تصدر أصوات لعب.
لا يمكن لحدة ذاكرته أن تنسى صوتها ..
إنها بخير إنها حيّة!!
أعطى إيدوارد الهاتف للسيدة قصداً قبل أن يصل إليه جيمي ..
وضعته على أذنها بينما صوت الخاطف يقول "غداً الساعة الواحدة ..
ستكون عند عتبة منزلكم.
فقط حولي المبلغ الساعة الثانية عشر."
و
فور اقتناص جيمي للهاتف من يد والدته أغلق المتصل الخط.
لقد جنّ جنون جيمي ...
بدأ يضغط على الأزرة تباعاً بغيظٍ شديد يبحث عن الرقم - ثم يتصل فيجد أن الرقم مغلق ...
ويحاول مجدداً ومجدداً قد شبّت فيه حرارة الغضب حتى بدت العروق بجانب عينيه ومرّ عرقٌ آخر في جبهته ...
تنظر إليه والدته بقلق شديد.
تراه كمن يكاد ينفجر وهو يدعس أزرة الهاتف بأطراف أصابعه فاهتز صوتها تخبره "سأدفع له. جيمي!!"
التفت نحوها بسرعة ونظر إلى عينيها نظرة - قد استدارت حدقتاه وكأن أزرق عينيه بات لهيباً لا ماء ..
تكاد والدته أن تسمع قرع قلبها على الضلوع ...
لقد ارتجفت.
إذ ثبّت جيمي نظراته الغاضبة نحوها.
بدأت خطواتها تتراجع ..
للخلف.
وللخلف ..
تختنق شهيقاً وزفيراً !!
اقشعر بدنها وبدأت تذكر كل مخاوفها تباعاً.
تمطرها الذكريات ...
أسيخرج عن السيطرة؟!
إن وجهه غير معتاد بتاتاً الآن ...
ترتعش شفتاها وهي تقول له "جيمي ...
لا داعي للخوف عليها.
رجاءً"
تسمّر مكانه ...
يعاتبها بنظراتٍ أبلغ من أي كلماتٍ قد ينطقها ...
لوهلة شعرت والدته بالدوار من تحديقه الثابت بعينيها.
كانت تعد تنازلياً داخلها ... على وشك أن تنضح بالحقيقة ..
تصارع الصمت وتستعد للإنفجار ...
ثلاثة ...
إثنان ...
ولكن، بدى جيمي وكأنه يستعيد التحكم بغضبه تدريجياً ..
اندفع خارج الغرفة.
حينها بدأ قلب والدته يتوجع. تشعر بالحرارة في صدرها وتشتعل ضلوعها حطباً لوقود الندم ...
لم تتمالك السيدة نفسها.
انهارت على أحد الأرائك وأجهشت بالنحيب الطويل الطويل ..
كطول شريط لقطات الماضي.
كطول آمالها الواهية لإنقاذ حياة ابنها الوحيد.
إذ .. تذكر تسليمها للطفلة.
قد وعدوها أنها ستعود ...
لم تفكر لحظتها بقلب ابنها.
فكرت فقط كيف تكمل خطة نجاته من الموت ..
لم تعد تدري أهي أنانية حد الجرم أم مُضحية حدّ الموت!!
لكن طيف إيدوارد خلفها استقام وكأنه قارئٌ لحديث نفسها ..
يخبرها "أنّ الألم هو جزءٌ من رحلة العلاج .. سيدتي.
كالعمليات الجراحية واستئصال الأورام تماماً."
قالها وخرج بهدوء يقصد البهو قريباً من غرفة جيمي ليمارس هوايته المفضلة بلا منازع ..
إستراق السمع!!
إذ أغلق جيمي الباب وبدأ بطلب رقم رالف بسرعة هستيرية.
يؤمن أنه الشخص الوحيد الذي يقف بجانبه ...
ويفهمه.
وهاهو يدق جرس الإنتظار ..
وجيمي متربع على سريره، لم يأبه لتغيير ثيابه ولم ينظر منذ مدة لهيئته المزرية ...
لقد كان القلق ينبض في عروقه بقوة ..
حتى سمع صوت رالف أخيراً -
"مرحباً .."
تسابقت الكلمات على لسانه "رالف أين أنت؟! هل أوصلت اتجين للمنزل؟! هل تعلم متى ستأتي؟!"
على الجانب الآخر كان رالف جالساً على أحد المقاعد الحديدية المصطفة وكأنه في أحد العيادات شحيحة المرضى ..
أجاب بهدوء "هل تقصيتما عن الحادثة؟!"
استرق جيمي نظرة إلى باب غرفته ...
ثم أخفض صوته ورأسه للهاتف "أجل ..
أمي تخفي الكثير ..
يجعلني هذا أصر على اقتراحك-"
"أجل اتجيم ..
يجب أن يتم سحبها من بين أيديهم ..
ولكن اسمعني.
إياك وأن تقسو على والدتك. فهي بلا شك تحت التهديد...
تمالك أعصابك وتابع"
"رالف ..
يقولون سيعيدون طفلتي مقابل مبلغ ضخم غداً ..."
"أووه يال السخرية!!"
"اتظنهم يفعلون؟!"
"اتجيمي اسمعني ..
لقد تم اختطاف ابنتك لغرضٍ ما ألا وهو استثارة أعصابك ضد جراي-
وعندما تم اتفاقك معه، خربت خطتهم ... فلجأو لحيلة الفدية-
لست متأكداً ولكن هذا في الغالب ما يفعلونه"
"أتظنهم سيؤذونها؟!"
"لا ...
لن يستفيدوا شيئاً من أذيتها سوى الوقوع في مشاكل أكبر ..
ولكن يمكنك أن تتوقع تكرر هذا ..
فقط اهدأ وتحكم في اندفاعك.
أتعرف كم طلبوا؟!"
"لا"
سكت جيمي لوهلة يتسائل في نفسه عن سر ثبات رالف الإنفعالي ..
ثمّ أفصح عن سؤاله "هل اتجين بخير؟! هل عادت إلى منزلها؟!"
أجاب رالف "إنها بجواري ..
نحن بخير.
سأخبرك بما حدث عندما نلتقي ..
اعتنِ بنفسك وبوالدتك."
وأغلق الخط.
كما هو حاله دوماً ذاك الأسباني الأصل ذو العيون الضيقة ..
ثقب الغموض الأسود.
إذ يسقط السر في أعماقه فيتيه في فضاء أسرارٍ بات يعرفها ..
ويوقن بها ..
نظرات زوجته اتجين بجانبه إليه متسائلة ..
تراه في شرودٍ بينما وجهها نضر مبتهج رغم قلة اللحم فيه ..
تشعر ذاتها عادت لمرحلة الطفولة بما فيها من سلامة وصفاء.
ربما السبب هي تلك الخرقة الصغيرة على حجرها ..
أجل.
إنه ابنها الذي أُعيد إليها من رحل الجبل كما وعدتها الأغنية ..
إبنها الذي سمته فيتاليس وليد الجبل ..
عاد؟
أجل ..
كما اتفقوا مع رالف تماماً ..
فقد بات الآن يعرف الكثير الآن.
وستثبت الأيام شكوكه أكثر فأكثر.
_to be contaniued_
Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top