| ٠٣ |

[ شيء نتن ]

     - جمع المحصول ليس المفضل لديك.

     - ولن يكون كذلك، إنه شاق حقا.

     - ليس كثيرا، أظن أنه يعجبني لأنني أفعل ذلك تحت أشعة الشمس.

رفعت رأسها لتنظر إلى مصدر الضوء فوقها، تلمع عينيها كأمواج الصباح في الصيف، تضع راحة يدها فوق عينيها لتحجب عنها كم الضوء الهائل.

     - لا، لم تعجبني.

     - بربك، ما الذي يعجبك إذا؟

سأل فهبطت إلى الأرض لتتمدد على العشب الذهبي، أغمضت عينيها وابتسمت.

     - كان علي توقع هذا.

     - أنا أكسل من أن أرد عليك. حسنا، كارل؟

الشمس، خيوطها تتسلل جفونها لتوقظها من حلمها، أو كانت ذكرى لها، تمطأت لتفتح عينيها فتأخذ جولة سريعة بها، كانت هيلينا ما تزال نائمة، أيضا كارل كان كذلك.

خرجت من السيارة ووضعت قبعتها فوق رأسها لتقوم بجولة صباحية، معدتها تصدر أصواتا، هي لم تعتد تناول الطعام بكميات ضئيلة.

     - أفتقد المنزل.

قالت بينما وضعت يدها على معدتها، تسير وسط الأشجار ذات القوام الهزيل، عيناها تلتقطان هيئة مبنى ما، تقدمت بضع خطوات لترى بشكل أوضح، هناك أناس يتجولون حول المنطقة.

عادت أدراجها نحو السيارة، أدخلت يدها من النافذة لتنكز كارل.

     - هيي، كارل! استيقظ!!

     - ما مشكلتك؟ من يوقظ أحدا بهذه الطريقة؛ كدت توقفين قلبي!

     - وجدت أناسا، أعني أحياء مثلنا، على الجانب الآخر من الطريق.

     - أحقا هذا؟

     - أجل، أيقظ هيتش وسأتكفل بالباقي.

ارتدى كل منهم حقيبته ثم غادروا العربة، سير دام لعدة دقائق، حتى رأوا مشارف ذلك المبنى.

     - ها هو...

     - غريب، لم يتأثروا بالقطيع...

     - أجل، هذا فعلا غريب، لكن ما يهم أننا وجدنا بشرا مثلنا، يمكننا المكوث معهم لوهلة...

أجابت لترمق كلا من كارل وهيتش بعينيها، تابعوا المشي حتى وصلوا إلى حدود المبنى، وقد أحيط بجدار سلكي، ويحوم حوله بعض الأشخاص، يحملون أسلحة متشابهة، يرتدون أزياء متشابهة، أقرب لفريق من كونهم مجموعة.

تقدم أحدهم فور رمق إيفا وأصدقائها يقتربون، ليجهر بصوته مناديا إليهم، مما جعل أحشائهم تهتز خوفا، تشابكوا أيديهم في الخفاء داعمين بعضهم.

     - ماذا تريدون؟!

ابتلعت لعابها المتحجر في حلقها، استنشقت الهواء بكمية كبيرة لتملأ رئتيها.

     - نحن بحاجة إلى مساعدة، تفرقنا عن مجموعتنا ونحتاج معونة من أي شخص.

أزفرت مجيبة، مظهرة ملامح جامدة، قيادية، على عكس ما كانت تكن داخلها؛ خوف وقلق شديد.

     - اتبعوني للداخل!

أردف الرجل فتحركوا من فورهم ليسيروا خلفه، عبروا البوابة الضخمة لينتقلوا إلى داخل المبنى، إنه أشبه بمصنع كبير، هناك العديد من الأشخاص بالداخل، جميعهم يرتدون أزياء بذات اللون الأسود.

     - هل دخلنا مأوى طائفة أو ما شابه؟

همس كارل.

     - الرائحة هنا مقززة، ووجوههم لا تبشر بالخير...

أضافت هيتش هامسة، واضعة راحة يدها على أنفها ببطء.

     - لا تظهروا توتركم، سيلحظون خوفكم وهذا ليس انطباعا جيدا...

أجابت هامسة لتطوف بنظرها في المكان، الإضاءة خافتة، الجميع في المكان يحدق بهم، طاقة غريبة ومزعجة تحيط بهم، امتزجت مع رائحة نتنة ملأت الجو بأكمله.

"هذه فكرة سيئة... لكن لا يمكنني التراجع الآن، كارل وهيتش يعتمدان علي." ردد عقلها هذه الكلمات، هي مترددة بالفعل، يوجد شيء غريب في هذا المكان لم تشهده من قبل.

"أليست هذه ذراع بشرية؟!!" صرخ عقلها فأجحظت عينيها مصعوقة، هذا لم يكن متوقعا أبدا.

وصلوا إلى غرفة ما ذات باب حديدي، لقد كان مغلقا، طرق الرجل الباب بقبضته عدة مرات، وقفوا في انتظار الإجابة لوهلة.

     - أدخل.

فتح الرجل الضخم الباب، تقدمت إيفا للدخول بعد أن افسح الضخم لها الطريق. كان هناك رجل آخر يجلس على طاولة في وسط الغرفة، وعلى ما يبدو أنه أنهى وجبته للتو، مسح شفتيه بمنديل مطرز ثم وضعه جانبا.

     - ما الخطب، كايسون؟

سأل بعد أن ارتشف القليل من الكأس أمامه. "أخبرني أن هذا نبيذ! أنا متأكدة من أنه ليس كذلك ولكن اللعنة، نحن في مأزق!" صرخ عقلها مجددا، فتسارعت نبضات قلبها، مما جعل وجهها يتحول للون الأحمر سريعا.

     - هؤلاء الأطفال يبحثون عن مأوى.

أجاب المدعو كايسون واضعا كفه الكبير على كتف كارل.

     - أهلا بهم إذا.

قال بينما نهض من مقعده ليتجه نحوهم. أخرج يده من جيبه فيمدها للمصافحة.

      - أنا ديكستر، وأنت؟

سأل بملامح باردة بينما رمق ثلاثتهم كل على حدة لوهلة.

     - إيفا، وهذان صديقاي، كارل وهيتش.

     - اسم رائع، مرحبا بك في مجتمعنا إذا يا إيفا وأصدقاؤك، كارل وهيتش.

أردف محيطا كتفها بذراعه، رمقته بريبة فأنزل يده عن كتفها.

     - مجتمعنا هنا لديه درجات ومراتب، وبما أنك جديدة هنا، فأنت -يا إيفا وصديقيك ستبقون في الرتبة الدنيا لوهلة قصيرة.

أتبع بينما التفت نحوها مبتسما، لمحت بطرف عينها رجلين ضخمين آخرين يدخلون الغرفة.

     - خذوهم.

قال ثم ارتشف القليل من كأسه، شعرت بقبضة قوية تمسك بها، تكبل معصميها بقوة.

-----

     - رأسي يؤلمني...

كانت تتأوه محاولة فتح عينيها، تشعر بألم ودوار شديدين.

     - كارل؟... هيتش؟... آنتما بخير؟

تحاول النهوض مقاومة جذب الأرض لها، تبحث بعينيها عن أي أثر لصديقيها. كانت في زنزانة، تجاورها الكثير من الزنزانات، وتقابلها الكثير منها أيضا، أناس مختلفون، وجوه مختلفة، هزيلة، البعض أيضا موتى، لكنها لم تستطع تمييز وجه كارل أو هيتش من بينهم.

     - أرجوك اتركني، لا أريد فعل هذا!!

ذلك الصوت، يمكنها تمييز ذلك الصوت الضعيف.

     - جوشوا؟ جوشوا!!

     - إيفا! آنت هنا؟

أفلت من يدي ذاك الرجل ليركض نحو ذراعا شقيقته المبسوطتين، عانقته بقوة وقد سمحت لدموعها بالتحرر أخيرا.

     - ماذا فعلوا بك، عزيزي؟

     - لا يمكنني تحمل ما يجبرونني عليه، إيفا! أرجوك، ساعديني--

سحبه ذلك الرجل من بين ذراعيها، ليحمله بقبضته نحو المخرج. كانت تصرخ، بأقوى نبرة لديها، تهز القضبان بيديها.

     - أترك شقيقي يا وغد، أقسم لك أنني سأقتلع مقلتيك القذرتين من مكانهما!

صرخت بصوت عال، حتى دوى صوتها في الردهة بأكملها. البكاء هو الحل الوحيد، ليس لديها شيء آخر سواه.

-----

     أحست به في المكان، صوت نحيبه الذي يرن في الردهة، رفعت عينيها التي قد جفت لتبحث عنه بنظرها، إنه يدخل إحدى تلك الزنزانات، هو يبكي بشدة، هي تشعر بالضعف لعدم قدرتها على التصدي لمن يقوم بإيذاء شقيقها الصغير.

عم الهدوء في المكان، الهواء البارد يصفع جسدها فتنتفض في ركن زنزانتها.

     - جوشوا... جوشوا... هل أنت بخير؟

سمعته يتنهف، بكاؤه الضعيف يصبح أقوى، لا يمكنها رؤيته، لكنها تشعر بما يشعر به.

     - لا يمكنني تحمل هذا، إيفا. إنهم يجبرونني على تناول ذلك الشيء النتن، وعندما أرفض تناوله يقومون بضربي كثيرا. أنا متعب، أريد أن أموت الآن، إيفا.

تنهفت بشدة مع بكائه وحديثه المرتعش.

     - جوشوا، أنا هنا الآن، لذا لا تقلق، سأخرجنا من هنا.

     - لا يفرق كثيرا، على الأقل يمكنني النوم هنا.

صمتت محاولة كتم بكائها. "كم أتمنى لو أضمك إلي الآن، جوشوا. لن أدع أحدا يصيبك بأذى، لن أبقي أحدا منهم حيا، أقسم لك، جوش."

     - أتتذكر تلك التهويدة التي كانت تغنيها ماما لنا؟

     - أظن ذلك، أجل، أنا أتذكرها.

     - ما رأيك إذا قمنا بغنائها الآن؟

"See the sunset, the day is ending.
Let that yawn out, there's no pretending.

I will hold you, and protect you; so let love warm you, till the morning.

I'll stay with you, by your side; close your tired eyes.
I'll wait, and soon, I'll see your smile in a dream.

And I won't wake before you go,
And I still hear you heartbeat..."

---------------

(٢٩/٠٧/٢٠)

Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top