| ٠٥ |
[ جزية لأتلانتا ]
- عديني أن تبقي شقيقك بخير، عديني أن تبقيا معا وتتمسكا ببعضكما؛ أنتم أقوياء سويا. هيا، أهربي الآن!
- ماذا عنك، أمي؟ وأبي...
- لا تقلقي بشأننا، يمكننا تدبر الأمر، عليكما فقط المغادرة، أنتم أهم منا.
- لا، لا... لا يمكنني ترككما هنا... أنا أحبك، أمي...
- أنا معك دائما، في قلبك، سأبقى دائما فخورة بك، إيفا.
أحفت وجنتيها وقبلت رأسها بعد أن أشارت إلى قلبها، لتأوي إلى صدر أمها فتعانقها عناقا طويلا.
- أنت دائما أكبر فخر لي، إيفا. أعلم أنك لن تخذلينني أبدا.
- إيفا؟...
أيقظها صوت شقيقها من حلم يقظتها، أحفته بذراعها الأيسر بعد أن فركت رأسه.
- ما الخطب؟
- متى سيعود بابا وماما؟ اشتقت إليهما كثيرا.
أردف فتجمدت في مكانها، جثت على ركبتيها أمامه لتنظر إلى عينيه بعد أن اطالت تجنبهما حاجبة دموعها عن النزول وقد تجمعت فوق جفنيها.
- إنها رحلة طويلة، جوش. أمي أخبرتني أن ابقيك بخير حتى نعود إلى المنزل، لذا وحتى ذلك الحين علينا أن نبقى متماسكين.
- ولم لا نعود إلى المنزل الآن؟
- المنزل أصبح خطرا هذه الأيام، لذلك لن نعود حتى تعود الأمور على طبيعتها.
- هل ماما وبابا ينتظروننا هناك؟ والخالة آشلي؟
- لا أعلم أين هم بالتحديد الآن، لكننا سنبحث عنهم في أية حال، حسنا؟
هز رأسه مومئا بالرضا، لتنهض فتعاود السير.
-----
تقترب أعينهم من حدود مدينة ما، ذات مبان عالية، وطرق طويلة، وجسور شاسعة، تحيطها النباتات والأشجار من كل الاتجاهات.
- أتلانتا...
- هذه المدينة التي كان والداي ووالداك يقطنون فيها.
- أجل...
- هل سندخل أم نعود أدراجنا؟
قالت هيتش متسائلة.
- سندخل، بالطبع.
أجابت، بعد أن التفتت نحو الطريق الطويل الذي سيسلكونه، الطريق الذي امتلأ بأغصان النباتات التي وجدت طريقا خارج الإسفلت. الأجواء كانت هادئة، الشمس ترسل أشعتها على الأرض، نسيم الصباح البارد يتحرك بين الحين والآخر، أصوات الطيور البرية تتبادل التغريدات، شعور مسالم يملأ الهواء.
دقائق من السير، يتوغلون داخل المدينة أكثر فأكثر، ما زال الهدوء يعم المنطقة، بشكل مثير للريبة.
- هذا غريب، لم أشعر بهذا الكم من الهدوء من قبل.
قالت هيتش.
- أجل، هذا غريب بالفعل. اجعلوا اسلحتكم متأهبة دائما، هذا لا يبشر بالخير.
أتبعت محركة عينيها حول المكان، هي لا ترى شيئا غريبا، لكنها تشعر به في المكان، يتحرك، يقترب.
ذلك الأنين المقزز، صوت طقطقة العظام، دبدبة الأرجل العديدة، هي متأكدة من حدسها الآن.
- ابقوا قريبين من بعضكم؛ حسبة لأي هجمات مفاجئة.
قالت بينما أنزلت سلاحها الكبير عن كتفها لتضعه بين يديها مصوبة. بالفعل، كان هناك العديد من السائرين، ليس بقطيع، لكنه كان عددا كبيرا بعض الشيء.
فتحت نيران سلاحها لتتابع الرصاصات مفجرة رؤوسهم منثرة دماءهم، ليتبعها صديقيها في استخدام سلاحيهما، تتبعثر أشلاؤهم شيئا فشيئا، حتى أصبحت ساحة وسط المدينة واقعة لمذبحة كبيرة.
نصبت سلاحها لتضع راحة يدها اليمنى على فوهته مستندة إليه، سحبت نفسا عميقا لتطرده بينما تستدير لتواجه شقيقها.
- لا تفعل هذا، حسنا؟
- ماذا تقولين؟ كان هذا رائعا، أود بالطبع فعله.
قال متقدما نحوها بابتسامة عريضة أظهرت أسنانه.
- ليس قبل أن تتم عامك الخامس عشر، أولا لأنك ما تزال ضعيفا لتحمله، وهو ثقيل أيضا، وثانيا لأنني لا أريدك أن تصبح عنيفا بذلك الشكل.
- إيفا، أنت لست عنيفة...
- لم تفهم قصدي... أنظر، هؤلاء كانوا بشرا قبل أن يحدث هذا لهم، لا أريدك أن تصبح قاتلا، أريدك أن تكون لين القلب، لا أريدك أن تلطخ يديك بتلك الدماء النتنة إلا إذا تعين عليك فعل ذلك غصبا.
قالت بعد أن جثت لتنظر إليه مباشرة، فيجيبها بعناق كاف لتعرف ما يكن قلبه.
- لن أحتاج لفعل هذا طالما أنت معي، أنت قدوتي، إيفا.
أتبع وما زال متشبثا بها، سقطت منها دموعها لتسارع في مسحها.
- حسنا، كفانا مشاعرا الآن. علينا مواصلة طريقنا.
-----
سير متواصل لساعات، وأصبحت الشمس في كبد السماء، يشعرون بالحرارة تعتصر آخر قطرات من الماء في أجسادهم، لم يعد لديهم ماء صالح للشرب.
- رفاق، لنبق هنا للراحة، لا يمكنني السير أكثر من هذا.
قالت مستديرة نحو أصدقائها وقد أشارت إليهم بالتوقف، توقفوا ليزفروا في آن واحد.
- وأخيرا!
أردف كارل وقد وضع راحة يديه على كلا جانبيه، يتنفس بقوة.
- انظروا، يمكننا التوجه نحو منتزه ويستسايد ريزرفوير، هناك بحيرة يمكننا الشرب منها، وأيضا بإمكاننا التخييم هناك، الكثير كانوا يخيمون هنا، هو ليس قريبا من مركز المدينة، لذا أعتقد أنه آمن.
قاطعت هيتش مشيرة إلى طريق بين الأشجار على جانب الشارع.
- كيف علمت كل هذا؟
سأل جوشوا.
- لقد عشت في أتلانتا لمدة ليست بقصيرة، لذلك أعرف الكثير عنها.
أجابت بينما تقدمت ليسيروا خلفها، يتوغلون بين الأشجار، ليجدوا كوخا خشبيا في مرمى أعينهم.
- ثناء على روح السيد وينستون، حفل عيد ميلادي السابع عشر...
قرأت ما كتب على الجدار الخارجي للكوخ، اقتربت لتحسسه، كان مغطى بالأتربة، إذ أنه كتب منذ أعوام طوال.
- أليس هذا يشبه خط والدك؟...
تساءل كارل قائلا.
- إنه كذلك، بالفعل إنه يشبهه لدرجة كبيرة...
أجابت بينما أنزلت حقيبتها عن كتفها لتخرج منها دفترا صغيرا، تقلب بين صفحاته، حتى وجدت ما كانت تبحث عنه.
- أنت محق بالفعل! هذه طريقة كتابة أبي للحروف، وهذه طريقة الكتابات على الجدار، إنها متماثلة!
- ماذا تعنين بالضبط؟
- أعني أن أبي كان يعيش هنا بالفعل، وكان يعرف ذلك الشخص الذي كتب اسمه على الجدار. كتب هذا قبل ثلاثين عاما على الأقل، استنادا إلى أن والدي في منتصف الأربعين، لقد قضي وقتا طويلا هنا.
- انتظري، كلا والدينا كانوا أصدقاء مما يعني أن والداي قد عاشوا هنا أيضا.
- من الممكن أنهم قضوا وقتا هنا، على الأقل قبل مغادرتهم المكان...
قالت ثم التفتت لتتبع صوت الماء في البحيرة، المكان الذي يخيم فيه الجميع هنا، سارت وسط الأشجار ويتبعها رفقاؤها.
كانت هناك آثار لوجود أشخاص هنا من قبل، كانت صديقتها محقة في هذا، باشروا في تفقد المكان، بحثا عن أي غرض قد يحتاجون إليه.
وجدت قطعة من الورق المقوى عالقةً تحت جذعٍ خشبي، سحبتها من أسفل الجذع لتجد أنها صورة.
- كارل، يجب أن ترى هذا...
نادت فالتفت نحوها لينظر من خلف كتفها، فيفتح ثغره في ريبة من أمره.
- هذان...
- والداك.
---------------
(١٣/٠٨/٢٠)
Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top