الفصل الخامس والثلاثون: إنه ليس كابوساً فحسب
اللي في الصورة فوق هو راولي ساكفيل قريب لوسي
اعتذر بجد على التأخير..مريت بظروف شخصية وما حصلتش وقت للكتابة الفترة اللي فاتت..بالاضافة الى إني كتبت الفصل عدة مرات وما اقتنعتش بأي من اللي كتبته😕
الفصل هذا مهم عندي لأن رح تنكشف فيه بعض الحقائق المهمة وكنت نبي نقدمه بأحسن صورة وهوا اللي خلاني ناخد وقت في كتابته..ومع اني مازلت مش مقتنعة بيه مية في المية بس نتمنا أنه يعجبكم ويكون تعويض عالوقت اللي تأخرت فيه💔😣
ما تنسوش تعلقو وتدعموني بأصواتكم وآراءكم وتوقعاتكم للأحداث..وشكرا ليكم كلكم على صبركم معاي رغم تأخري في النشر لأكثر من مرة💔💔
توا نخليكم مع الفصل وان شاء الله يعجبكم❤
******
#فرنسا_قصر تشادولي الرئيسي_ الساعة 3:30 صباحاً
2006\7\21
منذ أن بدأت ايمي في تلقي العلاج لدى الدكتور بارنيت قبل عدة أشهر، صارت تلك الكوابيس التي اعتادت أن تراودها كل ليلة تقل تدريجياً مع مرور الوقت..
ورغم إنها لم تستيقظ على أي كابوس منذ أسبوعين تقريباً، إلا أنها لا تدري لماذا استفاقت الليلة بسبب ذلك الحلم المرعب الذي راودها قبل لحظات قليلة فقط..
كانت تتنفس بسرعة، وقد ظل العرق يتصبب من جبينها، في حين كانت ترتجف بشدة..
ظلت تسحب الهواء إلى رئتيها في عدة أنفاس طويلة آملةً أن تهدئ قلبها الذي أخذ ينبض بسرعة..
كانت تستطيع الشعور بتلك الدموع الرطبة التي بللت وجنتيها، وقد ظلت تترقرق من زاوية عينيها ببطء وهي تتذكر تفاصيل ذلك الحلم المروع..
وقبل أن تدرك أي شيء، وجدت نفسها تركض بسرعة نحو غرفته دون أي تفكير..
فتحت الباب على مصراعيه دون أن تطرقه حتى. ليصدر الباب صوت ضجيج عالٍ ما إن اصطدم بالحائط بقوة.
في تلك اللحظة، جلس على سريره مفزوعاً لما سمع ذلك الصوت العالي، وقد ظل ينظر حوله بسرعة في عدم استيعاب..
لكنه تفاجأ كثيراً لما وقعت عيناه على ظلها الصغير الذي أخذ يركض نحوه بسرعة، إلى أن ارتمت في حضنه بينما أخذت تبكي بحرقة..
لم يكن عقله قادراً على فهم ما يحدث حوله لوهلة، لكنه وضع يديه على كتفيها وسألها بصوت عميق أثقله النوم: ايمي؟ ما الأمر؟!
شدت ايمي يداها اللتان طوقتهما على خصره بقوة أكبر، لتقول بين شهقاتها: أنت بخير! أنت لم تصب بأي أذى! أنت...أنت...
عندها أدرك كارل الأمر على الفور.. لقد حلمت بكابوس ما مجدداً!
رفعها برفق ثم أجلسها على فخذه ليقول بهدوء بينما يضمها إليه بحنو: لا تخافي ايمي، انظري، إنني بخير. لقد كان ذلك محض كابوس فحسب.
فردت ايمي بصوت راجف من البكاء: لكنه كان واقعياً جداً كارل. أحدهم أطلق النار عليك. كان هناك الكثير من الدماء..و...و..
قاطعها كارل محاولاً تهدئتها برفق: اششش لا بأس. كل شيء بخير، سيكون كل شيء بخير ايمي...
شدت ايمي قميصه بيديها الصغيرتين، ثم حشرت وجهها في صدره بينما ظلت دموعها تنهمر دون توقف. أما هو، فقد ظل يمسح على شعرها برفق وهو يحاول تهدئتها بعبارات مطمئنة أخذ يهمس بها بهدوء..
ولما هدأ بكاء ايمي أخيراً، أدرك كارل أنها قد استسلمت للنوم في حين كانت دموعها ما تزال على خديها المحمرّين من البكاء.
مسح دموعها برفق، ثم وضعها على الوسادة الأخرى بجانبه في سريره الزوجي العريض، ليقوم بتغطيتها جيداً وينظر إليها بقلق.
لا يدري لماذا كان يشعر بضيق في صدره لما سمع كلماتها تلك. لكنه رغم ذلك استلقى على فراشه مجدداً وهو يحاول النوم مرة أخرى، في حين طرد تلك الأفكار من عقله تماماً.
إنه محض كابوس فحسب، وليس عليه القلق على أي شيء.
فرنسا_تولوز_ الساعة 10:30 صباحاً
2006\7\21
لأكثر من ساعة، ظلت لوسي تحدق بتلك الصورة التي كانت تحملها في يدها بشرود، وذكريات تلك الأيام ظلت تمر على ذهنها كشريط أبى أن يتوقف منذ اليوم الذي تركته فيه.
كثيراً ما تساءلت طوال الشهرين الماضيين. ماذا لو أنها بقيت معه كما طلب منها ذلك اليوم؟ ماذا لو أنها استسلمت لما أراده قلبها بشدة؟ هل كانا سيكونان معاً الآن؟ هل كان سيسألها أن تصبح حبيبته كما تمنت دائماً؟
قاطعها من شرودها صوت إغلاق باب مكتبها. فانتفضت بفزع، لكنها قامت من مكانها ووضعت تلك الصورة على مكتبها بسرعة بعدما قلبتها بالطبع حتى تخفيها على راولي الذي أخذ يسير نحوها بهدوء، دون أن يبدو متأثراً أبداً بتوترها المشبوه ذاك.
رمق تلك الورقة بطرف عينيه في ارتياب، لكنه نظر خلفه مشيراً إلى ذلك الرجل بأن يقترب منهما.
سار ذلك الرجل الأربعيني الممتلئ نحو مكتب لوسي، تعلو وجهه نظرة جادة وصارمة أشعرت لوسي بالضيق قليلاً لما أخذت تنظر إلى عينيه السوادوين الضيقتين اللتان أخذتا تدرسانها بتمعن..
فقاطع راولي ذلك الجو المشحون قليلاً لما قدمه لها قائلاً: لوسي..أقدم لك السيد أنطونيو جيرفييه. إنه أحد أشهر الخبراء الفنيين في فرنسا، كما أنه مثمن عظيم يعمل بشكل مباشر مع متحف اللوفر وعدة متاحف فنية أخرى. لقد عمل السيد جيرفييه كناقد في العديد من المسابقات الفنية العالمية. إنه باختصار الشخص الأمثل الذي سيساعدنا للوصول إلى ذلك الرسام.
كانت لوسي تومئ بفهم مع كل كلمة يقولها، وما إن أنهى كلامه، حتى مدت يدها للسيد جيرفييه وقالت بنبرة رسمية: أنا لوسي أليسون..يسرني لقاؤك سيد جيرفييه. إننا ممتنون حقاً لموافقتك على التعاون معنا.
صافحها السيد جيرفييه وقال وهو ينظر نحوها بثقة: لقد وضّحت للسيد ساكفيل السبب في موافقتي على مساعدتكم من قبل، وسأقول ذلك مجدداً. إنني مهتم حقاً بموهبة ذلك الرسام، وأرى أن الزج به في السجن هكذا ستكون خسارة عظيمة لعالم الفن. سأتأكد بنفسي من أن هذا لن يحدث أبداً!
عقدت لوسي حاجبيها باستياء من كلامه وقالت بعدم ارتياح: سيد جيرفييه، أنت تدرك جيداً أننا نتعامل مع مجرم يتبع أحد أخطر العصابات في العالم. لا يمكننا إطلاق سراحه ببساطة فقط لأنه موهوب كما تقول!
جلس جيرفييه على الكرسي الجلدي المقابل لمكتبها، ثم شبك كلتا يديه أمام صدره ليقول بهدوء: أؤمن تماماً أن شخصاً بهذه الموهبة، وبهذا الإحساس العميق، لن يكون شخصاً سيئاً أبداً. بناءاً على خبرتي في هذا المجال لأكثر من عشرين عاماً، أستطيع أن أؤكد لك أن ذلك الرسام لم يقم بكل تلك الأعمال طواعية كما تعتقدون.
تنهدت لوسي بضيق وقالت على مضض: لنأمل أن اعتقادك هذا صحيح حقاً. في الواقع، أوافقك الرأي أيضاً أنه من المؤسف أن تنتهي موهبة كهذه وراء القضبان دون أن يراها العالم.
ثم نظرت لوسي إلى راولي الذي جلس لتوه على الكرسي الآخر المقابل لكرسي السيد جيرفييه، وسألته بحذر: هل من جديد؟
نظر راولي إلى تلك الورقة لبعض الوقت، ثم إلى لوسي مجدداً ليقول بجدية: الأمر كما توقعنا تماماً، كارلوس تشادولي متورط في هذه القضية حقاً. هذا إن لم يكن هو الرأس المدبر كما أظن!
اتسعت عيناها بصدمة ما إن قال هذا، لكنها هتفت قائلةً بانفعال: كيف يمكن أن تكون واثقاً هكذا؟! إنها ما تزال محض شكوك فحسب! لم نتأكد بعد من أن تلك الحسابات المصرفية تعود له حقاً! والبصمات أيضاً لا تعد دليلاً قاطعاً بعد...هناك احتمال كبير أن أحدهم يحاول تلفيق تلك التهمة ضده!
دفاعها عنه هكذا، كان آخر ما توقعه راولي على الإطلاق. لكنه قام من مكانه وقال بصرامة: لقد ألقينا القبض على شخص يعمل في شركته، وقد اعترف بكل شيء بالفعل. لقد حصلنا على إذن تفتيش من النائب العام بما أننا حصلنا على الأدلة الكافية للإشتباه به. إنها مسالة وقت فحسب حتى ينكشف كل شيء!
كانت لوسي ترتجف في مكانها بصدمة. أيعقل هذا؟ أيعقل أن كارل الذي أحبته أكثر من أي شخص آخر في هذا العالم، قادر على فعل شيء فظيع كهذا؟!
حركت رأسها نافية وقالت بهستيرية بينما الدموع في عينيها: لا..لا...لابد أن هناك خطأً ما...ذلك مستحيل راولي!
لم يتصور راولي أن تكون ردة فعلها اتجاه الأمر بهذه الحدة.. كان يعلم أنها تحمل مشاعراً اتجاهه، لكنه ظن أنها ستختفي ما إن تعلم أنها كانت مخدوعةً بشأنه طوال الوقت..
ضغط على أسنانه وقال بحدة: ذلك يكفي لوسي! أعترف أنني أخطأت عندما دفعتك للاعتراف بمشاعرك اتجاهه، فأنا أيضاً أردت أن أصدق أنه بريء. لكن ذلك الشاب ليس كما تظنينه أبداً. ربما خدعك بتصرفاته، لكن تلك هي الحقيقة. عليكِ الاستيقاظ من هذا الوهم الذي تعيشين فيه قبل فوات الأوان !
نظرت إليه لوسي بغضب عارم، لتصرخ قائلةً بعصبية: هل تظنني غبية راولي؟! أستطيع أن أميّز بين الوهم والحقيقة، وأستطيع أن أعرف جيداً أن ما عشته، وما رأيته بعيناي لا يمكن أن يكون كذباً أبداً!
ضغط راولي على قبضتيه بقوة محاولاً تمالك أعصابه قدر الإمكان. لا يريد أن يصرخ عليها، ولا أن ينفجر أمامها. لكن تصرفاتها كانت تدفعه للجنون حقاً.
أخذ نفساً عميقاً لعل أعصابه الثائرة تهدأ ولو قليلاً. حينها وقعت عيناه على تلك الورقة المقلوبة مجدداً.
مد يده لكي يلتقطها، لكن لوسي كانت أسرع منه إليها وقد سحبتها إلى صدرها لتقول بارتباك وهي تخفيها بين يديها اللتان أطبقتهما عليها في حرص: ما الذي تفعله؟
ذلك لم يوقف راولي من سحب تلك الورقة من يدها بسرعة، حتى أنها لم تكن قادرةً على إيقافه أبداً..
رغم ذلك، لانت ملامحه فوراً ما إن رأى صورة كارل المرسومة عليها بإتقان. وبدل نظراته الغاضبة تلك، ارتسمت على وجهه نظرة شفقة وأسف، وهو يدرك الآن فقط مدى عمق مشاعرها اتجاهه..
لما رأت لوسي تعابيره تلك، خفضت رأسها وأخذت تحاول تحاشي النظر إلى عينيه قدر الإمكان.
وضع تلك الورقة على المكتب مجدداً، ليقول وهو ينظر إليها بحنو: لم أعرف أنكِ تحبينه لهذه الدرجة..
ثم أخذ نفساً عميقاً وأردف بحزن: لو أن ذلك بيدي، أريد حقاً أن أغير حقيقة أنه شخص سيء، لكن ذلك مستحيل لوسي. أعلم أن الأمر سيكون صعباً جداً، لكن عليكِ تجاوز مشاعركِ تلك في النهاية. أنا آسف حقاً...
كان السيد جيرفييه يراقب كل ما حدث في صمت، وقد أخذ يتململ في مقعده بغير راحة دون أن يدري ما الذي عليه فعله، فقد بدا أنهما قد نسيا وجوده تماماً. لكنه ما إن وقعت عيناه على تلك الورقة، حتى قام من مكانه فوراً ليسحبها من أمام راولي وينظر نحوها بصدمة..
هتف فجأةً مخاطباً لوسي بانفعال: آنسة أليسون! أين وجدتِ هذه الورقة؟!!
نظر كل من راولي ولوسي إليه بعدم استيعاب. لذلك كرّر سؤاله قائلاً وهو يشير إلى الورقة بين يديه: هذه الورقة، من أين حصلتِ عليها؟!
رمشت لوسي عدة مرات محاولةً فهم ما يقوله، لكنها أجابته بعدم ثقة: لقد قامت صديقة لي برسمها...
تهلّلت أساريره ما إن قالت هذا ليهتف بسعادة: لقد وجدته! لقد وجدت الرسام الذي قام برسم كل تلك اللوحات!!
ما إن قال هذا حتى نظر راولي إلى لوسي على الفور وقد احتدت عيناه بنظرة أدركت معناها دون تفكير..
حركت رأسها وقالت نافية بصدمة: ذلك مستحيل! لا يمكن أن يكون ذلك معقولاً حتى! الشخص الذي رسم هذه الصورة، هي طفلة لم تتجاوز العاشرة بعد!!
تفاجأ جيرفييه ما إن سمع هذا، لكنه رغم ذلك قال بإصرار شديد: إنني واثق من كلامي آنسة أليسون. لا يمكن أن تخطئ عيناي أبداً. لقد نظرت إلى لوحات ذلك الرسام لوقت طويل جداً، وأستطيع أن أؤكد لك بكل ما أملك، أنه هو من رسم هذه الصورة!
ظل راولي صامتاً لبرهة، لكنه قال فجأة بهدوء مخيف: ماذا كان اسم تلك الطفلة مجددا؟ ايمي دوفيار؟
ثم نظر إلى لوسي بحدة وقال: لوسي...أظن أنه لن يكون بوسعكِ الإنكار بعد الآن. لقد وجدنا أخيراً الدليل الذي كنا نبحث عنه طوال ذلك الوقت!
كانت لوسي ترتجف في مكانها بقوة. كيف يمكن أن يكون ذلك معقولاً حتى؟! ايمي؟ كارل؟!!
ظلّت تحرك في رأسها منكرةً كل ما تسمعه الآن. رددت بصوت راجف، وبجسد يرتعش فزعاً لهول ما يسمع: لا..لا يمكن... كارل...لا يمكن أن يكون ذلك صحيحاً!
أغلق راولي عينيه لوهلة، ثم فتحهما لينظر نحوها بشفقة ويقول بأسف: أنا آسف لوسي..مهما كان تصديق ذلك صعباً، لايمكنكِ إنكار الحقيقة إلى الأبد.
ثم استدار مغادراً المكان. وما إن وقف إلى جانب الباب، حتى نظر إليها للمرة الأخيرة قبل أن يقول بهدوء: لا يمكننا تأخير الأمر أكثر. سأخبر القائد بما حدث، وسننطلق للقبض عليه الآن. فلتبقي هنا واتركي الباقي لي.
عندها أسرع جيرفييه نحوه وقال بحماس: انتظر! سأذهب معك! أريد أن ألتقي بتلك الطفلة حتما!
لم يعلق راولي على كلامه، بل إنه سار بخطى سريعة متجهاً إلى ذلك المكتب في نهاية الرواق، لكنه توقف ما إن أخذ هاتفه يرن فجأة.
نظر إلى المتصل ليرد على الفور وهو يعلم تقريباً ما الذي سيقوله له..
_سيد ساكفيل...لقد وجدنا الوثائق الذي كنا نبحث عنها في أرشيف قسم المالية بالشركة..الأمر كما توقعنا تماماً. لقد كانت تلك الحسابات المجهولة يتم إدارتها مباشرة من قبل كارلوس تشادولي!
أجاب راولي بعد أن تابع السير وقد ارتسمت على وجهه تعابير جدية صارمة: أجل أعلم. لقد حصلت على دليل أكبر سيدينه بالتأكيد دون أن يكون له أي مهرب الآن.
ثم توقف أمام الباب وأردف بعد أن أمسك بالمقبض: لقد اكتشفت أخيراً علاقته بذلك الرسام! يجب أن يستعد الجميع في الحال. سنداهم قصر تشادولي في الساعات القادمة. سوف آمر بإصدار حظر سفر عليه هو وعائلته، كما سنقوم بتجميد جميع أرصدته المصرفية. لا تقوموا بفعل أي شيء، ولا تسمحوا له بعرفة ما يحصل حتى نصل إلى هناك!
قال هذا ليفتح ذلك الباب دون أن يطرقه حتى، مستعداً لإعلان هذه الأخبار السارة إلى ذلك الجالس خلف ذلك المكتب الخشبي، والذي وقف تلقائياً ما إن اقتحم مكتبه فجأة..
#فرنسا_قصر تشادولي الرئيسي_
بعد أربع ساعات
نظرت ايمي باستغراب نحو تلك الصحف القديمة التي كانت مبعثرةً بعشوائية على الأرضية الرخامية لغرفته..
رأته جالساً بين أكوام الأوراق الكثيرة حوله، في حين كان يمسك صحيفة ما بين يديه وهو يقرأها بتعمن، وعلى الأرض أمامه، كان هناك دفتر كُتب فيه العديد من الأرقام والرموز والكلمات التي لم تستطع فهمها..
لفتت انتباهها تلك الدوائر المرسومة بقلم الحبر الأحمر على بعض الأرقام هنا وهناك..
ولما أرادت سؤاله عما يفعل، سمعته يهتف فجأة: أجل هذه هي! كما توقعت تماماً!!
نظرت ايمي إليه باستغراب وقالت: ما الأمر هاري؟ ما الذي يحدث؟
قام هاري من مكانه وهو يحمل تلك الصحيفة ليقول بانفعال: هل تعلمين أين أخي؟
ترددت ايمي قبل أن تجيبه بحذر: لقد قال أنه سيذهب إلى الشركة..
ثم سكتت قليلاً وأردفت بتردد: طلب مني أن أخبرك أن تحضر له دفتر الحسابات.. إنه ينتظرك في الأسفل..
استغرب هاري من كلامها وتساءل بحيرة: لكنه قال أنه لن يذهب إلى الشركة اليوم؟
أجابت ايمي قائلةً بشك: لم افهم الأمر بالضبط، لكنه قال لديفيد أن أشخاصاً من النيابة ومعهم أشخاص من شيء اسمه الCIM قد اقتحموا الشركة هذا الصباح لأجل القيام بالتفتيش أو شيء كهذا..
اتسعت عينا هاري بصدمة، لكنه قال بحنق: تباً! يجب علينا التصرف بسرعة!
قال هذا ليركض نحو الدرج، لذلك لحقت به ايمي بسرعة وقالت بنفس متقطع وهي تركض خلفه محاولةً أن تجاريه في سرعته: ما الأمر هاري؟ ما الذي يحدث؟!
لم يرد هاري عليها على سؤالها ذاك. تمتم لاعناً بين أنفاسه، في حين أخذ يردد هامساً برجاء: رجاءاً لا تكن غبياً وتذهب إلى هناك، عليك ألا تذهب إلى هناك حتماً!!
عندها توقف مكانه في صدمة لما سمع صوت ضجيج عالٍ، وصراخ ميّزه على أنه صراخ جدته كان قادماً من الطابق الأرضي. فنظر إلى ايمي التي توقفت إلى جانبه للتو، وقد بدت مذعورةً هي الأخرى.
لم ينتظرا طويلاً حتى ركض كلاهما إلى الأسفل حيث مصدر ذلك الصوت في الردهة أمام المدخل.
توقف كلاهما أعلى الدرج وهما ينظران بصدمة إلى المنظر في الأسفل..
كان هناك العديد من الرجال الذين ارتدوا ملابس القوات الخاصة التابعة للشرطة، رفقة رجال آخرين يرتدون ملابس مدنية. لكن ما صدمهما أكثر هما ذلكما الرجلين الذين كتّفا كارل بقوة. ولما حاول المقاومة والإفلات من قبضتيهما، أجلساه أرضاً على ركبتيه بعنف، في حين وضع أحدهما الأصفاد على كلتا يديه خلف ظهره.
نظر نحوهما بعصبية وقال وهو يحاول إخراج يديه من تلك الأصفاد الحديدية دون جدوى: ما الججيم الذي يحدث هنا؟!!
الجدة كانت تصرخ عليهم بالابتعاد عنه وهي تحاول الإفلات من ذلك الرجل الذي أحاط بجسدها الهزيل من الخلف، بينما كان ديفيد يتشاجر معهم وهو يحاول الوصول إلى صديقه باستماتة...
شهقة ايمي العالية، جعلت الجميع يصمتون فجأة لينظروا نحوها على الفور.
كانت ترتجف في مكانها في ذعر، في حين تمسكت بقميص هاري بقوة وهي تنظر نحوهم بخوف والدموع في عينيها.
تكلمت بصوت راجف بالكاد أخرجته بين شفتيها المرتعشتين: ما الذي تفعلونه لكارل؟
نظر إليها أحد أولئك الرجال، وقد التمعت عيناه بسعادة غامرة أشعرتها بالذعر..
كان واقفاً على مقربة من المدخل، لكنه هتف قائلاً بينما ينظر إليها بحماس: أنتِ هي تلك الرسامة صحيح؟ٍ!
انتفضت ايمي بذعر من نظراته تلك، عندها وضع هاري يده أمامها وحركها قليلاً حتى صارت واقفةً خلف ظهره، قبل أن يقول بحدة: ما الذي يحدث هنا؟ بأي حق تقتحمون منزلنا فجأة وتلقون القبض على أخي هكذا!
عندها تكلٌم راولي الواقف وسط أولئك الرجال بنبرة هادئة، وهو ينظر نحوه بثقة: شقيقك متورط في قضية خطيرة جداً، ولدينا العديد من الأدلة التي تثبت ذلك!
ما إن قال هذا حتى رفع كارل بصره نحوه وقال بعصبية، بينما ينظر إليه بحنق وهو يحاول فك تلك الأصفاد مجدداً، حتى أن يديه قد تورمتا الآن تقريباً: عن أي قضية تتحدث؟ لا أسمح لك باتهامي هكذا! وحتى لو اشتبهت بي في شيء ما كما تتدعي، لا يحق لك اقتحام منزلي والقبض علي بهذه الطريقة المهينة!
نظر إليه راولي بحدة وقال وعيناه تقدحان شرراً: لا تتدعي البراءة أيها الرئيس تشادولي، إننا نملك الأدلة التي تدينك بالفعل. من الأفضل أن تتعاون معنا حتى يصبح الأمر أسهل عليك!
تعابير وجهه، جعلت كارل يدرك تلقائياً أنه لا جدوى من الحديث معه أبداً. هو لا يدري ما الذي حدث حتى ينتهي به الحال في وضع كهذا، لكنه تكلم بنفاذ صبر محاولاً التماس أي منطقية في عقل هذا الواقف أمامه، والذي استطاع تمييزه فوراً على أنه رفيق لوسي الذي كانت تبحث عنه طوال تلك الأشهر الماضية: أنا لا أفهم حقاً ما الذي تتكلم عنه! أنا واثق من أنني لم أفعل أي شيء خاطئ حتى تتهمني هكذا. لابد أن هناك خطأ ما!
ضغط راولي على أسنانه بغضب، وصاح به بعدما استنفذ كامل صبره الآن: توقف عن الإنكار هكذا! هل كنت تظن أن مكانتك ستسمح لك بالإفلات من كل تلك الجرائم البشعة التي ارتكبتها؟ حتى الموت ألف مرة لن يكفي للتعويض عن كل ما اقترفته يداك!
تفاجأ كارل كثيراً لما سمع كلماته تلك. جرائم بشعة؟ الموت؟ ما الذي يتحدث عنه هذا الشخص بحق؟!!
أراد أن يتكلم، لكن راولي قاطعه لما صاح برجاله قائلاً: خذوه الآن!
لم يلاحظ أي منهم تلك التي أخذت تركض بسرعة بين أولئك الواقفين حول كارل. وقبل أن يكونوا قادرين على فعل أي شيء، وقفت لوسي أمام كارل بعد أن ولته ظهرها، لتفرد يديها في الهواء حتى لا تسمح لأحد بالاقتراب أكثر، ثم تقول بصوت راجف مخاطبةً راولي الواقف أمامها مباشرة: أرجوك ألا تأخذه راولي. أنا واثقة من أن كارل لن يقوم بشيء كهذا..كارل بريء، أرجوك صدقني!
ضغط راولي على أسنانه وقال وهو يحاول كبت أعصابه بصعوبة: لوسي! لقد أخبرتك ألا تتدخلي في هذا الأمر بعد الآن! سوف يثبت التحقيق ما إذا كان بريئاً حقاً كما تقولين.
ردت لوسي برجاء، بينما كانت تشعر باليأس حقاً من أن تقنعه: أرجوك راولي ألا تفعل هذا! أرجوك أن تستمع إلي!
تنهد راولي بضيق ودفع خصلات غرته بأصابعه إلى الخلف في نفاذ صبر، دون أن يعرف ما الذي عليه فعله الآن. فآخر ما يريده، هو أن يؤذي مشاعر من اعتبرها دائما شقيقته الصغيرة!
لم يبالي كارل بالجو المشحون بين لوسي وراولي. بل إنه تكلم أخيراً بصوت راجف بدا أقرب إلى الهمس، وهو يريد أن يتأكد من أن ما يراه الآن ليس حلماً، وأن سمعه وبصره لا يخدعانه في هذه اللحظة: لوسي؟
شعرت لوسي أن الدم تجمّد في شرايينها ما إن سمعت صوته.
التفتت نحوه ببطء، لتقف مقابلةً له الآن وتقابل عينيها بعينيه اللتان كانتا تنظران إليها بلهفة وشوق كالذي في عينيها الآن..
كانت ترتجف في مكانها، بينما أخذت الدموع تنهمر من عينيها دون توقف. لا يمكنها السماح بذلك، لا يمكنها تركهم يأخذونه أبداً!
ابتسمت بمرارة وهي تتذكر كل المشاعر التي كانت تحملها اتجاهه من قبل. من كان يعلم أن كرهها له، وحقدها عليه لسنوات طويلة، سيختفي هكذا في تلك الأشهر القليلة التي عرفتها فيه.
لكن عليها أن تتكلم الآن. إذا ما أرادت أن تمضي قدماً فيما أراده قلبها بشدة، عليها أن تخبره بكل شيء!
لا تدري كيف استجمعت شتات نفسها، ليخرج صوتها مهزوزاً راجفاً، وعيناها لم تفارقا عيناه العشبيتان ولو للحظة: كنت أظن أنني سأكرهك إلى الأبد. كنت أظن أن موتك هو أكثر شيء تمنيته على الإطلاق. أردت أن أصدق حقاً أنك شخص سيء.
أتعلم كارل؟ طوال تلك الأشهر التي قضيتها معك، أردت أن أقنع نفسي بأنك مجرم، وبأن مصيرك هو أن تتعفن في السجن حتى أشفي غليلي مما حدث ذلك اليوم..لكنني لم أستطع! لم أستطع كرهك أبداً مهما حاولت...
لكن صوتها اختفى بين عبراتها المتألمة، دون أن تكون قادرةً على قول المزيد...
أراد الرجال أن يتقدموا نحو كارل، لكن راولي رفع يده مشيراً إليهم بالتوقف. هو يعلم جيداً كم تحتاج لوسي للبوح بكل شيء الآن. حتى وهو يعلم جيداً أنه لا مستقبل لها مع هذا المجرم!
كان كارل ينظر إليها بألم. لم يعرف لما عصرت كلماتها تلك قلبه هكذا، لذلك وجد نفسه يسألها دون تفكير بصوت بدا أقرب للهمس: لكن لماذا؟ لماذا تكرهينني لوسي؟
لكنها لم تكن قادرةً على قول أي شيء. كانت تبكي بألم، وكل شيء حدث ويحدث، ظل يعصر قلبها بقوة..
لم يحتمل راولي رؤيتها على هذه الحال، لذلك تكلم عنها بحدة، وقد أراد لكارل أن يعرف جيداً مقدار الألم الذي سببه لها لوقت طويل جداً: قبل عشر سنوات عندما قتل جميع أفراد عائلة تشادولي في ذلك الحريق، لم يرض أحد على أن يظل موتهم غامضاً هكذا. كان من الضروري أن يتحمل أحد ما المسؤولية، ولم يجد المحامون التابعون لأسرة تشادولي سوى ذلك البستاني المسكين الذي كان متواجداً في ساحة القصر بالمصادفة.
ثم احتدت عيناه بنظرة حاقدة، ليضيف بغضب مكبوت: حتى رغم أنه حاول تبرئة نفسه مراراً وتكراراً، إلا أن أحداً لم يستمع له أبداً. كان من الضروري أن يكون هناك كبش فداء حتى تنتهي تلك القضية، وحتى لا يتحمل أحد مسؤولية ما حدث.
ورغم أنه لم يكن هناك أي دليل قاطع يدينه، وأن كل الأدلة التي كانت تشير إليه كانت محض أدلة ظرفية فحسب، إلا أنهم أدانوه بتلك التهمة الباطلة وفي النهاية، حكموا عليه بالإعدام!
ضغط على أسنانه بقوة، ليتابع بحقد لم يستطع إخفاءه أبداً: لا أحد يعلم مدى طيبة قلبه وعطفه على الجميع حتى دون أن يعرفهم. لم يكن قادراً على قتل نملة صغيرة، فما بالك بقتل أكثر من أربعين شخصاً بتلك الفظاعة!!
لم يستطع احتمال ذلك الحكم الظالم أبداً. لم يستطع قلبه المرهف احتمال ذلك أبداً، لذلك فعل الشيء الوحيد الذي كان قادراً على فعله في ذلك الوقت...
ثم سكت قليلاً ليقول ببطء: لقد قام بالانتحار!
أخذ نفساً عميقاً، ثم قبض يديه بقوة محاولاً تهدئة نيران الغضب التي أخذت تتأجج في صدره بعنف، ليستأنف كلامه قائلاً بقهر: في تلك الزنزانة الباردة والموحشة، وبذلك الذنب الذي حمّلوه له دون أن يكون له يد فيه على الإطلاق، غادر هذه الحياة هكذا كمجرم سفاح وقاتل كرهه الناس جميعاً. المختل الذي أباد أعرق عائلة على الإطلاق..الشخص الذي لم يذكر اسمه بعدها إلا مصحوباً بأبشع الأوصاف. ذلك الشخص...ذلك الشخص...
ثم عض شفته السفلى بقوة، ليردف بعدها بين أسنانه التي ضغط عليها بحنق: ذلك الشخص هو زوج خالتي، ووالد لوسي الذي اتهم زوراً بسببك!!
لما قال استطاع أن يلاحظ شحوب وجهه، واختفاء الحياة من عينيه تماماً. ارتخى جسده، وبدا كما لو أنه لم يكن ينظر إلى أي شيء وقتها..
لكنه رغم ذلك عليه أن يتابع إلى النهاية. يجب أن يقول كل شيء لهذا الحقير الذي مزّق قلب ابنة خالته، وشقيقته الصغيرة بكل قسوة منذ أن كانت طفلة وحتى الآن.
لكنه وقبل أن يقول أي شيء، سمعه يضحك فجأة.
لم تكن كضحكاته المرحة على الإطلاق، بل كانت ضحكة ألم وقهر جعلت راولي ينظر إليه بارتباك مترقباً ما سيقوله..
تكلم وهو ينظر إلى الفراغ دون أن يوجّه كلامه إلى أي شخص تحديداً: آه أنتِ ابنة هينري إذن...كان علي أن أعرف ذلك منذ البداية..
ثم نظر إليها بابتسامة مريرة، وعينين يائستين فقدتا بريقهما تماماً. ليتكلم اخيراً بلوعة جعلت الدموع تجف من عينيها على الفور: لوسي، أؤكد لك أنه أياً كان ما يحدث الآن، فليس لي علاقة به أبداً. لكنني رغم ذلك أستحق هذا. لقد كان هذا ما يجب أن يحدث لي منذ وقت طويل جداً...أنتِ محقة في كرهي...أنا....
وقبل أن يقول أي شيء، صاح به هاري قائلاً بحدة: كارل توقف!
لم يبد كارل أنه سمع ما قاله..أراد أن يتابع كلامه، لكن هاري صاح به مرة أخرى وقال بعصبية أكبر: كارل توقف أيها الأحمق! لا تقل أي شيء...هل نسيت وعدنا؟ يجب ألا يعرف أي مخلوق بهذا أبداً!!!
لكن كارل لم يبالي بكلامه. نظر إلى لوسي مجدداً بينما عيناه تدمعان، دون أن يهتم بهاري الذي أخذ يردد صارخاً بغضب
-توقف! توقف! توقف! توقف! توقف!
تكلم وهو يدرك جيداً أنه لن يراها بعد الآن أبداً: الشخص الذي أشعل النار في ذلك الوقت كانت إحدى خادمات القصر، لكن...لقد كنا نعلم أنها كانت تخطط لذلك. صحيح أنني ظننت أنها ستقتل جدي فحسب، لكنني كنت أعلم ما كانت تنوي فعله.
ثم ضغط على أسنانه وأردف بصوت راجف: لقد كان علينا قتله بأي طريقة. نحن... كان يجب علينا قتله بأي ثمن!!
ثم رفع بصره نحوها وقال بألم: أنا من أخبرت هاري ألا يخبر أحداً. إذا لم يمت ذلك الشخص...إذا لم يختفي ذلك الشخص من حياتنا...نحن...نحن...
ثم أغلق عينيه وأردف بهمس مسموع: لقد أردنا نكون أحراراً فحسب! لم أعلم أن هنري سيُحمّل مسؤولية ما حدث، لكنني كنت السبب في ذلك! بسببي مات هنري، الخدم....المرأة والرجل اللذان أنجبانا، وأولئك الأوغاد من أسرة تشادولي أيضا!
ما إن قال هذا حتى شهقت الجدة سمانثا بصوت عالٍ لتجثوا على الأرض، بينما غطت فمها بيديها وهي تحاول كبت عبراتها بصعوبة..
أخذت تردد بصوت عالٍ، وبنحيب متألم: أوه يا إلهي ما الذي فعلته! أوه يا صغيراي... أنا السبب..أنا السبب في كل ذلك! ما كان عليّ أن أسمح لهم بفعل ذلك! كان عليّ أن أوقفهم...كان عليّ أن أوقف شيري منذ ذلك الوقت!...آه...آه...
تسمّر ديفيد في مكانه بصدمة. لا يدري ما إذا كان قد توقع ذلك أم لا، لكن سماع تلك الحقيقة من فم صديقه هكذا، جعله عاجزاً عن التفكير بأي شيء..
لكنه رغم ذلك ركض نحو الجدة ليحاول تهدئتها دون جدوى. كانت تمتم بعبارات غير مفهومة، بينما ظلت تبكي بحرقة..
أخذت ايمي تقترب من هاري الواقف أمامها بحذر..
ما مقدار الندم والألم الذي تحمّله كلاهما طول تلك السنوات؟ كم عانيا حتى انتهى بهما الأمر إلى اتخاذ قرار كهذا؟
وقفت إلى جانبه وهي تدرس تعابير وجهه باحثةً عن نفس ذلك الندم، ونفس ذلك الألم، ونفس تلك المشاعر المريرة التي رأتها في عيني كارل قبل قليل. لكن ما عصر قلبها بقوة هو أنها لم تجد أياً من ذلك على الإطلاق!
عيناه كانتا خاليتان تماماً من أي تعبير، ومن أي مشاعر بتاتاً.
لا ندم، لا حزن، لا ألم، ولا أي شيء يدل على تأثره بتلك الذكرى الفظيعة أبداً..
ربما في تلك اللحظة، في ذلك اليوم، أدركت ايمي كل شيء أخيراً.
سر تلك النظرات..ذلك السواد المرعب في قلب هاري، وعيناه الخاليتان تماماً من أي بريق، أي إنسانية، وأي اهتمام بالبشر من حوله عدا الذين اختارهم هو فقط..
لقد استطاعت فهم ما يدور في عقله أخيراً. كيف يفكر، وكيف يشعر، وكيف ينظر إلى هذا العالم من حوله.
الآن هي تدرك جيداً أن ليس هذا فقط ما حدث، ليس هذا كل شيء، وعيون هاري تلك كانت قد أخبرتها بكل هذا!!
ضمت يده بكلتا يديها، لتحشر وجهها في ساعده بينما جسدها يرجف بقوة من هول ما اكتشفته في تلك اللحظة.
همست بألم ومرارة، وهي تكاد تبكي حقاً: هاري!
.
.
.
لوسي ظلت واقفةً مكانها بينما تنظر إلى الأرض في صدمة. شعرت أن صوتها قد خانها في تلك اللحظة، وأن عقلها لم يكن قادراً على استيعاب أي شيء مما قاله.
ورغم أن راولي لم يتوقع أبداً أياً مما سمعه الآن، لكن لم يكن لديه الوقت الآن لهذا الاعتراف الذي فاجأه كثيراً..
أغلق عينيه لبضع ثوان محاولاً تصفية عقله من أي شيء آخر، ثم فتحهما مجدداً لينظر إلى الرجلين الواقفين خلف كارل ويقول بهدوء: خذوه إلى السيارة. ثم نظر إلى ايمي وأشار إليها برأسه، لذلك فهم رجاله قصده على الفور.
ما إن قال هذا حتى قام ديفيد من مكانه إلى جانب الجدة على الفور، ليقول مخاطباً راولي بحدة بينما يسير بخطوات سريعة باتجاه كارل: لن أسمح لك بأخذه أبدا!
وقبل أن يقترب منه حتى، حاصره رجل ضخم البنية وقد شد كلتا ذرعيه إلى الخلف لذلك لم يستطع التحرك أبداً..
كان يحاول الإفلات من قبضته دون جدوى، في حين ظل يسبه ويلعنه ويصرخ وهو ينظر إلى صديقه بيأس: كارل! كارل!!
بدا كارل مستسلماً تماماً لذلكما الرجلين اللذان أوقفاه على مهل وهما ينظران إليه بحذر، في انتظار أي ردة فعل منه. لكنه كان كالجسد الخاوي تماماً، بلا أي طاقة ولا أي أثر للحياة.
كان ينظر إلى الأرض بعينين تائهتين دون أن يقاومهما أبداً، مما جعلهما يرافقانه وهما يبدوان أكثر راحة الآن.
اقترب أحد الرجال من الدرج وهو ينظر إلى ايمي بمكر دون أن يلاحظ نظرته تلك أحد غير هاري وايمي الواقفان أعلى الدرج..
قال مخاطباً هاري وهو يدّعي الهدوء: حسناً يا صغيري، نريد أن تأتي معنا هذه الآنسة الصغيرة. لا تقلق، لن نقوم بإيذائها أبداً...
نظر إليه هاري بحدة لثوان وفكر في نفسه بغيظ: إذا فقد كانت ايمي هدفهم منذ البداية!!
لكنه نظر إلى كارل الذي كان يسير الآن في منتصف الردهة رفقة ذلكما الرجلين. غير آبه لبكاء جدته، ولا لصراخ ديفيد عليهم أن يطلقوا سراحه..
خفض رأسه للحظات، ثم رفعه فجأة لينظر إلى ذلك الرجل بعينين دامعتين، ثم يركض نحوه حتى وقف أمامه ليصيح به قائلاً وهو يبكي، بينما يضرب معدته بقبضتيه الضعيفتين اللتان بالكاد شعر بهما: اتركوا أخي! لا تأخذوه! لن أسمح لكم بأخذه!
تنهد الرجل بضيق من هذا الطفل الواقف أمامه. لكنه وضع يديه على كتفيه محاولاً إيقافه، ليقول بنفاذ صبر: هذا يكفي يا صغير. شقيقك ارتكب جريمة شنيعة وعليه أن يعاقب عليها. سيتدبر القانون كل شيء الآن.
طوق هاري خصر ذلك الرجل، ليقول بإصرار أكبر وهو يصرخ بشدة: لا، أخي بريئ! أعيدوا إليّ أخي! أخي لم يفعل أي شيء!
أراد ذلك الرجل أن يبعده عنه، لكن هاري ابتعد عنه فجأة ليتراجع عدة خطوات إلى الخلف حتى صعد منتصف الدرج الآن، لينظر نحو ذلك الرجل الواقف في الأسفل، ويقول بينما ارتسمت على وجهه ابتسامة ساخرة: هل أخبرك أحد ما من قبل أنه عليك ألا تصدق دموع المراهقين؟
لوهلة لم يستطع ذلك الرجل استيعاب أي شيء مما حدث، لكنه لما رأى ذلك المسدس في يد هاري أدرك الأمر على الفور...
لقد خدعه حتى ينتزع منه مسدسه!!
لكنه قبل أن يكون قادراً على قول أي شيء، رفع هاري ذلك المسدس ووجهه نحو رأس ذلك الرجل ليقول بحدة: توقفوا مكانكم وإلا أطلقت النار!!
التفت الجميع إلى حيث وقف هاري الذي كان واقفاً في مكانه بينما يمسك المسدس بثبات، دون أن تبدو عليه أي علامات للخوف أو التردد...
تكلم بتحذير لما أدرك أنه شد انتباه راولي نحوه أخيراً: أطلق سراح أخي وإلا أطلقت النار!
نظر إليه راولي بحدة وقال: هل تظنني سأستمع إلى تهديدك أيها الصغير؟ أخوك مجرم ويجب أن يحاسب. لا تهمني مشاعرك اتجاه الأمر حقاً...إنني أؤدي عملي فحسب!
ابتسم هاري بسخرية من كلامه وقال باستهزاء: تؤدي عملك؟ إذا ما كنت تؤدي عملك بشكل صحيح كما تظن، فعندها ستدرك فوراً أن الأمر كله مؤامرة سخيفة للإيقاع بأخي!
لا يدري لم شعر راولي بالارتباك من كلامه. أبسبب نظراته النارية تلك؟ أم تلك الهالة المرعبة المحيطة به، والتي لم يستطع إلا أن يشعر بها في تلك اللحظة.
بدا الأمر كما لو أن لهذا الفتى سحر خاص، جعل من المستحيل بالنسبه له ألا يستمع إليه، ولا يشعر بالرهبة لمجرد النظر نحو تلك العينين الذهبيتين كلون عيني نمر بري مفترس، سيغرس أنيابه في جلده ما إن يبعد عينيه عنه للحظة..
لذلك وجد نفسه يبرّر له قائلاً كما لو كان غير واثق مما يقول: إن الأدلة ضده قوية جداً ولا مجال للإنكار أبداً!
عندها علّق هاري على كلامه بسخرية لاذعة: ولهذا السبب هي مؤامرة واضحة. من هو الغبي الذي سيترك خلفه كل تلك الأدلة لتي تدينه هكذا بكل سهولة!
تراجع راولي خطوة إلى الوراء بعد أن أربكه كلامه لسبب ما.
لكن هاري استطرد قائلاً بنبرة آمرة: والآن اترك أخي حالاً! أياً كانت تهمتك ضده، بإمكانك أن تناقش معه الأمر لاحقاً، وستدرك حينها حجم خطأك!
عندها خاطبه الرجل الواقف أسفل الدرج، وقد بدا متوتراً جداً: هيي ذلك يكفي يا صغير... أنزل ذلك الشيء الخطير من يدك ودعنا نحن الشرطة ننهي عملنا...
ثم ضغط على أسنانه وقال في نفسه بغيظ: تباً! سيقتلني الزعيم إن لم أحصل على تلك الطفلة اللعينة!
لكنه ابتسم بود مصطنع، وقال كما لو كان يخاطب طفلاً في الخامسة بينما يقترب منه ببطء: هيا يا صغيري...أعلم أنك في الحقيقة خائف من هذا الشيء الذي في يدك. هيا اعطه لعمك وكن طفلاً مطيعاً...اتفقنا؟
ما إن قال هذا حتى أطلق هاري النار، لتجرح تلك الرصاصة ذارعه وتستقر على الأرض...
عم الصمت للحظات، وقد بدا الجميع مصدومين تماماً مما حدث لوهلة. لكن هاري قطع ذلك الصمت لما قال مخاطباً ذلك الرجل ببرود مرعب: إذا ما كنت تظن أنني قد أتردد ولو للحظة في قتلك، فأنت مسكين حقاً...
ثم خاطبهم بتهديد وعيناه تقدحان شرراً: قلت لكم أن تتركوا أخي حالاً، وإلا فإن الرصاصة التالية ستكون في رأسه!
ضغط الرجل على الجرح في يده وهسهس بسخط بين أسنانه: تباً لك أيها اللعين!
.
.
.
صوت تلك الرصاصة، أعاد جميع الحواس إلى كارل دفعة واحدة. الآن فقط قد أدرك ما يحدث حوله. هو الوحيد الذي يعلم جيداً أن هاري لن يتردد فعلا في قتله دون أن يرمش له جفن حتى، وهو ما لن يسمح بحدوثه أبداً مهما كان الثمن!
تملّص من بين الرجلين الواقفين إلى جانبيه، واقترب من أخيه ليصيح به قائلاً بارتباك: هاري توقف! سوف أكون بخير. سوف أثبت لهم أنني بريء، لذلك ليس عليك أن تقلق. استمع إليّ وأنزل ذلك المسدس في الحال!
عندها رد هاري بغضب وهو يشد قبضته على ذلك المسدس: بل أنت من يجب أن يستمع إليّ أيها الأحمق! في اللحظة التي تغادر فيها هذا المكان، سيقتلونك على الفور دون أن تكون لديك أي فرصة حتى تبرّئ نفسك!
اتّسعت عينا كارل بصدمة لما سمع كلماته تلك. ورغم أنه لم يرد تصديق ذلك، إلا أنه أكثر من يعرف أن هاري لن يخطئ أبداً..
لم يستطع راولي تجاهل كلام هذا الفتى أبداً. عقد حاجبيه متعجباً وردد بحيرة: سيقتلونه؟ من الذي تقصدهم بكلامك؟!
ما إن قال هذا، حتى ضغط ذلك الرجل على أسنانه وقال في نفسه بغيظ: تباً! كيف اكتشف هذا الصعلوك الخطة؟!
ثم سكت قليلاً وأردف في نفسه بانزعاج: لم يعد أمامنا خيار آخر..
وضع يده السليمة خلف ظهره ليرفع سبابته وإبهامه بشكل أفقي، مشيراً إلى أحدهم في حركة فهم معناها على الفور..
كان هاري ينظر إلى كارل الواقف قبالته أسفل الدرج بيأس.
أراده أن يستوعب مدى جدية الموقف بأي طريقة. يعلم جيداً كم هو محطّم الآن، لكنه ليس الوقت للتفكير بأي شيء آخر عدا النجاة فحسب!
لكن في تلك اللحظة، اتسعت عيناه بصدمة ما إن رأى نقطة الضوء الحمراء الصغيرة على جانب جبين شقيقه...
هي ثوان قليلة فقط...
أدار رأسه باتجاه النافذة الطويلة المطلّة على الردهة، ليرى ذلك القناص الواقف بين أشجار الحديقة، في حين كان يصوب فوهة قناصته مباشرة باتجاه رأس كارل...
فتح فمه ليحذره، في حين أخذ يركض إلى الأسفل في لحظات شعر أنها ساعات طويلة..
وقبل أن يكون قادراً على قول أي شيء، كان صوت تلك الرصاصة المنطلقة باتجاه شقيقه، أسرع من أي صوت آخر...
يتبع...
******
_رأيكم في الفصل؟
_توقعاتكم للأحداث القادمة؟
_ما حقيقة تلك القضية التي اتهم بها كارل زورا؟ ومن الذي لفقها عليه؟
_ما الذي كان هاري يفعله بدفتر الحسابات الخاص بكارل، وبتلك الصحف القديمة؟
_ما الذي ستفعلونه إذا ما كنتم في مكان لوسي الآن؟ هل ستكونون قادرين على مسامحة الشخص الذي كان السبب في موت أعز إنسان بالنسبة لكم؟
_إلى أي حد يكتسح الظلام شخصية هاري؟ هل تتوقعون أنه سيقتل شخصاً ما حقاً؟
_من هم تلك العصابة الذين يسعون وراء ايمي؟ ولماذا هي تحديداً؟ وما هي خطتهم؟
_وأخيرا...هل سيموت كارل حقاً؟!
أحداث كثيرة وشيقة بانتظاركم في الفصول القادمة فانتظروني❤
طبعا وصلتني تعليقات كثيرة من بداية القصة لأشخاص توقعوا ان لوسي هيا بنت البستاني نهنيكم لكل من توقعو الشي هادا😉
نحب نبين بعض الحقائق المهمة لأن البعض حتلتبس عليهم شوية
_من خلال اللي صار اعتقد قدرتو تفهمو ان لوسي مكانتش شخصية شريرة (هي عميلة في منظمة أمنية معروفة بالCIM رح نتكلم عليها بعدين) يعني باختصار كانت وظيفتها ان تجمع أدلة ضد كارل لأنهم كانو يحسابوه متورط في قضية توا نتكلم عليها في الفصل الجاي😁
_السبب وراء كره لوسي لكارل مزال ما اتضحش (راولي كانت حيقوله بس كارل قاطعه) لأن عارفة كثير منكم حيفكرو أنه مش منطقي تكرهه لمجرد أن اتهمو بوها بقتل عيلته.
_ممكن البعض منكم حيفكرو أن المفروض كارل ما يعتبرش روحه قتل عيلته لمجرد أنه ما حذرش جده انها كانت ناوية تقتله بس الصدمة النفسية اللي تعرضلها في صغره لما شاف عيلته كلهم ينحرقو وسمع صياحهم وهوا يعرف انه كان يقدر ينقذهم لو تكلم خلاته يقتنع أنه هو السبب في موتهم ومع الوقت بدت القناعة هادي تكبر اكتر واكتر لين وصل لمرحلة أنه يشوف في روحه كأن هو اللي قتلهم. يعني أكتر شي عامل نفسي (طبعا هاري يختلف على كارل تماما في نظرته للي صار وحتفهمو كيف وعلاش في الفصول الجاية)
_اللي صار لاسرة تشادولي قبل عشرة سنين مزال ما انكشفش بالكامل..في مزال حقيقة هيا ممكن من أظلم وأبشع الحقائق في الرواية اللي حتخليكم مش حتعرفو كيف تحسو بعد ما تعرفوها..نتحداكم تستنتجو شن اللي صار بالزبط😏 (للعلم أشرت لحاجات معينة حتخلي المركز فيهم يستنتج على طول شن صار بالزبط😌)
وبس
نتمنا الفصل يكون عجبكم..ما تنسوش التعليق والتصويت عليه حتفرحوني كثييير❤
نشوفكم في فصول جاية..دمتم في أمان الله وحفظه😘
Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top