- السيد الآخر -
^بكاء طفلة رضيعة^
يُسمع عبر سماعة الهاتف ..
مشوّش ولكن قريب!!
صوتُ خطوات تبتعد وتبتعد عن بكاء الطفلة لشخصٍ يهمس في الهاتف بنبرةٍ ساكنة -
تطفوا موجات صوته في الهواء ثم تصطدم بمسامعها مرورا بجدران قلبها ..
يكرر "بياتريس -
كما وعدناكِ ...
الطفلة معنا و بخير!!
لا تتهوري - إنها وجيمي في أيدٍ أمينة ..
فقط استرخِ تماماً."
صمتت . . .
لم ترد لوهلة ..
ربما السبب أن أنسجة قلبها كانت من قوة الضربات تكاد تتمزق .. متألمة من داخلها بشدة -
بل إنها ترتجف ..
عظامها ترتعش وكأن برداً قارصاً اجتاح صيفها الدافئ.
أجابت بسؤال مرتجف ..
"ما ..
متى ستعيدون ...
الطفلة؟"
ابتسم المتلقي خلف حجاب المكالمة مطبقاً شفتيه بابتسامة ضيق ..
" ..
ولم يُجِب ..
فقط أغلق المكالمة -
ربما لأن ذاك الشخص ذاته لا يعلم متى سيعيدها بالضبط! يعلم فقط أنه سيعيدها عندما تُقرَع طبول الحرب على جراي وينطلق دَوِيُّ الرصاص .. ربما!!
وربما لن يعيدها في الأساس ..
وأما السيدة بياتريس؛ فالعذاب النفسيّ يستحيل وصفه بكلماتٍ أو صور ..
تلكَ الحرقة وتمزّق الأوعية الصغيرة الواصلة من القلب إلى الرئتين تثير الإختناق ..
ذلك الوهج الساخن من اللهيب يحرق حجرات القلب انطلاقاً من بطينه إلى أُذيْنه مروراً بالشرايين والأوصال ..
لم تعد قدماها تُعينانها على الوقوف؛ فانهارت أكثر فأكثر على الكرسيْ - تجلس تفترش ظهرها - إنهيارَ جبلٍ أصيب بهزّةٍ أرضية أهلكته ..
ورغم كون الإضاءة ضعيفة؛ إلاّ أن جسد إيدوارد الأسود واقفٌ خلفها بصمت تظهره الظلمة أكثر من الضوء ... مصوِّباً حدقتيه عليها من حينٍ لآخر بتوتر مكتوم ..
يرمقها بشيء من حسرة بانت على تقوّس شفتيه للأسفل؛ عبوساً ..
يرقُبها قد أجهشت بالبكاء دون توقف.
لا تكاد تلتقط أنفاسها ..
ظلّ ينظر ولم يجد ما يقوله أبداً.
بل لا يجد ما يُسمح له قوله!!
إنه فقط مبرمج على أوامرهم . مهما كان يجب عليه مراقبتها ..
لا يجب أن يغفل عنها لكي لا تتهور وترتكب ذات الشيء.
وظلت على حالها الذي يُرثى له ..
تلعن حالها وتنعي حظها -
قد أعلنت إفلاسها من كل شيءٍ حاولت إنقاذه ...
جيمي وحفيدتها ..
وذاتها ...
لقد باعت روحها لتنقذ روحه، وأصبحت أسيرة الوجوه الخفية والمخططات الإستِعبادية ...
لقد باعت روحها للشيطان لا غير.
وأسرت أرواحاً أخرى أيضاً ..
بياتريس السيدة العفيفة .. صاحبة اللطف الفائق والحنان الدافق؛ تنظر الآن لذاتها نظرة في غاية الإنحطاط.
فلا يدري سوى الرب ما اقترفت من فواجع في سبيل إنقاذ ابنها.
لم تكن تعلم أو تدري ..
لكنها لاتظل الآثمة الأولى والموجوعة الأخيرة التي لم ترضَ بالقدر الذي تحتم عليها ... فزادت الأمور سوءًا.
وتمر دقائق ودقائق ..
في محاولة إستيعاب ما افتعلته وما قد يترتب عليه.
لم يكن عليها من الأساس قبول عرض مساعدتهم لإنقاذ جيمي من الإعدام .
كانت تشعر منذ البداية أنهم سيخيِّرونها بين إبقاء جيمي وأشياء أخرى طوال الوقت ...
بين سلامة جيمي والمبلغ الفائق من المال ..
بين سلامة جيمي وإجبارها على وجود إدوارد يلازمها ..
بين سلامة جيمي والحقيقة ..
بين سلامة جيمي ...
وابنته ..
وها قد اختارت جيمي للمرة الأولى والألف والمليون ولكنها تدرك ببطء أنها لم تختره قط.
بل كانت تظن ذلك ...
كانت تختارهم فقط، ودوماً.
لا تستطيع التحدث لكي لا ينكشف السر الدفين في قعر حلقومها.
ولكنها ... لا تستطيع الصبر لمدة اطول ..
هي فقط لا تستطيع.
تحاول أن تفكِّر حتى غفت ..
تحت عينيْ إيدوارد الذي جلس على كرسيٍّ يتطرف الغرفة ..
تنام في حُجرة داخل عقلها ..
تتتابع عليها الذكريات متفرقة والسريعة كشريط حياة متقطع ...
وهي شابة تحمل جيمي ^مولودها الجميل^ تهدهده بجانب الشرفة في أحضانها ..
أو عندما تداعبه بكل رقة وحب ...
تذْكُر ..
بل تؤمن أن قلبها لا ينبض أصلاً حتى تحتضنه ..
ثم ترى ذاتها الشابة وهي جالسة على المنضدة تحاول جاهدة تقبيح خطها لتحل له واجباته المدرسية دون علم المعلمة، بينما هو يتقافز خلفها مرتدياً زيّ بطلٍ خارق ..
وهي تنظف له غرفته وثيابه وتعد تلك الشطائر التي يفضلها ويطلب منها العشرات قبل الذهاب للمدرسة.
بياتريس أم بالغت في العناية بطفلها .. حتى كبر, لا تستطيع النوم إلا وباب غرفتها مفتوح لتطمئن عليه من حين لآخر عليه .. حتى وإن تعدَّى السابعة عشر.
إنها تحبه.
ولكنه حب مُعتّق بالهوس الشديد. إذ ترقب كل لحظة تعيشها معه منذ ولادته وقد وسّعت في ذاكرتها أماكن لإدخار كل لمحة منه مذ كان رضيعاً وحتى اشتد عوده ..
لم تنسى أيةَ لقطة ..
ولا تلك .. وهي تقف مودعةً له ..
إذ سيخيّم هناك ..
سيُخيّم ..
يُخّيم ..
غابات كاليفورنيا!!
وفجأة تسود الذاكرة تماماً وتضمحل.
لقد قُذفت إلى تلك المنطقة المحظورة من الذاكرة - الأكثر إيلاماً ..
تضيء بصيرتها ببطء على . .
.
.
.
"رجاءً وأنا اطلبها منك بأدب .. هلّا سكنت؟ ساعدني في تغيير ملابسك اتجيم!!"
"ولكني أستطيع تغييرها بنفسي!!"
"لا .. أنت لا تزال في الخامسة من عمرك وأن-
يا إلهي؟؟
-تشهق-
يا إلهي ماهذا يا اتجيم؟؟؟؟!!!"
تنظر على طول ذراعه قد كُوّرت كمنظار عينيها بارتعاد متسائلة "ما آثار اللسعات هذه؟!
وكأنها لباعوض!!" فتنادي "عزيزي مارتن!! ... مارتن هلَّا قدمت!!"
يجيبها بصوته الرخيم "ها!!"
"لطفاً تعالَ إلى هنا رجاءً .." ممسكة بذراع طفلها متفَحصةً إياه .. سبع لسعاتٍ متفرقة على ذراعه بل وبدت غريبة الشكل كثيراً ..
وهنا يحضر زوجها مارتن إلى الغرفة بتراخٍ شديد ..
"خيراً هل من خطب؟"
تُدير له جيمي الطفل وتعرض ذراعه ..
"انظر رجاءً!! أظنّ أنها لسعات!!"
كانت ملامحه جامدة جدا كعادته، تستقر نظراته في قعر عينيها للحظات ثم يرحل قائلاً ..
"أنجبي له أخاً وسيزول هوسكِ به ... إنه رجلٌ ولا داعي للمبالغة."
يبتسم طفلها ببلاهة وفخر بما ألقاه والده على مسمعيهما ويهتف ..
"أجل أنا رجلْلل"
صمتت.
لأيامٍ راقبت ..
ربّة البيت تلك ليس لديها ما تفعله سوى مراقبة ولدها الوحيد ...
تسمع صوتها وهي تفكر كم كان يتغير ويتوحش وينطوي. ثم يحدث له افراطٌ في النشاط فارتفاعٌ في الحرارة وتتلون عيناه وتنفر عروقه ثم يصبح بالتدريج كالكهرباء من سرعته وحدة ذكاءه ونشاطه .. فيخمد كالبركان ويتوقف عن الحديث ثم يصاب بالأرق وحالة إفراطٍ في الكلام ...
في كلّ مرة يعود من التخييم يصبح ببساطة - غير معتاد!!
وتمر السنوات ...
في كل منتصف فصل من فصول السنة ..
الشتاء
الربيع
الصيف
الخريف
يصطحبه والده إلى التخييم في غابات كاليفورنيا حيث يمارسان الصيد وتسلق الجبال على حد علمها ..
هل لديه صُحبة هناك؟!
عندما بلغ العاشرة وفي أحد ساعات اليوم، كانت تجمع الصحون من فوق السفرة واسترقت بعض دقائق الخلوة بابنها جيمي بينها والده يستحم ..
تتجرأ بالتفوُّه بشيءٍ صغيرٍ جداً من تساؤلاتها المبهمة ..
فتنظر إليه بوسع عينيها "جيمي .. هل ستذهب لتخييم الأسبوع المقبل؟!"
أجابها بحماس "أجل .. إنه منتصف الخريف!"
ابتسمت بثقل "حسناً ..."
تجمع آخر الصحون بينما ترتدي مئزرها النعناعي ... وتُفكِّر كثيراً قبل أن تسأل مجدداً ..
"هل هناك متدربون آخرون غيرك؟ أو أصدقاء لك مثلاً؟"
تريَّث كثيراً قبل أن يجيب وكأنه يحاول أن يتذكر ..
ثم قال "اجل بالطبع ... لكن، ليسو أصدقائي فهم أكبر مني بكثييييير!!
ماعدا هناك .. جوناثان آلبرت أوو آبرت جوناثان .. إنه أصغر مني بيييييي
أرربع سنوات. -:رافعاً أصابعه جمباً لجنب -
أجل أربعة ...."
ابتسم بحماس مندفعاً "لكنني لست مثله فهو يبكي كثيراً كالرضَّع ... خاصة عندما نأخذ التطعييم في الخيمة الصفراء -"
انتبهت بياتريس وحطَّت برج الأطباق الصغير بين يديها على الطاولة مجدداً ..
نظرت لعينيه ..
"أيُّ تطعيم؟!"
حدق في عينيها بكل براءة مجيباً ..
"تطعيم التدريب يا أمي ... التدريب!! إنه يجعلنا اكثر مناعة ..
ولكن جوناثان آلبرت لا يحبه.
جوناثان آلبرت ليس صديقي إنه متدرب السيد الآخر .."
ثمّ بدأ بتلقائية يسهب في الحديث ...
"السيد الآخر ضربه على وجهه بقوة عندما بكى متألماً من جرح يده ... لأنه يجب ان لا نبكي يا أمي!!
ثم السيد الآخر قاسٍ كثيراً لكنه هادئ ...
إنه صديق والدي المقرب ... لكنه لم يعد كذلك منذ زار أبي صديقه الآخر في المنزل الرماديْ على الجانب الآخر من الغابة الاخرى ...
وأصلاً المنزل ذاك كبير لكننا ذهبنا إليه مرة واحدة ... الطبيب هناك أعطى والدي تطعيماً آخر - بعدها لم أعد أنا ووالدي نخيم مع الجماعة بل لوحدنا ..
يقول أبي أنني يجب أن أحصل على تدريب خاص مختلف عنهم-"
ويقطع حديثهما دخول السيد مارتن المفاجئ .. إذ دخل معه صمت مريب لثوانٍ معدودة .. ارتفع فيه معدل نبض السيدة بياتريس ...
فزوجها الذي يكبرها بأعوام هو رتبة مرموقة في الجيش الامريكي قد قدم استقالته مؤخراً .. وأصبح شغله الشاغل ما يسميه المعسكر التدريبي الحر ...
إذ جنديُّه الوحيد هو جيمي ابنه.
وتمر السنوات ...
حتى أغلقت ذاك اليوم باب غرفة النوم واتجهت نحو زوجها مارتن الجالس بهدوء ..
لقد استجمعت شتاتها كل تلك السنين كي تقول بأدبٍ خافت مبالغٍ فيه ..
"المعذرة مارتن ... هل لي بِ ..
بِسؤال؟!"
أجابها "تفضّلي .."
اقتربت جالسة ..
"هل كل شيءٍ بخيرٌ مع جيمي؟
إنه الآن في الثالثة عشر ؛ وكلما عاد من التخييم معك تظهر عليه أعراضٌ إضطرابية غريبة وقيء وبرودة في الجسد ويصبح غير متنبه لما حوله تارة ويقظاً جدّاً تارة أخرى .."
رفع مارتن رأسه نحوها وكالعادة كانت نظراته الزرقاء تجعلها تثبت مكانها بصرامه .. ولأنها جهزت نفسها لسنواتٍ لتلك اللحظة التي تتهم فيها عنوة زوجها بقلة المسؤولية والتقصير؛ ادعت القوة حتى قررت الوقوف وإلقاء سؤالها على مسامعه ..
وتوقعت سهام نظراته فارتجفت قليلاً .. لكنها ثبتت مكانها بظهرٍ مستقيم تكرر سؤالها بصيغة جد مباشرة ...
"ماذا تفعلان هناك؟! وما ذاك التطعيم؟!"
تلقّى مارتن سؤالها بشفاه عابسة ..
وعابسة جداً ..
وكأنها للتو تدخلت في شيء لا يعنيها بتاتاً!!
ازداد تسارع أنفاس بياتريس مع ازدياد حدّة نظراته ...
وجعل يلقي كلماته الثقيلة الواثقة على مسمعيها "لا تفزعي .. كل شيءٍ تحت السيطرة."
هذا ما قاله و حسبته.
قال : كل شيء تحت السيطرة ..
أجل قال ذلك ..
وبكل ثقة قالها!!
حتى أتى ذلك اليوم بعد خمس سنين من قوله ذاك ... إذ صرخ ذاته مارتن والعروق نافرة من رقبته بعينين مُنبثقتين "لقد خرج كل شيء عن السيطرة!! جيمي يجب أن يموت!!"
استفاقت .
فتحت بياتريس عينيها فجأة وبالكاد شهقت تلتقط أنفاسها .. وما هي إلا ثوانٍ وتلمح إيدوارد بجوار الكرسيِّ - حتى شهقاتها محسوبة هنا ..
معدودة ومحسوسة بل وموزونة!!
أجل ... حتى والده أراد قتله بعد جريمة عمته التي ارتكبها ... وقال أن شيئاً ما لم يعد تحت السيطرة.
بياترس في دوامة ... قد أيقنت أنها دفعت ثمن إنقاذ ولدها غالياً قُدّر بحريتها وسلامتها - وليت هذا بالفعل أنقذه.
لقد عاش ليتم سلسلة المتاعب.
لكن ..
ما الخطب في جيمي؟
لم يمكن هذا سؤال بياتريس لأنها تعلم يقيناً ما به ..
ولا سؤال رالف لأنه بالكاد علِم ..
بل سؤال جراي.
______________________________________
||°•°•°•||°•°•°•||°•°•°•||°•°•°•||
فقد كان حضورُ جيمي كفيلاً بتشتيت أفكاره جملة - اليقظة مربكة في عيني جيمي إذ لم يحرّك ساكناً!!
حتى بعد تلك الكلمات التي ألقاها رالف إلى أجواء الغرفة عن اقتراح اختطاف والدته، لربما هزّت أوتار رالف الصوتية وموجات الهواء وصولاً لمسامعهم ..
لكنها لم تهز جيمي ، فهو يعلم مهمته هنا جيداً .. ألا وهي ^الصمت - والمراقبة^
هنا ليست زيارة ولا مكاناً لإظهار مشاعرنا المرهفة.
لسنا هنا لنعطي ردات الفعل العاطفية بتاتاً؛ فهذه أرض معركة ..
سنحذر بقدر حبنا لمن نحب .. ونقسوا بقدر وفائنا ...
يتذكر جيمي أمر رالف له -
^أصمت ..
وراقبه.^
تمسح عينا جيمي جاك تفاصيل جراي بدقّةٍ بالغة ..
طوله الذي يبلغ حواليْ مائة وبضع ثمانين - وأنفه الدقيق الحاد مع سحبة عينيه ودقتهما - يشبه بحق كما تم وصفه قبلاً - وجه أفعى!!
دقيق الشفتين و عريض الفك. ولديه تلك الأسنان المصطفة القوية؛ إذ يمكن لهذا البشري نزع لحمك وحتى قتلك بعضته فقط!!
تصنّم جاك للحظات طوال أمامه ..
بذلته الزرقاء وجزمته السوداء ذات النعل الخشبي متقن الصنع - ولحظ أن جراي يلبس في أعلى سبابته - وتحديداً في نهاية مقلته الثانية خاتماً فضيًّا ثقيل المعدن ومصقولاً!!
وحينها رفع جيمي بصره من الخاتم نحو عيني جراي التي بدت غير مرتاحتين ..
افرغ جيمي بعض الهواء من رئتيه بتواتر .. ^إذاً ..^
ويعود لرفع انظاره نحو الخاتم؛ ثمّ إلى عيني جراي مجدداً ..
بينما تابع رالف ببعض من السخرية طلبه مردداً بخفصٍ من صوت ..
"السيدة بياتريس ..
جراي!!
لمَ أنت متسمّر هكذا، جراي؟!
-نصف ابتسامة خبيثة-
السيدة بياتريس ...
أتعرفها؟"
زفر جراي وأغمض لوهلة ..
وكأنه يحاول استرداد اتزانه!!
يهز رأسه قليلاً ثم يعود لفتح عينيه ..
يكسر ابتسامة ثقيلة على شفتيه تبرز امتعاضة الشديد
ثمّ ...
ينحني قليلاً نحو المكتب أمامه متكئاً بكلتا بيديه عليه -
يجيب بنبرة منخفضة ..
"بياتريس!!
...
بياتريس ..
أهي بياتريس آمرة آدم؟"
صمت رالف وكأنه يحاول جرّ كلمة أخرى.
ومع صمته ازداد توتر جراي بعض الشيء ...
وجعل يطرق برؤوس أصابعه على خشب الطاولة بعشوائة وهو يقول ..
"رالف دييجو ..
إن كنت تعنيها هي؛ بياتريس فرانكنجهوف ذاتها -
فأنت لا تدرك حتى ما تقول."
أجاب رالف "أعنيها بِء -"
فاذا بجسد رالف يقشعر بقوة!!
تُحتبس جملة انفاسه التي اختطفتها هجمة جيمي -الغير متوقعة- على جراي ...
بقوة شديدة سحب يد جراي اليمنى - تلك التي تحوي الخاتم.
لواها.
أطبقه إلى الحائط !!
لقد كانت مجرد نسمة هواءٍ مرّت امام رالف وها هو يرى أمام عينيه جراي .. سواد حياته وسرطانها ... عدوه الأصعب والأكثر عناداً ..
قد تم الصاق خده بالحائط وتثبيته بقوة لم يعهدها هو ذاته!!
صكّ جيمي فكيه وهو خلف أذن جراي قائلاً ..
"كيف ستطرق بخاتمك الآن؟
أرني."
يدفعه بقوة أكبر نحو الحائط حتى شعر جراي بعظام وجنته تكاد من شدة الإلتصاق تحتك بعرض الحائط ..
كتّم السكوت فم رالف تماماً .
يشاهد جيمي إذ يمسك بإصبع جراي السبابة ذي الخاتم ويحكم حركته بقسوة ..
فيغمض جراي عينيه بهدوء ويتنفس لكي يتحكم بالألم الذي نازع جسده فجأة بقسوة.
وكم صعب عليه ..
وهو تحت وطأة وحشٍ لم يتوقعه بتلك القوة!!
قال في ذاته أنه لحظ قوام جيمي وكتفيه المكوًدّرين فور دخوله ..
بل ولم يغب عنه اتساع صدره وطول ضلوعه مع قوة قبضتيه وعضلات فخذيه ..
لقد قال حينها في ذاته ^... عهدت تلك البنية سريعة وشديدة الهجمة .. لكن هذا الآن ليس بالعادي.^
ثم أفصح قائلاً بصعوبة وبابتسامة عريضة
"إذاً أنت منهم ...
أليس كذلك؟!"
اجتذب ذلك تعجب جيمي ومسامع رالف.
بينما جراي يبتسم واسعاً ويتم ...
"لم أتخيل قط أن يتطوروا إلى تلك المرحلة ...
أن يجعلوا جنودهم بالسرعة التي يمنعون بها حدوث طرقة خاتم في جزءٍ من الثانية ..
أَلا وقد كانت طرقة الموت لكما.
ه ه هه
كدتما تهلكان في لمحة.
لكن هنيئاً .."
زاد جيمي عليه الوطأة ووجهه يزيد تلاصقاً بالحائط.
بل تداخلاً ..
حتى احتالت ابتسامة جراي فجأة عبوساً مخيفاً وكأنما تُخَيَّل له بوادر الموت ..
يكاد يسمع عظام جانب وجهه إذ بدأت تتكسر!!
إن جيمي يكبس ويكبس بهدوء وبالقوة التي جعلت عظام جراي على وشك التصدع!!
ماكينة صناعية فقط هي ما يمكن الكبس بتلك القوة وذات الثبات!!
لولا أمر رالف الحاد ..
"توقف جيمي.
لا تقتله."
شقَّ على جيمي أن يتوقف ..
لكنه فعل.
أحكم وثاق جراي وأجلسه أرضاً بقسوة شديدة؛ ارتطمت ركبتاه بالأرض بينما وجد يديه للخلف ورأسه لأعلى قليلاً ..
ليبرز عنقه جليا لنصل سكين جيمي .. اذ يلمسها بينما يسأله ..
"لقد عبثت كثيراً مع رفيقي رالف ..
والآن أنت تعبث معي شخصياً."
يهزه بقوة كبيرة وصرخ بحرقة ..
"ماذا تعرف عن بياتريس فرانكنجهوف؟!!!"
رمقه جراي بطرف عينيه قائلاً بحذر ..
"ستندم على لمسي."
رطم جيمي رأس جراي بقوة في الأرضية الخشبية وتحديداً لجعله في وضعية الخضوع القسوى ..
يدان للخلف ومنحنياً حتى الأرضية وكأنه سجوده الأول والأخير للرب قبل موته ..
لقد كان قلب رالف في أوج اضطرابه رغم أنه لم يُظهر أي انفعال .. بل ظلّ يراقب بصمت عميق .. هو يعلم أن جيمي الآن يندفع بقوة العاطفة الجياشة ...
وفي ذات الوقت شعورٌ خفيْ اختلج رالف ..
وكأنه يستمتع برؤية جراي وصل لهذا الحد من الإذلال ..
"...س تموت ... الآن
إن لم تخبرني أين ابنتي؛ وماذا عن السيدة بياتريس ..
أقسم أنك ستموت بين يديْ ."
شهق جراي وتمسك بهدوئه العميق ..
"أيها الفتى الأحمق!!!
دعني حتى أستطيع أن التحدث .."
اقترب رالف بضعة خطوات وجعل يلملم قناصته ببطء وهو يقول ..
"جاك ..
رجاءً دعه."
نظر جيمي جاك إلى رالف نظرة تقول - أأنت جاد!!
ولم يبادله رالف أي نظرة بل تابع جمع أغراض القناصة ..
فترك جيمي جراي وتنحى بضع خطوات ..
يجاهد جراي الوقوف وهو يكتم ضحكته ...
يقف، يتمايل وهو يحاول كبت ضحكته مجدداً ...
"أنت يا فتى ..
-يلتفت إليهما-
اسمعاني كلاكما ... جيداً -
سأساعدكما ولكن بمقابل تلك القناصة بالطبع اها .. وأنت يا فتى جاك ارخِ أعصابك تلك رجاءً .. لسنا في زقاق شارع!
لدي حرس مصنفين من أفضل وأقوى حرس العالم ومجهزين بأسلحة مميزة ..
وليس الخاتم وحده من يستدعيهم للدخول.
ولكني تركتك تفعل ما فعلت، أقيس معرفتك بما حولك وأستفز أسرارك .. أيها الساذج المغفَّل .."
سكت جيمي والغضب فيه يخمد تدريجيا وببطء ..
يمسح جراي بعض الدم من فمه ...
ثم يتابع ...
"تم اتهامي إذاً باختطاف طفلين.
وليس لي بالاطفال الرضع حاجة - ولكني أعرف جيداً من يهوى اختطاف الرضع."
اقترب جراي من كرسييه بروية وجلس ..
يحاول تعديل وضعية فكة المتأثر من جيمي جاك هامساً "يال حماقتك ... لديك أيدٍ باطشة صلبة لا تستطيع استخدامها .."
سكت جيمي بعمق شديد ومريب .. وكأنه للتو تذكر شيئاً من ماضيه!!
بينما رالف وبأريحية شديدة يغلق سحَّاب حقيبة القناصة .. ودون حتى أن ينظر نحو جراي يقول ..
"السيدة بياتريس تعرف كل ما يجري .. لكنها في خطر إن تحدثت."
ابتسم جراي ملء فمه ..
"بياتريس فرانكنجهوف يستحيل أن تتعرض للتهديد ...
أعني؛ إن كنت تريد ان تعرف من هي بياتريس فرانكجهوف فاسمع مني-"
عاد ثوران جيمي وربض بقوة على الأريكة موجِّهاً سهاماً حارقة من عينيه لعيني جراي ...
"من هي؟!
من هيَ بياتريس ..."
ادار جراي عينيه في الأنحاء لا يفهم البتة سبب اندفاع ذاك الجاك ..
ثمّ قال لهما بكل وضوح ...
"إن كان هناك من هو مهتم باختطاف الرضع فهو شخصٌ قابع تحت دعم
مادي
كبير
وضخم
من بياتريس فرانكنجهوف ذاتها التي ورثت مؤخراً ليس مئات الملايين بل مليارات الدولارات.
وكم يضحكني أن تؤكدا لي أنها تحت التهديد ..
وكم من المثير معرفة من ولم وكيف يتم تهديدها ..
فحسب معلوماتي ، أن تدعم تلك الجماعة.
أمّا عن دعمها لهم طوعاً أو كرهاً فلا أعرف عنه شيئاً ...
ولكن ما نحن جميعاً - عالم الغابة - موقنين به، عي أنها استطاعت إخضاع آدم لخدمتها.
فمنذ ثلاث سن-"
قاطعه جاك "ومن آدم؟!!"
أجاب رالف "إنه راهب سفَّاح لا يمت للمسيحية بصلة .. لديه دينه الخاص به ،ربما-"
غيَّم وجه جراي فجأة وقال "لا يقتل آدم بعشوائية بتاتاً ...
حاشاه أن يفعل ذلك.
آدم يقتل من هم من جماعة فيتالي أو أنا أو كل من تمت عليه التجربة أو من يساعد في إنتشار ذاك الشيء .."
شعر رالف بشيءٍ من عصّة.
فقد صدمه بالفعل ما ألقاه جراي ...
إنها حلقات من تلك الحقيقة المبهمة بالتأكيد .. بل إنها الحلقات الأكثر خطورة وأهمية!!!!
إذاً هناك تحربة ما أُجريت على مجموعة من الأشخاص وهم الآن مستهدفون!!
للحظة، تحاشى رالف النظر إلى جاك .
أما جاك ذاته لم يدك ما أدركه رالف؛ بل بدأ فقط يستوعب كون والدته تورطت في أمر ما بغية إنقاذه .. ولكنه لا يدري ما علاقة آدم السفاح بها!!
يتم جراي كلماته جامعاً رؤوس أصابع يديه معاً .. وبلهجة تأكيدية يقول ..
"مؤخراً ولسبب غير مفهوم .. ومباشرة بعد اختفاء العقيد مارتن، قامت زوجته بياتريس بدفع مبلغ مليار وسبعمئة مليون لجماعة فيتالي مما دفعهم وبشدة لتطوير تجاربهم ومعسكراتهم على الجانب الآخر من الغابة ..
معلومة دعمها لهم غير متداولة بتاتاً ..
إنها من مصادري الخاصة."
كاد جيمي ينطق ولكن رالف أوقفه بإشارة من يده؛ وبادر هو بطرح سؤاله ..
"لا نعرف مكان الطفلين ..
تم اختطاف طفلي من هنا واختطاف طفلة أخرى من وليامزبرج ..
وأنت متهم رئيسيْ.
والآن أنت تؤكد أن بياتريس وجماعة فيتالي وراء ذلك!!
بينما الطفلة الأخرى بالفعل لها علاقة بالسيدة!!"
أقام جراي جلسته.
وحدق برالف مستخدماً تلك النظرات الشديدة الثقة ليقول ..
"أنا أعتقد أن نحل ذلك اللغز بالطريقة التقليدية ..
سيكون ذلك أفضل من العراك المفتعل."
"ماذا تعني؟!"
وجه جراي كل انتباهه نحو جاك يقول "أعدك يا جاك ، إن كان الطفلة حية ...
سأعيدها إليك خلال ثلاث أيامٍ على الأكثر ...
ولكن عدني، إن استطعت أن أعيدها إليك سالمة، فتكون حليفاً لي ..
وإن لم أستطع إعادتها إليك فعلى الأقل سأختطف بياتريس لك .. وأضمن لك معرفة مكان الطفلة وأني لست الفاعل .."
ثمّ تابع ..
"أموافقٌ أنت؟"
.
.
.
.
.
.
.
أومأ جيمي ..
"سأوافق إن تركت رالف وزوجته يرحلان من هنا بسلام ..."
أجابه جراي ..
"بالطبع ولكن اتفاقي مع رالف القناصة إن حصلت على بياتريس وأعطيته اتجين ..."
لم يدع جيمي لرالف وهلة للتفكير بل قصد مزاحمتة قبل أن ينطق بأي اعتراض ..
يشعر جيمي أنه الضوء الوحيد في النفق ..
فيقترب من يد جراي على مهل ..
يرى في عينيه شيئاً في عمقهما يدفعه ليثق به ..
هل سيثق به؟
كما وثق به
والده؟
__________________________________
ها هو جيمي يرد بالموافقة ويصافح جراي بتعنت ...
يخفي في جوف نفسه عن رالف ذاك التحالف القديم الذي شهده منذ أحد عشر عاماً ...
في ذات المكان ..
وتحت ذات السقف ...
بين جراي، ووالده .
وربما يكون جراي هو الإختيار الأسود والأسوأ على الإطلاق؛ ولكن طيف مارتن يصافحة لا يزال عالقاً في ذهن جيمي .. ومتجولاً في أرجاء القصر ...
فقد ابتلع جيمي منذ قدومه إلى هنا، سرًَ القصر الرمادي الجد مألوف لطفولته ..
ومن هنا تبدأ رحلة جديدة.
-يتبع-
__________________________________
#الكاتبة
مرحباً أعزائي وأحبائي القراء ..
أعلم لقد غبت كثيراً كثيراً كثيراً عنكم ولكني كنت أصارح تلك الحياة بما فيها 😶
سأعاود النشاط وبقوة إن شاء الله ..
أنوي جمع القراء في لقاء على برنامج zoom
هناك سيكون من الرائع معرفتكم عن قرب ..
ما رأيكم؟
أرجو أن لا اكون نسيت الكتابة على اي حال 😐
أعتذر عن أي أخطاء هنا ولكن أعتقد أن من قرأ رواية المتلاعب بدأ إلى حد ما يفهمون ما جرى بجيمي ...
إلى حد كبير الامر متشابك ولكن، هل جوناثان كذلك من ماضي جيمي؟
وماذا هن الجريمة التي ارتكبها جيمي بعمته وما صلتها بال.. ^التطعيم^!!
سنرى ...
أرجوكم ضعو اقتراحاتكم
#هنا
أحبكم ..
تشاااو 💓
Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top