٢

" تك، تك، تك " .. دَقات عقارِب الساعة فقط هي التي تَملئ صَوت فراغِك ، وأعلنت إِشارات دقّ الوقت عن مَوعد عُزلتك عن عالم انت لا تَمُت إليه بـصِلة ، انت خارج ذاك الإطار الزمني الخاص بـالبشر .

حَاولت وفشلت ، صَارعت وقاومت ، ومن ثم لا شئ .

لا شئ سوى الصخب المُحيط بعالمك ، تُريد إخماد هذا الصخب بشتى الطُرق ، بينما انت لا تَملك شيئًا من القوة لتُقاوم هذا الصَخب ، انت على شفا حُفرة من الجُنون ، إما العَودة وإما السُقوط ، خياران أفضلهما علقم ، وما بين فاصل العَودة وهُوة السُقوط انت هالك لا مَحالة .

دَائرة رَسمت مُنتصف قُطرها بـدقة مُهيئًا دورة حياتك الرتيبة فـأضحت دائرة تدور بك ، تنتشلك من مكانك لتعود بك مرة أخرى حيث سَقطتك المثالية .

_ پاپي انت قاعد هنا لوحدك وسايبني انا ومامي جوا !!
جملة مُعاتبة صدرت من صغيرتك ، دوتها علي مسامعك مُعلنة حضورها الطاغي على قلبك وعقلك ، ومن خلفها كانت والدتها ونصفك الآخر ، حيث بقيت علي وقفتها تراقب كلًا منكما بإبتسامتها اللطيفه التى تملأ مُحيّاها ، ويخفق لها قَلبك .

إستقرت صغيرتك بجانبك لتُشاكسك بصخب محبب إليك أفضل من صخبك الخاص ، صخبك القاتم .

_ وعدتني انك مش هتقعد لوحدك كدا تاني ، يبقى تنفذ .
وأشارت بسبابتها في طريقة تهديديه تناسب طفولتها الشقية .

_ ماشي يا ستي ، عُلم وينفذ يا چنى هانم ، ايه بقى المطلوب مني ؟
اعتدلت في جلستك مقابلًا لها متابعًا طريقة حديثها ، فلا شئ أقرب إلى قلبك منها .

_ هتلعب معايا بالكوره يالا ، انا هقف بعيد وانت ارميها .
أشارت إلى لُعبتها الصغيرة بجانبك وهي كُرتها المفضلة لديها ، انت كنت سببًا في حبها للـكُرة حيث كانت تُشاركك حماسة تشجيعك الخاص لـفريقك المُفضل .

_ هو في بنات بتلعب بالكورة يا چوچو !!
أراد أن يشاكسها بطريقتها ، فـأنت تعلم مِقدار حُبها لتلك الكُره تحديدًا دونًا عن باقي ألعابها التي تملأ غرفتها .

_ يا پاپي يالا بقى .
نفذ صبرها وجرت بعيدًا لمسافة مناسبة كي تتلقف منك الكُره وشرعت في مجاراتها ..
.
.
.
ومن ثم لاشئ ، لا شئ سوى الصمت التام مصاحبًا لصوت الكُرة التي قَذفتها بعيدًا نحو صغيرتك ، ولكن أين هي صغيرتك ؟ ، أين هي والدتها ؟ ، صدمتك الحقيقة ، وراحت عيناك تُفتش عن طيفهما ، فأجابك صوت عقلك الباطن :
' ليس هُناك أحد سِواك يا مسكين ، لا أحد هنا ليملأ فَراغك غيرك '

صدمتك الحقيقة وخطت نُقوشها على ملامحك بـدقة ، فلا أحد سِواك حقًا ليملأ فراغ نفسك ووحدتها التى تحيا بها منذ وقت طويل .

_ ايه ، دماغك راحت فين ؟ ، انت لسه على خيالاتك وفاكر انهم موجودين .
طيف آخر أتى ، ولكنه الطيف الغير مُرحب به على الإطلاق ، فـهو طيف الحقيقة .

_ حرام بتصعب عليا والله ، هتفوق امتى يا موهوم .
الحقيقة لا يفصل بينها وبين الوهم سوى خيط رقيق وإن انقطع فـلن تجد طوق نجاة لينتشلك من بحر اليأس ، وكان هو من لديه كل الحقيقة .

_ مش عايز ترد عليا عشان بقولك الحقيقة .
واتى بإعتراف مع سبق الاصرار والترصد .

_ عارف يا سليم المشكلة انك مش بس مريض بأوهامك وخيالاتك ، إنما انت كمان فاشل ، يعني مريض وفاشل في نفس الوقت .
طيفه المُتربص لن يخمد صوته ، ولن تنهار عزيمته يومًا ، ولن يفشل في أن يجعل منه شخصًا بائسًا وضائعًا .

_ انا لو منك متحملش العيشة دي ، يعني اجيبها من قاصرها واموت نفسي .
صوته المتهكم لن يرحل ، سيظل يدوي على مسامعه أبد الدهر .

_ اصل بالعقل كدا هعيش ليه وانا لعنه على كل اللي حواليا .
ولن يترك لك فرصة واحده لتلتقط أنفاسك من سُمه الذي يبثه في دَمك .

_ لا ومش لعنة وبس يا سليم دا انت كمان كنت سبب في موتهم .
سيظل ملاحقًا لك بلعناته ، ومذكرًا لك بالماضي وأوجاعه التي لن تطيب وجروحه التي لن تندمل .

_ ايوا تخيل مراتك وبنتك ماتوا عشان انت فاشل ومريض .
لن يصمت حتى يجعلك تعيش لحظة الألم مرة أخرى ، لن يرحل حتى يجعل منك شخصًا مُؤهلًا للإنتحار بدرجة إمتياز .

اختنقت أنفاسك وأصحبت تلتقطها بصعوبة بالغة ، تجمعت قطرات العرق على جبهتك تشي بالنيران التي تعتمل في صَدرك وتحرق أحشائك ، تركت المكان له ، تبحث بعينيك عن طيف المُحبين ، فـأنت في امسّ الحاجة لوجودهم گ درع حامٍ من ذاك الوسواس اللعين ، إنتقلت بين الأروقة تحاول النداء ولكن إنحسر صوتك ، وانعقد لسانك .

_ انت فاشل يا سليم ، انت لعنه على اللي حواليك ، انت فــــاشـــــل ، قولها ورايا متتكسفش ، قول انا فــــــاشـــــــــل .
لن يُعيطك الفرصة لتلتقط أنفاسك ، سيلاحقك أينما ذهبت ، أسقط مِقصلة الحكم على رقبتك ، وحَكم عليك بمرافقته مدى الحياة .

_ ابعد عني بقى ، انت عايز مني ايه ، بقولك ابعد عني .
صرخت في وجهه بكل ما تملك من قوة مُمسكًا بتلابيبه ، نظرت في عينيه وهالك ما نظرت إليه .

_ مش هبعد يا سليم ، عارف ليه !!
حان وقت الحقيقة .

_ لأن انا هو انت ، انا صوتك اللي سكت وقت لما كان المفروض يتكلم ، بس جه الوقت اللي انا اتكلم فيه وانت تسكت وتقول انا فاشل وبس ، مش هتقدر تخلص مني بسهولة ، لأن يوم ما هتقرر تتعالج مش أنا لوحدي اللي همشي ، أنا همشي ، ومراتك وبنتك كمان هيمشوا معايا .
انت تُصارع نفسك المريضة ، نفسك الهالكه في أشلاء الماضي المُمزق ، نفسك الراحلة مع من رحلوا ولا مَناص منه ، فـإما البقاء للجميع وإما الفناء للجميع.

تركك بعد أن أتم مُهمته المُسخر لها ليلًا ونهارًا ، تركك تعود إلى أريكتك تلتقط علبة دواء مُسكن لـمرضك لـتتناولها ، سقط بصرك على ذاك الطيف البعيد الباكي ، قد كانت منذ قليلًا طيفًا مبتسمًا .

طيفًا يريد لك الخلاص ، طيفها يَحثك على تركهم والمضي قُدمًا وهنا يكمن الصِراع ، انت لا تريد الشفاء القاطع ، انت لا تريد بتر الجزء المتقيح من جسدك ، انت فقط تبحث عن حل مُؤقت لـتظل هائمًا على وجهك في ماضيك ولا أمل في عودة للـحاضر .

______________________

السلام عليكم 😍

فصل جديد من أحدهم 💫

شاركونا ، رأيكم مهم جدًا وأكيد هيشجعنا نكمل 💪

انتظروا المزيد من دوشة كُتَّاب 🔥

سلام 👋

Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top