خارج السيطرة | out of the control

____:_:_:_:_:_:_:_:_:_:____

فوق أحد المرتفعات ذات الحواف الصخرية والأسطح الخضراء ..

وقفا ..

-اترى ...
-يشير بيده إلى الأفق-
غابة ريد وُود ... غابة يوستمايد وجبال ويتني سبرت ... وجريت جيت كذلك -

انظر حولك ...

وتحتك ..

الأرضية المختلطة من نبات، تراب وورق -

أغصانٌ جافة ...

أوتاد جذوع الأشجار منصوبة للسماء. منتشرة ، ملتفة الجذوع، تغطي الشمس من تشابكها ..

انظر إلى الطرقات بينها وبقع الضوء؛ هنا تتوحش الطبيعة وتقف الأشجار آلافاً من جنودٍ مجندة لحماية أرضها ..

أتتخيل كيف ستكون في قعر الليل أو قلب الشتاء؟!

لا يسهل هنا سوى الضياع ..
تلك الأرض التي لا يجرؤ على مساساها أحد .. قد كثر على أطرافها قلتى وسِيقَ إلى داخلها مفقودون عديد ...

مورست فيها طقوس لمرضى وعُبد بها الشيطان ...
ونسيت فيها أرواحٌ لا تزال تتعذب حتى اللحظة.

لا يعرف أحدٌ مداخلها ومخارجها.
فإن توغلت أبعد من الحدود يختفي طريق العودة -

فقط يختفي ..

حرفيّاً.

وفي لحظة قد تتغير كل معالم الغابات وانت بقلبها ... كأنك دخلت بوابة ما لعالم ما.

لم يتعدى بشر معروف البوابة العظمى أي ما بين الجبلين ..
إنها حفرة العالم المنسية.

لكن اسمعني ...

-وضع يده الكبيرة بثقلها على كتفه الصغير الذي لم يبلغ الحادية عشر بعد ...
ونزل ارضاً على إحدى ركبتيه -

استمع لي بكلتا أذنيك هاتين ..

- يلمس بخفة كلتا أذنيه -

هذه مملكتك ..

هذه مملكتك ..

-يحدق في عينيه-

هذه مملكتك أنت ...

فاحصل على عرشِك.

- هنا
تتسع ابسامة الطفل ويشرق كل وجهه ..
تستدير عيناه وتتسع مقلتاه بحماسٍ شديد -

#جيمي ووالده - غابة ريد وود - بوادر شتاء ٢٠٠٦

______________________________________

فلندع الماضي قليلاً ولنفتح عيوننا على اللحظة.

لحظة تصافح عدوٍّ مع صديق عدوِّه ..
وبالتحديد تمت المصافحة على اطراف غابة ريد وود وبُعيْد المغرب بقليل - قبل أن تختفي جميع آثار الشمس ...

على الناحية الآخر من الغابة بعيداً خلف جبل ويتني العظيم ببياضه الرمادي - وبينما تنسحب الأضواء عن فجوة صغيرة قربه ..

بهدوء ..

يُسمع أنينٌ ثقيل في أحد الجوانب ...
إذ جوناثان لم تغيره السنين، فلا زال  يمارس نفس البَكّاء ذو السادسة مع فارق في الطول والشكل وربما السبب!!

لقد بلغ مؤخراً الثامنة عشر - ولا يستهويه أي شيء في هذه الحياة سوى إرضاء سادته ..

والسيد الآخر -كما سمّاه جيمي الصغير-
تخيّر أحد الصخور داخل الفجوة ليجلس مراقباً متى يكفُّ جوناثان بكائه الطفوليْ!!

لقد مرت عديدٌ من الدقائق ولا يزال وجهه مبللا بانهمار دموعه!!

إن وَصف جوناثان ورغم بلوغه جسد تحاط به هالة طفولة في غاية البراءة ...
فلا يثير في النفس التحفظ أو الإحطياط ...

إن له عينان مرسومتان بدقة ملفتة ذواتا لون بني برتقالي، حاجباه ناعمان طويلان كقوسين يحدان عينيه لرمي سهام نظراتهما القاتلة أحياناً ..

جبهة متوسطة الإتساع مع فم ضيق وشفتان صغيرتان - يستحيل نسيان ملامحه بسهولة.

كم ييدو في غاية الصفاء ودمعه قد أغرق خديه واحمر أنفه الدقيق .. وبدأ يسيل أنفف وتشتد عروقه ولا يزال يتحاشى النظر لسيده مباشرة ..

شيءٌ في نفس جوناثان الصبي ... لا يعرفه سوى الرب وسواه.
أجل لقد فشل في مهمته ولكنه فشل كذلك في ^صنع صديق^ ...
فمذ رأى رالف ويحيك في نفسه أن يصبح صديقاً له ..

إنه معجب بكاريزمته وقوة شخصه رغم إعاقته بذراعٍ واحدة، فهو يتصرف وكأن لديه عشر أذرع أخرى!!

لقد فشل فشلاً ذريعاً في مهمته مع رالف وجيمي ..

لكن سيده عذر فشله في مهمته موضّحاً بثوته الرخيم الذي تردد صداه في الفجوة ..

"لقد أبلغتك ..
ليس لك بهمَا قوّة على أية حال ..
جيمي ورالف ..

ربما لا تعرفهما بل؛ هما ذاتهما لا يعرفان نفسيهما ...

أخبرتك ..
وحذرتك ..
لا تخرج الملف بتاتاً إلا عندما أخبرك أنا ولكنك ..
على ما يبدو دفعتك الغيرة من جيمي مارتن -"

رفع جوناثان رأسه ناظراً نحو سيده بعينين تهتزان دمعاً؛ وكأنه بدأ يهتز داخله -
إذ يرى سيده امامه بسؤدده، جالساً على الصخرة ومرفقاه على ركبتيه بوجهٍ حازم ومتأكد من عواصف مشاعر تلميذه ذاك.

لا شك كون جوناثان يذكر جيمي مارتن منذ ريعان الطفولة.

يردف السيد حديثه بصوتٍ هادئ  ..
"جوناثان ..
أتعرف أن رالف .. يملك قناصة الموت ذاتها!

بل واستطاع منذ صغره فك جميع شفراتها!!!

اتعرف ماذا يعني هذا؟! ....

-ينحني للأمام قليلاً ويكمل بشيءٍ من همسٍ حذر-

أتعرف أن هذه القناصة صممت خصيصاً لقتلنا؟!
بل ولقتل آدم ذاته؟!!

جون!! ألا تدرك لما لا يجرأ جراي على قتل رالف الآن؟!!!

لأنه، وبعد أن أخذ القناصة .. اكتشف أنها بلا فائدة بدون رالف.

تماماً كما اكتشفنا نحن ذلك عندما سرقناها تلك الليلة."

رفع جوناثان حاجبيه بتعحب شديد  ... وكأن ما سمعه لا يكاد يتعدى أذنيه تصديقاً ...

بينما سحبت الشمس آخر خيوط ضوئها .. فأظلم نصف وجه السيد وأظلمت قلنسوته النصف الآخر .

هدأ جوناثان يحاول التنفس بهدوء ... وعلّق عينيه بسيده.
يعلم سيده أنها إشارة الإنصات التام والخضوع ..

فتابع مفصحاً ..
"مالا تعرفه أنت ولا جراي ولا حتى رالف ذاته ...
أن رالف عبث بشيفرات القناصة عبثاً حتى ما عادت بشيفارتها التي صنعت بل بشيفرات جديدة لن يدركها المؤسس ذاته ... بل رالف وحدة ..

فأنت تعرف ..
أن المؤسس صنع هذه القناصة ..
في حال فقدان السيطرة علينا - فلا تقتلنا سوى رصاصاتها التي تُطلق بأشكال مختلفة ...

والآن هي بيد رالف ..

لذا جراي الآن مستعبد ومهدد وضعيف ... لذا لن يقدر ولن يجرؤ على إيذاء رالف فهو يحتاج رالف الذي لا تعتي تلك القناصة شيئاً من دونه.

ونحن لسنا أفضل حالاً من جراي.
ربما لسنا في حاجة القناصة مع رالف لقتل آدم ..."

لا ينفك السيد ينظر إلى جوناثان ويبادله جوناثان التحديق الصامت .

وكأنه حذرٌ جداً في إمطاره بالمعلومات.

"آدم لن يستريح حنى يقتّلنا أجمعين.
كلّ منلقي اللقاح ومن أجريت عليه تجارب فيتالي وديمتري الحيوية الجينية ....
جميع أفرادنا ..
وأنا ..
وأنت ..
وجراي."

وسكت قليلاً ...

ثم تابع ..
"وجيمي.
ولكن ..
أنت تعرف -يهز برأسه إيجاباً وتأكيداً-
أنّ والده صرح بضرورة إعدامه.
فلقد خرج عن السيطرة منذ أمد ..
هو ذاته لا يدرك مدى خطورته أيضاً."


سكت جوناثان ..
و

هدأ نوعاً ما.

وعندما استشعر سيده سكونه، بدأ يسرد
عليه شيئاً من تعليمات الخطوة الجديدة.

____________________________________

حقّا إنها ليلة مريبة يسودها قدرٌ هائل من الحذر ..

فبعد ذاك الإتفاق بين جيمي وجراي والذي لم يشارك فيه رالف عمداً، تمّ استدعاء اتجين من الغرفة أعلى ..

الآن سُمح لها بالرحيل .

تجهز الخادمة أغراضها بينما تنزل هي بخطوات مرتبكة ومشاعر مختلطة ...
فبالكاد بدأت تستعيد ذاكرتها وتوقن رغم عدم تذكرها لوجه زوجها جيداً إلا أنها ستعرفه فور رؤيته .

تمر في الصالة ... لا يكاد جسدها يبين من شدة نحلة.
ثوبها الفضفاض الوحيد اللون وشعرها المنسدل بعشوائية يوحي وكانها أحد السجينات في مستشفى الأمراض عقلية ..

لم يشفى انتفاخ بطنها تماماً بعد ..
وتعد الأيام التي مرت في عقلها لتجهز ذلك الحوار مع زوجها ..

تستأذن قبل دخول الغرفة -

فيسمح لها .

إذ خمس رجال توقفو جميعاً عن الحديث ناظرين نحوها ..

أحدهم تعرفه جيداً ... جراي الخبيث.
والآخر طويل، قوي البنية مألوف الوجه لكنه ليس بزوجها.

آخر باهت نحيل ومبتسم ذو نظارات لم يسبق لها رؤيته ..
وهناك بجانب جراي يقف رعد رئيس حرسه المخيف الضخم الذي تعرفه أيضاً ..

وأما هناك -

تستطيع رؤيته ..
تتذكر شكل حقيبة قناصته أكثر من ملامح وجهه ..

تشعر بروحه ..

عرفته دون أدنى تكلف ورأت في وجهه المتجمد كم الأسى القابع مجتمعاً فقط في مقلتيه ...

ابتسم جراي بثقل وكأنه يصارع ليبدي لطفاً مزيفاً وقال "كما وعدناكم ..
هذه زوجتك يا رالف سالمة معافاة."

رمش رالف ببطء وفتح عينيه الضيقتين نحو جراي بنظرات ذابحة .. يستجمع المزيد من صبره ...

ومن ثم اتجه إلى اتجين بغتة - قد أحكم قبضته على رسغها وشدها نحوه يأخذها إلى تلك الأريكة ..

أجلسها بجانبه فكانت خلفه بقليل.
كان جسده في وضعية الحماية وعيناه مترصدتان على أهب الإستعداد لأي خدعة ...

قال جيمي لجراي مخاطباً إياه بنبرة آمرة "سنبدأ فقط عندما يعودان بسلام إلى مسكنهما."

ردّ جراي "مهلاً مهلاً ..
قبل هذا .. كارلوس!!"

"نعم" أجاب ذاك الرجل الواقف هناك .. ذو النظارات والإبتسامة المتحمسة والتي لا معنى لها ولا أصل ..

أمره جراي "يمكنك أن تحقق مع السيدة اتجين عن اختفاء ولدها هي كذلك قبل أن ترحل ...

آسف اتجين لم أعرفكِ على هذا الرجل .. إنه بند من بنود اتفاقي الجديد مع جاك -

محقق خاص عيّناه كطرف محايد كمساعد لنا لمعرفة مكان اختفاء الطفلين ...
فأرجو أن تكوني متعاونة ولا تنسي أي تفصيل."

كارلوس الحل المثالي لكسر شوكة إيدوارد كما يظن جراي ...
فالتعامل مع أمر اختفاء الطفلة بشكل شبه قانوني سيزعزع استكانته وسيكشف العديد من الأسرار.

_____________________________________

ملاحظة:

تم الإستعانة بكارلوس وهو طرف محايد تماماً. وكان كذلك من قبل معيّناً من قِبَل حراس أطراف الغابة التابعين للحكومة - بغية البحث عن سبب اختفاء بعض الزائرين ومن بينهم أطفال ورضّع داخل الغابة ...

______________________________________

هناك على ما يبدو شبكة معقدة من الأمور تحدث دون علم الكثير ...
تلك المياه التي تجري تحت الأرجل - دون أن يشعر أحد ..

وتلك الحركة الخفية أكثر من دبيب النمل التي تحدث منتصف الليل في قلب العتمة وتنفُّس الضباب ..

يجهز سكينه الصغير -سلاحه الأفضل- ويرتدي كنزته وبنطاله ...
يحمل في جيبه بطاقة هوية وبطاقة بَنْكِيّة (كل ما يحتاجه) -

لديه حذاء مخصص له ..

سريع خفيف ومرن النعلين، يُلحق مشدّيْن يطوقان عرقوبيه بقوة معينة للتخفيف من الأحمال على القدمين ...

يسمع لكلمات سيده المتواترة ..

"كما أخبرتك."

أومأ جوناثان بهمسٍ لا يعكّر صمت الليل "حاضر سيدي .."

واستعد للرحيل.

في عمقٍ من ظلام وفي وسط الغابة ، على جوناثان أن ينزل من قدم الجبل ويتخذ طريقاً مختصراً للظهور على الطريق السريع في دقائق حيث السيارة التي ستقله ..

وبشكلٍ ما ..

وقف على جرف صخري ونظر إلى الأفق، نحو استدارة القمر المختبئ بين سحاب وضباب ..

غابت النجوم على وهن وهبّ نسيمٌ مثقل بضباب بارد استنشقه جوناثان ملء رئتيه ..

أغمض عينيه يتوعد سادته في نفسه أنه لن يخيب هذه المرة ..

ولن يسمح لنفسه أن يفشل .
يشعر بطاقة الحماس وقوة مندفعة تتسلسل إلى جسده بالتدريج ..

يهمس له عقله ..
^لطالما كنتُ الأفضل ...
وستبقى الأقوى والأفضل.
أنت تستطيع ..^

يكررها في ذاته مقسماً أن لن يسلب منه جيمي ذاك اللقب ..

لن يفعل ..

فتح عينيه ببطء ليدرس واقعه مزيداً من اللحظات .. ولكن عقله لا يكف عن التفكير في بعض التساؤلات التي لا يجد لها إجابات ..

والد جيمي حكم على ابنه بالإعدام؟!!

يحاول أن يصفي ذهنه أو أن يخدر فكره ببعض الإجابات الوهمية ..

مثل أجل ولمَ لا وهذا شأنهم ..

ثم يسمع تسؤالاً آخر قادماً من قاع عقله : رالف يملك قناصة الهلاك!!

هل سيصبح رالف السيد الجديد؟!

يهز رأسه محاولاً بجهد عدم التعمق في شيء ..

يعود بعد عناء لواقعه في غضون ثوانٍ لتعلق حواسه على أفق الغابة .. واقفاً فوق الجرف.

وقبل أن ينطلق؛ أغمض لوهلة.
يبدو وكأنه ينشر مستشعراته الحسية في الأفق ...
رفع مستوى قوة السمع لديه فبدى له ما خفي من أصوات الغابة على دائرة أوسع من العتاد ...

والآن ..

يفتح عينيه اللتين اشتعلتا كجمرتين ناريتين ..

ويندفع.

لأسفل - يقفز ..

وفور أن تلمس قدماه أقرب صخرة، يثب وثبة عالية ثم يبدأ بالركض السريع بين تلك الجذوع الكثيرة كهبة الرياح؛ إذ لا ترى حسيسه في جوف الظلام ولا يمكنك حتى لَحْظُه بعينيك ..

يركض بين الأشجار بل يتخللها؛ فرغم سرعته ودقته لا يكسر غصناً ولا يطأ ورقاً ولا يباغته حيوانٌ ليلي ..

قد تشعر أنه مر من جانبك.

لكنك لن تعرف متى ...
وكيف ...

لقد تم تدريبه أن تكون عظامه خفيفة جداً وقوية جدا وركيزة في ذات الوقت ..

ولديه رؤية ليلية دقيقة تتلافى أشجار الصنوبر الكثيفة وثمارها ذات النتوء ...

حركاته في غاية الدقة.
يداه ..
قدماه ..

لكن ذهنه بعد دقيقتين بدأ يشرد فيما قاله سيده اليوم من حديث ..

الغابة لم تعد آمنة لنوعه كقبل؛ لأن آدم قد يكون مختبئاً يتصيد -

آدم ..

اقشعر بدن جون لوهلة عندما تذكر اللقطة الوحيدة لآدم ؛ والتي شهدها في طفولته .

عندما فنيت الكتيبة الخامسة بأكملها على يدي آدم وتحت قدميه ..

يقف على جماجمهم ويخطو على وجوههم متجهاً نحوه ...

يتذكره يقترب .. بيدان شبه معدنيتين ووجه شيطاني شاحب، نحيل ومستمتع ..

أسنانه المدببة وعبائتة ..

ويذكر ...

لولا رعاية الرب ثم سيده الذي انتشله من أرض المعركة لما نجى -

يعود جوناثان للواقع إذ يقترب بسرعة من الطريق الإسفلتي على حدود الغابة ... وقد ترك الأمر لحواسه بينما عقله الواعي يغرق في تذكّر ملامح سيده اليوم وهو يقول ..

"...لقد أخبر والد جيمي بضرورة إعدامه.
لأنه خرج عن السيطرة ..
قتله لعمتة وزوجها كان بلا وعيٍ منه ..
لقد نشطت أعصابه وتضخمت طاقتة فجأة ولم يعد بتاتاً تحت السيطرة ..

هذا خطير .

هو ذاته لا يدرك خطورتة.
لذا أوجب والده موته لأنه -

تجربة فاشلة

وإن عاش ..
فسيكون ....

في طريقة المحتوم -

ليتحول إلى ..

آدم النسخة الثانية."

-To be contaniued-

Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top